أبحاث قانونية حول الطبيعة النظرية للتحكيم في النزاع الضريبي

التأصيل النظري للتحكيم في النزاع الضريبي

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

مصطفى الفوركي
دكتور في الحقوق
محكم معتمد في المغرب
محكم معتمد دوليا
أستاذ زائر بكليات الحقوق – المغرب –

يعد المجال الضريبي أكثر الميادين إثارة لنفور وكراهية المواطنين عموما، والمكلفين على وجه الخصوص، حيث إن الفكرة السائدة أن الإدارة الجبائية لا تقنع وإذ صح التعبير إن لها شهية شرهة[1].وبالتالي فإن التدخل المستمر للإدارة الجبائية وهي تفحص أولا مدى إلتزام الممول بواجباتها التصريحية، ثم المالية المتمثلة في دفع الضريبة في الآجال القانونية ثم فحص التصريحات ومقاربتها مع المعطيات المتوفرة لديها وممارسة حق الإطلاع لدى الملزم لتكوين بنك المعلومات اللازمة حول تصريحات الملزمين، وتوقيع الجزاءات على المخلين بالتزاماتهم، قد يؤدي لا محالة إلى خلافات واصطدامات بينها وبين الملزم تتعلق أساسا بتصحيح الأساس الضريبي الذي ينطوي على حساسية مفرطة تنتج عنها نزاعات كثيرة.[2]

وإذا كانت الضريبة تمثل مسا حقيقيا بالذمة المالية للمكلفين، فإن الموافقة عليها تعتبر الركيزة الأساسية التي يقوم عليها النظام الجبائي برمته. وهذا يفرض بدوره تعاونا وثيقا وبناءا بين الملزم والإدارة، فمتى كان التعاون متبادلا ويستند إلى روح الشفافية والوضوح.

كلما قلت بذلك أسباب الخلافات والنزاعات التي تنشأ بين الملزمين وإدارة الضرائب، وبالتالي توفير طاقة مادية ومعنوية.

ومن المعلوم كذلك أن قوانين الضرائب تتميز عن غيرها من القوانين،بالتعديل والتغيير المستمرين(سنويا أحيانا بمقتضى قوانين المالية)، مما يؤدي إلى كثير من المستجدات القانونية المتعلقة بالملزمين بل وحتى موظفي إدارة الضرائب أحيانا، مما تضطر معه الإدارة إلى إصدار مناشير ودوريات وتعليمات تفسيرية، ومع ذلك لا يقتنع الملزمون بوجهة نظر الإدارة فتنشأ المنازعات بينهم وبين الإدارة الضريبية.[3]

وعليه فان ظاهرة الخلافات والمنازعات ستظل تطبع النظام الضريبي مهما كانت درجة تقبله من طرف الملزمين طالما ان المصالح بين طرفي هذا النظام متضاربة .

وقد سعت الانظمة القانونية الوضعية إلى تأطير وتنظيم هذه الظاهرة وذلك بإيجاد آليات لتسوية الخلافات بين الطرفين في ظل قناعة قائمة بعدم إمكانية السيطرة عليها وبأنها ستستمر طالما آستمرت الإدارة الجبائية في مطالبة الملزمين بالضرائب، وذلك بغية تحقيق الأمن والسلم والإستقرار الاجتماعي وكذا ضمان إحترام مبادئ العدالة الضريبية والمساواة أمام الأعباء العامة والحيلولة دون المساس بالحقوق والحريات الفردية وضبط رد فعل الملزمين تجاه الضريبة. فعوض ان يعترضوا على ضريبة ما عن طريق التمرد والانتفاضات أو حتى عن طريق التهرب من ادائها، خاصة عند احساسهم بأنهم ضحية تعسف الادارة الضريبية فانهم سيجدون باب الطعن مفتوحا أمامهم كوسيلة للتعبير عن إعتراضهم ولإسترجاع حقوقهم سواء أمام الإدارة نفسها او أمام القضاء[4] او بسلوك وسائل بديلة لاجل فض هكذا منازعات.

ونظرا لما تحتله الوسائل البديلة لحل النزاعات من مكانة بارزة في الفكر القانوني والاقتصادي على المستوى العالمي،وما شهده العالم مند أكثر من نصف قرن من حركية فقهية وتشريعية لتنظيم الوسائل البديلة، وما تمثله في الحاضر من فعل مؤثر على صعيد التقاضي كان من الطبيعي أن تعمل الدول جاهدة لإيجاد إطار ملائم يضمن لهذه الوسائل تقنينها ثم تطبيقها لتكون بذالك أداة فاعلة لتحقيق وتثبيت العدالة وصيانة الحقوق.

فيعتبر التحكيم نوعا من القضاء الخاص يقوم على مبدأ سلطان الإرادة بحيث أن أطراف العلاقة يتفقون فيما بينهم على اللجوء إلى التحكيم لأجل حل خلافاتهم ومنازعاتهم التي قد تحصل أو حصلت، بمعنى أخر تخلي المتخاصمين لحقهم في اللجوء إلى القضاء واعتمادهم التحكيم كسبيل لحل الخلاف بينهم، وبمعنى أدق فالتحكيم هو تولية الخصمين لحكم بينهما أي تولية شخص ذو كفاءة وخبرة وعرض النزاع عليه لأجل الحكم في القضية بحكم يرضاه الطرفان ويتم تنفيذه .

فهو مؤسسة قائم بذاته يتجاوز القضاء الرسمي ويتميز عنه بسمات ومزايا لانظير لها في القضاء ولذلك عبر “ارسطو” بقوله ” إن أطراف النزاع يستطيعون تفضيل التحكيم عن القضاء ذلك ان المحكم يرى العدالة بينما لايعتد القاضي إلا بالتشريع ” وكذا قوله ” أن المحكم يسعى الى العدالة والقاضي يسعى إلى تطبيق القانون، والتحكيم أبتكر لتطبيق العدالة[5].”

