أبحاث قانونية مفصلة في مسار بناء المؤسسات الدستورية

مسار بناء المؤسسات الدستورية بالمغرب

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

(الحصيلة والرهانات)

يونس مليح

باحث بسلك الدكتوراه بجامعة محمد الخامس بالرباط

كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية –سلا-

ملخص الدراسة:

أمام المتغيرات الدولية التي عرفها العالم العربي سنة 2011، وكاستجابة من المغرب لهذا المناخ المتطور والمتسارع في إطار ما أمسى يعرف بالربيع العربي والتي عمت بالخصوص دول شمال إفريقيا، وكانت بداية هذه النقطة التي أفاضت الكأس من تونس في ديسمبر 2010، حيث سارعت هذه الأخيرة إلى تبني صياغة دستورية جديدة في شهر يوليو 2011، ثم جاءت بعده مصر التي أصدرت دستورا جديدا في ديسمبر 2012، من أجل ملائمة وتلبية التطلعات الشعبية والمطالب الخاصة التي عبر عنها الناس في انتفاضاتهم، وتحقيق الشفافية والمساءلة في إدارة الحكم. أما المغرب، فبعد هذه الموجة المتقلبة التي عرفها العالم العربي فقد سارع إلى وضع حد للأجواء المشحونة آنذاك، ولكتدبير ناجع لمرحلة الاضطرابات فقد تم التنصيص على دستور جديد صوت لصالحه المغاربة في استفتاء أجري يوم 1 يوليو/تموز 2011، جاء بمجموعة من المؤسسات والهيآت التي تعتبر نقلة نوعية في مجال الحكامة والديمقراطية وترسيخ دولة الحق والقانون.

الكلمات المفاتيح: الدستور، المؤسسات، الهيآت، الحصيلة، الرهانات.

Abstract :

In response to the international changes that occurred in the Arab world in 2011 and in response to Morocco’s response to this changing and accelerating climate in the context of the so-called Arab Spring, which was mainly the countries of North Africa, and the beginning of this point that exceeded the Tunis Cup in December 2010, a new constitution was drafted in July 2011, followed by Egypt, which published a new constitution in December 2012 to meet popular aspirations and the particular requirements expressed by peoples during their uprisings, and to achieve transparency and accountability in governance. Morocco, after this wave of volatility in the Arab world, hastened to put an end to the charged atmosphere that prevailed at the time, and as an effective measure of the turbulence phase, a new constitution was voted by the Moroccans in a referendum held on 1 July 2011. A qualitative leap forward in the field of governance and democracy and the consolidation of the rule of law.

Keywords: constitution, institutions, institutions, institutions, results, bets.

لقد جاء خطاب الملك محمد السادس يوم 9 مارس 2011، كمنعرج مهم في لحظة غاية في الأهمية، متحركة، وخطيرة، عرفتها الساحة العربية آنذاك. حيث يعد لبنة مؤسسة لمنظومة دستورية ديمقراطية جديدة مرتكزة على سبعة أعمدة أساسية، أولها التكريس الدستوري للطابع التعددي للهوية المغربية الموحدة، الغنية بتنوع روافدها، وفي صلبها الأمازيغية، كرصيد لجميع المغاربة؛ وثانيها، ترسيخ دولة الحق والمؤسسات، وتوسيع مجال الحريات الفردية والجماعية، وضمان ممارستها، وتعزيز منظومة حقوق الإنسان، بكل أبعادها، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية، والثقافية والبيئية، ولاسيما بدسترة التوصيات الوجيهة لهيأة الإنصاف والمصالحة، والالتزامات الدولية للمغرب؛ وثالثا، الارتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة، وتعزيز صلاحيات المجلس الدستوري، توطيدا لسمو الدستور، ولسيادة القانون، والمساواة أمامه؛ رابعا، توطيد مبدأ فصل السلط وتوازنها, وتعميق دمقرطة وتحديث المؤسسات وعقلنتها، من خلال برلمان نابع من انتخابات حرة ونزيهة، يتبوأ فيه مجلس النواب مكانة الصدارة، مع توسيع مجال القانون، وتخويله اختصاصات جديدة، كفيلة بنهوضه بمهامه التمثيلية والتشريعية والرقابية، وحكومة منتخبة بانبثاقها عن الإرادة الشعبية، المعبر عنها من خلال صناديق الاقتراع, وتحظى بثقة أغلبية مجلس النواب، وتكريس تعيين الوزير الأول من الحزب السياسي، الذي تصدر انتخابات مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها، وتقوية مكانة الوزير الأول، كرئيس لسلطة تنفيذية فعلية، يتولى المسؤولية الكاملة على الحكومة والإدارة العمومية، وقيادة وتنفيذ البرنامج الحكومي، ودسترة مؤسسة مجلس الحكومة، وتوضيح اختصاصاته؛ خامسا، تعزيز الآليات الدستورية لتأطير المواطنين، بتقوية دور الأحزاب السياسية، في نطاق تعددية حقيقية، وتكريس مكانة المعارضة البرلمانية، والمجتمع المدني؛ سادسا، تقوية آليات تخليق الحياة العامة، وربط ممارسة السلطة والمسؤولية العمومية بالمراقبة والمحاسبة؛ سابعا وأخيرا، دسترة هيئات الحكامة الجيدة، وحقوق الإنسان، وحماية الحريات[1].

من أجل ذلك، سعى دستور 2011[2] لاتخاذ عدة تغيرات قانونية ومؤسساتية عميقة، في إطار تدعيم الديمقراطية التعددية، واستكمال مسار بناء دولة القانون والمؤسسات. لذلك، وبعد مرور ما يزيد عن الأربع سنوات على تطبيق هذا الدستور، سنحاول من خلال هذه الدراسة رصد البناء والتنزيل الإجرائي للمؤسسات الدستورية، وإمكانات ومعيقات هذا التنزيل. فما هي حصيلة تنزيل وتفعيل هذه المؤسسات؟ وهل المسار الذي اتخذه هذا التفعيل في الأربع سنوات الأخيرة يسير في اتجاه تكريس الدور الدستوري لها؟ وإعطاءها صلاحيات فعلية وحقيقية تجعلها تساهم في بناء المشروع الديمقراطي الحداثي؟ أم أنه سيكرس الطابع الشكلي والقانوني لهذه المؤسسات؟.

أولا: حصيلة مسار البناء القانوني للمؤسسات الدستورية

لقد جاء خطاب جلالة الملك محمد السادس التاريخي يوم 9 مارس 2011، من زاوية جرأة المضامي المعلنة وقوة المبادئ الكبرى المقدمة كأرضية مرجعية لبناء هندسة دستورية جديدة، تقطع مع الخارطة التي اعتمدها المغرب منذ ولوجه زمن الدسترة عام 1962 وإلى حدود 1996، وينطلق هذا الخطاب في بناء دستوري بمنطق مغاير يعتمد مبدأ فصل السلط، وفكرة ربط السلطة بالمسؤولية والمحاسبة والمراقبة[3]، وبناء دولة القانون والمؤسسات.

وقد حاول دستور 2011 الاستجابة لمعايير الدساتير الديمقراطية، سواء من حيث الإعداد والشكل والمضمون، بحيث لا يمكن تصور دستور ديمقراطي في غياب مؤسسات وهيئات تكرس للمبادئ الكبرى الناظمة للحقوق والحريات، وبناء المؤسسات. إذ جاء دستور 2011 بالعديد من الهيئات والمؤسسات والمجالس، التي سنحاول فيما يلي بسطها ومعرفة مدى تنزيلها وأجرأتها، والوقوف على حصيلة مسار استكمال بنائها القانوني والتنظيمي. هذه المؤسسات تمت دسترتها من خلال الفصول 54، 56، 116، 129، 151، والفصول من 161 إلى 170 التي تؤطر البعد المؤسساتي للحكامة. وقد تم تقسيم المؤسسات الدستورية من خلال هذه الفصول إلى مجلس أعلى للأمن، والمجلس الأعلى للسلطة القضائية، والمحكمة الدستورية، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي. بالإضافة إلى هيئات الحكامة الجيدة المتمثلة في كل من هيئات حماية حقوق الإنسان والنهوض بها، ثم هيئات الحكامة والتقنين، وأخيرا هيئات النهوض بالتنمية المستدامة والديمقراطية التشاركية.

المؤسسات التي تم استكمال بناءها التنظيمي والقانوني
دشن دستور 2011 لمجموعة من المؤسسات التي تشكل بحق قفزة نوعية في مجال ترسيخ دولة القانون والمؤسسات، بحيث يشكل هذا الدستور خارطة طريق واضحة لبناء المغرب المأمول أو المغرب الممكن. ويمكن القول أن مجموعة من هذه المؤسسات قد تم استكمال بناءها التنظيمي والقانوني، والتي يمكن اعتبارها خطوة للأمام وجب معه استكمال الصرح الناظم لباقي المؤسسات التي لازالت تتنتظر دورها من أجل التفعيل. وهو ما أكده الملك محمد السادس حينما أكد بأنه:” نود بهذه المناسبة٬ أن نستحضر دور هيئات الحكامة الجيدة٬ التي بادرنا إلى إنشاء بعضها وتفعيلها منذ سنوات. والآن ٬ وقد بلغت هذه المؤسسات نضجها٬ وتم الارتقاء بها إلى مستوى المؤسسات الدستورية٬ فإنه يتعين مراجعة النصوص المنظمة لها٬ ووضع الإطار القانوني للمؤسسات الجديدة٬ وجعلها جميعا في مستوى القيم والأهداف التي أنشئت من أجلها٬ وذلك طبقا لمقتضيات النصوص الدستورية”[4]. فما هي إذن المؤسسات والهيئات الدستورية التي تم استكمال بناءها التنظيمي والقانوني؟.

المجالس الدستورية الكبرى
حدد دستور 2011 مجموعة من المجالس التي اعتبرت من حيث تأليفها وأهدافها، إحدى اللبنات الأساسية في بناء دولة المؤسسات، إذ جاءت لتعطي منحى آخر للتوجهات العامة وللسياسات الكبرى للبلاد، ناظمة لمجموعة من المؤسسات، وحاملة لمجموعة من المعطيات التي تكرس لمنحى جديد في التعاطي مع الإكراهات الداخلية، من بينها المجلس الأعلى للسلطة القضائية، الضامن كأحد ركائز استقلالية السلطة القضائية، والمحكمة الدستورية المراقبة والساهرة على التطبيق السليم لمقتضيات الوثيقة الدستورية، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي المكلف بمهام تتبعية، تحليلية، استشارية في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.

المجلس الأعلى للسلطة القضائية:
يعد تنصيص الدستور على المجلس الأعلى للسلطة القضائية، من المحطات المتميزة في مسار إصلاح القضاء بالمغرب، بحيث أصبح هذا المجلس هو الساهر على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة، ولاسيما فيما يخص استقلالهم وتعيينهم وترقيتهم وتقاعدهم وتأديبهم، ويضع تقارير حول وضعية القضاء ومنظومة العدالة، ويصدر التوصيات الملائمة بشأنها، وذلك بموجب الفصل 113 من دستور المملكة لسنة 2011[5]. وإعادة النظر في تركيبة المجلس الأعلى للقضاء (المجلس الأعلى للسلطة القضائية بمقتضى دستور 2011)، والذي ألغى بموجبه عضوية وزير العدل في المجلس والتي كانت محل انتقاد باعتبار وزارة العدل مؤسسة تنفيذية ومن شأن ذلك أن يؤثر على استقلال سلطة القضاء، وهو ما نص عليه الفصل 115 من الدستور الذي جاء فيه:”يرأس الملك المجلس الأعلى للسلطة القضائية، ويتألف هذا المجلس من: الرئيس الأول لمحكمة النقض رئيسا منتدبا؛ الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض؛ أربعة ممثلين لقضاة محاكم الاستئناف، ينتخبهم هؤلاء القضاة من بينهم؛ ستة ممثلين لقضاة محاكم أول درجة، ينتخبهم هؤلاء القضاة من بينهم؛ ويجب ضمان تمثيلية النساء القاضيات من بين الأعضاء العشرة المنتخبين بما يناسب مع حضورهن داخل السلك القضائي؛ الوسيط؛ رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان؛ خمس شخصيات يعينها الملك مشهود لها بالكفاءة والتجرد والنزاهة والعطاء المتميز في سبيل استقلال القضاء، من بينهم عضو يقترحه الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى”. هذه التركيبة المستقلة تؤكد بالملموس على التطبيق الفعلي لمبدأ فصل السلط الذي سعى الدستور الجديد إلى تكريسه وبلورته[6].

وعرف القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية داخل غرفتي البرلمان، وكذلك بين الفاعلين في هذا المجال، وهو ما هم بالأخص المادة 51 من هذا القانون التي تنص على إحداث هيئة مشتركة بين المجلس الأعلى للسلطة القضائية والسلطة الحكومية المكلفة بالعدل، تتولى التنسيق في مجال الشؤون القضائية والإدارة القضائية، ووضع وتنفيذ السياسة الجنائية بما لا يتنافى واستقلال السلطتين عن بعضهما البعض، تعمل تحت إشراف كل من الرئيس المنتدب للمجلس والوزير المكلف بالعدل، كل في ما يخصه، بما لا يتنافى واستقلال السلطة القضائية. وعلاوة على ذلك، يمكن للمجلس، بمبادرة منه أو بناء على طلب الوزير، أن يوجه الدعوة إلى هذا الأخير لحضور اجتماعاته من أجل تقديم معلومات أو معطيات أو بيانات يطلبها المجلس، وتتعلق بالشؤون القضائية، والسياسة الجنائية للحكومة، والبرامج الحكومية وسياساتها الخاصة بقطاع العدل، بما لا يتنافى مع مبدأ فصل السلط واستقلالها. وينص التعديل على تسجيل طلب الوزير بالأولوية في جدول أعمال أقرب دورة للمجلس. وهو ما اعتبرته المعارضة ضربا صارخا لمبدأ استقلالية السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية، وبعد نقاش طويل وساخن حول هذه المادة، قررت اللجنة بموافقة الوزير على سحب كلمة «بمبادرة» وتعويضها بعبارة «بطلب من الوزير أو بطلب من المجلس»، ما يعني سحب مبادرة الوزير للحضور في أشغال المجلس بشكل تلقائي، وأن يكون ذلك مقترنا بطلب مسبق إما من الوزير أو من المجلس إن اقتضت الضرورة ذلك.

ومن بين النقاشات كذلك التي همت هذا المجلس وقانونه التنظيمي، ضرورة إيجاد مبادئ متعلقة بالاستقلال الإداري والمالي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، من بينها تسجيل الاعتمادات المرصودة لميزانية المجلس في الميزانية العامة للدولة تحت فصل بعنوان “المجلس الأعلى للسلطة القضائية”؛ ومقترحات تتعلق بكيفية انتخاب ممثلي القضاة بهذا المجلس، وحقوق وواجبات أعضاء هذا المجلس الأعلى للسلطة القضائية، كأن ينص القانون التنظيمي له على أن يمارس أعضائه مهامهم باستقلال وتجرد ونزاهة. كما يمكن لإحدى مقتضيات هذا القانون التنظيمي أن تفرض على أعضاء وموظفي المجلس الالتزام بالسر المهني؛ كما يقترح المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أن يتم تصميم اختصاصات للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، تكون مبنية على وظيفة تدبير المسار المهني للقضاة؛ ووظيفة استشارية تتعلق بمسائل العدالة مع مراعاة مبدأ فصل السلط؛ ووظيفة دراسية تمكن المجلس من إنجاز تقارير حول وضعية القضاء ومنظومة العدالة، ويصدر التوصيات الملائمة بشأنها؛ وإعطاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية وظيفة المراقبة والافتحاص والتفتيش، وذلك عن طريق تكليف أحد أعضائه أو أكثر بمهة استطلاعية لدى محكمة النقض، محاكم الاستئناف أو لدى محاكم أول درجة وكذا لدى المعهد العالي للقضاء[7].

