اجراءات المنازعة القضائية في علاقتها بالوسائل البديلة لحل المنازعات
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
يٌعتبر وجود القضاء بالنسبة للمواطن ضمانة أساسية ،والتي لم يتحصل عليها إلا بعد صراع كبير،انتهى بالفصل بين السلطة والقاضي، لكن هذا لا يعني أن النزاع يقابله لزوما القاضي ،فبالإمكان أن يحل النزاع من طرف شخص أو هيئة، فالتغيرات الحديثة استلزمت التفكير في وسائل أو بدئل لحل النزاعات، التحكيم كنظام قضائي خاص ليس وليد اليوم، بل هو قديم قدم التاريخ ،وأقدم من السلطة القضائية كهيئة تتوالى الفصل في نزاعات الأفراد، فلا نجد مجتمعا أو تشريعا في التاريخ القديم لا يعرف التحكيم،وقد ظلت هذه المؤسسة، حتى بعد إنشاء القضاء الرسمي محتفظة بدورها كأحسن آلية خاصة للفصل في نزاعات الأفراد بشكل بعيد عن القضاء،فإذا كانت الحاجة إلي التحكيم في القديم ترجع إلي غياب السلطة القضائية، فإن الحاجة إلي التحكيم في وقتنا الحاضر ترجع إلى الرغبة في ربح الوقت والفعالية في حل النزاعات ،مقارنة مع قضاء الدولة .
مفهوم الطرق البديلة لتسوية النزاعات يغطي كل وسيلة تفضي إلي إيجاد حلول مقبولة من أطراف النزاع، ومصطلح التسوية يجب أن يأخذ في معناه الواسع، يمكن أن يتعلق الأمر بالوقاية من النزاعات أو حلها قبل الوصول إلي الطعن قبل القضاء أو وضع حد للنزاع وبصفة مبكرة إذا قدم أمام القضاء، وأخيرا يمكن أن يتعلق الأمر بالفصل في النزاع أمام هيئة غير تابع للدولة، الصلح والوساطة يتعلقان بإرادة تقريب الأطراف وإيجاد الحلول وهدا الأمر ليس من العمل العادي للقضاء.
ويعد المغرب من الدول التي أخذت بنظام التحكيم، و عمل المشرع المغربي على تنظيمه سواء تعلق الأمر بالتحكيم الداخلي أو التحكيم الخارجي في الفصول من 306 إلى 327 من قانون المسطرة المذنية المعدل بموجب القانون رقم 08.05 الصادر في 30 نونبر 2007 المتعلق بالتحكيم و الوساطة الاتفاقية.
التحكيم طبقا لمقتضيات الفصل 306 من قانون المسطرة المدنية، فإنه يراد به حل نزاع من لدن هيئة تحكمية تتلقى من الأطراف مهمة الفصل في النزاع بناء على اتفاق التحكيم. فالتحكيم إذن، يقصد به حل نزاع من لدن حكم فردي أو مجموعة محكمين يتلقى أو يتلقون من الأطراف مهمة الفصل في النزاع بناء على اتفاق التحكيم، حيت يلتزم الأطراف بموجب اتفاق التحكيم طبقا لمقتضيات الفصل 307 من قانون المسطرة المدنية باللجوء إلى التحكيم قصد حل نزاع نشأ أو قد ينشأ عن علاقة قانونية تعاقدية أو غير تعاقدية.