لم يعد التحكيم الوسيلة البديلة لفض منازعات التجارة الدولية فحسب بل أصبح أو يكاد يصبح الوسيلة الأساسية لحسم تلك النزاعات[6] وخصوصا المتعلقة بالضرائب ومنازعات الإزدواج الضريبي وكذا منازعات الإستثمار. وقد وجد التحكيم تشجيعا من نوع أخر, في الدعم غير المحدود الذي تقدمه شتى المنظمات والهيئات الدولية المتخصصة لتقنين التحكيم وتشجيع اللجوء إليه حفاظا على إستمرار التعاون بين الأفراد والجماعات عبر الحدود الوطنية[7]

فالتحكيم لغة من مادة ( حكم ) بتشديد الكاف وفتحها تعني جعل شخص حكما بين شخصين متنازعين اي اجزنا حكمه بيننا[8]

أما اصطلاحا فقد تعددت التعاريف واختلفت المفاهيم التي أعطيت للتحكيم وكل منها ينظر إلى التحكيم من وجهة نظر معينة

المطلب الأول : تعريفات التحكيم
سنتولى في هذا المطلب معالجة مختلف التعريفات المقدمة سواء من طرف التشريعات القانونية أو الاجتهادات القضائية للتحكيم

الفقرة الاولى : التعريف القانوني للتحكيم
عرف المشرع المغربي التحكيم بمقتضى الفصل 306 من القانون 08.05 بأنه : ( يراد بالتحكيم حل نزاع من لدن هيئة تحكيمية تتلقى من الأطراف مهمة الفصل في النزاع بناءا على اتفاق تحكيم )

وعرف اتفاق التحكيم بمقتضى الفصل 307 من القانون 08.05 بأنه : ( التزام الأطراف باللجوء الى التحكيم قصد حل نزاع نشأ أو قد ينشأ عن علاقة قانونية معينة تعاقدية أو غير تعاقدية )

يكتسي إتفاق التحكيم شكل عقد تحكيم أو شرط تحكيم

أما عقد التحكيم فيقصد به بمقتضى الفصل 314 من القانون 08.05 بأنه : ( الإتفاق الذي يلتزم فيه أطراف نزاع نشأ بينهم بعرض هذا النزاع على هيئة تحكيمية .

كما يقصد بشرط التحكيم بمقتضى الفصل 316 من القانون 08.05 بأنه : ( الإتفاق الذي يلتزم فيه أطراف عقد بأن يعرضوا على التحكيم النزاعات التي قد تنشأ عن العقد المذكور)

أما المشرع الفرنسي فقد عرف شرط التحكيم في المادة 1442 من قانون المسطرة المدنية بأنه ( إتفاق يتعهد بمقتضاه الأطراف في عقد من العقود بإخضاع المنازعات التي يمكن ان تنشأ بينهم في المستقبل للتحكيم )

كما عرف عقد التحكيم في المادة 1447 من نفس القانون بأنه ( عبارة عن عقد يتفق بمقتضاه أطراف نزاع نشأ بالفعل على إحالة هذا النزاع إلى محكم او عدة محكمين لكي يتولوا الفصل فيه )

أما المشرع المصري فقد عرف إتفاق التحكيم في الفقرة الأولى من المادة 10 من القانون رقم 27 لسنة 1994 بأنه : ( إتفاق بين الطرفين على الإلتجاء إلى التحكيم لتسوية كل أو بعض المنازعات التي نشأت أو يمكن أن تنشأ بينهما بمناسبة علاقة قانونية معينة عقدية كانت أو غير عقدية

نستشف من التعريفات السابقة للتحكيم أن المشرع المصري اقتصر على تعريف اتفاق التحكيم بينما المشرع الفرنسي قد عمل على تعريف كل من شرط التحكيم وعقد التحكيم، بينما المشرع المغربي فقد عرف مؤسسة التحكيم وإتفاق التحكيم وعقد التحكيم وشرط التحكيم إلا أن تعريف التحكيم الضريبي لم تتعرض له أي من التعريفات السابقة مما يبقى معه الرجوع إلى التعريفات الفقهية في هذا الصدد

الفقرة الثانية : تعريف القضاء للتحكيم
لم تتفق الاجتهادات القضائية على تعريف موحد للتحكيم، فقد عرفته الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة المصري بأنه : ” الإتفاق على عرض النزاع أمام محكم أو أكثر ليفصلوا فيه بدلا من المحكمة المختصة به، وذلك بحكم ملزم للخصوم[9]”

أما محكمة النقض المصرية فقد عرفت التحكيم في العديد من قراراتها قائلة أنه ” طريق استثنائي لفض الخصومات قوامه الخروج على طرق التقاضي العادية وما تكلفه من ضمانات ومن ثم فهو مقصور حتميا على ما تنصرف إرادة المحكمين إلى عرضه على هيئة التحكيم[10] يستوي أن يكون في ذلك أن يكون الاتفاق على التحكيم في نزاع معين بوثيقة خاصة أو انصرافه إلى جميع المنازعات التي تنشأ عن تغيير عقد معين فلا يمتد نطاق التحكيم إلى عقد لم تنصرف إرادة الطرفين إلى فض النزاع بشأنه عن طريق التحكيم أو أي اتفاق لاحق ما لم يكن رباط لاينفصم بحيث لايستكمل دون أن يجمع بينهما اتفاق[11]”