وقد تمت المصادقة النهائية على القانونين التنظيميين المتعلقين بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية رقم 100.13 والنظام الأساسي للقضاة، في انتظار انبثاق المجلس الأعلى للسلطة القضائية انتخابا وتعيينا في الأشهر المقبلة بحول الله، ليتجسد بذلك الاستقلال المؤسساتي التام للسلطة القضائية، مما يشكل حدثا ديمقراطيا تاريخيا، مع التأكيد على أن الاستقلال الفعلي للقاضي ظل مضمونا خلال هذه السنوات بشكل كامل[8].

فالمصادقة على القانون التنظيمي رقم 100.13 المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، وإخراج هذه المؤسسة الدستورية من مجرد سطور في الدستور إلى واقع ملموس، تمثل ركيزة أساسية لاستقلال السلطة القضائية عن باقي السلط، خصوصا وأنه قد خول صلاحيات واختصاصات تسيير وتدبير السلطة القضائية، وتطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة، ومنح الشخصية الاعتبارية والاستقلال الإداري والمالي[9]. إذ أصبح للمجلس ميزانية خاصة به، وتسجل الاعتمادات المرصودة له في الميزانية العامة للدولة تحت فصل يحمل عنوان “ميزانية المجلس الأعلى للسلطة القضائية”[10].

المحكمة الدستورية
لقد ارتقى المجلس الدستوري طبقا للمقتضيات الدستورية لسنة 2011 إلى محكمة دستورية قائمة الذات، خصص لها الدستور بابا كاملا تحت عنوان “المحكمة الدستورية”، وهو الباب الثامن (الفصول من 129 إلى 134)، هدفها تكريس فعالية ونجاعة عمل القضاء الدستوري في اتجاه تكريس ثقافة الحق والقانون، وحماية للحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور[11]، وفق ما هو معمول به في المواثيق الدولية الحامية لحقوق الإنسان. وتعد هذه المحكمة هي بمثابة باب جديد يفتح أمام المواطنين والمتقاضين، يمكنهم اللجوء إليه كلما تعلق الأمر بقانون يمس بالحقوق والحريات المضمونة والمنصوص عليها في الدستور، وهو ما يعتبر نقلة نوعية ومهمة يجعل القضاء الدستوري المغربي لبنة أساسية في تحقيق دولة الحق والقانون والمؤسسات. بالإضافة إلى اختصاصات أخرى لهذه المحكمة الدستورية، من ضمنها السهر على التطبيق السليم لمقتضيات الدستور، والبت في دستورية المعاهدات الدولية.

وتتألف المحكمة الدستورية، طبقا لأحكام الفصل130 ‏ من الدستور، من اثني عشر (12) عضوا، يعينون لمدة تسع (9) سنوات غير قابلة للتجديد، من بين الشخصيات المتوفرة على تكوين عال في مجال القانون، وعلى كفاءة قضائية أو فقهية أو إدارية، والذين مارسوا مهنتهم لمدة تفوق خمس عشرة (15) سنة، والمشهود لهم بالتجرد والنزاهة.

‏ويتوزع هؤلاء الأعضاء كما يلي :

ستة (6) أعضاء يعينون بظهير من بينهم عضو يقترحه الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى؛
ثلاثة (3) أعضاء ينتخبون من قبل مجلس النواب ؛
ثلاثة (3) أعضاء ينتخبون من قبل مجلس المستشارين.
ويعين الملك رئيس المحكمة الدستورية بظهير من بين الأعضاء الذين تتألف منهم[12].

بالإضافة إلى عدم جواز الجمع بين عضوية المحكمة الدستورية وعضوية الحكومة أو مجلس النواب أو مجلس المستشارين أو المجلس الأعلى للسلطة القضائية أو المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أو كل هيئة ومؤسسة من المؤسسات والهيئات المنصوص عليها في الباب الثاني عشر من الدستور. كما لا يجوز الجمع بين عضوية المحكمة الدستورية وممارسة أي وظيفة عامة أخرى أو مهمة عامة انتخابية أو شغل منصب مهما كان مقابل أجر في شركة تجارية أو مزاولة مهام يؤدى عنها أجر من قبل دولة أجنبية أو منظمة دولية أو منظمة دولية غير حكومية[13].

وتبت المحكمة الدستورية في الطعون المتعلقة بانتخاب أعضاء البرلمان، داخل أجل سنة، ابتداء من تاريخ انقضاء أجل تقديم الطعون إليها. غير أن للمحكمة تجاوز هذا الأجل بموجب قرار معلل، إذا استوجب ذلك عدد الطعون المرفوعة إليها، أو استلزم ذلك الطعن المقدم إليها[14]. كما تختص المحكمة الدستورية بالنظر في كل دفع متعلق بعدم دستورية قانون، أثير أثناء النظر في قضية، وذلك إذا دفع أحد الأطراف بأن القانون، الذي سيطبق في النزاع، يمس بالحقوق وبالحريات التي يضمنها الدستور[15]. أما في ما يتعلق بسير المحكمة فقد خصص القانون التنظيمي المتعلق بالمحكمة الدستورية كيفية وطرق سير الدعوى وآجال البت فيها، وذلك طبقا للباب الثاني المعنون تحت “سير المحكمة الدستورية”.

بصدور القانون المنظم للمحكمة الدستورية ودخولها حيز التطبيق الفعلي، فقد نزل بذلك المشرع المغربي مؤسسة ذات حمولة قوية، وذات أهمية بالغة في تكريس دولة القانون، وفي تكريس الحقوق والحريات الدستورية، ولبنة أساسية في مسار الإصلاحات القضائية التي عرفها المغرب، بداية بدسترة المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وببسط مؤسسة المحكمة الدستورية على أرض الواقع، ويدعم الصرح القضائي في اتجاه تجويده وتطويره وتنميته حتى يرقى لما هو معمول به في التجارب المقارنة الرائدة في هذا المجال.

المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي
تمت دسترة المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، لأول مرة بموجب دستور 1992، حيث نص في بابه التاسع، وبالخصوص في فصله الحادي والتسعون على أنه: “يحدث مجلس اقتصادي واجتماعي”، وتم التنصيص عليه أيضا من خلال دستور 1996 في بابه التاسع، وبالأخص الفصل الثالث والتسعون. بينما تم إضافة كلمة “البيئي”، من خلال دستور 2011، ليصبح بموجب هذه الإضافة مجلسا اقتصاديا واجتماعيا وبيئيا[16].

ويعتبر المجلس الإقتصادي والاجتماعي والبيئي مؤسسة دستورية، خصص لها الدستور الباب الحادي عشر (الفصول من 151، 152،153)، ويضطلع المجلس بمهام استشارية لدى الحكومة ومجلس النواب ومجلس المستشارين، ولهذا الغرض، يعهد إليه بالقيام بالإدلاء برأيه في التوجهات العامة للاقتصاد الوطني والتنمية المستدامة وفي جميع القضايا الأخرى ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي والبيئي المتعلق بالجهوية المتقدمة؛ وتحليل الظرفية وتتبع السياسات الاقتصادية والاجتماعية الوطنية والجهوية والدولية وانعكاساتها؛ وتقديم اقتراحات في مختلف الميادين الاقتصادية والاجتماعية والبيئية؛ وتيسير وتدعيم التشاور والتعاون بين الفرقاء الاقتصاديين والاجتماعيين والمساهمة في بلورة ميثاق اجتماعي؛ وإنجاز الدراسات والأبحاث في الميادين المرتبطة بممارسة صلاحياته[17].

كما يمكن أن يستشير المجلس كذلك، باستثناء مشاريع قوانين المالية، من قبل الحكومة ومجلس النواب ومجلس المستشارين، حول:

أ)- إبداء الرأي في مشاريع ومقترحات القوانين التي تضع إطارا للأهداف الأساسية للدولة في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والبيئية؛

ب)- يستشار المجلس حول المشاريع المرتبطة بالاختيارات الكبرى للتنمية ومشاريع الاستراتيجيات المتعلقة بالسياسة العامة للدولة في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والبيئية[18].

وبخروج القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حيز الوجود، ومطابقتة للأحكام الدستورية الجديد (الفصلان 152 و153)، وإضافته لاختصاصات جديدة لاسيما في ما يتعلق بالبيئة والتنمية المستدامة والجهوية المتقدمة، عرفت المملكة مؤسسة جديدة ستشكل بلا شك محطة أساسية ومحورية في بناء المغرب الجديد ومغرب المؤسسات، لاسيما وأنه يقوم بوضع تقارير سنوية يرفعها للملك، ويتتبع الظرفية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، ويقوم بإبداء الرأي للحكومة أو للبرلمان من أجل تقوية وتجويد العمل التشريعي والبرامج العمومية ببلادنا.

ومن أمثلة التقارير التي خرج بها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، تقرير تحت عنوان ” النظام الضريبي المغربي: التنمية الاقتصادية والتماسك الاجتماعي”، الذي حاول من خلاله المجلس ملامسة الأعطاب والمشاكل التي تعتري المنظومة الجبائية ببلادنا، عبر تحليله للمكونات الكبرى للنظام الضريبي المغربي (الضريبة على الشركات، والضريبة على القيمة المضافة، والضريبة على الدخل، ورسوم التسجيل، والجبايات المحلية)، بالإضافة إلى أن التقرير حاول ملامسة المشاكل التي تعتري هذه المنظومة، ومن بينها القطاع غير المهيكل، الذي يشكل إحدى الأدوات الرئيسية للتملص والغش الضريبي. مع تأكيده بضرورة إدماج هذا القطاع في المجال الضريبي، ونقل الأنشطة غير المهيكلة نحو المجال المهيكل[19].

مؤسسات وهيآت الحكامة الجيدة

نص دستور 2011 في تصديره على أن المملكة المغربية، وفاء لاختيارها الذي لارجعة فيه، في بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون، تواصل بعزم مسيرة توطيد وتقوية مؤسسات دولة حديثة، مرتكزاتها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة، وهو ما أكده الفصل الأول منه عندما أكد على أنه:”يقوم النظام الدستوري للملكة على أساس فصل السلط، وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية المواطنة والتشاركية، وعلى مبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة”.

وفي هذا الإطار، نسجل بأن دستور فاتح يوليوز 2011 نص على دسترة سبع مؤسسات للحكامة قائمة أصلا، وأخرى تم النص على إحداثها لأول مرة، وهي المؤسسات التي يتضمن المخطط التشريعي للحكومة في قسمه الثاني 10 قوانين تنظيمية تخصها، منها 7 قوانين لمراجعة النصوص القانونية الحالية، وتهم:

المجلس الوطني لحقوق الإنسان؛
ومؤسسة الوسيط؛
ومجلس الجالية المغربية بالخارج؛
والهيئة العليا للاتصال السمعي البصري؛
ومجلس المنافسة؛
والهيئة الوطنية للوقاية من الرشوة ومحاربتها؛
والمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي.
فضلا عن 3 قوانين لمؤسسات جديدة هي هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز، والمجلس الاستشاري للأسرة والطفولة، والمجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي[20].

هيئات حماية حقوق الإنسان والنهوض بها
تعتبر هيئات حماية حقوق الإنسان والنهوض بها، هيئات نص عليها دستور المملكة المغربية لسنة 2011، الغاية منها الحفاظ على الثوابت الوطنية التي جاءت في تصدير الدستور وذلك عن طريق التزامها بحماية منظومتي حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والنهوض بهما، والإسهام في تطويرهما؛ مع مراعاة الطابع الكوني لتلك الحقوق، وعدم قابليتها للتجزيء. ومن أجل هذا، عمل دستور 2011 على دسترة كل من المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ومؤسسة الوسيط، ومجلس الجالية المغربية بالخارج، والهيأة المكلفة بالمناصفة ومحاربة جميع أشكال التمييز.

المجلس الوطني لحقوق الإنسان:
لقد أكد الملك محمد السادس في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة على أنه:” لقد جعلت المملكة المغربية من حماية حقوق الإنسان خيارا لا رجعة فيه، وذلك في إطار استراتيجية شاملة، تقوم على مقاربة تشاركية، تتوخى النهوض بالعنصر البشري، وصيانة كرامته، ضمن نموذج مجتمعي ديمقراطي تنموي …. وإن المغرب لن يدخر أي جهد، من أجل تحقيق هذا الهدف، وانبثاق رؤية متطابقة ومسؤولة، حول القيم الأصيلة لحقوق الإنسان؛ بعيدا عن اختزالها في شعارات رنانة، أو التوظيف المغرض لغاياتها النبيلة”[21].

ومن هذا المنطلق، واعتبارا للإنجازات التي حققها المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان في مجال تعزيز الحقوق والحريات، وتسوية ماضي الانتهاكات، وتحقيق الأهداف الإستراتيجية للتجربة المغربية في مجال العدالة الانتقالية، ومن أجل تعزيز العمل والارتقاء بمهنية المجلس، وتعزيز استقلاليته، وضمان أن يكون جزءا من دينامية الجهوية المتقدمة، تم إنشاء المجلس الوطني لحقوق الإنسان، مؤسسة وطنية لحماية حقوق الإنسان والحريات بالمغرب، تتوافق نصوصها التنظيمية لمبادئ باريس الناظمة للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان. ويتوفر المجلس الوطني على اختصاصات أوسع، سواء على المستوى الوطني أو الجهوي، الشيء الذي يضمن للمجلس مزيدا من الاستقلالية والتأثير في مجال حماية حقوق الإنسان والدفاع عنها.[22]

وجاء المجلس الوطني لحقوق الإنسان على أنقاض تجربة المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، الذي أحدثه الملك الراحل الحسن الثاني، بظهير رقم 1.90.12 الصادر في 20 أبريل 1990، وتكمن مهمته حسب نص المادة اللأولى منه في: “يحدث بجانب جلالتنا الشريفة مجلس استشاري لحقوق الإنسان، تكون مهمته مساعدة جنابنا الشريف في جميع القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان”[23]. وهو ما أكدته أيضا المادة الأولى من ظهير رقم 1.11.19 صادر في فاتح مارس 2011، المحدث للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، التي نصت على أن المجلس مؤسسة وطنية تعددية ومستقلة، تتولى النظر في جميع القضايا المتعلقة بالدفاع عن حقوق الإنسان والحريات وحمايتها[24]. فكانت هذه المادة بمثابة الأرضية التي استند إليها المشرع الدستوري في تعريفه للمجلس في دستور 2011، فالفصل 161 من هذا الدستور ينص على أن :”المجلس الوطني لحقوق الإنسان مؤسسة وطنية تعددية ومستقلة، تتولى النظر في جميع القضايا المتعلقة بالدفاع عن حقوق الإنسان والحريات وحمايتها، وبضمان ممارستها الكاملة، والنهوض بها وبصيانة كرامة وحقوق وحريات المواطنات والمواطنين، أفرادا وجماعات، وذلك في نطاق الحرص التام على احترام المرجعيات الوطنية والكونية في هذا المجال”.

وهناك نوعين من الصلاحيات التي يمارسها المجلس الوطني لحقوق الإنسان، صلاحيات مرتبطة بالرصد، والتتبع، والحماية المتعلقة بقضايا الحقوق والحريات، وأيضا صلاحيات على المستوى التشريعي منصوص عليها في الظهير المحدث للمجلس، والتي يمكن تحديدها في مايلي:

يقدم المجلس للبرلمان وللحكومة، بناء على طلب أي منهما، المساعدة والمشورة بشأن ملاءمة مشاريع ومقترحات القوانين مع المعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، التي صادقت عليها المملكة أو انضمت إليها[25]؛
يقوم المجلس بدراسة مشاريع المعاهدات الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان وبالقانون الدولي الإنساني، المحالة عليه بصورة منتظمة من طرف الجهات المختصة[26]؛
بالإضافة إلى ذلك، فالمجلس يبادر بتقديم توصياته إلى البرلمان والحكومة، في شأن تعديل بعض النصوص القانونية والتنظيمية التي تسيء إلى حقوق الإنسان.
لاشك أن هذه المؤسسة الحقوقية المدافعة عن حقوق الإنسان، تشكل دعامة رئيسية مقوية لدولة الحق والقانون، ولبنة أساسية تعزز صرح التقدم الديمقراطي الذي تعرفه المملكة، خصوصا وأنها مؤسسة للمشورة ومراقبة وتقييم أوضاع حقوق الإنسان بالبلاد، بالإضافة إلى كونها تعد تقارير سنوية وتقارير متخصصة أو موضوعاتية حول حالة حقوق الإنسان، وكذا حول حصيلة وآفاق عمل المجلس، يتم عرضها أمام أنظار الملك وينشر التقرير بالجريدة الرسمية. وكذلك إمكانية زيارة مراكز الاعتقال والمؤسسات السجنية ومراقبة ظروف السجناء، وكذا دراسة مدى ملائمة النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل مع المواثيق الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان.