يبقى للقضاء الوطني دور فعال في التحكيم لأن هذا لا ينفي مبدأ التواصل والتكامل بين النظامين القضائي والتحكيم،[1] حيث وإن كان التحكيم ذو طبيعة رضائية يفرضها عنصر الاتفاق فانه كذلك ذو طبيعة قضائية يفرضها عنصر الالتزام في مرحلة التنفيذ تحديدا على مستوى الأحكام التي تصدرها هيئة التحكيم لذلك يقال أن القضاء الوطني يمارس دور مزدوج على التحكيم في مرحلة سابقة للحكم وهو دور المساعدة ومرحلة لاحقة للحكم وهي الرقابة البعدية ،على هذا الأساس يمكن طرح الإشكالية التالية :” أي علاقة بين إجراءات المنازعة المدنية أمام القضاء والوسائل البديلة وأي تمايز بينهما “
المحور الأول : المقتضيات العامة المتعلقة بهيئة البت في النزاع
إن الحديث عن اللجوء إلى القضاء أو التحكيم لا يعنى أن ذالك ينال من سيادة الدولة، وبعبارة أخرى إذا كانت مقاضاة الأطراف أمام محاكم الدولة مقبول ومسلم به ولا يمس سيادتها مادام متصل بمنازعة عن تعاقد الأطراف أو منازعة كانت طرفا فيه، فإن التحكيم في هذا الصدد هو الآخر مقبول لأنه يقوم مقام التقاضي ولو بصفة نسبية ويحل محله من حيث الغاية.
مما يفرض ضرورة رصد هامش الحرية الممنوحة للأطراف في اختيار الهيئة التي من الممكن أن تبت في النزاع، إما أن يتم اختيار القضاء أم التحكيم(الفقرة الأولى)، لننتقل إلي الحديث عن خصوصية كل هيئة على حدة (الفقرة الثانية) .
الفقرة الأولى : هامش الحرية الممنوحة في اختيار هيئة البت في النزاع
أساس اللجوء إلى التحكيم هو إرادة طرفي النزاع سواء وردت في عقد التحكيم أو شرط التحكيم،[2] فشرط التحكيم هو ذلك الاتفاق الذي يلتزم فيه أطراف العقد قبل نشوء أي نزاع بينهما على عرض ما قد يطرأ من نزاعات بينهم مستقبلا على هيئة التحكيم حسب مقتضيات الفصل 316 من قانون المسطرة المدنية، وهذا الأمر يدل على أن شرط التحكيم يتعلق بنزاع لم يتحقق بعد.
أما بالنسبة لعقد التحكيم طبقا لمقتضيات الفصل 314 من قانون المسطرة المدنية، فهو ذلك الاتفاق الذي يلتزم فيه أطراف نزاع نشأ بينهم بعرض هذا النزاع على هيئة تحكمية، من هنا يتضح أن عقد التحكيم يختلف عن شرط التحكيم من حيت كونه يتعلق بنزاع موجود و محقق على أرض الواقع.
إن اتفاق الأطراف على التحكيم يؤدي إلى عدم جواز رفع دعوى بشأنه أمام القضاء، وإلا قضى هذا الأخير بعدم قبولها، لوجود اتفاق على حل النزاع بواسطة التحكيم، على العكس من ذلك، فإن اللجوء إلى القضاء لا يحتاج إلى اتفاق أطراف النزاع، إذ يجوز لكل من له حق لدى الأخر اللجوء إلى القضاء طالبا الحماية القضائية لحقه الذي ينازعه فيه أخر. فاللجوء إلى القضاء هو بمثابة حق للخصم يجوز استعماله تلقائيا.