أما بالنسبة للمحكمة الدستورية المصرية فإنها ترى على أن التحكيم “عبارة عن عرض نزاع معين بين طرفين على محكم من الأغيار يعين باختيارهما أو بتفويض منهما وفقا لشروط يحددها ليفصل في النزاع بقرار يقطع دابر الخصومة، وبعد أن يدلي كل منهما بوجهة نظره من خلال ضمانات التقاضي الرئيسية، وبذلك يكون التحكيم عملا إراديا ركيزته اتفاق خاص مبناه ، اتجاه إرادة المحتكمين إلى ولوج هذا الطريق لفض الخصومات بدلا من القضاء العادي، ومقتضاه حجب المحاكم عن المسائل التي يتناولها استثناءا من أصل خضوعها لولايتها[12] ”

أما محكمة النقض المغربية فقد اعتبرت التحكيم وسيلة من الوسائل البديلة عن قضاء الدولة في فض المنازعات بين الأفراد والجماعات من لدن هيئة تحكيمية تتلقى من الأطراف مهمة الفصل في النزاع بناءا على إتفاق التحكيم[13]

وقد جاء في قرار لمحكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء ما يلي ” حيث أن الثابت قانونا وفقها أن التحكيم هي الطريقة التي يختارها الأطراف لفض المنازعات التي تنشأ عن العقد. عن طريق طرح النزاع والبت فيه أمام شخص أو أكثر يطلق عليهم اسم المحكم أو المحكمون دون اللجوء إلى القضاء”[14]

ومعنى ذلك أن الأمر يتولاه محكم أو أكثر باختيار الأطراف لفض النزاع بصفة نهائية فيما ينشأ بينهم من منازعات[15]

الفقرة الثالثة : التعريفات الفقهية للتحكيم الضريبي
يقصد بالقانون الضريبي في نطاق التحكيم مجموعة القواعد القانونية التي تتناول النظام الضريبي للملزم في علاقته بالإدارة الضريبة[16] أما بالنسبة لتحديد مفهوم المنازعة الضريبية فقد اختلف الفقه في هذا الصدد. فقد تبنى البعض مفهوما ضيقا للمنازعة الضريبية بينما البعض الاخر تبنى مفهوما موسعا للمنازعة الضريبية وذلك على النحو التالي :

المنازعات الضريبية امام اللجان الضريبية : سلسلة الابحاث الجامعية و الاكاديمية العدد 7 / شتنبر 2017

الإتجاه الأول الذي يأخذ بالمفهوم الضيق للمنازعة الضريبية وهو الإتجاه الغالب في الفقه[17] ويقتصر أنصار هذا الاتجاه على أن مفهوم المنازعة الضريبية يتعلق بالمنازعات التي تتعلق بربط وتحصيل الضريبة[18] وهناك رأي أخر يقصر المفهوم الضيق للمنازعة الضريبية, على المنازعة الخاصة بربط الضريبة فقط دون المنازعة المتعلقة بتحصيلها[19]

الإتجاه الثاني الذي يأخذ بالمفهوم الواسع للمنازعة الضريبية ويشمل مفهوم المنازعة الضريبية وفقا لهذا الرأي ، منازعات الربط والتحصيل ودعاوى الإلغاء الخاصة بالقرارات الإدارية غير المشروعة الصادرة عن جهة الإدارة الضريبية، ودعاوى التعويض عن الضرر والطعون والدعاوى المتعلقة بتطبيق الجزاءات التي يفرضها القانون

هذا من جهة ونجد من جهة اخرى ان بعض الفقه ذهب إلى تعريف التحكيم بأنه نظام خاص للتقاضي ينشأ بالإتفاق بين الأطراف المعنية ويعهد فيه إلى شخص أو أكثر من الغير بمهمة الفصل في المنازعات التي تنشأ بينهم[20] كما عرفه البعض الاخر, بأنه الاتفاق ذو الشأن على عرض نزاع معين على فرد او أفراد أو هيئة للفصل فيه دون المحكمة المختصة[21] بينما ذهب فريق ثالث الى القول ان التحكيم هو وسيلة ونظام لحل المنازعات التي تنشأ بين طرفين, وذلك بموجب إتفاق خاص بينهما على إحالة هذا النزاع للتحكيم والإلتزام بالقرار الذي يصدر من المحكم[22]

كما تعرفه هيئة التحكيم الأمريكية, بأنه احالة النزاع الى شخص او عدة اشخاص محايدين ليصدرو حكما نهائيا وملزما في النزاع,[23] كما عرفه اخرون بأنه نظام قضائي خاص, يختار فيه الأطراف قضائهم ويعهدون اليه بمقتضى اتفاق مكتوب بمهمة تسوية النزاعات التي تنشأ بالفعل, او قد تنشأ بينهم فيما يتعلق بعلاقاتهم التعاقدية والتي يجوز حسمها بالتحكيم وذلك وفقا لمقتضيات قانون العدالة واصدار قرار قضائي ملزم لهم.[24]

كما ذهب فريق اخر الى القول بأن التحكيم نظام قانوني يجيز للافراد او يوجب عليهم اخضاع ما يثور بينهم من نزاعات نشأت بالفعل او قد تنشأ مستقبلا لحكم تحكيمي يصدره شخص او أكثر ينتمي أو لاينتمي الى هيئة نظامية معينة وتلعب ارادة الأفراد دورا في تسميته[25].

وقال اخرون أن التحكيم هو عملية خاصة, يتم من خلالها التوصل الى حل ملزم للنزاع من خلال فرد او أكثر يختارون بمعرفة أطراف المنازعة [26]

ونستنتج من خلال كل هذه التعاريف الفقهية, الى ان التحكيم هو اتفاق بين طرفين أو أكثر على اسناد اي نزاع يثور بينهما سواء حالا او في المستقبل الى شخص ( محكم ) او اكثر (محكمين), يعهد اليهم بمهمة فض هذه النزاعات بحكم نهائي يكون ملزما لجميع الأطراف.