مؤسسة الوسيط:
لقد أحدثت مؤسسة الوسيط سنة 2011، وحلت محل “ديوان المظالم” المحدث في ديسمبر 2001، هذه المؤسسة التي تعتبر وطنية مستقلة ومتخصصة، تتولى في نطاق العلاقة بين الإدارة والمرتفقين، مهمة الدفاع عن الحقوق، والإسهام في ترسيخ سيادة القانون، وإشاعة مبادئ العدل والإنصاف، والعمل على نشر قيم التخليق والشفافية في تدبير المرافق العمومية، والسهر على تنمية تواصل فعال بين الأشخاص، ذاتيين أو اعتباريين، مغاربة أو أجانب، فرادى أو جماعات، وبين الإدارات العمومية والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية والهيئات التي تمارس صلاحيات السلطة العمومية وباقي المنشآت والهيئات الأخرى الخاضعة للمراقبة المالية للدولة، والتي يشار إليها باسم “الإدارة”[27]. هذه المادة هي التي استند عليها المشرع الدستوري المغربي في تعريفه للمؤسسة في دستور 2011[28].

وقد خول الظهير المحدث لمؤسسة الوسيط رفع تقرير سنوي للملك، عن حصيلة نشاط المؤسسة وآفاق عملها، وجردا لعدد ونوع الشكايات والتظلمات وطلبات التسوية. كما يتضمن هذا التقرير على الخصوص بيانا لأوجه الاختلالات والثغرات التي تشوب علاقة الإدارة بالمواطنين، وكذا إصدار التوصيات والمقترحات حول التدابير التي يتعين اتخاذها لتحسين بنية الاستقبال، وتبسيط المساطر الإدارية، وتحسين سير أجهزة الإدارة، وكذا ترسيخ قيم الشفافية والحكامة، وتخليق المرافق العمومية، وتصحيح الاختلالات التي تعاني منها، ويتم نشر هذا التقرير بالجريدة الرسمية[29].

كما أكدت المادة السادسة من نفس الظهير، على أن مؤسسة الوسيط لا يجوز لها أو للوسطاء الجهويين النظر في القضايا التي تدخل في إطار التظلمات الرامية إلى مراجعة حكم قضائي نهائي؛ أو الشكايات المتعلقة بالقضايا التي وكل البت فيها للقضاء ليتخذ فيها ما يلزم من إجراءات أو مقررات طبقا للقانون؛ أو التي تدخل في مجال اختصاص المجلس الوطني لحقوق الإنسان. وفي حالة ما إذا تبين للوسيط أو الوسطاء الجهويين أن الشكاية أو التظلم المعروض عليهم يدخل في اختصاص المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ولا يتعلق بعلاقة الإدارة بالمرتفقين، قاموا بإحالته فورا، إلى رئيس المجلس المذكور، أو رؤساء اللجان الجهوية لهذا المجلس، حسب كل حالة على حدة، ويخبرون المشتكين أو المتظلمين المعنيين بذلك. وفي هذه الحالة فمؤسسة الوسيط تعتبر هيئة لفض النزاعات، وأن كل القضايا التي لا تندرج ولا تدخل في إطار القضاء فهي من اختصاصها.

أما فيما يخص شروط تقديم الشكايات أو التظلمات ومسطرة البت فيها، فقد خول القانون لكل الأشخاص الذاتيين أو الاعتباريين الخاضعين للقانون الخاص، أن يتقدموا، فرادى أو جماعات، مباشرة لدى الوسيط، أو الوسيط الجهوي، أو المندوب المحلي عند الاقتضاء، بشكاية توجه بالبريد العادي أو المضمون أو بأي وسيلة أخرى للاتصال، كما يجوز إيداعها لديهم مباشرة بمقرات عملهم، ولا يتحمل أصحاب الشكايات أو التظلمات أي صائر، كما يشترط لقبول هذه الشكايات أن تتضمن توقيع أصحابها وبياناتهم الكاملة المتعلقة بالهوية، وبيانات الإدارة موضوع الشكاية أو التظلم، وأسباب هذه الشكاية، وتصريحا للمشتكي أو المتظلم يفيد أن قضيته غير معروضة عل القضاء، والمساعي التي سبق أن قام بها المشتكي لدى الإدارة المعنية ونتائجها عند الاقتضاء. ولا تقبل الشكايات أو التظلمات التي تتضمن قذفا أو سبا، في حق أي شخص أو جهة معينة، وكذا الشكايات أو التظلمات المجهولة المصدر[30].

لاشك وأن دسترة مؤسسة الوسيط سيكرس استقلاليتها بشكل أكبر ويعزز مهمتها، خصوصا وأن هذه الهيأة تعمل في إطار العلاقة بين الإدارة والمواطنين، والدفاع عن الحقوق، وتعزيز سمو القانون ونشر مبادىء العدالة والإنصاف وقيم الشفافية والنزاهة وإرساء ثقافة حقوق الانسان، وهو ما يشكل طفرة نوعية في مجال العلاقة بين المواطن والإدارة، مما يفتح معه قنوات أخرى للتواصل وحل المشاكل وإزاحة الشوائب التي كانت تعتري هذه العلاقة، في اتجاه تحسينها وتجويد الخدمات العمومية والإدارية وتبسيط المساطر.

مجلس الجالية المغربية بالخارج
عمل دستور 2011 على دسترة مجلس الجالية المغربية بالخارج، حيث يتولى هذا المجلس على الخصوص، إبداء أرائه حول توجهات السياسات العمومية التي تمكن المغاربة المقيمين بالخارج من تأمين الحفاظ على علاقات متينة مع هويتهم المغربية، وضمان حقوقهم وصيانة مصالحهم، وكذا المساهمة في التنمية البشرية والمستدامة في وطنهم المغرب وتقدمه[31]. بحيث انتقل هذا المجلس بموجب نص الدستور إلى هيأة دستورية، تم إحداثها في دجنبر من سنة 2007، كهيأة استشارية بجانب جلالة الملك ” يتولى إبداء الرأي لدى جلالتنا الشريفة بخصوص شؤون الهجرة، ولاسيما القضايا التي تهم مواطنينا بالخارج”[32].

وجاء في المهام العامة الواردة في ظهير التأسيس “…وتفعيلا لإرادتنا الراسخة في توثيق الأواصر المتينة، التي تربطهم ببلادهم؛ وتوطيدا لما قمنا به من جهود دؤوبة؛ وتجاوباً مع متطلبات النمو السريع والمتزايد للمغاربة بالمهجر بتوفير مؤسسات فعالة من خلال إحداث هيأة كفيلة بالنهوض بمهام التشاور والمساهمة في صياغة وبلورة السياسات المتعلقة بالهجرة وشؤون الجالية المغربية بالخارج”[33]. كما أن دستور 2011 لم يخصص فقط الفصل 163، بل خصص فصولا أخرى لها علاقة بالهجرة وبالجالية المغربية بالخارج على وجه خاص، فنجد مثلا الفصل 16 منه ينص على أنه:” تعمل المملكة المغربية على حماية الحقوق والمصالح المشروعة للمواطنات والمواطنين المغاربة المقيمين في الخارج، في إطار احترام القانون الدولي، والقوانين الجاري بها العمل في بلدان الاستقبال. كما تحرص على الحفاظ على الوشائج الإنسانية معهم، ولاسيما الثقافية منها، وتعمل على تنميتها وصيانة هويتهم الوطنية. وتسهر الدولة على تقوية مساهمتهم في تنمية وطنهم المغرب، وكذا على تمتين أواصر الصداقة والتعاون مع حكومات ومجتمعات البلدان المقيمين بها أو التي يعتبرون من مواطنيها”. كما أن الفصل 17 من الدستور أكد على أن المغاربة المقيمون في الخارج يتمتعون بحقوق المواطنة كاملة، بما فيها حق التصويت والترشيح في الانتخابات، ويمكنهم تقديم ترشيحاتهم للانتخابات على مستوى اللوائح والدوائر الانتخابية المحلية والجهوية والوطنية[34].

إن دسترة مجلس الجالية المغربية بالخارج، يعتبر محطة مهمة تكرس الاعتراف الكامل للجالية المقيمة بالخارج بالأدوار التي تقوم بها، وتؤسس لمرحلة جديدة مبنية على آليات وميكانيزمات ارتباط الجالية المغربية المقيمة بالخارج بوطنهم الأم. وعلى هذا الأساس فإن مهمة مجلس الجالية المغربية بالخارج تتمثل في ضمان المتابعة والتقييم للسياسات العمومية للمملكة تجاه مواطنيها المهاجرين وتحسينها بهدف ضمان حقوقهم وتكثيف مشاركتهم في التنمية السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية للبلاد.

هيئات الحكامة الجيدة والتقنين
في هذه المرحلة نحاول ملامسة التجربة المغربية لمنظومة هيئات الحكامة والتقنين، سنحاول من خلالها رصد البناء القانوني لها، ومعرفة صلاحياتها، والتي حاول من خلالها المشرع إعطاء مهمة الضبط والتقنين عبر سن وسيلتي الهيئة العليا للاتصال السمعي-البصري، ومجلس المنافسة، أو عبر التحكم والتقليل من الفساد الإداري والرشوة عبر آلية الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة.

الهيئة العليا للاتصال السمعي-البصري
تم إحداث هذه الهيئة بموجب ظهير رقم 1.02.212، الصادر يوم 22 غشت 2002، والذي يقضي بإحداث الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري. وقد جاء إحداث هذه الهيئة في ظل تنامي موجة اللبرلة الاقتصادية والمبادرة الفردية، وسياق التحولات العالمية التي عرفها العالم بعد انهيار جدار برلين، الامر الذي دفع الدولة الى اعتماد مقاربة تحديثية في تدبير الاقتصاد وخلق مؤسسات جديدة لحماية الحرية الاقتصادية وضمان المنافسة بين الفاعلين، بعد تحرير مجموعة من القطاعات كقطاع الاتصالات والنقل[35].

وتتولى الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري حسب الدستور المغربي لسنة 2011 السهر على احترام التعبير التعددي لتيارات الرأي والفكر، والحق في المعلومة في الميدان السمعي البصري، وذلك في إطار احترام القيم الحضارية الأساسية وقوانين المملكة”[36]. في حين أن الظهير المحدث للهيئة العليا للاتصال السمعي-البصري، اعتبرها مؤسسة إدارية مستقلة مكلفة بالسهر على حسن تطبيق القواعد المنظمة لقطاع الاتصال السمعي-البصري من قبل الشركات المستغلة للقنوات التلفزية أو المحطات الإذاعية. وتتكون هذه الهيئة من المجلس الأعلى للاتصال السمعي- البصري ويعتبر جهازا تقريريا، إضافة الى المديرية العامة للاتصال السمعي-البصري وتعتبر جهازا إداريا وتقنيا للهيئة[37]. وتقوم الهيئة بإبداء الرأي للبرلمان وللحكومة في كل قضية يحيلها إليها رئيس الحكومة أو رئيسا مجلسي البرلمان، فيما يتعلق بقطاع الاتصال السمعي البصري؛ كما تقوم الهيئة بإبداء الرأي وجوبا لرئيس الحكومة بشأن مشاريع القوانين أو مشاريع المراسيم المتعلقة بقطاع الاتصال السمعي البصري قبل عرضها على المجلس الوزاري؛ والمبادرة الثالثة تتمثل في مبادرة الهيئة العليا في إبداء الرأي وجوبا لرئيسي مجلسي البرلمان، بشأن مقترحات القوانين المتعلقة بالقطاع السمعي البصري قبل عرضها أمامهما، وكلفها المشرع أيضا بمهمة منح التراخيص لاستعمال الخدمات السمعية البصرية، وكذا تعيين الموجات الراديو-كهربائية لمتعهدي الاتصال السمعي- البصري لتمكينهم من بث خدماتهم الإذاعية والتلفزية عبر الشبكة الهرتزية، إضافة الى السهر على ضمان احترام، المتعهدين، للمقتضيات القانونية والتنظيمية المتعلقة بقطاع الاتصال السمعي البصري[38].

وأجاز المشرع للهيئة العليا أن تنظر من تلقاء ذاتها في كل حالة من حالات خرق أو عدم مراعاة المقتضيات القانونية والتنظيمية من طرف قناة تلفزية أو محطة إذاعية، كما يمكنها فتح تحقيق في حالة تلقيها إشعار من طرف ثالث، وعلى الخصوص إثر تقديم شكاية، ولهذا الغرض تتوفر الهيئة على مجموعة من المراقبين يوضعون تحت سلطة المديرية العامة للاتصال السمعي البصري، يكلفون عند الحاجة بمراقبة الوثائق في عين المكان قصد إثبات المخالفات التي خرقت مقتضيات دفاتر التحملات والقوانين أو الأنظمة الجاري بها العمل.[39]

ويمكن للمجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري أن يتلقى من المنظمات السياسية أو النقابية أو الجمعيات المعترف لها بصفة المنفعة العامة، شكايات متعلقة بخرق أجهزة الاتصال السمعي-البصري للقوانين والأنظمة المطبقة على القطاع، كما يمكن للسلطة القضائية أن تحيل إلى المجلس لأجل إبداء الرأي في الشكايات المستندة إلى خرق أحكام النصوص التشريعية أو التنظيمية المتعلقة بقطاع الاتصال السمعي البصري، ويعمل المجلس على بحث هذه الشكايات ويتخذ في شأنها الإجراء المنصوص عليه في القوانين والأنظمة المطبقة على المخالفة[40]. كما يعتبر المجلس الأعلى للاتصال السمعي-البصري الجهاز المقرر في الهيئة العليا، و من تم فهو المختص بإصدار القرارات التأديبية في حق وسائل الاتصال السمعي-البصري، ويتخذ هذه القرارات بأغلبية الأعضاء الحاضرين في جلسة التداول. وفي حالة تعادل الأصوات يرجع الجانب الذي يكون فيه الرئيس، ويشترط لصحة هذه المداولات حضور الرئيس و أربعة أعضاء على الأقل، وتكون مداولات المجلس سرية[41].

مجلس المنافسة
يعتبر مجلس المنافسة، طبقا للفصل 166 من الدستور[42]، هيأة مستقلة مكلفة في إطار تنظيم منافسة حرة ومشروعة بضمان الشفافية والإنصاف في العلاقات الاقتصادية، خاصة من خلال تحليل وضبط وضعية المنافسة في الأسواق، ومراقبة الممارسات المنافية لها والممارسات التجارية غير المشروعة وعمليات التركيز الاقتصادي والاحتكار. ويتمتع المجلس بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي[43].

فمجلس المنافسة طبقا لمقتضيات الدستور والقانون رقم 20.13، انتقل من مجرد سلطة استشارية بموجب القانون رقم 99.06 الذي نص على أنه:” يحدث مجلس للمنافسة يكون له طابع استشاري لأجل إبداء الآراء أو تقديم الاستشارات أو التوصيات”[44]، إلى هيئة مستقلة تقريرية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي، وهو ما أكدته المادة 2 من القانون رقم 20.13 حينما نصت على أنه:”يتمتع المجلس بسلطة تقريرية في ميدان محاربة الممارسات المنافية لقواعد المنافسة ومراقبة عمليات التركيز الاقتصادي كما هي معرفة في القانون المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة. ويكلف كذلك المجلس بإبداء آرائه بشأن طلبات الاستشارة كما هو منصوص عليها في هذا القانون والقانون المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة وإصدار دراسات بشأن المناخ العام للمنافسة قطاعيا ووطنيا”.