وتجدر الإشارة إلى أن العدالة المبنية على أساس الاتفاق تكون أكثر ايجابية ولها آثار فاعلة من العدالة التي يطبقها القاضي انطلاقا أو اعتمادا على نصوص قانونية مجردة، ومن هنا بدأت المناداة بوجود قضاء صريح للطرفين وعدالة فاعلة خارج رداهة المحاكم، وبالسرعة المطلوبة، وبأقل تكلفة، عن طريق السداد والتوفيق، وإصلاح ذات البين بين المتقاضين بالتوافق والتراضي، لا يكون فيه غالب ومغلوب خاطئ أو مصيب ودون أن يترتب عن ذلك أية قطيعة بين المتنازعين باستعمال الوسائل البديلة لحل النزاعات، وتجديد السلم الاجتماعي، والمساهمة في التطور الاقتصادي والاجتماعي، والتقليص من عدد القضايا التي تعرفها المحاكم.[3]
الفقرة الثانية : الاختلاف في تكوين هيئة البت
أولا: المحكم
استنادا لما ينص عليه الفصل 320 من ق م م، لا يمكن إسناد مهمة المحكم إلا إلى شخص ذاتي كامل الأهلية يتمتع بأهلية الأداء والتصرف، لم يسبق له أن صدر عليه حكم نهائي بالإدانة من اجل ارتكاب أفعال تخل بالشرف أو صفات الاستقامة آو الآداب العامة أو الحرمان من أهلية ممارسة التجارة أو حق من حقوقه المدنية، وقد يظهر أن عبارات “أفعال تخل بالشرف ” عامة وفضفاضة ولا تفي بالمقصود بشكل محدد ودقيق، كما أنه قد أشار المشرع في نفس الفصل إلا أنه في حالة عين في اتفاق التحكيم شخص معنوي فإنه لا يتمتع سوى بصلاحية تنظيم التحكيم وضمان حسن سيره.
ولم يشترط المشرع المغربي درجة معينة من الثقافة أو درجة من التخصص التي من الواجب توفرها في المحكم، أو خبرة معينة في مجال المنازعات المطروحة عليه، كما لم يشترط أن يكون المحكم من رجال القانون، أو أن يكون من طائفة او مهنة معينة.
من خلال ما سبق يتضح أن النص القانوني الوارد أعلاه قاصر ولا يتلاءم مع متطلبات التحكيم، مما يستوجب تدخل تشريعي لتنظيم هذه المقتضيات، علما أنه في المجال العملي، أطراف التحكيم غالبا ما يلجئون إلي إلى ذوي الاختصاص والمشهود لهم بالكفاءة في المجال المراد التحكيم فيه.
إلا أن المشرع المغربي قد حدد الحالات التي يمكن فيها تجريح المحكم من خلال الفصل 323 من ق م م، وعليه اذا ثبت لرئيس المحكمة سبب التجريح، فانه يقبله ويأمر المحكم الذي تم تجريحه بالتنحي، ويأذن للمحكمين الآخرين في حالة تعددهم باتخاذ الإجراءات اللازمة لتعيين المحكم البديل.
كما تتعين على المحكم الذي يعلم بوجود احد أسباب التجريح في نفسه أن يشعر الأطراف بذلك، ولا يجوز له قبول مهمته إلا بعد موافقة الأطراف .
ثانيا :القاضي
بالرجوع إلى القانون التنظیمي رقم 106.13 المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة وبالضبط القسم الأول منه والمعنون بتألیف السلك القضائي یمكن لنا أن نستنبط مجموعة من الشروط التشریعیة التي وضعھا المشرع المغربي للولوج إلى السلك القضائي وھي:
– أن یكون من جنسیة مغربیة [4]
– أن یكون متمتعا بحقوقھ المدنیة وذا مروءة وسلوك حسن؛
– ألا یكون مدانا قضائیا أو تأدیبیا بسبب ارتكابھ أفعالا منافیة للشرف والمروءة أو حسن السلوك ولو رد اعتباره؛
– أن یكون متوفرا على شروط القدرة الصحیة اللازمة للقیام بالمھام القضائیة،
– ألا تتجاوز سنھ 45 سنة في فاتح ینایر من سنة إجراء المباراة؛
– أن یكون حاصلا على شهادة جامعیة، یحدد القانون نوعھا والمدة اللازمة للحصول علیھا؛
وبعد توفر ھذه الشروط لبد من اجتیاز مباراة توظیف الملحقین القضائیین والتي تعلن عنھا وزارة العدل والنجاح فیھا، والتي یتم تحدید شروطھا وبرنامج الاختبارات وكیفیة التنقیط بموجب مرسوم.[5]
كما وضع المشرع ضمانات حمائية خاصة بالقضاة، تتعلق أساسا عدم القابلية للعزل أو النقل إلا بمقتضى قانون وهي قاعدة منصوص عليها دستوريا، كما تم التصيص ضمن أحكام الدستور عل حق القاضي في حماية الدولة، إذ تلتزم الدولة بحماية القضاة مما يتعرضون له من تهديد أو هجوم وقذف من خلال مقتضيات القانون الجنائي، إلي جانب مختلف التعويضات تضمن له عن مختلف الأضرار التي يمكن أن تلحقهم بمناسبة أداء المهام أو بسببها .
