المعوقات التشريعية و القضائية لفعالية التصدي للعنف الأسري
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
بقلم ذ ناصر بلعيد
باحث في صف الدكتوراه بجامعة محمد الخامس -السويسي- الرباط عضو نادي القضاة
العنف الأسري موضوع حساس تبحث التشريعات عن صيغ ناجعة للحد منه من بين أهم الظواهر التي كان ينتظر من هذه المدونة وضع حد لها نذكر ظاهرة العنف الأسري، التي لا يكاد يخلو منها أي مجتمع، سواء كان متقدما أو متخلفا، إذ أصبح في غالب الأحوال يمارس ضد كل مكونات الأسرة، سواء كانت أصولا أو فروعا أو أزواج ـ علما أن النسبة الكبرى منه تمارس على الطرف الضعيف في المنظومة الأسرية كالأطفال بأشكال متعددة أفرزتها رياح العولمة ، بفعل تعاظم المخاطر والتحديات بفعل شمولها كافة المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدينية، مما أدى إلى انتشار العنف بكل أنواعه بما فيه الأسري في المجتمعات، إلى أن أصبح جزءاً من المعايير الثقافية والمجتمعية التي تصنع البيئة الأسرية.
وبذلك أصبحت ظاهرة العنف الأسري في عصر العولمة تحظى باهتمام كل من التشريع الدولي والوطني وكذا آليات المجتمع المدني، التي تسهر على إرساء مبادئ حقوق الإنسان المرتبطة باستراتيجيات لمواجهة هذه الظاهرة من خلال القواعد والاتفاقيات الدولية التي بدأت تفرض نفسها في كافة المعاملات والسلوكات الإنسانية والاجتماعية، إذ في ظل متغيرات العولمة أصبحت دول العالم الثالث جزءاً من المنظومة الكلية للمجتمع الدولي ، فبتناول المشرع لمشكلة العنف الأسري على المستوى الوطني ، فإنه بذلك يضع الحلول المقترحة وسبل مواجهتها في ضوء الالتزام بالمعايير الدولية التي تحمي الأسرة جنائيا ، وكذا استحضاره لنصوص المعاهدات والاتفاقيات الدولية المعتمدة.
لذا ارتبط ذلك بوجود منظمات حقوق الإنسان وغيرها من المنظمات الحكومية وغير الحكومية التي أنشئت لرصد عدم التزام الدول التي لا تمتثل لنصوص المعاهدات والاتفاقيات الدولية المعتمدة. وباعتبار المغرب يعد عضوا فاعلا في المجتمع الدولي فإنه أخذ على عاتقه الالتزام بترجمة المعاهدات والاتفاقيات الدولية المتعلقة بتنظيم الأسرة، مما جعله ينخرط في سلسلة من الإصلاحات التشريعية التي عرفتها غالبية القوانين المغربية، وذلك من أجل تكريس مبادئ المساواة و الإنصاف، بما فيها مراجعة القانون الأسري لجعله متوافقا مع التزامات المغرب الدولية، وهو ما تحقق بالفعل بصدور مدونة الأسرة والتي جاءت بهدف تحقيق الاستقرار داخل الأسرة.
وارتباطا بذلك يعد العنف الأسري واحدا من الموضوعات الأكثر حساسية التي تبحث التشريعات عن صيغ ناجعة للحد منه، إذ بصدور مدونة الأسرة يمكن الجزم أن ما حملته موادها من بنود و إجراءات ستساهم لا محال في مناهضة العنف الأسري ، ولو كان ذلك بشكل غير مباشر، عن طريق الحد من مسبباته الأولية المتعددة، كضمان نفقة لمن تجب قانونا، وتنظيم التعدد في الزواج، وتنظيم الحضانة، والطلاق، والإرث، أي كل ما يتعلق بالأحوال الشخصية.
وتظهر رغبة مدونة الأسرة للوهلة الأولى في إحاطة الأسرة بحماية جنائية أفضل من خلال تحميلها للنيابة العامة، باعتبارها الساهرة على أمن وأمان المجتمع، دورا محوريا في السهر والإشراف على الجانب الزجري على الخصوص المتعلق بالعلاقات الأسرية ، وذلك باعتبارها طرفا أصليا في جميع دعاوى قضايا الأسرة طبقا للمادة الثالثة من مدونة الأسرة.