أما فيما يتعلق باختصاصات المجلس، فيمكن أن يستشار من طرف اللجن الدائمة للبرلمان في مقترحات القوانين، وكذا في كل مسألة متعلقة بالمنافسة، وفق أحكام النظامين الداخليين لمجلسي البرلمان؛ كما يجوز له كذلك أن يدلي برأيه في كل مسألة مبدئية تتعلق بالمنافسة بطلب من مجالس الجماعات الترابية أو غرف التجارة والصناعة والخدمات أو غرف الفلاحة أو غرف الصناعة التقليدية أو غرف الصيد البحري أو المنظمات النقابية والمهنية أو هيآت التقنين القطاعية أو جمعيات المستهلكين المعترف لها بصفة المنفعة العامة، في حدود المصالح التي تتكفل بها؛ ويمكن أن يستشار المجلس من طرف المحاكم في شأن الممارسات المنافية لقواعد المنافسة والمثارة في القضايا المعروضة عليها؛ كما يمكن أن يستشار المجلس وجوبا من طرف الحكومة في مشاريع النصوص التشريعية أو التنظيمية المتعلقة بإحداث نظام جديد أو بتغيير نظام قائم[45].

يتوفر المجلس أيضا، على مصالح للتحقيق والبحث يسيرها مقرر عام يساعده مقررون عامون مساعدون. وتقوم هذه المصالح بالتحقيقات والأبحاث اللازمة لتطبيق أحكام القانون المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة فيما يخص الممارسات المنافية لقواعد المنافسة ومراقبة عمليات التركيز الاقتصادي وفق الشروط المتعلقة بالأبحاث المنصوص عليها في القانون المذكور[46].

لذلك، فإن مجلس المنافسة هو أداة حقيقية ومهمة في تحقيق منافسة شريفة ونزيهة، خالية من كل أوجه الفساد أو التأثيرات السلبية التي يمكنها أن تضر بالتنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية ومناخ الأعمال والاستثمار، وهو حجر أساس في ترسيخ دولة الحق والقانون والمؤسسات ببلادنا، وهو ركيزة أساسية من شأنها أن تساهم في تحسين مناخ العمل وجذب الاستثمار والمساهمة في تقوية الدينامية الاقتصادية للمملكة.

الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها
تبعا لما تنص عليه المادة السادسة من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي صادق عليها المغرب، والتي نظمت موضوع إنشاء هيئة أو هيئات لمكافحة الفساد. فقد أشارت إلى ضرورة أن تكفل الدول وفقا للمبادئ الأساسية لنظامها القانوني وجود هيئة أو هيئات حسب الاقتضاء، تتولى مهام مكافحة الفساد، من خلال تنفيذ السياسات العامة، والتوعية بضرورة مكافحة وعدم اللجوء إلى الفساد. كما أشارت ذات المادة، إلى ضرورة كفالة الاستقلالية التامة لهذه الهيئات من قبل الدولة، لتتمكن من القيام بوظائفها بصورة فعالة، كذلك ضمان توفير الموارد والمواد وتقديم كل ما يحتاج إليه موظفي الهيئة من تدريب، للقيام بواجبات عملهم على أتم وجه. وقد أشارت المادة 36 من ذات الاتفاقية إلى نفس الموضوع.

انطلاقا من هذه الاتفاقية، وفي إطار تطبيق مقتضياتها، عمل المشرع المغربي على إحداث الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة[47]، وتم تغيير هذه التسمية بمقتضى الفصل 36 من الدستور إلى “هيئة وطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها”، حيث تتولى هذه الهيئة مهام المبادرة والتنسيق والإشراف وضمان تتبع تنفيذ سياسات محاربة الفساد، وتلقي ونشر المعلومات في هذا المجال، والمساهمة في تخليق الحياة العامة، وترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة، وثقافة المرفق العام، وقيم المواطنة المسؤولة[48].

وقد حدد القانون رقم 113.12 المتعلق بالهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها[49]، مهام هذه الهيئة وكيفيات تأليفها وتنظيمها وقواعد سيرها وحالات التنافي. وقد عدد اختصاص هذه الهيئة في تلقي التبليغات والشكايات والمعلومات المتعلقة بحالات الفساد ودراستها، والتأكد من حقيقة الأفعال والوقائع التي تتضمنها وفق المسطرة المنصوص عليها في الباب الرابع من هذا القانون، وإحالتها عند الاقتضاء، إلى الجهات المختصة؛ والقيام بعمليات البحث والتحري عن حالات الفساد التي تصل إلى علم الهيئة، وفق الإجراءات المنصوص عليها في هذا القانون، شريطة مراعاة الاختصاصات الموكلة بمقتضى النصوص التشريعية الجاري بها العمل إلى السلطات وهيئات أخرى؛ كما تختص أيضا في إعداد برامج للوقاية من جرائم الفساد والإسهام في تخليق الحياة العامة، والسهر على تنفيذها بتنسيق مع جميع السلطات والهيئات المعنية؛ ووضع برامج للتواصل والتوعية والتحسيس ونشر قيم النزاهة والسهر على تنفيذها؛ وكذا إنجاز دراسات وتقارير موضوعاتية حول مظاهر الفساد وسبل الوقاية منه ومكافحته ونشرها؛ واعداد تقرير سنوي حول حصيلة أنشطة الهيئة يقدم إلى البرلمان للمناقشة، طبقا لأحكام الفصل 160 من الدستور[50].

هيئات النهوض بالتنمية البشرية والمستدامة والديمقراطية

تعتبر الهيئات المنصوص عليها في الفصول 168، 169، و170 من الدستور، هيئات ذات طبيعة مختلفة عن باقي الهيئات الأخرى من حيث الغايات والأهداف، بحيث تحمل في طياتها حمولة تنموية تعنى بالجانب البشري، سواء من ناحية التعليم والتكوين والبحث العلمي، أو من جانب تتبع وضعية الأسرة والطفولة، أو تلك المتعلقة بإشراك الشباب في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والبيئية، والنهوض بتطوير الحياة الجمعوية. هذه الغايات تشكل هموم كانت في الماضي عبارة عن طموحات، وتم اليوم دسترتها من أجل تكريسها، وإغناء وإثراء مضمونها، والتنويه بأهميتها.

المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي
إن المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، بصفته هيئة استشارية مستقلة للحكامة الجيدة والتنمية المستدامة والديمقراطية التشاركية، يسعى لأن يكون بوتقة للتفكير الاستراتيجي في قضايا التربية والتكوين والبحث العلمي وفضاء تعدديا للنقاش والتنسيق بشأن مختلف القضايا المتعلقة بهذه المجالات. من أدوار المجلس كذلك، تنوير ذوي القرار والفاعلين والرأي العام، بواسطة التقييمات الكمية والنوعية، المنتظمة والدقيقة لمختلف مكونات منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي التي ينجزها[51].

وقد أحدث المجلس الأعلى للتربية والتكوين بموجب الفصل 168 من دستور 2011، وجاء القانون رقم 105.12[52] ليأطر كل من صلاحيات المجلس، وكذا تأليفه وكيفية تنظيمه، وقواعد سيره. حيث يتولى المجلس، بصفته هيئة استشارية، مهام إبداء الرأي في كل قضية من القضايا المتعلقة بالمنظومة الوطنية للتربية والتكوين والبحث العلمي، التي يعرضها عليه الملك من أجل ذلك؛ وأيضا فيما تحيله الحكومة من القضايا ذا الصلة بالاختيارات الوطنية الكبرى، والتوجهات العامة، والبرامج والمشاريع ذات الأهمية الخاصة المتعلقة بقطاعات التربية والتكوين والبحث العلمي؛ ولفائدة الحكومة والبرلمان، بشأن مشاريع ومقترحات القوانين والقوانين التنظيمية والنصوص التنظيمية، التي يعرضها عليه من أجل ذلك رئيس الحكومة أو رئيس مجلس النواب أو رئيس مجلس المستشارين حسب كل حالة، لاسيما مشاريع ومقترحات القوانين التي تضع إطارا للأهداف الأساسية للدولة في ميادين التربية والتكوين والبحث العلمي؛ وإعداد دراسات وأبحاث بمبادرة منه، أو بناء على طلب من الحكومة، بشأن كل مسألة تهم التربية والتكوين والبحث العلمي أو تتعلق بتسيير المرافق العمومية المكلفة بها[53]. كما يجب أن يدلي المجلس برأيه في هذه القضايا خلال أجل لا يتجاوز شهرين ابتداء من تاريخ توصله بها[54].

بالإضافة إلى كل هذا، فالمجلس بصفته هيئة للحكامة الجيدة، فهو يتمتع بكامل الأهلية القانونية والاستقلال المالي[55]. كما يقوم المجلس بعمل تقارير سنوية، يقوم من خلالها بتقديم حصيلة وآفاق عمله كل سنة، ويرفع رئيس المجلس هذا التقرير إلى رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين، ويكون موضوع نقاش أمام البرلمان، وينشر بالجريدة الرسمية[56].

وكحصيلة لعمل المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، الذي يهدف بالأساس إلى النهوض بالمنظومة التربوية الوطنية والبحث العلمي ببلادنا، فقد أصدر تقريرا له بعنوان “الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015-2030: من أجل مدرسة الإنصاف والجودة والارتقاء”، كمحاولة لبلورة استراتيجية جديدة للإصلاح التربوي، عند طريق إطلاق مشاورات موسعة شملت الفاعلين في المدرسة، والأطراف المعنية والمستفيدة، والشركاء، والقطاعات المسؤولة عن التربية والتكوين والبحث العلمي، ومن له رأي في الموضوع من الكفاءات الوطنية والخبراء، خرجت على إثرها بمجموعة من النقط التي تهم التغيير المنشود للمدرسة المغربية، من بينها ضرورة الانتقال بالتربية والتكوين من منطق التلقين والشحن إلى منطق التعلم وتنمية الحس النقدي، وبناء المشروع الشخصي، واكتساب اللغات والمعارف والكفايات، والقيم والتكنولوجيات الرقمية، ما من شأنه أن يؤدي في نهاية المطاف إلى تكوين مواطن نافع لنفسه ولمجتمعه، والانتقال بالمغرب من مجتمع مستهلك للمعرفة إلى مجتمع لنشرها وإنتاجها[57]. هذا فضلا عن العمل التقييمي الذي قام به المجلس لحصيلة تطبيق الميثاق الوطني 2000 و2013 ، إلى جانب الرأي الذي أصدره المجلس حول مشروع تعديل قانون التعليم العالي.

المؤسسات التي مازالت في طور البناء التنظيمي والقانوني
لاشك أن دستور 2011 عمل على دسترة مجموعة من المؤسسات، التي أراد من وراءها المشرع فتح بوابة تنير الطريق أمام بناء المغرب الحداثي المتطور، ومن أجل جعل المملكة تمتلك آليات قانونية ومؤسساتية تجد ثوابتها الرئيسية في الوثيقة الدستورية ترتقي بها إلى مصاف الدول المتقدمة، وجعل دستور البلاد صمام أمان أمام تشكيل الدولة الديمقراطية. لكن، وفي ظل التراخي الذي يعرفه التنصيص التنظيمي والقانوني لهذه المؤسسات، سيشكل بدون أدنى شك، حجر عثرة أمام تحقيق هذه الغايات المسطرة، فالتنزيل الفعلي والحقيقي لمختلف المؤسسات الدستورية يستدعي الاسراع ببسط قوانينها المنظمة بشكل يتناسب والرؤيا والمنظور المخطط لها.

المجلس الأعلى للأمن
نص دستور 2011 على مؤسسة جديدة تم إحداثها لأول مرة، وهو ما يؤكد على أهمية هذه المؤسسة داخل النسق المؤسساتي المغربي، وهي قيمة مضافة تعزز مسار بناء السياسات الأمنية ببلادنا، وما ينبغي الإشارة إليه، هو أن هذا المجلس لم ينص على تنظيمه بمقتضى قانون تنظيمي كما هو حال باقي المؤسسات الدستورية، وهو ما أكدته الفقرة الأخيرة من الفصل 54 من الدستور، حيث جاء فيها بأنه:”يحدد نظام داخلي للمجلس قواعد تنظيمه وتسييره”، وهو الشيء الذي سيفقد هذه المؤسسة قيمتها بين باقي المؤسسات، خصوصا وأنها تمثل الركيزة الأولى في استقرار البلاد.

وينص الفصل 54 من دستور 2011 المنظم لهيكلة واختصاصات المجلس الأعلى للأمن، على أنه:”يحدث مجلس أعلى للأمن، بصفته هيأة للتشاور بشأن استراتجيات الأمن الداخلي والخارجي للبلاد، وتدبير حالات الأزمات والسهر أيضا على مأسسة ضوابط الحكامة الأمنية الجيدة. ويرأس الملك هذا المجلس، وله أن يفوض لرئيس الحكومة صلاحية رئاسة اجتماع لهذا المجلس، على أساس جدول أعمال محدد. كما يضم المجلس الأعلى للأمن في تركيبته، علاوة على رئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين، والرئيس المنتدب للسلطة القضائية، الوزراء المكلفين بالداخلية والشؤون الخارجية والعدل وإدارة الدفاع الوطني، وكذا المسؤولين عن الإدارات الأمنية، وضباط سامين بالقوات المسلحة الملكية، وكل شخصية أخرى يعتبر حضورها مفيدا لأشغال المجلس. ويحدد نظام داخلي للمجلس قواعد تنظيمه وتسييره.

لحد الساعة، لم يخرج لحيز الوجود النظام الداخلي للمجلس الأعلى للأمن، إذ يستمد المجلس أهميته من اعتباره أول مؤسسة أمنية يتم التنصيص عليها مباشرة في النص الدستوري، لكن الإشكال الذي يطرحه رجال القانون في المغرب هو أن التنصيص على المجلس لم يكن بمقتضى قانون تنظيمي مثل المجلس الاقتصادي والاجتماعي والمحكمة الدستورية وغيرها. فعدم التنصيص على ذلك يمكن أن ينقص من قوة هذه المؤسسة على الساحة الوطنية، ويفقد أهميته بالمقارنة مع المؤسسات الأخرى. لكن، وفي ظل التطورات الأمنية المتسارعة التي يعرفها عالم اليوم، أصبح من الضروري الإسراع، قبل أي وقت مضى، إلى إحداث المجلس الأعلى للأمن، وإخراج نظامه الداخلي، كي يضطلع بالمهام الدستورية الموكولة إليه، بما يفضي إلى تعزيز آليات دعم الأمن المغرب والمغاربة.

الهيئة المكلفة بالمناصفة ومحاربة كل أشكال التمييز
يمكن تعريف التمييز على أنه معاملة غير متساوية وغير مواتية إزاء شخص أو مجموعة من الأشخاص على أساس معايير غير مشروعة. ويمكن أن ترتبط هذه المعايير بخصائص متأصلة في الشخص (الجنس، العرق، اللون، السن، وغيرها)، أو خصائص مكتسبة (اللغة، الدين، الوضع الأسري، الانتماء النقابي، وغيرها). ويمكن أم يمارس التمييز من قبل أشخاص طبيعيين أو معنويين، أو من طرف موظفي الدولة أو مؤسسات القطاع العام أو الخاص[58].

ومن أجل ذلك، عمل المشرع المغربي على تمتيع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب، وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها. كما تسعى الدولة إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء. لهذه الغاية، أحدث الدستور هيئة للمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز[59].

وينص الفصل 164 من الدستور على أنه:”تسهر الهيأة المكلفة بالمناصفة ومحاربة جميع أشكال التمييز، المحدثة بموجب الفصل 19 من هذا الدستور، بصفة خاصة، على احترام الحقوق والحريات المنصوص عليها في الفصل المذكور، مع مراعاة الاختصاصات المسندة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان”.

وهكذا جاء مشروع القانون رقم 79.14 المتعلق بهيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز، تطبيقا لأحكام الفصلين 164و 171من الدستور، بحيث يحدد هذا القانون صلاحيات هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز، المحدثة بموجب الفصل 19 من الدستور، وتأليفها وكيفيات تنظيمها وقواعد سيرها. إذ تعتبر الهيئة مؤسسة وطنية مستقلة تتمتع بالشخصية الاعتبارية[60].