وبعد الاستعراض للتعريفات التشريعية والقضائية والفقهية للتحكيم, يتبين أن مضمون كل منها واحد وإن اختلفت الصياغات والتشريعات، فالإختلاف الوحيد الذي يمكن ان ينشأ هو مايتعلق بأطراف العملية التحكيمية ومحل النزاع [27]. ومنه حينما نقول التحكيم لفض المنازعات الضريبية فإن مايتبادر الى الذهن هو النزاعات التي تنشأ بين الملزم وادارة الضرائب فيما يتعلق بتطبيق القانون الضريبي لذلك ننتهي الى تعريف التحكيم الضريبي بأنه ” التحكيم الضريبي وسيلة قانونية بديلة عن القضاء وعن طريقها يمكن عرض النزاع الضريبي بين الملزم والادارة الضريبية على شخص أو هيئة معينة لفض ذلك النزاع طالما يسمح القانون باللجوء لهذا الطريق لتسوية النزاع, ليصبح القرار ملزما للطرفين ولايمكن الطعن فيه الا في الحالات المقررة قانونا”[28]

من خلال هذا التعريف يتضح لنا أن التحكيم في المنازعات الضريبية يختلف نسبيا عن التحكيم بصفة عامة وذلك لأن اتفاق التحكيم هو إتفاق إرادي تتوجه اليه ارادة الاطراف بكل حرية, عكس التحكيم الضريبي الذي يفرض اساسا وجود اجازة تشريعية في القانون الضريبي ذاته يسمح باللجوء الى هذه الوسيلة البديلة لاجل فض النزاع القائم الذي يكون اساسه الضريبة، وكما هو معلوم ان الضريبة بصفة عامة تعد من الامور المتعلقة بالنظام العام والتي تتكلف الدولة بتطبيقها .

الأصل لا يجوز التحكيم في المسائل والمنازعات المتعلقة بالنظام العام, لكن تحت وطأة الظروف الاقتصادية وتشابك العلاقات الاقتصادية الدولية من ناحية أخرى, بدأت الدول المتقدمة والأخرى السائرة في طريق النمو إلى تحديث ترسانتها التشريعية عبر السماح باللجوء إلى التحكيم في النزاعات الضريبية , على الرغم من أن هذه الأخيرة تتعلق بسياسة الدولة الاقتصادية وذلك تحت وطأة الضغوط الخارجية من قبل المنظمات والدول الكبرى ناهيك إلى حالات تقتضي العدالة السماح بشأنها إلى اللجوء إلى التحكيم لحسمها ومثال ذلك حالات الازدواج الضريبي الذي تتم تسويته عادة عن طريق الاتفاقيات الثنائية أو الجماعية والتي تكون منصوصة في معظمها على جواز اللجوء إلى التحكيم لتسوية النزاعات الضريبية التي تنشأ جراء تطبيق هذه الاتفاقيات ووفقا للمساطر المنصوصة عليها في هكذا اتفاقيات

كما يجب الإشارة إلى أن التحكيم الضريبي يختلف قطعا عن الاتفاقيات الأخرى التي قد تبرم بين الملزم والإدارة الضريبية فيما يتعلق بالصلح الجبائي وكذلك الاتفاق على وعاء الضريبة أمام لجان التحكيم الضريبية ( اللجنة المحلية لتقدير الضريبة ) ( اللجنة الوطنية للنظر في الطعون الضريبية ) في مجموعة من النقاط نذكر منها :

هذه الاتفاقات بين الملزم والادارة الضريبية لاتمنع الملزم إطلاقا من اللجوء الى القضاء لاجل حل النزاع الثائر او الذي قد يثور بينهم
هذه الاتفاقات لاتمنح الملزم الحرية في تعيين الاشخاص الذين يعهد اليهم بمهمة الفصل في النزاع
هذه الاتفاقات لاتؤدي الى حسم النزاع بين الملزم و الادارة الضريبية في كافة اوجه الخلاف
هذه الاتفافات يمكن مخالفتها واللجوء الى القضاء ولا تترتب عنها اثار قانونية للطرفين جراء مخالفة احدهما لمقتضياتها واللجوء الى القضاء مباشرة

المطلب الثاني : الطبيعة القانوية للتحكيم الضريبي
اختلفت الآراء الفقهية حول التكييف القانوني للطبيعة القانونية للتحكيم الضريبي إلى مجموعة من الآراء المتباينة والمختلفة بين من يقر بالطبيعة القضائية للتحكيم ومن يجزم بالطابع التعاقدي للتحكيم ثم إلى من يقول بان التحكيم ذو طبيعة مختلفة وأخرون يدافعون على أن التحكيم ذا طبيعة مستقلة وهذا ما سنتناوله في هذا المطلب بإيجاز

الفقرة الأولى: الطبيعة القضائية والتعاقدية للتحكيم
سنعالج في هذا المطلب الطبيعة القضائية للتحكيم والاراء المؤيدة لهذا الاتجاه في فقرة اولى على ان نتولى في فقرة ثانية للاراء المؤيدة للطبيعة التعاقدية للتحكيم .