من خلا ما سبق وبتحليل المقتضيات الذكورة أعلاه يتضح مايلي :
مبدأ حرية الأطراف في اللجوء إلى التحكيم أو تشكيل هيئة التحكيم على ما للتحكيم من طبيعة إرادية تشكل نواة هذا النظام المصاحب لقضاء الدولة في فض المنازعات.
تركت التشريعات المختلفة و الاتفاقيات الدولية، للأطراف حرية الاتفاق على اختيار هيئة التحكيم، على انه إذا كان للأطراف هذه الحرية في تعيين المحكمين، فان تلك الحرية لا يمكن أن تكون مطلقة، إذ يلزم توفر شروط فرضها القانون في المحكم المختار.[6]
المشرع وضع نظام أساسي للقضاة وضع من خلال الشروط الأساسية للولوج لسلك القضاة وحدد حقوقهم ووجباتهم وكفاءتهم العلمية بنوع من التفصيل والدقة وهو ما لا يتوفر بالنسبة للمحكمين إذ أخضعهم لمقتضيات قانونية منصوص عليها في المسطرة المدنية ،تتسم بنوع من العمومية والغموض .
توسيع الاختصاص بالنسبة للقضاء على عكس التحكيم حيث يبقى الاختصاص محدود.
المحور الثاني : القواعد الواجب التطبيق وطبيعة الحكم
يتمتع المحكم في إطار خصومة التحكيم إلى جانب القاضي بسلطات واسعة كما رأينا، إلا أن هذه الحرية الواسعة ليست مطلقة بلا قيود، الأمر الذي يفرض عليهما عدة التزامات محددة بمقتضى القانون بالنسبة للقاضي، أو باتفاق التحكيم فيما يخص المحكم، مما يقتضي إتباع مجموعة من القواعد خلال البت في النزاع(الفقرة الأولى) ونظرا لأهمية الحكم فإننا سنقوم بدراسته، سواء من حيث طبيعته، أو من حيث حجيته(الفقرة الثانية).
الفقرة الثالثة : القواعد الواجب التطبيق
نص المشع المغربي في الفصل 18-327 على أن هيأة التحكيم تطبق القواعد القانونية المتفق عليها من قبل الأطراف على موضوع النزاع، وفي حالة عدم اتفاقهم طبقت القواعد القانونية الواجبة التطبيق على أن تراعي الهيأة تلك الأكثر اتصالا بالنزاع وتعتد بشروط العقد والأعراف التجارية، وعلى المستوى الإجرائي يجب على الهيأة التحكمية أن تبث إما بصورة تلقائية أو بناء على طلب أحد الأطراف في بعض المسائل الشكلية قبل نظرها في جوهر النزاع.
من هنا تظهر المرونة الإجرائية المفترضة في قضايا التحكيم، بحيث لم يلزم المشرع الهيأة التحكيمية باحترام نفس القواعد المعمول بها أمام المحاكم وإنما أعطاها سلطة تطبيق الإجراءات التي تراها مناسبة دون أن تخالف القانون .
كما سمح المشرع لأطراف التحكيم بالاتفاق على مكان التحكيم حيث يجوز أن يكون داخل المملكة المغربية أو خارجها شريطة مراعاة ظروف الدعوى ومحل إقامة الأطراف .