كما تمارس الهيئة،حسب المادة الثانية من مشروع القانون رقم 79.14، بإبداء الرأي بمبادرة منها أو بطلب من الحكومة أو أحد مجلسي البرلمان، حسب الحالة، بشأن مشاريع ومقترحات القوانين ومشاريع النصوص التنظيمية؛ وتقديم كل اقتراح أو توصية إلى الحكومة أو إلى أحد مجلسي البرلمان، بهدف تعزيز قيم المساواة والمناصفة وعدم التمييز وتكريسها وإشاعتها؛ وتلقي الشكايات بشأن حالات التمييز التي يرفعها إلى الهيئة كل شخص يعتبر نفسه ضحية حالة من هذه الحالات، والنظر فيها وإصدار توصيات بشأنها إلى الجهات المعنية، والعمل على تتبع مآلها بتنسيق مع الجهات المذكورة؛ والتشجيع على إعمال مبادئ المساواة والمناصفة و عدم التمييز في مختلف مناحي الحياة العامة، والعمل على رصد كل إخلال بها، واقتراح جميع التدابير التي تراها مناسبة للسهر على احترامها.

وفي انتظار وضع التعديلات بخصوص مشروع قانون الذي يوجد بلجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب، ولم يبقى على تنزيله إلا وقت قليل، الشيء الذي سيعمل على تقنين ومحاربة كل أشكال التمييز، وسيعزز لا محالة قيم العدل والمساواة، وسيعزز مكانة المملكة في مجال محاربة التمييز بشتى أشكاله وتجلياته، لاسيما وأن المغرب صادق عل العديد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية الرامية إلى حماية المرأة وتمتيعها بجميع الحقوق على قدم المساواة بينها وبين الرجل.

المجلس الاستشاري للأسرة والطفولة
تعتبر الأسرة القائمة على علاقة الزواج الشرعي هي الخلية الأساسية للمجتمع. لذلك تعمل الدولة على ضمان الحماية الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية للأسرة، بمقتضى القانون، بما يضمن وحدتها واستقرارها والمحافظة عليها. وتسعى الدولة لتوفير الحماية القانونية، والاعتبار الاجتماعي والمعنوي لجميع الأطفال، بكيفية متساوية، بصرف النظر عن وضعيتهم العائلية، وتضمن التعليم الأساسي كحق للطفل وواجب على الأسرة والدولة. ولهذا الغرض يحدث مجلس استشاري للأسرة والطفولة[61].

وينص الفصل 169 من الدستور على أنه:”يتولى المجلس الاستشاري للأسرة والطفولة، المحدث بموجب الفصل 32 من هذا الدستور، مهمة تأمين تتبع وضعية الأسرة والطفولة، وإبداء آراء حول المخططات الوطنية المتعلقة بهذه الميادين، وتنشيط النقاش العمومي حول السياسة العمومية في مجال الأسرة، وضمان تتبع وإنجاز البرامج الوطنية، المقدمة من قبل مختلف القطاعات، والهياكل والهيئات المختصة”.

كما أن مشروع قانون رقم 78.14 المتعلق بالمجلس الاستشاري للأسرة والطفولة، نص في مادته الأولى على أنه تطبيقا لأحكام الفصل 171 من الدستور، يحدد هذا القانون صلاحيات المجلس الاستشاري للأسرة والطفولة، المحدث بموجب الفصل 32 من الدستور، وكيفيات تأليفه وتنظيمه وقواعد سيره وكذا حالات التنافي، ويشار إليه بعده بالمجلس. كما يتمتع المجلس بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي. بالإضافة إلى أن المجلس يمارس صلاحياته في مجال رصد وتتبع وضعية الأسرة والطفولة في المجالات الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية؛ وإبداء الرأي في كل القضايا المحالة إليه من طرف جلالة المك؛ وإبداء الرأي بطلب من الحكومة أو أحد مجلسي البرلمان، حسب الحالة، في مشاريع ومقترحات النصوص التشريعية ومشاريع النصوص التنظيمية، وكذا الاتفاقيات والمواثيق الدولية ذات الصلة بمجال اختصاصه؛ وإعداد الدراسات والأبحاث ذات الصلة بمجال اختصاصه؛ وتنشيط النقاش العمومي حول السياسة العمومية في مجال الأسرة والطفولة؛ وإقامة علاقات التعاون مع الهيئات والمنظمات ذات الأهداف المماثلة في مجال الأسرة والطفولة، وكذا تبادل الخبرات في هذا المجال.

المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي
لقد ظهر المجلس الوطني للشباب للوجود بتاريخ 8 يوليوز 1990، عندما أعلن الملك الراحل في خطابه بمناسبة عيد الشباب قرار إنشائه، راسما له أهدافا محددة لها صلة بقضايا تشغيل الشباب المغربي، ودراسة أوضاعه ومستقبله، وتكوين نظرة دقيقة عن حالته لتشكل أرضية موائمة لصانع القرار[62]. وقد غيرت تسميته بمقتضى دستور 2011 إلى ” المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي”.

وقد أكد الملك محمد السادس في خطابه ليوم الأربعاء 20 غشت 2014 بمناسبة الذكرى 61 لثورة الملك والشعب على أن:” كسب رهان اللحاق بركب الدول الصاعدة ليس مستحيلا، وإن كان ينطوي على صعوبات وتحديات كثيرة. والمغرب، ولله الحمد، يتوفر على جميع المؤهلات، لرفع هذه التحديات، وفي مقدمتها شبابه، الواعي والمسؤول. ولنا اليقين، بأن شبابنا وشاباتنا قادرون، بما يتحلون به من روح الوطنية، ومن قيم المواطنة الإيجابية، ولما يتوفرون عليه، من عبقرية خلاقة، على النهوض بتنمية بلادهم، ورفع تحديات دخولها نادي الدول الصاعدة”.

لذلك، عمل دستور 2011 على توسيع وتعميم مشاركة الشباب في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية للبلاد؛ وإيجاد السبل لمساعدتهم على الاندماج في الحياة النشيطة والجمعوية، وتقديم المساعدة لأولئك الذين تعترضهم صعوبة في التكيف المدرسي أو الاجتماعي أو المهني؛ وتيسير ولوجهم للثقافة والعلم والتكنولوجيا، والفن والرياضة والأنشطة الترفيهية، مع توفير الظروف المواتية لتفتق طاقاتهم الخلاقة والإبداعية في كل هذه المجالات. لهذه الغاية يُحدث مجلس استشاري للشباب والعمل الجمعوي، من أجل تحقيق هذه الأهداف[63].

كما نص الفصل 170 من دستور 2011 على أنه:” يعتبر المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي، المحدث بموجب الفصل 33 من هذا الدستور، هيئة استشارية في ميادين حماية الشباب والنهوض بتطوير الحياة الجمعوية. وهو مكلف بدراسة وتتبع المسائل التي تهم هذه الميادين، وتقديم اقتراحات حول كل موضوع اقتصادي واجتماعي وثقافي، يهم مباشرة النهوض بأوضاع الشباب والعمل الجمعوي، وتنمية طاقاتهم الإبداعية، وتحفيزهم على الانخراط في الحياة الوطنية، بروح المواطنة المسؤولة”.

وفي انتظار خروج القانون المتعلق بالمجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي الذي طال انتظاره، يعد التنصيص على دستورية هذا المجلس نقلة نوعية في مجال ترسيخ الدور المهم والإيجابي للشباب والفاعل الجمعوي داخل النسق المجتمعي المغربي، وتأكيد على دورهم المهم في تحقيق مفهوم المواطنة الإيجابية التي ذكرها الخطاب الملكي، وتوسيع مساهمتهم في تدبير الشأن العام، وهو مجهود يأتي في سياق العمل على الرفع من مستوى هذا الدور المحوري للشباب، وأيضا دورهم المهم في إبداء آرائهم في المواضيع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تهم حاضرهم وترهن مستقبلهم[64].

ثانيا: إمكانات ورهانات التنزيل الإجرائي للمؤسسات الدستورية

لقد حاول دستور 2011 ترسيخ دولة الحق والمؤسسات، وتوسيع مجال الحريات الفردية والجماعية، وضمان ممارستها، وتعزيز منظومة حقوق الإنسان، بكل أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية، والثقافية والبيئية. فدولة القانون والحق والمؤسسات، ليست فقط تميمات لهيآت ومؤسسات ومجالس يتم كتابتها على جدران الوثيقة الدستورية فقط، وإنما هي تنزيل إجرائي وفعلي لهذه التميمات على أرض الواقع. فدولة القانون والحق ترى نفسها تعبيرا عن المواطن وتجسيدا مؤسسيا ضامنا لحقوقه، الفرد في هذا المنظور هو المواطن الذي يهب الدولة مشروعيتها عبر الآليات الديمقراطية، والدولة هي مجموع المؤسسات الممثلة والضامنة للحق العام وللحقوق الفردية، ومن هنا اقتران الدولة الحديثة بالديمقراطية، إذ لا يمكن أن تقوم دولة القانون إلا في إطار ديمقراطي، بل لعل دولة القانون هي من مقتضيات الديمقراطية الفعلية ومستلزماتها[65]. وقد نذهب بالقول إلا أنه لا وجود لدولة القانون إلا بوجود مؤسسات تكرس لهذا المفهوم، وتعزز بذلك التنزيل الحقيقي للدستور الديمقراطي.

إمكانات ومعيقات التنزيل والأجرأة
إن رهان تنزيل المؤسسات الدستورية بالمغرب رهين بمدى وعي الفاعل الحزبي والحكومي بخطورة المرحلة التي تمر منها البلاد، والتطورات المتسارعة التي تعيشها الساحة العربية والدولية على وجه الخصوص، فمعرفة هذه السياقات والأحداث يجرنا إلى الحديث عن القوة التي تدفع بشكل متسارع إلى تنزيل المؤسسات الدستورية ومنها المؤسسة الملكية التي تشكل وسيلة ضغط من أجل بسط المعالم الكبرى لدستور 2011، وأيضا مدى أخذ الفاعل السياسي بحدة نبرة الملك في خطبه الملكية الداعية إلى الإسراع بتفعيل مقتضيات الوثيقة الدستورية، وتجاوز كل المعيقات الكامنة في الخلافات السياسوية التي تجر البلاد إلى طرق لا تحمد عقباها.

إمكانات التنزيل والأجرأة
الإرادة الملكية
بمناسبة الخطاب الملكي لافتتاح السنة التشريعية الثانية للولاية التاسعة، وبعد أن استحضر الملك دور هيئات الحكامة الجيدة، مذكرا بالمبادرة إلى “إنشاء بعضها وتفعيلها منذ سنوات”، ومسجلا بلوغ “هذه المؤسسات نضجها” و”الارتقاء بها إلى مستوى المؤسسات الدستورية”، فإنه سيدعو إلى “مراجعة النصوص المنظمة لها، ووضع الإطار القانوني للمؤسسات الجديدة، وجعلها جميعا في مستوى القيم والأهداف التي انشأت من أجلها، وذلك طبقا لمقتضيات النصوص الدستورية”[66].

أما الشق الثاني من الخطب، فيهم قطاع التربية والتعليم، حيث خصه الملك بأهمية بالغة، تجد جذورها وأساسها في كونه أكد على أنه:”للنهوض بالقطاع التربوي والتعليمي٬ بما يقتضيه الأمر من شراكة ومسؤولية٬ فإنه يتعين الإسراع بتفعيل مقتضيات الدستور٬ بخصوص المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي٬ في صيغته الجديدة٬ على أن تساهم هذه الهيأة في إنجاح هذا التحول الجوهري والمصيري٬ ليس بالنسبة لمستقبل الشباب فحسب٬ بل ولمستقبل المغرب٬ بلدا وأمة”[67].

لذلك، فالإرادة الملكية كانت ولازالت واضحة في جل الخطب الملكية داعية إلى بسط سطور دستور 2011 على أرض الواقع، وذلك من أجل إنجاح هذه الأوراش الكبرى التي تعول عليها البلاد من أجل ترسيخ دولة المؤسسات، ودولة الحق والقانون، وما يعزز طرح الإرادة الملكية في تنزيل وأجرأة المؤسسات الدستورية، خطاب الملك بمناسبة الذكرى 16 لعيد العرش المجيد الذي جاء فيه:” شاركة مغاربة الخارج في الحياة الوطنية، ندعو لتفعيل مقتضيات الدستور المتعلقة بإدماج ممثليهم في المؤسسات الاستشارية، وهيآت الحكامة والديمقراطية التشاركية.كما نجدد الدعوة لبلورة استراتيجية مندمجة تقوم على التفاعل والتنسيق بين المؤسسات الوطنية المختصة بقضايا الهجرة، وجعلها أكثر نجاعة في خدمة مصالح مغاربة الخارج، بما في ذلك الاستفادة من التجربة والخبرة التي راكمها مجلس الجالية، من أجل إقامة مجلس يستجيب لتطلعات أبنائنا بالخارج”.

ويبقى خطاب09 أكتوبر 2015، الذي ألقاه الملك، افي افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة من الولاية التشريعية التاسعة، موجها للمؤسسات، و يمعاتبا ومحملا المسؤولية للفاعلين، وكأنه يقول بأن المؤسسة البرلمانية أضاعت الزمن التشريعي في سلوكيات غير مرغوبة، وهو خطاب يشكل أداة إثبات عل أن المؤسسة الملكية راغبة في رؤية المؤسسات الدستورية مفعلة تنظيميا وقانويا، حيث أكد الملك من خلال الخطاب أنه” نجدد الدعوة للإسراع بانتخاب أعضاء المحكمة الدستورية الذين يخول الدستور صلاحية تعيينهم لمجلسي البرلمان حتى يتسنى تنصيبها في أقرب الآجال. وهو ما سبق أن دعونا إليه في خطاب السنة الماضية.كما يتعين تفعيل النصوص القانونية المتعلقة بمجلس المنافسة والهيأة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة. ويبقى السؤال المطروح: لماذا لم يتم تحيين قوانين عدد من المؤسسات، رغم مرور أربع سنوات على إقرار الدستور؟ وماذا ننتظر لإقامة المؤسسات الجديدة التي أحدثها الدستور؟ ونخص بالذكر بعض المؤسسات الحقوقية والرقابية، والمجلس الاستشاري للأسرة والطفولة، والمجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي”.

الإرادة السياسية
لاشك وأن للإرادة السياسية دورا هاما في التنزيل الصحيح للمؤسسات الدستورية، وذلك ما ينص عليه الدستور في فصله 78 الذي جاء فيه:” لرئيس الحكومة وللبرلمان على السواء حق التقدم باقتراح القوانين”. كما أن الفصل89 من نفس الدستور، يأكد على الدور الفعال للحكومة في تنفيذ القوانين، ومنها القوانين المتعلقة بالهيئات الدستورية، حيث جاء فيه بأنه:” “تمارس الحكومة السلطة التنفيذية. تعمل الحكومة، تحت سلطة رئيسها، على تنفيذ البرنامج الحكومي وعلى ضمان تنفيذ القوانين. والإدارة موضوعة رهن تصرفها، كما تمارس الإشراف والوصاية على المؤسسات والمقاولات العمومية”.

ووفقا للبرنامج الحكومي الذي قدمه رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران أمام مجلس النواب، والذي اعتبر بأن إقرار القوانين المنظمة لهيئات الحكامة كأولوية ثانية للحكومة في مجال تفعيل الدستور. ووفقا للبرنامج، فقد تم إصدار أكثر من 16 قانونا تنظيميا وما يقل عن 20 قانونا عاديا، وفق مخطط تشريعي مندمج، مع إعطاء الأولوية للقوانين ذات الطبيعة المهيكلة كالقوانين التنظيمية الخاصة بعمل الحكومة والتعيينات والقضاء والأمازيغية والمالية ولجان تقصي الحقائق[68].

معيقات التنزيل والأجرأة
في هذا الإطار، تبقى الحسابات السياسوية الضيقة والانحياز خلف ستائر التأويلات والأهداف الحزبية الصرفة أحد النقط الرئيسية التي تشكل مدخلا لعدم التنزيل الحقيقي للمؤسسات الدستورية، والتي تشكل أحد المعيقات في عدم التسريع بأجرأة الهيئات الدستورية، هذا إلى جانب معطى آخر يدخل في نطاق المقاربة التشاركية الداعية إلى إشراك المواطنات والمواطنين والفاعلين الجمعويين ومختلف مكونات المشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي في تدبير وتنفيذ السياسات الترابية للبلاد.