أولا : الطبيعة القضائية للتحكيم

يذهب انصار هذا الرأي[29] أن جوهر الوظيفة القضائية هو فض النزاع بين الخصوم بحكم ملزم وهي ذات الوظيفة التي يقوم بها المحكم وان استندت في وجودها الى اتفاق الاطراف واستندوا في ذلك الى ان تحديد طبيعة اي نظام من النظم انما يعتمد على معايير موضوعية. تتعلق بأصل الوظيف وليس على معايير عضوية او شكلية تتعلق بشخص من يؤديها او بما هو عارض في ادائها، كما ان نظر النزاع أمام المحكم يمر بذات الاجراءات التي يمر بها امام القاضي وينتهي بحكم مماثل لحكم القاضي سواء فيما تعلق بالطعن فيه او فيما يتعلق بقابليته للتنفيذ[30]. هكذا فاقامة العدل بين الناس لها طريقان احدهما عام تقيمه الدولة واخر خاص يقيمه الخصوم أنفسهم، وفي كلتا الحالتين ينفذ الحكم جبريا[31]

كما يرى انصار هذه النظرية الى ان ثمة عناصر ثلاث يجب ان تتوافر في العمل القضائي وهي الادعاء والمنازعة والشخص القائم بالعمل والقادر على حسم النزاع، واذا طبقت هذه العناصر الثلاث على التحكيم لوجدنا أنها تتوافر جميعا فعمل المحكم يعد قضائيا مادام جوهر القضاء هو تطبيق ارادة القانون [32] كما يعتبرون على ان المحكم كالقاضي حيث يتمتع حكمه بكافة الخصائص التي يتمتع بها غيره من الاحكام. اذ انه يجوز بمجرد صدوره حجية الامر المقضي به ويستنفذ المحكم بمجرد اصداره له ولايته بشأنه فلا يملك ان يعدله او ان يرجع فيه او ان يصدر ما يخالفه[33]

الى اعتبار ان التحكيم ذا طبيعة قضائية مردهم في ذلك الى ان التحكيم ينهي الخصومة بحكم ملزم للطرفين متى اتفقوا الى اللجوء اليه ناهيك الى ان عمل المحكم ذو طبيعة قضائية والحكم الصادر من المحكم لايجوز الطعن فيه الا استثناءا وفي حالات محددة على سبيل الحصر

كما يذهب كذلك أنصار النظرية القضائية إلى ضرورة الأخذ بالمعيار الموضوعي المتعلق بأصل وظيفة المحكم وليس المعيار العضوي أو الشكلي المتعلق بشخص من يقوم بهذه الوظيفة، فالتحكيم والقضاء يقومان بوظيفة واحدة وهي حسم النزاع وتحقيق العدالة بين المتخاصمين وفي سبيل ذلك فإن نظر النزاع أمام القاضي أو أمام المحكم يمر بنفس الإجراءات وينتهي بحكم حاسم للنزاع، ومن هنا حسب أنصار هذه النظرية، يكتسب التحكيم الطبيعة القضائية.[34]

كما يضيف اخرون الى أن جوهر وظيفة الدولة المعاصرة، هي إقامة العدل بين الأفراد، أما الوسيلة فقد تكون عن طريق محاكم الدولة وقضاتها كما يمكن أن تكون عن طريق قضاة خاصين من اختيار المتنازعين، أي عن طريق المحكمين، فالتحكيم هو نوع من أنواع القضاء إلى جانب قضاء الدولة[35]

لم تسلم هذه النظرية من الانتقاد، فرغم الحجج القوية التي استند عليها أصحابها لتبرير رأيهم، فعند البعض، إن عمل المحكم في مجال التجارة الدولية يختلف عن عمل القاضي، فليس للمحكم ما للقاضي من دوام واستقرار وظيفي، ولا يتمتع بالحصانة، وحجية أحكام المحكمين وقوتها التنفيذية ليست بنفس ما للحكم القضائي[36]. كما أن وجود التحكيم المؤسسي لا يمنع الأطراف من اللجوء إلى التحكيم الحر، وانتشار هيئات التحكيم الدائمة وتطبيقها لقواعد خاصة بها تتعلق بإجراءات سير خصومة التحكيم، لا تسلب للأطراف حرية اختيار قواعد وإجراءات أخرى[37]. ويذهب فريق آخر في انتقاده للنظرية القضائية إلى القول بأن المحكم فرد عادي لا يخضع لجريمة إنكار العدالة عند امتناعه النظر في النزاع ولا لدعوى المخاصمة لأنه ليس موظفا عموميا مثل القاضي[38].

ويسجل إيجابيا على أنصار هذه النظرية، كشفهم حقيقة الوظيفة التي يؤديها المحكم، باعتبارها وظيفة قضائية، تتجاوز مجرد تنفيذ شروط اتفاق التحكيم[39]

وتأييداً للاتجاه الأخير تبنى المؤتمر السادس للتحكيم التجاري الدولي المنعقد في مدينة مكسيكو عام 1978 فكرة اعتبار «التحكيم والقضاء يشكلان عمليات قانونية متممة لبعضها البعض، وهما ليسا متناقضين أو متزاحمين، وإنما هما شركاء في نظام القضاء التجاري الدولي.[40]

ونحن لا ننفي وجود العديد من أوجه الشبه بين أحكام التحكيم وأحكام القضاء، إلا أن هذا التشابه لا يجوز أن يكون مؤدياً بنا إلى اعتبار التحكيم نظاماً قضائياً، لأن هناك أيضاً العديد من أوجه الاختلاف بينهما

ثانيا : الطبيعة التعاقدية للتحكيم

اختلف الفقه والقضاء في تحديد الطبيعة القانونية للتحكيم فذهب اتجاهه إلى ترجيح طبيعته التعاقدية.

فاعتبر البعض[41] التحكيم عقداً رضائياً ملزماً للجانبين من عقود المعاوضة ويدمج أنصار هذا الاتجاه “حكم التحكيم في اتفاق التحكيم سواء تم التحكيم داخل الدولة أم في دولة أجنبية” والمحكمون ليسوا قضاه بل أفراد يعهد إليهم بمهمة تنفيذ الاتفاق.