على النقيض مما سبق يظهر أن قواعد مجال التطبيق في المنازعات القضائية تولى المشرع تحديدها بمقتضى النصوص القانونية إذ حدد لكل نص نطاق التطبيق فالقانون التجاري يطبق على النزاعات الناشئة بين التجار ،قانون المسطرة المدنية قانون أجرائي يطبق في إجراءات المنازعة المدنية ….وهذا ما يطفئ الشرعية على العمل القضائي عكس التحكيم ، حيث يكون الأطراف على علم بالقواعد و الإجراءات وحتى الحلول القانونية للمنازعة قبل حدوثها .
أكد المشرع على حقوق الدفاع أمام هيأة التحكيم ،إذ يمكن للأطراف تعيين أي شخص من أختيارهم لتمثيلهم أو مؤزرتهم ،وهذا حياد على المبدأ المقرر في قانون المحاماة التي تجعل المحامين هم وحدهم المؤهلين لتمثيل الأطراف أمام المحاكم .
الفقرة الثانية : طبيعة الحكم
قبل التطرق إلي طبعة الحكم تجدر الإشارة، في نقطة أولى إلى نطاق الاختصاص، إذ يقتصر نطاق التحكيم على المنازعات المتعلقة بالحقوق المالية والتي يكون من الجائز الصلح والتنازل فيها ،حيث تنص المادة 309 بأنه “مع مراعاة مقتضيات الفصل 308، لايجوز أن يبرم اتفاق التحكيم بشأن تسوية النزاعات التي تهم حالة الأشخاص وأهليتهم أو الحقوق الشخصية التي تكون موضوع تجارة “ على خلاف اختصاص القضاء الذي هو أوسع اختصاص لولايته العامة التي تمكنه من الفصل في جميع المنازعات مع مراعاة قواعد الاختصاص النوعي والمحلي المنصوص عليه قانونا.
أولا : حجية الحكم
تعددت الآراء واختلفت بهذا الخصوص، ولكن معظم المواقف سواء الفقهية أو التشريعية[7]، ذهبت إلى أن الأحكام التحكيمية تحوز حجية الأمر المقضي به بمجرد صدورها فيكون لمن صدر لصالحه الحكم التمسك بما أثبتته له من حقوق ومزايا باعتبار أن ما خلص إليه هو عنوان الحقيقة شأنه في ذلك شأن أحكام القضاء ولا يجوز إعادة طرح النزاع المقضي فيه على أية جهة قضائية أو هيئة تحكيمية أخرى[8].
وهذا ما أكده الفصل 26-327، بحيث نص على أنه يكتسب الحكم التحكيمي بمجرد صدوره حجية الشيء المقضي به بخصوص النزاع الذي تم الفصل فيه”
وحجية الحكم التحكيمي، هي تطبيق خاص من تطبيقات مبدأ حجية الحكم الإجرائي منذ صدوره، لذا يكون لحكم التحكيم حجيته منذ صدوره مما يعني أن هذه الحجية لا تتوقف على إيداع الحكم ولا على استصدار الأمر بتنفيذه.
إلا أنه ومع ذلك فإن الحكم ألتحكيمي لا يمكن أن يرقى إلى مصاف الأحكام القضائية لأنه يجب أن يذيل من طرف الهيئة التحكيمية المختصة بها بالصيغة التنفيذية والتي تعتبر دليلا قاطعا على كون التحكيم لا يرقى إلى مصاف الأحكام القضائية.
إن الحكم التحكيمي له حجية نسبية حيث يقتصر أثره على طرفي النزاع وحدهما [9]، وهذا هو الأصل كذالك في الأحكام القضائية باستثناء الأحكام الصادرة في الدعوى ذات الطبيعة العينية كدعوى الإلغاء التي تكون لها حجية مطلقة من حيث تسري في مواجهة الكافة.
ثانيا : قابلية الحكم بالتنفيذ
لا يمكن الحديث عن القوة التنفيذية للحكم التحكيم إلا بصدور أمر التنفيذ من جهة القضاء المختص ولعلى هذا ما يميز أحكام التحكيم عن أحكام القضاء،إذ تنفذ هذه الأخيرة بمجرد ما تكون انتهائية دون حاجة إلى صدور أمر بتنفيذها، وعلة ذلك أن حكم التحكيم لا يستمد أية قوة من السلطة العامة فيحتاج إلى صدور مثل هذا الأمر من القضاء حتى يصل إلى مرتبة الحكم القضائي، ليتم تنفيذه جبرا إن اقتضى الأمر ذالك[10].