معيقات سياسوية
بداية هذه المعيقات، قد تبدو راجعة إلى حسابات سياسية مباشرة بين حزب العدالة والتنمية، بحجمه العددي والسياسي داخل الحكومة ومجلس النواب، وبين مسؤولي بعض هذه المجالس؛ حيث إنه بالنسبة للحزب الفائز في الاستحقاق الانتخابي الأخير ليس من المقبول تماما أن يغيب عن خريطة التمثيلية السياسية والحقوقية، مثلا داخل المجلس الوطني لحقوق الإنسان، بصيغته الجديدة على المستويين الوطني والجهوي، وهي الحسابات التي قد تغذيها “حساسية” الحزب الفائز في الانتخابات تجاه بعض “النخب” المقربة من “الدولة”، والقادمة من قنوات تنخيب “أخرى”، والحاملة لبروفيلات قريبة من “اليسار”[69].

فقد أجمعت دراسات علم السياسة والقانون الدستوري على أن دور الأحزاب السياسية يكمن أساسا في تنظيم المواطنين وتأطيرهم وتكوينهم وتمثيلهم والدفاع عن مصالحهم وقضاياهم والتعبير على انشغالاتهم وتطلعاتهم، والعمل على الوصول إلى الحكم لبلورة وتنفيذ الاختيارات والتوصيات والمبادئ والأفكار التي ينبني الحزب على أساسها، وكيفما كانت طبيعة النظام الحزبي، فإن الأحزاب السياسية تشكل العمود الفقري للبناء الديمقراطي، بحيث لا يمكن الحديث عن الديمقراطية الحقة في غياب أحزاب سياسية تنافس منافسة شريفة ببرامجها وأفكارها ومواقفها على الاستقطاب والتأطير وصناديق الاقتراع محليا، إقليميا ووطنيا.[70]

من هذا، فالفاعل الحزبي يجب أن يكون مدركا للمسؤولية الملقاة على عاتقه في كونه ممثل لمصالح المواطنين، ويجب عليه أن يمارس صلاحياته التي خولها له القانون استنادا لمبادئ المصلحة العامة، دون أي تحيز لكون هذا في الأغلبية أو الآخر في المعارضة، ودون أي حسابات سياسوية، بحيث أن المرحلة الجديدة والحساسة التي تعيشها البلاد، تتطلب العمل الجاد والتحلي بروح الوطنية الصادقة لاستكمال إقامة المؤسسات الوطنية، لأن المؤسسات لا تهم الأغلبية وحدها أو المعارضة، وإنما هي مؤسسات يجب أن تكون في خدمة المواطنين دون أي اعتبارات أخرى.

لذا، ندعو لاعتماد التوافق الإيجابي، في كل القضايا الكبرى للأمة. غير أننا نرفض التوافقات السلبية التي تحاول إرضاء الرغبات الشخصية والأغراض الفئوية على حساب مصالح الوطن والمواطنين، فالوطن يجب أن يظل فوق الجميع.[71]

معيقات تمثيلية
لابد من الإشارة في الأول، على أن الدستور نص على جملة من الآليات التي ستساهم في تعزيز أدوار المجتمع المدني في الشأن العام وفي صنع السياسات العمومية ببلادنا، هذه الآليات تضمنتها الفصول 12 و13 و14 و15. من بينها حق تقديم الملتمسات في مجال التشريع[72] والحق في تقديم العرائض إلى السلطات العمومية[73]، حيث تعتبر هذه الآليات ضمانة حقيقية لفائدة المواطنين في المشاركة في عملية صنع السياسات والمشاركة الإيجابية في بلورتها وتتبعها وتنفيذها.

فإشراك المجتمع المدني في تنفيذ القرارات والسياسات العمومية إن كان يدل على شيء فهو يدل وبشكل واضح على انفتاح الدولة على محيطها الداخلي، وجعل المواطن المغربي شريكا في العملية التنموية، وشريكا في اتخاذ القرارات التي تساهم في الرقي وفي تطوير بلده سواء محليا أو وطنيا أو حتى دوليا، وهذا المنحى الذي سلكه دستور المملكة الجديد يجعل المجتمع المدني المتخصص في المجال التنموي والثقافي والاجتماعي، يتوفر على فرص مهمة لتقوية مركزه في السهر على تنفيذ القرارات العمومية في كثير من المجالات، والدستور الجديد لم يكتفي فقط بالتأكيد على ضرورة إشراك المجتمع المدني في عملية اتخاذ القرار العمومي، ولكن أيضا إشراكه في تنفيذها[74].

ولاشك أن خروج القانون التنظيمي المتعلق بهذه الهيئة لحيز الوجود، سيشكل دون أدنى شك خارطة الطريق لمشاركة المجتمع المدني في تتبع وتنفيذ القرارات العمومية، وهنا يمكن الاستئناس بطريقة عمل اللجان المركزية والاقليمية والمحلية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية حيث يعمل المجتمع المدني داخل هذه اللجان،كما يعتبر هو المسئول الأول عن تنفيذ المشاريع المتفق عليها. كما أن اشراك هيئات المجتمع المدني في عملية تنفيذ القرارات العمومية قد تكون مباشرة في الميادين التي يمتلك فيها هذا الاخير الخبرة والتجربة والقدرة على التنفيذ (محاربة الأمية، التنمية الاقتصادية …)، وقد تكون المشاركة مواكبة وموازية للبرامج القطاعية التي يصعب على المجتمع المدني أن ينفذها (الدبلوماسية ،حفظ الامن،القطاع العسكري… )، كما أن مشاركة المجتمع المدني في تنفيذ القرارات العمومية قد يتم عن طريق عملية الإسناد، حيث تسند الحكومة أو إحدى مؤسساتها جزء من أنشطتها لهيئات المجتمع المدني لتفنيدها وتسييرها أو عن طريق عملية التحويل، وذلك بتحويل مؤسسات الدولة لبعض أنشطتها لتنفيذها للجمعيات وفقا لاختصاصها، أو عن طريق شراكة ين القطاع العام والخاص[75].

فبالرغم من أن دستور 2011 أعطى للمجتمع المدني دورا أساسيا في التشريع وإعداد وتفعيل وتنفيذ وتقييم السياسات العمومية، وأيضا في تدبير الشأن الترابي للمملكة، إلا أن هذه الأدوار تظل موقوفة التنفيذ في ظل الإرادة السياسية التي تكتفي فقط بالصراعات السياسوية، وتنتج في الأخير قوانين يشوبها الغموض وتكون في بعض الأحيان صعبة التطبيق على أرض الواقع، لكن في ظل التطورات الحاصلة على الساحة الدولية، فقد بات أمر إشراك المجتمع المدني في صنع السياست العمومية وفي تدبير الشأن الوطني والترابي ضروريا من أجل استكمال مسار بسط دولة المؤسسات ببلادنا.

رهانات تنزيل وأجرأة المؤسسات الدستورية
تكمن رهانات تنزيل وأجرأة المؤسسات الدستورية في كونها ستمكن من ضبط وتقنين وظائف الدولة، وتدعيم القوة الاستشارية والاقتراحية لهذه المؤسسات من أجل دعم التأثير الفعلي لها على القرارت السلطات العمومية، فطبيعة الصيغ التي طبعت هذه المؤسسات ما قبل دستور 2011 اتسمت على العموم بطابع المشورة التي تقدم للمؤسسة الملكية، لكنها اليوم تغيرت الصيغة إلى الاستشارة المقدمة للبرلمان والحكومة على حد السواء، والمساهمة في صيغ السياسات العمومية وتقديم الاستراتيجيات الكبرى لسير عمل المشاريع المستقبلية للبلاد، والانتقال بموجبها إلى تكريس دولة القانون والحق والمؤسسات.

الدور الاستشاري والقوة الاقتراحية
انطلاقا من التنصيص الدستوري على أن تنظيم هذه الهيئات الدستورية وتحديد قواعد سيرها وتأليفها يعود إلى المشرع، بعد أن صدرت غالبية القوانين المحدثة للمجالس الموجودة عبر ظهائر مستندة إلى الفصل 19 من الدساتير السابقة، وانطلاقا من صلاحياتها الدستورية الجديدة، يمكن القول أن العنوان المركزي لهذه المرحلة هو الانتقال من صيغة “المشورة” التقليدية الموجهة إلى المؤسسة الملكية فقط، إلى صيغة “الاستشارة” الحديثة الموجهة أساسا إلى كل من البرلمان والحكومة، وهذا ما يعني أن عمل هذه الهيئات أصبح محكوما ب”تأويل” برلماني متقدم لنظامنا السياسي، وبطبيعة “سلطة الاستشارة” داخله[76].

فالتنصيص على الهيئات الدستورية، كمؤسسات تساهم في وضع هيكلة جديدة ومبادئ جديدة ناظمة للشأن الوطني والترابي، وتمكينها من الوسائل البشرية والمالية والمادية، مع دعمها بالإطار القانوني اللازم لمن شأنه أن يدعم دورها كقوة اقتراحية فاعلة في تجسيد أهدافها وغاياتها الدستورية وفي تحقيق دولة المؤسسات الخاضعة لسلطة القانون، خاصة وأنها ستكون لا محالة أقرب من أي أجهزة أخرى إلى حقيقة وطبيعة المشاكل التي تحيط وتعتري أجهزة الدولة، الشيء الذي سيعمل على تقوية دورها الاقتراحي والاستشاري، وهو ما من شأنه أن يساهم في بلورة مفهوم جديد للمؤسسات وعلاقة جديدة بين المواطن والدولة، وبين المواطن والمرفق العمومي.

دولة المؤسسات
يعتبر التنصيص على مجالس وهيآت جديدة بمقتضى دستور 2011، معطى جديد في مسار استكمال صرح بناء دولة المؤسسات، بحيث يمكن اعتبارها آليات وأدوات جديدة تمكن من الإحاطة بكافة الجوانب والمجالات الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية، حيث كرس الدستور بموجبه لمرحلة جديدة تعنى بتكريس الدولة المحافظة على عاداتها وتقاليدها، ولكن بالمقابل دولة حديثة ذات مقومات وركائز متجددة، ومؤسسات تعنى بتدعيم الحقوق والحريات، ومشاركة المواطنين في تدبير شؤونهم.

وحتى تلعب هذه المؤسسات الدستورية أدوارها المطلوبة على النحو المطلوب، والكامنة أساسا في إنشاء دولة المؤسسات الخاضعة لمبادئ الشفافية والمسؤولية والمحاسبة، وبهدف تعميق النقاش حول الإشكالات التي تحيط أدوار ورهانات هذه المؤسسات، وبالأخص مؤسسات الحكامة، فإن محاولة خلق التفاعل، وبإيجابية، بين مؤسسات الحكامة والوظائف المنوطة بها، يقود إلى ترجيح مسألة الإعتراف بأدوارها التكميلية، وضرورة الحرص على تفعيل هذه الأدوار. يقود هذا الطرح إلى التساؤل حول الرهانات، بحيث يكمن الرهان الأول بإعادة صياغة الأدوار التي تقوم بها المؤسسات القائمة مثل مجلس المنافسة والهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها.

وبخصوص مطلب استقلالية هذه الهيئات ما ينبغي أن يفهم منه، هو الاستقلالية في الوظائف والمهام والنهوض بالأعباء الملقاة على عاتق هذه المؤسسات وليس الاستقلال المالي، لأنه لا يمكن استثناءأي مؤسسة من مؤسسات الدولة من المراقبة المالية. الرهان الثاني يمكن في إعادة رسم الأهداف المتوخاة. والسؤال المطروح بهذا الخصوص هو: هل الرهان منصب على استكمال وتتميم المشهد الدستوري بإحداث مؤسسات الحكامة الدستورية فقط، أم أن الأمر مجرد اقتباس لأنماط مؤسساتية منصوص عليها بدساتير أخرى،أم أن الأمر يتعلق بمؤسسات ستشتغل على تكريس وتقوية الديمقراطية داخل الدولة؟. الرهان الثالث يتمحور حول رهان ضمان التناسق والتكامل بين عمل هذه المؤسسات وبين الأدوار التي تقوم بها المؤسسات التقليدية للدولة؛وذلك لتفادي الشرود والخروج عن المعقول في الإطار الذي سيحفظ التكامل ويرسم الحدود بينهما من جهة، ومن جهة أخرى لتجنب تضخيم الأدوار بالشكل الذي يجعلها تحل محل هذه الأخيرة. إذا فالحاجة الى تدخل محترفين على مستويي الخرائطية السياسية والخرائطية التقنية، يعتبر ضروريا في هذه المرحلة لتوليد جيل جديد من المؤسسات الداعمة للحكامة والمكرسة لقيام دولة المؤسسات والقانون[77].

المؤسسات الدستورية ورهان الضبط المؤسسي
إن القول بأن المؤسسات الدستورية هي عبارة عن هيئات إدارية مستقلة تعد كأنها خلق لسلطة رابعة، مهمتها ضبط القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وتشكيل نوع من الثقل على باقي المؤسسات ومراقبة سير أعمالها وكيفية تسييرها لشؤونها، وكذا حماية المحيط الاقتصادي من كافة أشكال الاحتكار أو الغش، والمساهمة في محاربة كافة أشكال التمييز أو الفساد أو الرشوة التي تعرفها المرافق العمومية.

ففي دراسة قام بها الفقيه jacques chevallier حول رهانات إزالة النظيم، لاحظ أن الهيئات الإدارية المستقلة تستخلف السلطة التنفيذية في جملة من المجالات الحساسة، إننا نحظر لظاهرة نقل مركز ممارسة السلطة التنظيمية، فاللجوء إلى هذه الهيئات يظهر توزيع أو تكسير السلطة Déffraction ويكرس تعدد مركز القرار والمسؤولية [78]Polycentrique.

إذ أن المشرع من وراء إحداث المجالس وهيئات الحكامة، يهدف إلى ضبط المؤسسات والقطاعات الحساسة من جهة إلى مراعاة الطابع التقني الفني لبعض القطاعات التي تشكل صعوبة على الإدارات الحكومية، ومن جهة ثانية توفير ضمانات قوية للمواطنين بشأن تحقيق العدالة في القطاعات والمرافق العمومية، ومن جهة أخرى تأمين نجاعة تدخل الدولة في إطار من الشفافية، والمسؤولية، والسرعة، والملائمة، ومن منظور آخر السماح بمساهمة واسعة لفاعلين أصليين ذوي مهنية وكفاءة ومشارب متعددة.

ومن بين هذه لمؤسسات، نجد الدور الاستشاري المنوط بمجلس المنافسة، والتي يقدمها للجن الدائمة للبرلمان فيما يخص مقترحات القوانين، وكذا في كل مسألة متعلقة بالمنافسة، وفق أحكام النظامين الداخليين لمجلسي البرلمان. كما يستشار وجوبا من طرف الحكومة في مشاريع النصوص التشريعية أو التنظيمية المتعلقة بإحداث نظام جديد أو بتغيير نظام قائم يهدف مباشرة إلى فرض قيود كمية على ممارسة مهنة أو الدخول إلى سوق؛ وإقامة احتكارات أو حقوق استئثارية أو خاصة أخرى في التراب المغربي أوفي جزء مهم منه؛ وفرض ممارسات موحدة فيما يتعلق بأسعار أو شروط البيع؛ ومنح إعانات من الدولة أو الجماعات الترابية وفقا للتشريع المتعلق بها. كما أنه يدلي برأيه في كل مسألة مبدئية تتعلق بالمنافسة بطلب من مجالس الجماعات الترابية أو غرف التجارة والصناعة والخدمات أو غرف الفلاحة أو غرف الصناعة التقليدية أو غرف الصيد البحري أو المنظمات النقابية والمهنية أو هيآت التقنين القطاعية أو جمعيات المستهلكين المعترف لها بصفة المنفعة العامة.

ومن بين المؤسسات التي تدخل أيضا في مجال الاستشارة والضبط المؤسسي، نجد الهيئة العليا للاتصال السمعي-البصري، بحيث تتمحور مهام المجلس حول ثلاث دوائر، الخبرة والاستشارة، الضبط والتقنين، ثم المراقبة والجزاء، لذلك يقسم بعض الفقه اختصاصات المجلس الأعلى للإتصال السمعي-البصري، إلى اختصاصات ذات طبيعة استشارية، وأخرى ذات طبيعة تقريرية، فيما يذهب اتجاه آخر إلى تقسيمها إلى ستة أنواع؛ استشارية، إقتراحية، تقريرية، رقابية، جزائية ومعيارية[79].