وبخصوص مناهضة العنف الاقتصادي فقد نصت مدونة الأسرة على بنود من شأنها حماية الطرف الضعيف في الأسرة من تداعيات هذا العنف، من خلال ضمانها للحقوق بما فيها حق الزوجة في الاستفادة من الأموال المكتسبة أثناء قيام الرابطة الزوجية.
و من هذا المنطلق كان لابد من تقييم تجربة مدونة الأسرة في مناهضة العنف الأسري ، فبالرغم من أن هذه الأخيرة تعد القيمة المضافة التشريعية الأكثر أهمية بالنسبة إلى المجتمع منذ استقلال المغرب، لاعتبارها انطلقت من فلسفة إنسانية تؤسس لبناء مجتمع حديث متكافل، من خلال اعتماد المشرع عند وضعها على مقاربة شمولية ذات بعد اجتماعي وتوافق سياسي وحقوقي هدفه التنمية بمفهومها الشامل، بحيث تهدف هذه المدونة إلى إقرار المساواة والتوازن بين الحقوق والواجبات بين أفراد المجتمع، وخاصة الرغبة في تحقيق العدل والإنصاف في الروابط بين أفراد الأسرة الواحدة ، فمن هذا المنطلق تقرر وضع ترسانة من القوانين والإجراءات القضائية التي تضمن استمرارية الأسرة وتسهر على حماية حقوق قواعدها. إلا أن أهمية هذا المجهود التشريعي سوف لن تبرز أهدافه بالشكل الأمثل في ظل غياب منظومة قانونية شاملة ومتناسقة لمعالجة بعض الجوانب الهامة المغيبة في مدونة الأسرة، من قبيل مناهضة العنف الأسري.
بوجود هذه الثغرات القانونية و بتنامي الحالات الاجتماعية المتولدة عن ظاهرة العنف، وبغياب بعض المساطر القانونية المتخصصة وتعقيدها إن وجدت ، الشيء الذي جعل الجهات المختصة تبحث عن حلول بديلة. كل هذه العناصر تخفف من السير المثالي نحو بناء منظومة قانونية أسرية متقدمة. لهذا كان واجبا على المشرع التفكير بجدية في وضع قوانين متخصصة، مع ما يرافق ذلك من تبسيط لمساطرها لمسايرتها للتغيير الحاصل في المجتمع، وبالموازاة مع ذلك أن يتم تعزيز برمجة دورات التوعية والإرشاد للمواطنين، تبتدئ من المدارس الابتدائية، مرورا بضرورة خلق أيام تحسيسة دورية تخص بعض الفئات سيما التي تعاني الأمية ، ووصولا إلى الاستعانة بوسائل الإعلام المختلفة لتشاع الواجبات والحقوق الأسرية المتبادلة، لأن القوانين وحدها لن تستطيع تغيير بعض العادات السيئة بالمجتمع.
وانطلاقا من هذا الوضع و بغياب منظومة قانونية شاملة تتطرق للقواعد الموضوعية و الإجرائية في آن واحد ، بما فيها الإشارة إلى الاختصاص القضائي الموحد الذي ينظر في كل الجوانب المتعلقة بالأسرة، سواء تعلق الموضوع بالقضايا المدنية أو بالقضايا الزجرية، فإن الفوائد المتوخاة من سن مواد مدونة الأسرة مازالت لم تحقق كل أهدافها المسطرة خاصة القضاء على العنف الاسري.
وتستنبط أهمية وضع هذه المنظومة القانونية من أهمية المواضيع المراد حمايتها بما فيها العنف الأسري الذي أصبح ظاهرة مستفحلة في المجتمع المغربي، بحكم أن مدونة الأسرة لم تتطرق إليها، ما ترك فراغا قانونيا في هذا الصدد، وذلك في ظل الاكتفاء بالمقتضيات الزجرية التقليدية المنصوص عليها في القانون الجنائي.
بقلم ذ ناصر بلعيد
باحث في صف الدكتوراه بجامعة محمد الخامس -السويسي- الرباط عضو نادي القضاة
اترك تعليقاً