فطالما أن نظام التحكيم يقوم على أساس إرادة الأطراف فإن له طابع تعاقدي، فالأطراف باتفاقهم على التحكيم يتخلون عن بعض الضمانات القانونية والإجرائية التي يحققها النظام القضائي، وذلك بهدف تحقيق مبادئ العدالة والعادات التجارية واتباع إجراءات سريعة وأقل رسمية من إجراءات المحاكم. وإذا كان في هذا التخلي عن بعض المخاطر فهي بلا شك مخاطرمحسوبة.[42]

فالصفة التعاقدية يحتمها اعتبار التحكيم من أدوات المعاملات الدولية. مما يقتضي أن يلبي مقتضيات هذه المعاملات وتزايد انتشارها كل يوم. ولاشك أن التجارة الدولية أو المعاملات الدولية يعترضها التشريعات والقضاء في مختلف الدول. ولا يمكن تحرير المبادلات الدولية إلا عن طريق العقد لما يتصف به من طابع دولي.فلن تقم للتحكيم قائمة بدون جوهره التعاقدي. وقد تبنى جانب كبير من الفقه الفرنسي نظرية الطبيعة العقدية استنادا الى أن التحكيم يقوم على اساس ارادة الاطراف استنادا لمبدأ سلطان الارادة فان له طابع تعاقدي. فالاطراف باتفاقهم على التحكيم يتنازلون عن بعض الضمانات القانونية والاجرائية التي يحققها النظام القضائي بل وقد أكد البعض ان التحكيم لن تقوم له قائمة دون جوهره التعاقدي[43].

وقد أيدت محكمة النقض الفرنسية[44] الطبيعة التعاقدية وانسحاب هذه الطبيعة إلى كل من اتفاق التحكيم وحكم التحكيم .

وبعد ميل القضاء المصري أيضاً لترجيح الطابع الاتفاقي في نفيه الصفة القضائية عن التحكيم، إذ ترى محكمة النقض المصرية[45] أن قوام التحكيم “الخروج من طرق التقاضي العادية”.
كذلك يرى البعض[46] تأييد المشرع المصري للطبيعة التعاقدية للتحكيم نظراً لأن المذكرة الإيضاحية لقانون المرافعات رقم 13 لسنة 1968 في التعليق على المادة 513 “الملغاة” من ذلك القانون كانت تنص على أن “حكم المحكمين ليس حكماً قضائياً” كما أن المادة 501 الملغاة من القانون كانت تجعل التحكيم يرتكن على اتفاق الأطراف.
ولا نستخلص من ذلك تحيزاً من المشرع المصري لتحديد طبيعة التحكيم، وبالإضافة إلى ذلك يقرر المشرع المصري في المادة 299 مرافعات سريان قواعد تنفيذ أحكام القضاء الأجنبية على أحكام المحكمين الصادرة في بلد أجنبي.[47]

ولو رجعنا إلى بعض النصوص في ق.م.م. لوجدنا أن المشرع المغربي جنح إلى الأخذ بالطبيعة الاتفاقية للتحكيم من خلال مجموعة من الفصول ) 306-307-308-309-311.( من قانون المسطرة المدنية أما على مستوى القضاء فقد ذهب القضاء المغربي في بعض اجتهاداته إلى تبني هذه النظرية بحيث جاء في قرار لمحكمة استئناف الدار البيضاء “تبعا لذلك فإن حكم المحكمين المطابق لاتفاقية الأطراف لها طبيعة تعاقدية، ولا تصل إلى درجة القرارات القضائية” .[48]

هذا من جهة ومن جهة اخرى فان اتخاذ التحكيم طريقاً بديلاً لفض المنازعات في المنازعات الضريبية وفي العقود التجارية خاصة، يكون في الغالب الأعم بناء على رغبة واختيار من قبل اطراف النزاع، فغالب المنازعات التي تنظر بطريق التحكيم تكون من قبيل (التحكيم الاختياري) فهو الأصل في التحكيم.

وأساس هذا النوع من التحكيم هو اتفاق الأطراف على الأخذ به، وهذا الاتفاق يعتبر عملاً من اعمال القانون الخاص يدور في دائرة المعاملات المالية؛ لكون غالبية النزاعات المنظورة عن طريق التحكيم هي نزاعات تجارية ومالية وضريبية. (فهنا وقع الاتفاق في نطاق القانون الخاص، ودخل في دائرة المعاملات المالية) فيكون بذلك قد انتقل الاتفاق الى معنى العقد[49]

بصيغة اخرى ان الأصل في التحكيم هو الاتفاق بين طرفي النزاع ( الادارة الضريبية والملزم ) من خلال العقد المبرم بينهما على تسوية هذا النزاع عن طريق التحكيم ومن خلال ذلك العقد يتم تشكيل الهيئة التحكيمية وتحديد الاجراءات والقانون واجب التطبيق على موضوع النزاع كما يتم الالتزام بحدود الاتفاق بين اطراف النزاع من خلال عقد التحكيم

وبتالي ما يمكن استخلاصه من هذه النظرية أن أصحابها يستندون على الحج اللآتية:

1-أن المحكمين ليسو قضاة تعينهم الدولة لأنهم أفراد عاديين

2-أن مصدر سلطتهم في القضاء يرجع إلى طابع تعاقدي وهو رضاء الأفراد بحكمهم

3-أن الإرادة هي التي تطبق لمعرفة القانون الواجب التطبيق على أحكام المحكمين الأجنبية.

4-أن المحكمين يستطيعون رفض التحكيم دون أن يكونوا منكرين للعدالة كما أنهم لا يستطيعون توقيع جزاءات على الخصوم.