هذا بالإضافة إلى مجموعة من الهيئات التي تمت دسترتها، والتي تعتبر هيئات تشكل منحى آخر يجسد الحرص على ضبط الشأن الوطني والترابي من كل الأشكال المخلة، وبلورة استراتيجيات جديدة مبعض القطاعات الحساسة، من بين هذه الهيئات الاستشارية الضبطية نجد المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، الذي ينجز تقارير ودراسات وأبحاث، وتقييمات شمولية أو قطاعية تهم مجالات اختصاصه، مما يعزز القوة الاقتراحية لهذه المؤسسة. بالإضافة إلى الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، والتي تكمن مهمتها في بلورة استراتيجيات الوقاية ومكافحة الفساد، مما يجعلها هيئة تحمل في ثناياها هم ضبط المؤسسات العمومية وتخليقها من الظواهر الشاذة التي يمكن أن تعتريها.

المؤسسات الدستورية والحكامة
يطرح مفهوم الحكامة، أكثر من إشكال على مستوى التعريف، والتي ترجع إلى الزاوية أو المنطلق الذي تعرف بها، وعموما يمكن تعريفها بأنه: ” هي عبارة عن مقاربة عصرية في صنع القرار والتدبير الجيد للشأن العام، تعتد بتطوير المفاهيم التقليدية المستعملة في مجال التدبير، وهي تعبر عن ممارسة السلطة السياسية وإدارتها لشؤون المجتمع بمستوياته (المحلية والوطنية والعالمية) وموارده المختلفة، عن طريق منهجية للعمل المتعدد الأطراف، وعن طريق آليات للفعل تعتمد معايير حكماتية من قبيل (المشاركة، المشروعية، الشفافية، المسؤولية…)[80].

وقد عمد الدستور الجديد إلى دسترة مؤسسات وهيئات حماية الحقوق والحريات والحكامة الجيدة، من بينها المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ومؤسسة الوسيط، ومجلس الجالية المغربية بالخارج والهيئة المكلفة بالمناصفة ومحاربة أشكال التمييز، والهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، ومجلس المنافسة، والهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها[81]. وذلك على ضوء مبادئ دستورية تتمثل فيما يلي:

تنظيم المرافق العمومية على أساس المساواة بين المواطنات والمواطنين في الولوج إليها، والإنصاف في تغطية التراب الوطني، والاستمرارية في أداء الخدمات؛
إخضاع تسيير المرافق العمومية لمعايير الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية والمبادئ والقيم الديمقراطية؛
إلزام أعوان المرافق العمومية بممارسة وظائفهم وفقا لمبادئ احترام القانون والحياد والشفافية والنزاهة والمصلحة العامة وتأمين تتبع ملاحظات واقتراحات وتظلمات المرتفقين؛
إلزان المرافق العمومية بتقديم الحساب عن تدبيرها للأموال العمومية مع خضوعها للمراقبة والتقييم طبقا للقوانين الجاري بها العمل؛
التنصيص على استصدار ميثاق للمرافق العمومية يحدد قواعد الحكامة الجيدة التعلقة بتسيير الإدارات العمومية والجماعات الترابية والأجهزة العمومية؛
إلزام كل شخص منتخب أو معين يمارس مسؤوليىة عمومية، بتقديم تصريح كتابي بالممتلكات والاصول التي في حيازته بمجرد تسلمه لمهامه، وخلال ممارسته وعند انتهائه؛
ضمان استقلالية الهيئات المكلفة بالحكامة الجيدة والاستفادة من دعم أجهزة الدولة وإلزامها بتقديم تقرير سنوي عن أعمالها يكون موضوع مناقشة من قبل البرلمان.
الديمقراطية المواطنة والتشاركية
تعرف الدراسات التي تناولت الديمقراطية التشاركية بأنها نظام يمكن من مشاركة المواطنين في صنع القرارات السياسية ذات الاولويات بالنسبة إليهم عن طريق التفاعل المباشر مع السلطات القائمة والمشكلات المطروحة.كما تتفق على ان الديمقراطية التشاركية تتبنى مفهوما جوهريا يأخذ بعين الاعتبار دور المواطنين في المشاركة في صنع القرار السياسي وتدبير الشأن العام،كما انها تتسم بالتفاعل بين المواطنين والحكومات او المستشارين المحليين ،وانها مكملة للديمقراطية التمثيلية، هذا التصور الأخير ليس هناك اتفاق بشأنه، فحسب “انطوني غيدنز” عالم الاجتماع البريطاني “ليست –الديمقراطية التشاركية- امتداد للديمقراطية التمثيلية أو الديمقراطية الليبرالية ولا حتى مكملة لها، ولكنها من خلال التطبيق تخلق صيغا للتبادل الاجتماعي (المقصود هو الأدوار الاجتماعية)، والذي وفق تصوره “تساهم موضوعيا وربما بشكل حاسم في اعادة بناء التضامن الاجتماعي”[82].

وبحسب المقتضيات الدستورية، المشاركة المدنية مسار مؤسساتي مبني على قوانين ضابطة تتيح انخراط الموطنات والموطنين والمرتفقين، والجمعيات والمنظمات غير الحكومية، والمغاربة المقيمين في الخارج، وبقية الفاعلين الاجتماعيين في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وكل ما يتعلق بحماية الكرامة الإنسانية، وحقوق الإنسان، والحريات المدنية، والمناصفة بين الرجال والنساء، والإدماج الاجتماعي للشباب والفئات الاجتماعية في وضعية الهشاشة، والأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة، ومحاربة الرشوة، والحكامة الجيدة، والولوج إلى المعلومات والمرافق العمومية، والمساءلة الاجتماعية. وتتحقق هذه المشاركة بـالتعاون والتضامن والحوار والاستشارة والتشاور مع المؤسسات المنتخبة، والسلطات العمومية بخصوص إعداد السياسات العمومية، وبرامج التنمية وتفعيلها وتنفيذها وتقييمها، واقتراح قرارات ومشاريع، وتقديم ملتمسات في مجال التشريع وعرائض تهم مناحي الحياة العامة[83].

إن رغبة المشرع المغربي في إدماج المقاربة التشاركية، وإقرار دور المواطنات والمواطنين وفعاليات المجتمع المدني في بلورة وتقييم وتتبع السياسات العمومية، واعتبارهم شركاء أساسيين في صنعها، ستبدوا واضحة من خلال الفصول (12.13.139) من دستور 2011، حيث نجد الفقرة الثالثة من الفصل 12 تنص على أنه:” “تساهم الجمعيات المهتمة بقضايا الشأن العام، والمنظمات غير الحكومية، في إطار الديمقراطية التشاركية، في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية، وكذا في تفعيلها وتقييمها. وعلى هذه المؤسسات والسلطات تنظيم هذه المشاركة، طبق شروط وكيفيات يحدد القانون”. كما ينص الفصل 13 على ما يلي:”تعمل السلطات العمومية على إحداث هيئات للتشاور قصد إشراك مختلف الفاعلين الاجتماعيين في إعداد السياسات العمومية وتفعيلها وتنفيذها وتقييمها”. ويبص كذلك الفصل 139 من الباب التاسع المخصص للجهات والجماعات الترابية الأخرى، على أنه” ” تضع مجالس الجهات والجماعات الترابية الأخرى آليات تشاركية للحوار والتشاور لتيسير مساهمة المواطنات والمواطنين والجمعيات في إعداد برامج التنمية وتتبعها. ويمكن للمواطنات والمواطنين والجمعيات تقديم عرائض، الهدف منها مطالبة المجلس بإدراج نقطة تدخل في اختصاصه ضمن جدول أعماله”.

وفي هذا الإطار، جاء بمشروع القانون التنظيمي رقم 14-44 بتحديد شروط وكيفيات ممارسة الحق في تقديم العرائض إلى السلطات العمومية، ومشروع قانون تنظيمي رقم 14-64، تحديد شروط وكيفيات ممارسة الحق في تقديم الملتمسات في مجال التشريع، في إطار تطبيق الفصل 15 من الدستور الذي ينص على أن للمواطنات والمواطنين الحق في تقديم عرائض إلى السلطات العمومية، والفصل 14 من الدستور الذي ينص على الحق في تقديم ملتمسات في مجال التشريع من قبل المواطنات والمواطنين ضمن الشروط والكيفيات التي يحددها قانون تنظيمي.

فبالرغم من أن دستور 2011 خلق آليات جديدة يشرك بموجبها مختلف الفاعلين من مواطنين وجمعيات في عملية إعداد السياسات العمومية، إلا أن هذا المعطى يبقى موقوف التنفيذ إلى حين خروج النصوص القانونية المؤطرة لها، والمتمثلة في كل من مشروع القانون التنظيمي رقم 44.14 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة الحق في تقديـم العرائـض إلى السلطات العمومية، ومشروع القانون التنظيمي رقم 64.14 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة الحق في تقديـم الملتمسـات في مجال التشريـع، اللذان مازالا يراوحا مكانهما في البرلمان (بعد أن حظيا بمصادقة كل من مجلس الحكومة و مجلس الوزراء).

تخليق الحياة العامة
لقد حاول المشرع من خلال تنصيصه على مجموعة من المؤسسات الدستورية، إدخال الأجهزة الإدارية والاقتصادية والاجتماعية ولبيئية، إلى منحى جديد من الرقابة، تخضع بموجبه هذه المرافق لمجموعة من المبادئ الأساسية التي أصبحت ضرورية من أجل تنميتها ورقيها من جهة، ومحاولة منه من أجل تجديد علاقة المرفق العام بالمرتفق. لذلك فإن تكييف المرافق العامة لمتطلبات التنمية المتواصلة، تقتضي معالجة الاختلالات البنوية والوظيفية التي تعاني منها، وإخضاع سيرها وعمليات التدبير التي تقوم بها لمجموعة من المبادئ والقيم المؤطرة لنشاطها، وهي بمثابة موجهات ادبية وأخلاقية تدعم الثقافة الجديدة للمرافق[84].

وقد كرس دستور 2011 لمبادئ ومؤسسات تعتبر مؤطرة لمفهوم الحكامة المؤسساتية بالمغرب، إذ يعتبر ترسيخ مبدأ الشفافية والمشاركة في تدبير المرافق العمومية، إذ تعد تعد الشفافية احد المرتكزات التي يقوم عليها تدبير المرافق العامة، أقرها الدستور الجديد في الفصل 154 كمبادئ عامة تقوم عليها الحكامة. وهي فلسفة اجتماعية سامية هدفها دمقرطة عمل الأجهزة العمومية داخليا وخارجيا، هدفها إقامة جسور الثقة والتواصل الهادف، بين مختلف المحتكين بها. أما فيما يتعلق بمبدأ المشاركة الذي نص عليه الدستور لأول مرة لتمكين المواطنات والمواطنين في تحقيق التنمية والتنمية المستدامة، فالمرتفق أصبح له دور مهم في تقييم أداء المرافق العامة وهو حق دستوري مضمون، إذ تتلقى المرافق العمومية ملاحظات مرتفقيها واقتراحاتهم و تظلماتهم وتؤمن تتبعها، وبالتالي دعم أسس الحكامة والديمقراطية التشاركية. إذ يعتبر هذا المعطى ذات أهمية بالغة في تسيير المرافق العمومية، لكونه يؤدي إلى زيادة الديمقراطية والشفافية داخل هذه المرافق والتي يصبح لزاما عليها أن تشرك المواطنات والمواطنين والفاعلين في هذا المجال، من أجل تحسين العمل الإداري داخل المرافق العامة.

مختلف هذه المبادئ، ستعمل الآليات المؤسساتية الدستورية على تدعيمها وتكريسها وبلورتها على أرض الواقع، حيث تمت دسترة مؤسسة الوسيط التي خول لها المشرع مهمة تلقي الشكايات والتظلمات من طرف المواطنين في إطار علاقتهم بالمرفق العمومي، وحل المنازعات التي تطرأ بين الإدارة والمترفقين، وحماية المواطن من تعسف أو شطط السلطات العمومية. كما تمت دسترة الهيئة الوطنية للنزاهة و الوقاية من الرشوة كآلية مؤسساتية تهدف تعمل على ترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة وثقافة المرفق العام وقيم المواطنة المسؤولية، كما أنها هيئة لتنسيق سياسة الوقاية من الرشوة وكذا قوة استشارية واقتراحيه في مجال الوقاية من الرشوة، وآلية لتتبع وتقييم المنجزات في هذا المجال.

لقد أعتبر دستور 2011 منذ إقراره على أنه يعد دستورا ديمقراطيا يشكل المدخل المحوري والأساسي لتحقيق دولة الحق والقانون والمؤسسات، وهذا ما أكدته العديد من الكتابات والباحثين في هذا المجال. فإقرار مؤسسات تسهر على التطبيق الأمثل لمختلف هذه الحقوق التي كرسها الفصل 19 من الدستور، ومراقبة أعمال الإدارة عبر هيئات للحكامة الجيدة تكرس لمفاهيم جديدة من قبيل الجودة في تدبير المرافق العمومية، والشفافية، وربط المسؤولية بالمحاسبة، ومجالس ومؤسسات عديدة تم ذكرها في متن هذا الموضوع، ستأسس لمغرب جديد قوامه مؤسسات دستورية ناظمة لمختلف المجالات، ومحافظة وحامية لحقوق الإنسان، وفق ما نصت عليه المواثيق والمعاهدات الدولية. لكن، هذا لا يمنع من القول بأن دستور 2011 منذ ما يزيد عن الأربع سنوات على دخوله حيز التطبيق، لم يحقق غاياته وأهدافه، وذلك راجع لعدم التنزيل الإجرائي والقانوني الحقيقي والواقعي للعديد من الهيئات والمؤسسات، سواء تلك التي استكملت بناءها التنظيمي والقانوني، أو تلك التي في طور البناء، وهذا يعبر عن ضعف الإرادة السياسية في بسط نصوص الدستور، فلا يمكن الحديث عن أعذار أو مشاكل أو معيقات ونحن نتحدث اليوم عن ما يزيد عن الأربع سنوات على الدستور. لهذا، يجب الإسراع في إخراج النصوص القانونية المنظمة للهيئات الدستورية، وتفعيلها بشكل حقيقي، ليتكرس بذلك المفهوم الحقيقي لدولة الحق والقانون، وحتى نصبح قادرين على البدأ في التفكير في الأمور التي تجعل من بلادنا قاطرة تنموية، وحتى نحقق ما يصبوا إليه جل المواطنين من دولة ديمقراطية ودولة للمؤسسات يحكمها القانون. لأن ورش بناء دولة المؤسسات هو ورش مركزي وأساسي في بناء الدولة وضمان استمراريتها، لأن الأفراد يزولون ويموتون وتبقى المؤسسات.

[1] – راجع نص الخطاب الملكي ليوم الأربعاء 9 مارس 2011.

[2]– أنظر الظهير الشريف رقم 1.11.91 الصادر في 27 من شعبان 1432 (29 يوليو 2011) بتنفيذ نص الدستور؛ الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر بتاريخ 28 شعبان 1432 (30 يوليو 2011)، ص 3600.

[3] – حسن طارق وعبد العلي حامي الدين: دستور 2011 بين السلطوية والديمقراطية، قراءات متقاطعة، منشورات سلسلة الحوار العمومي، العدد 2، الطبعة الأولى، أبريل 2011، الرباط، ص 59.

[4]– الخطاب الملكي الذي ألقاه الملك محمد السادس، يوم الجمعة 9 أكتوبر 2015، في افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة من الولاية التشريعية التاسعة بمقر البرلمان.

[5]– ينص الفصل 113 من دستور 2011 على أنه: “يسهر المجلس الأعلى للسلطة القضائية على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة، ولاسيما فيما يخص استقلالهم وتعيينهم وترقيتهم وتقاعدهم وتأديبهم. يضع المجلس الأعلى للسلطة القضائية، بمبادرة منه، تقارير حول وضعية القضاء ومنظومة العدالة، ويُصدر التوصيات الملائمة بشأنها. يُصدر المجلس الأعلى للسلطة القضائية، بطلب من الملك أو الحكومة أو البرلمان، آراء مفصلة حول كل مسألة تتعلق بالعدالة مع مراعاة مبدإ فصل السلط”.