وإذا كان دور القضاء عند إصدار الأمر بتنفيذ أحكام التحكيم تنحصر في التأكد من توافر الشروط اللازمة لتنفيذها دون تدخل في موضوعها، فلا يملك القاضي التحقق من عدالة هذه الأحكام أو صحة قضائها في الموضوع، لأنه لا يعد هيئة استئنافية في هذا الصدد، إلا أنه رغم ذلك يظل للقضاء دور كبير في مراقبة أحكام التحكيم للثثبث من صحة إجراءاتها وإمكانية تنفيذها[11].
ومن ثم فعلى قاضي التنفيذ أن يراقب الشكل والقواعد الذي يوجبها القانون لإصدار حكم المحكم، وأية مخالفة يلحظها وتؤدي إلى بطلان الحكم، توجب عليه حتما أن يمتنع عن إصدار الأمر بالتنفيذ.
وهكذا، فالمشرع عمل على إيراد مقتضى يرمي إلى ضرورة مراقبة عمل المحكم لأنه لا يستمد سلطته إلا من اتفاق الخصوم، فأوجب قبل تنفيذ حكمه وقبل وضع الصيغة التنفيذية عليه من جانب كاتب ضبط المحكمة، ضرورة أن يخضع لرقابة وإشراف قاضي التنفيذ بالمحكمة كإجراء تمهيدي أولي يسبق وضع الصيغة التنفيذية لمجرد التحقق من أن الحكم قد صدر بالفعل تنفيذا لمشارطة تحكيمية وأن المحكم قد راعى الشكل الذي يتطلبه من القانون سواء عند الفصل في النزاع أم عند كتابة حكمه[12].
فالتحكيم يحتاج إلى استصدار أمر من السلطة القضائية التي تصبغ الصيغة التنفيذية على الحكم التحكيمي، في حين أن الأحكام القضائية لا تحتاج إلى هذا الأمر لأنها واجبة التنفيذ بمجرد صدورها وانقضاء مواعيد الطعن فيها ما لم يكن قد قضي بوقف تنفيذها.
ختاما، يمكن القول بضرورة التثبت من صحة اتفاق التحكيم بشروطه الموضوعية والشكلية، لأن من شأن ذلك أن يساهم في تحقيق فعالية التحكيم، من خلال السماح للأطراف اللذين يفضلون اللجوء إلى هذه الوسيلة من إحاطة اتفاقاتهم بعناية قصوى عند تحريرها، حتى لا يكون مصير الأحكام التحكيمية البطلان، وبدل أن يكون الهدف من التحكيم، هو تحقيق السرعة في البت في النزاعات يكون نقمة على أطرافه، وإهدارا لوقتهم.
كما أنه لا يكفي التوفر على إطار قانوني ملائم، بل لبد من محاولة تغير العقلية و الثقافة السائدة في المجتمع المغربي للقبول بالحلول التفاوضية وتفادي الخصومة، لما لذالك من دور فعال في الحد من المنازعات في مراحلها الأولى وترسيخ تقافة الحوار، كما تمكن الوسائل البديلة لحل المنازعة إلي تخفيف العبء على مرفق القضاء وتوفير الوقت والجهد بالنسبة للأطراف، كما تجدر الإشارة إلى أن اللجوء للوسائل البديلة لايحد ولا يتعارض مع مبدا سيادة الدولة إذا لكل هيئة من تحكيم،قضاء، مجال إشتغال كل واحد منهما، كما أن لكل واحد منهما خصوصيته ،تشمل الإيجابيات والسلبات مما يفرض عدم القول بتميز و فعالية أحدهما عن الأخر، مع مراعاة أن هذه الوسائل لا ينبغي النظر إليها إلا من منظور التكامل مع العدالة الرسمية أي اعتبارها إمكانيات وضعت لتحسين جودة العدالة المقدمة للمتقاضين من خلال تفادي تعقيد النزاع والتقليص من تكلفته مع ضمان صدور الحكم داخل أجل متوقع وأمثل قابل للتنفيذ دون تأخير.