5-أن المحكمين لا يمتعون بسلطة الأمر التي يتمتع بها القضاء ويتقيدون بالأشكال الإجرائية[50]

إلا أن هذه النظرية انتقدت من لدن بعض الفقه[51] في كونها بالغت في دور الإرادة للأطراف، هذا فضلا على أن التحكيم وإن كان يستند إلى اتفاق الخصوم، فإن الالتجاء إلى القضاء يستند إلى إرادة الخصوم والمتمثلة في المطالبة القضائية، وطلبات الخصوم، ولا يحكم إلا بناء على هذه الطلبات، وفي حدودها، كما يمكن لأطراف الخصومة الاتفاق على نزع الاختصاص من محكمة وتثبيته لمحكمة أخرى كما أن هذه النظرية تجاهلت حقيقة الوظيفة التي يؤديها المحكم، فالمحكم يقوم في الواقع بالوظيفة ذاتها التي قوم بها القاضي وهو ينتهي في هذا الشأن إلى حكم مشابه للحكم الذي يصدر عن القاضي.

ويترتب عن هذا الاتفاق الذي يرد في شكل عقد، أثار قانونية مهمة في ذمة عاقديه ومن يحل محلها وفي حقوقيهما والتزاماتهما، ولعل من أبرزها نزع الاختصاص عن المحاكم القضائية وجعل هيئة التحكيم هي المختصة

كما ان هذه النظرية تبالغ في اعطاء الدور الاساسي لارادة الاطراف، فالاطراف في التحكيم لايطلبون من المحكم الكشف عن ارادتهم، وانما يطلبون منه الكشف عن ارادة القانون في الحالة المعينة دون ان يلقى بالا لما تكون ارادة الاطراف قد اتجهت اليه [52] كما ان المحكم لايعمل بارادة الخصوم وحدها فمتى اتفق الخصوم على التحكيم فانه يصبح المختص دون غيره بالفصل في النزاع ويحل محل قضاء الدولة في هذا الشأن

كم ان الفقه قد اختلف في تكييق نوع العلاقة العقدية التي تربط المحكم بالأطراف الى مناحي شتى فقد وصل بالبعض الى اعتبار العقد الذي يربط المحكم بالأطراف عقد وكالة وهذا ما أكده الفقه السويسري باعتبار العقد المبرم بين المحكم والاطراف هو عقد وكالة يوكل فيه الطرفان المحكم للفصل في النزاع[53]. الى اننا نرى انه من الصعب تكييف العقد الذي يربط المحكم بالاطراف بأنه عقد وكالة، فالاطراف لايفوضون المحكم بتمثيلهم والمحكم لايمثل الطرف الذي سماه والمهمة التي يقوم بها المحكم لاعلاقة لها بما كان سيقوم به أطراف النزاع، فأطراف النزاع يقدمون الحجج لدعم وضعهم القانوني، وليست هذه مهمة المحكم ولا هو يمثلهم في ذلك وحين يبدأ المحكم بهذه المهمة يصبح معرضا للعزل على الفور. فالوكيل ينفذ تعليمات موكله اما المحكم فهو غير ذلك فلا علاقة له بمن رشحه او سماه. وقد اتجه القضاء الفرنسي الى اتخاذ موقف صريح من عقد الوكالة اذ ابطل اتفاقا على التحكيم يحيل اي خلاف محتمل الى وكلاء معتبرا ان هذا الشرط باطلا[54]

من وجهت نظري ارى بان مما يؤيد وقوع اتفاقية التحكيم ضمن النظرية التعاقدية اضافة الى ما تقدم، هو كون التحكيم في اصله يعتبر من العقود المسماة، وهو بذلك يكون خاضعاً للنظرية العامة للعقد، اضافة الى ذلك ان (المحكم) في اتفاقية التحكيم شخص عادي أوكل اليه القيام بتنفيذ عقد التحكيم، ولو كان خاضاً للنظرية القضائية لاعتبر المحكم قاضياً، له ميزات القاضي.

كما ان قرار التحكيم يستمد قوته الإلزامية ابتداءً من: القوة الملزمة للعقد، وتصديق السلطة القضائية عليه ليس معناه خضوعه للنظرية القضائية، وإنما هذا التصديق يضاف به الى الزامية القرار قوة الحكم القضائي لأجل التنفيذ وفي مواجهة الغير

الفقرة الثانية : الطبيعة المختلطة والمستقلة للتحكيم
هناك من الفقه من يعتبر على ان التحكيم ذي طبيعة مختلطة وهناك جانب اخر يقر بالطبيعة المستقلة للتحكيم

أولا : الطبيعة المختلطة للتحكيم

ظهرت هذه النظرية في بداية النصف الثاني من هذا القرن بعد أن ظهرت النظريتين السابقتين التعاقدية والقضائية [55].