[6] – يونس مليح، إصلاح القضاء بالمغرب بين الدستور والميثاق، مجلة مسالك، العدد 35/36، سنة2015، ص 67.

[7]– مذكرة بشأن القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، منشورة بالموقع الرسمي للمجلس الوطني لحقوق الإنسان على الرابط الإلكتروني التالي: www.cndh.ma
[8] – عرض وزير العدل والحريات تحت عنوان “الإصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة: مطلب شعب، إرادة ملك، وإنجاز حكومة”، وذلك بمناسبة تقديم حصيلة الوزارة حول إصلاح منظومة العدالة، يوم الثلاثاء 23 فبراير 2016 بالمعهد العالي للقضاء.

[9] – ينص الفصل 116 من الدستور على أنه:” يعقد المجلس الأعلى للسلطة القضائية دورتين في السنة على الأقل. يتوفر المجلس الأعلى للسلطة القضائية على الاستقلال الإداري والمالي. يساعد المجلس الأعلى للسلطة القضائية، في المادة التأديبية، قضاة مفتشون من ذوي الخبرة. يحدد بقانون تنظيمي انتخاب وتنظيم وسير المجلس الأعلى للسلطة القضائية، والمعايير المتعلقة بتدبير الوضعية المهنية للقضاة، ومسطرة التأديب. يراعي المجلس الأعلى للسلطة القضائية، في القضايا التي تهم قضاة النيابة العامة، تقارير التقييم المقدمة من قبل السلطة التي يتبعون لها.

“. وكذلك، تنص المادة 4 من القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية على أنه:”تطبيقا لأحكام الفصول 107 و113 و116 من الدستور، يمارس المجلس الأعلى للسلطة القضائية مهامه بصفة مستقلة”.

[10] – تنص المادة 62 من القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية على أنه:”تكون للمجلس ميزانية خاصة به، وتسجل الاعتمادات المرصودة له في الميزانية العامة للدولة تحت فصل يحمل عنوان» ميزانية المجلس الأعلى للسلطة القضائية « “.

[11] – راجع في هذا الخصوص الباب الثاني من دستور 2011، الذي خصص للحريات والحقوق الأساسية (الفصول من 19 إلى 40).

[12] – المادة الأولى من القانون التنظيمي رقم 066.13 المتعلق بالمحكمة الدستورية، الصادر بموجبه الظهير الشريف رقم 1.14.139 صادر في 16 من شوال 1435 (13 أغسطس 2014)، والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 6288 بتاريخ 8 ذو القعدة 1435 (4 سبتمير 2014)، ص 6661.

[13] – المادة 5 من القانون التنظيمي رقم 066.13 المتعلق بالمحكمة الدستورية.

[14] – الفصل 132 من دستور المملكة المغربية لسنة 2011، الصادر بموجبه الظهير الشريف رقم 111.91 الصادر في 27 من شعبان 1432 (29 يوليو 2011) بتنفيذ نص الدستور، والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر بتاريخ 28 شعبان 1432 (30 يوليو 2011)، ص 3600.

[15] – الفصل 133 من دستور المملكة المغربية لسنة 2011.

[16] – ينص الفصل 151 من الباب الحادي عشر من دستور 2011 على أنه:” يحدث مجلس اقتصادي واجتماعي وبيئي”.

[17] – المادة 2 من القانون التنظيمي رقم 128.12 المتعلق بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، الصادر بموجبه الظهير الشريف رقم 1.14.124 صادر في 3 شوال 1435 (31 يوليو 2014)، والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 6282، صادرة في17 شوال 1435 (14 أغسطس 2014)، ص 6370.

[18] – المادة 3 من القانون تنظيمي رقم 128.12 المتعلق بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.

[19] – أنظر: تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول “النظام الضريبي المغربي: التنمية الاقتصادية والتماسك الاجتماعي”، لسنة 2012، يمكن تحميله من خلال الرابط الالكتروني للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي: www.ces.ma

[20] – عبد العزيز غوردو، الحكامة الجيدة في النظام الدستوري المغربي، نشر وتزيع شركة E-Kutub LTD، نوفمبر 2015، لندن، ص ص 133، 134.

[21] – نص خطاب الملك محمد السادس إلى الدورة 65 للجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 27 شتنبر 2010. أنظر البوابة الوطنية للملكة المغربية على الرابط الإلكتروني التالي: www.maroc.ma

[22]– تقديم المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أنظر الموقع الرسمي للمجلس الوطني لحقوق الإنسان على الرابط الإلكتروني التالي:

www.cndh.ma

[23] – المادة الأولى من الظهير الشريف رقم 1.90.12 الصادر في 24 من رمضان1410 هـ ( 20 أبريل 1990 م)، المتعلق بالمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، منشور بالجريدة الرسمية عدد 4044 بتاريخ 2 ماي 1990.

[24] – الظهير الشريف رقم 1.11.19 المتعلق بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان، الصادر في 18 من ربيع الأول 1431 (فاتح مارس 2011)، والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 5922 بتاريخ 3 مارس 2011.

[25] – المادة 16 من الظهير المحدث للمجلس الوطني لحقوق الإنسان.

[26] – المادة 18 من الظهير المحدث للمجلس الوطني لحقوق الإنسان.

[27] – المادة اللأولى من الظهير الشريف رقم 1.11.25 المحدث لمؤسسة الوسيط، والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 5926 بتاريخ 12 ربيع الثاني 1432 الموافق ل 17 مارس 2011.

[28] – ينص الفصل 162 من دستور المملكة المغربية لسنة 2011 على أنه:” الوسيط مؤسسة وطنية مستقلة ومتخصصة، مهمتها الدفاع عن الحقوق في نطاق العلاقات بين الإدارة والمرتفقين، والإسهام في ترسيخ سيادة القانون، وإشاعة مبادئ العدل والإنصاف، وقيم التخليق والشفافية في تدبير الإدارات والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية والهيئات التي تمارس صلاحيات السلطة العمومية”.

[29]– المادة السابعة والثلاثون من الظهير الشريف رقم 1.11.25 المحدث لمؤسسة الوسيط.

[30] – المواد من 55 إلى 59 من النظام الداخلي لمؤسسة الوسيط، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 6033 بتاريخ 3 جمادى الأولى 1433 الموافق ل 26 مارس 2012.

[31] – الفصل 163 من دستور المملكة المغربية لسنة 2011.

[32] – المادة الأولى من ظهير الملكي رقم 1.07.08 الصادر بتاريخ 21 دجنبر 2007.

[33] – بيان الأسباب الموجبة للظهير الشريف رقـم 1.07.208 صـادر في 21 ديسمبر2007 بإحـداث مجلـس الجـاليـة المغـربيـة بالخـارج.

[34] – انظر في هذا الصدد الفصول 16، 17، 18، 30 من دستور المملكة المغربية لسنة 2011.

[35] – جواد نوحي، مقاربة سياسية للاستثمارات الأجنبية بالمغرب، منشورات الملك عبد العزيز، سنة 2009، الدار البيضاء، ص 310.

[36] – الفصل 165 من دستور المملكة المغربية لسنة 2011.

[37] – المادة 2 من الظهير الشريف رقم 212-02-1 الصادر بتاريخ 31 أغسطس 2002 المحدث للهيئة العليا للإتصال السمعي البصري، كما تم تعديله وتتميمه بالظهير الشريف رقم 73-08-1 صادر في 20 من شوال 1429 (20 أكتوبر 2008).

[38] – المادة 3 من الظهير المحدث للهيئة العليا للإتصال السمعي البصري.

[39] – المادة 15 من الظهير المحدث للهيئة العليا للاتصال السمعي البصري.

[40] – المادة 16 من الظهير المحدث للهيئة العليا للاتصال السمعي البصري.

[41] – المادة 12 من الظهير المحدث للهيئة العليا للاتصال السمعي البصري.

[42] – ينص الفصل 166 من دستور المملكة المغربية لسنة 2011 على أنه:” مجلس المنافسة هو هيئة مستقلة، مكلفة في إطار تنظيم منافسة حرة ومشروعة بضمان الشفافية والإنصاف في العلاقات الاقتصادية، خاصة من خلال تحليل وضبط وضعية المنافسة في الأسواق ومراقبة الممارسات المنافية لها والممارسات التجارية غير المشروعة وعمليات التركيز الاقتصادي والاحتكار”.

[43]– المادة الأولى من الظهير الشريف رقم 1.14.117 صادر في 2 رمضان 1435 (30 يونيو 2014) بتنفيذ القانون رقم 20.13 المتعلق بمجلس المنافسة، المنشور الجريدة الرسمية عدد 6276 الصادرة بتاريخ 26 رمضان 1435 (24 يوليو 2014).

[44]– المادة 14 من الظهير الشريف رقم 1.00.225 صادر في 2 ربيع الأول 1421 (5 يونيو 2000) بتنفيذ القانون رقم 06.99 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 4810 بتاريخ 06/07/2000 الصفحة 1941.

[45] – المواد من 5 إلى 7 من القانون رقم 20.13 المتعلق بمجلس المنافسة.

[46] – المادة 16 من القانون رقم 20.13 المتعلق بمجلس المنافسة.

[47] – مرسوم رقم 1228-05-2 صادر في 23 من صفر 1428 (13 مارس 2007) بإحداث الهيئة المركزية، منشور بالجريدة الرسمية رقم 5513 الصادرة يوم الإثنين 2 أبريل 2007.

[48] – الفصل 167 من دستور المملكة المغربية لسنة 2011.

[49] – ظهير شريف رقم 1.15.65 صـادر في 21 مـن شعبان 1436 (9 يونيو 2015) بتنفيذ القانون رقم 113.12 المتعلق بالهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، منشور بالجريدة الرسمية عدد 6374 بتاريخ 15 رمضان 1436 (2 يوليو 2015)، ص 6075.

[50] – المادة 3 من القانون رقم 113.12 المتعلق بالهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها.

[51] – تقديم المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، انظر البوابة الإلكترونية للمجلس على الرابط التالي: www.csefrs.ma

[52] – ظهير شريف رقم 1.14.100 صادر في 16 من رجب 1435 (16 ماي 2014) بتنفيذ القانون رقم 105.12 المتعلق بالمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، منشور بالجريدة الرسمية عدد 6257 الصادرة بتاريخ 19 رجب 1435 ( 19 ماي 2014)

[53] – المادة 2 من القانون رقم 105.12 المتعلق بالمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي.

[54] – المادة 3 من القانون رقم 105.12 المتعلق بالمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي.

[55] – المادة 24 من القانون رقم 105.12 المتعلق بالمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي.

[56] – المادة 5 من القانون رقم 105.12 المتعلق بالمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي.

[57] – انظر: تقرير المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي حول “الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015-2030: من أجل مدرسة الإنصاف والجودة والارتقاء”، منشور بالموقع الإلكتروني الرسمي للمجلس على الرابط التالي: www.csefrs.ma

[58] – المجلس الوطني لحقوق الإنسان، في أفق إحداث الهيئة المكلفة بالمناصفة ومكافحة جميع أشكال التمييز، دراسة مقارنة حول التجارب الدولية في مجال مأسسة مكافحة التمييز، ص 8. يمكن تحميله من خلال الرابط الإلكتروني التالي الخاص بالمجلس: www.cndh.ma

[59] – الفصل 19 من دستور المملكة المغربية لسنة 2011.

[60] – المادة الأولى من مشروع قانون رقم 79.14 المتعلق بهيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز.

[61] – الفصل 32 من دستور المملكة المغربية لسنة 2011.

[62] – منصف السليمي، الوظيفة الاستشارية والتغيير في المغرب: تجربة المجلس الوطني للشباب والمستقبل، دار توبقال للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، سنة 1999، ص 34.

[63] – الفصل 33 من دستور المملكة المغربية لسنة 2011.

[64] – يونس مليح، الشباب في الدستور بين طموح الوثيقة وجسامة التحديات، مقال منشور بجريدة الأخبار ليوم 29 غشت 2014، عدد 551.

[65] – عثمان الزياني، رهانات الإصلاح الدستوري في المغرب: مقاربة على ضوء الخطاب الملكي المؤرخ في 9 مارس 2011، منشورات مجلة الحقوق المغربية، مطبعة دار أبي رقراق للطباعة والنشر،الرباط، سنة 2011، ص 25.

[66] – حسن طارق، هيئات الحكامة في الدستور: السياق، البنيات والوظائف، منشورات م،م،إ،م،ت، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، سنة 2016، ص 46.

[67] – الخطاب الملكي بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب، بتاريخ 20 غشت 2012.

[68] – حسن طارق، مرجع سابق، ص 50.

[69] – حسن طارق، مرجع سابق، ص 217.

[70] – عثمان الزياني، مرجع سابق، ص ص 40، 41.

[71] – مقتطف من خطاب الملك محمد السادس، بتاريخ 9 أكتوبر 2015، في افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة من الولاية التشريعية التاسعة.

[72] – مشروع القانون التنظيمي رقم 64.14 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة الحق في تقديـم الملتمسـات في مجال التشريـع، حيث ينص في مادته الأولى على أنه يحدد هذا القانون التنظيمي شروط وكيفيات ممارسة المواطنات والمواطنين الحق في تقديم ملتمسات في مجال التشريع.

[73] – مشروع القانون التنظيمي رقم 44.14 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة الحق في تقديـم العرائـض إلى السلطات العمومية. يحدد هذا القانونالتنظيمي في مادته الأولى شروط وكيفيات ممارسة المواطنات والمواطنين الحق في تقديم العرائض إلى السلطات العمومية.

[74] – يونس مليح، واقع المجتمع المدني في ظل دستور 2011، مقال منشور بجريدة الاخبار ليوم الخميس 24 يوليوز 2014، عدد 522.

[75] – ابراهيم محمد آدم، دور المجتمع المدني في تحقيق الديمقراطية، مجلة الشؤون العربية، العدد 152، شتاء 2012، ص 216.

[76] – حسن طارق، مرجع سابق، ص 214.

[77] – مداخلة عبد الإله فونتير، بمناسبة الدرس الافتتاحي السنوي الثالث لمنتدى الباحثين في العلوم الادارية والمالية، حول «مؤسسات الحكامة بالمنظومة الدستورية – الأدوار والرهانات»، بتاريخ 18 ديسمبر 2014، كلية الحقوق أكَدال – الرباط.

[78] -CHEVALLIER (J), « Les enjeux de la déréglementation », Revue de Droit public, n°01, janvier & février 1987, p. 319 et CHEVALLIER (J), « Réflexions sur l’institution des A.A.I », JCP/E, 1986, 3254. A.A.I= Autorités administratives indépendantes.

[79] – حسن طارق، مرجع سابق، ص 147.

[80] – سعيد جفري: الحكامة وأخواتها، الشركة المغربية لتوزيع الكتاب، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 2010، ص: 32.

[81] – تقرير اللجنة المركزية للوقاية من الرشوة، تحت عنوان “الحكامة الجيدة بين الوضع الراهن ومقتضيات الدستور الجديد 2011″، يونيو 2011، يمكن تحميله من خلال الرابط الإلكتروني التالي : www.icpc.ma

[82] – انطوني غيدنز، بعيد عن اليسار واليمين، مستقبل السياسات الراديكالية، (ترجمة شوقي جلال)، عالم المعرفة، عدد 286، اكتوبر 2002.

[83]– مخرجات الحوار الوطني حول المجتمع المدني والأدوار الدستورية الجديدة، “الميثاق الوطني للديمقراطية التشاركية”، سنة 2013، ص ص 21، 22، يمكن تحميله من خلال الرابط الإلكتروني للوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني: www.mcrpsc.gov.ma

[84]– عبد الله الادريسي، الوظيفة التاطيرية والتنموية للمرافق العامة في الخطاب الاصلاحي، م.م.ا.م.ت، سلسلة مواضيع الساعة، العدد 35، سنة 2002، ص 39.

شارك المقالة

التعليقات معطلة.