[1] د. نبيل اسماعيل عمر: ” التحكيم في المواد المدنية والتجارية الوطنية والدولية، دار الجامعة الجديدة، ط 2011 ص 107.
[2] د.محمد الحبيب، القضاء والتحكيم: أية صيغة بديلة للنهوض بالوظيفة القضائية، الطبعة الأولى 2016،ص 57
[3] – نبيل اسماعيل عمر: ” التحكيم في المواد المدنية والتجارية الوطنية والدولية،مرجع سابق، ص 17.
[4] یعد القانون 3.64 الصادر بتاریخ 22 رمضان 1384 الموافق ل 26 ینایر 1965 المتعلق بتوحید المحاكم ھو أول قانون أقر ھذا الشرط بموجب
المادة الرابعة منھ والتي جاء فیھا ” لایمارس وظیفة قاضي بمحاكم المملكة المغربیة من لم یحمل الجنسیة المغربیة”
[5] مرسوم رقم 2.05.178 صادر في 22 من ربیع الأول 1427 الموافق ل 21 أبریل 2006 المتعلق بتحدید شروط المشاركة في مباراة الملحقین
القضائین وبرنامج الإختبارات وكییفة التنقیط
[6] د.محمد الحبيب، القضاء والتحكيم: أية صيغة بديلة للنهوض بالوظيفة القضائية، الطبعة الأولى 2016،ص 57
[7] – إذ تنص المادة 1476 من قانون المرافعات الفرنسي على أن القرار التحكيمي يحوز بمجرد صدوره حجية الشيء المقضي به فيما يتعلق بالمنازعة التي فصل فيها.
-تنص المادة 32/2 من قانون التحكيم التونسي رقم 42 لسنة 1993 على أنه: “ويكون لحكم التحكيم بمجرد صدوره قوة الأمر المقضي بالنسبة لموضوع الخلاف الذي بث فيه”.=
= – تنص المادة 55 من القانون المصري على أنه: “تحوز أحكام المحكمين الصادرة طبقا لهذا القانون حجية الأمر…”.
– تنص المادة 32 من قواعد اليونسترال على أن حكم التحكيم يكون نهائيا ملزما للطرفين ويلتزم الطرفان بتنفيذه دون تأخير.
[8] – خالد أحمد عبد الحميد: “دور القضاء في الأمر بتنفيذ أحكام التحكيم” العمل القضائي والتحكيم التجاري، دفاتر المجلس الأعلى ، عدد 2005/7 ص: 43.
[9] وجاء في المادة 1491 مايلي: ” يقبل الحكم التحكيمي الطعن عن طريق إعادة النظر في الحالات والشروط المحددة للطعن في الأحكام القضائية بهذا الطريق.
[10] – خالد أحمد عبد المجيد، المرجع السابق، ص: 43.
[11] – فكما جاء في القرار رقم 1766 الصادر في 7/7/1992 في الملف المدني 1277/88 منشور في مجلة القضاء والقانون عدد 144، ص: 155 ما يلي:
“لما كان النزاع الذي صدر فيه القرار المطعون فيه يتعلق بمنح الصيغة التنفيذية لحكم المحكمين فإن المحكمة لم يكن لها بمقتضى الفصل 321 من قانون المسطرة المدنية إلا أن تتأكد من أن مقررهم لم يكن مشوبا بعيب البطلان وبالخصوص ما يتعلق بالنظام العام ولا يجوز لها أن تنظر في الموضوع الذي فصل فيه المحكمون…”.
[12] – أحمد أبو الوفا، التحكيم الاختياري والإجباري ، منشئاة المعارف 2001 ص: 293.
اترك تعليقاً