فقد حاول بعض الفقه تلافي الانتقادات الموجهة الى نظرية الطبيعة العقدية لعمل المحكم وكذا الطبيعة القضائية لعمله عن طريق تقرير الطبيعة المختلطة على اعتبار مجموعة من الاعتبارات حيث ان التحكيم يشغل مركزا وسطا بين الحل الرضائي للمنازعات وبين الحل القضائي الذي تفرضه احكلم القضاء. فيتراخى الاعتراف بالطبيعة القضائية لحكم التحكيم لما بعد صدور الامر بتنفيذه[56] وذلك كنتيجة للربط بين حجة حكم التحكيم وقوته التنفيذية ومن ثم يتمتع الحكم بطبيعة مزدوجة فهو عقدي بالنظر الى الوجوه التي تشتق من أصل التحكيم وهو العمل الارادي للاطراف وهو قضائي بالنظر الى كون الحكم الذي ينتهي اليه يلزم الاطراف بقوة تختلف عن مجرد القوة الملزمة للعقد[57] فهذه النظرية تفرق بين العلاقة التعاقدية والعلاقة القانونية الاجرائية البحتة[58] وهي تسعى الى التوفيق بين النظريتين السابقتين كما يرى أنصار هذه النظرية بأن عملية التحكيم لا تقتصر على إرادة الأطراف ولا على النتيجة التي تنتهي بها بحسم النزاع وصدور حكم نهائي فيه، وإنما هي تحتل موقعاً وسطاً بين النظريتين، وبالأحرى أنها تجمع بين أفكارهم، بين إرادة الخصوم والنتيجة القضائية التي ينتهي إليها المحكمون بالفصل في النزاع بحكم نهائي، وبهذه الميزة تمثل هذه النظرية «نظاماً مختلطاً» تبدأ باتفاق الأطراف على التحكيم، وتنتقل إلى إجراءات التحكيم، ثم تنتهي بقضاء هو حكم المحكمين [59].

وطبقا لهذه النظرية يحتل المحكم موقعا وسطا حيث يتمتع الحكم بطبيعة مزدوجة تبدأتعاقدية وتنتهي قضائية بصدور الأمر بتنفيذ الحكم[60] فخلاصة هذا الاتجاه أن التحكيم هو حقيقة ممتدة في الزمن تبدأ باتفاق التحكيم وتنتهي بشمول حكم المحكم بأمر التنفيذ كما تقدم وخلال امتدادها الزمني يتعاقب عليها طابعان : الاول هو تعاقدي الذي يجسده اتفاق التحكيم والثاني قضائي الذي تجسده وظيفة المحكم متمثلة في حسم النزاع المطروح عليه[61]

ويبرر مؤيدو النظرية ذلك بمصلحة التجارة الدولية التي تتطلب إطلاق حرية الاتفاق على التحكيم في بدايته، ثم تحويله في مرحلته الأخيرة إلى قضاء ليكتسب القرار الذي يصدر فيه حجية بذاته، فلا يحتاج إلى دعوى يعقبها حكم يضفي عليه هذه الحجية لأن هذه الحجية يكتسبها من تاريخ صدوره، وإن كان تنفيذه القانوني يحتاج إلى إجراء قضائي يقضي بمنحه صيغة التنفيذ .كما يرى البعض الاخر على ان التحكيم يبدو وكأنه نوع من الحلول التي تقيم التوازن بين متناقضين وهما احترام سلطان الارادة ومقتضيات الخضوع لاحكام التنظيم القانوني للمجتمع[62]بمعنى اخر ان الاخذ بفكرة الطبيعة المختلطة بعمل المحكم من ناحية يمثل فكرة العقد باعتبارها تجسيدا لمبدأ سلطان الارادة ومن ناحية ثانية يمثل فكرة القضاء عن طريق حكم القانون والعدالة ليطلعنا على طبيعة عمل المحكم بصفة مختلفة، أي ان عمل المحكم يخضع لتأثيرات مختلفة لفكرة العقد والقضاء معا كما يصبغ على عملية التحكيم طبيعة مختلطة أيضا عبارة عن نوع من القضاء الخاص[63]

ويترتب عن الاخذ بوجهة النظر هذه عدم الاعتراف بحجية الحكم التحكيمي الابعد صدور الامر بتنفيذه وقد تأثرت بعض الاحكام القضائية بهذه النظرية في الربط بين حجية أحكام التحكيم وقوتها التنفيذية[64] كما نجد مجموعة من التشريعات التي اخذت بهذا المعيار كالمشرع السعودي في قانون التحكيم الجديد.

ويبدو أن محكمة النقض الفرنسية بدأت تتأثر بهذا الاتجاه الحديث في تكييف التحكيم، وإن كانت في قراراها الصادر بتاريخ 27/7/1937 قد أكدت على الصفة الاتفاقية للتحكيم، واعتبرت حكم المحكمين الأجنبي كالحكم الوطني لا يحتاج تنفيذه إلى إقامة الدعوى أمام المحكمة بكامل هيئتها، وإنما إلى مجرد طلب يقدم إلى رئيس المحكمة ليأمر بوضع صيغة التنفيذ عليه وهو ما أكدت عليه المادة (2477/2) من قانون المرافعات الفرنسي الحديث .

ورغم هذا التطور في تكييف التحكيم فإن المحاكم الفرنسية بقيت متمسكة بوجهة نظرها التي تؤكد على الطبيعة القضائية الصرفة للتحكيم، مما دفع محكمة النقض الفرنسية في عام 1949 إلى العدول من اجتهادها السابق، واعتبار التحكيم نظاماً مختلطاً يبدأ بإرادة الأطراف وينتهي بسلطة المحكم بإصدار حكم استناداً إلى نصوص القانون، وإخضاع الحكم إلى الاستئناف، على أساس أن الاستئناف يرد على الأحكام ولا يرد على العقود[65] .

وبناءً على ذلك أعطت جميع قوانين المرافعات أو التحكيم أهمية كبيرة إلى إرادة الخصوم باللجوء إلى التحكيم، وإلى الآثار القانونية التي يرتبها حكم المحكمين على موضوع النزاع وأطراف التحكيم والمحاكم المختصة بأصل النزاع الذي يمتنع عليهم إعادة بحث وقائع حكم المحكمين بسبب الحجية التي يكتسبها من تاريخ صدوره. لأنه بالأصل ذو طابع قضائي معترف به، وهذا يجعله قابلاً للتنفيذ في كل بلد بمجرد حصول الأطراف على صيغة شكلية تقضي بتنفيذه بناءً على طلب يقدمه المحكوم له إلى المرجع المختص .

غير أن هذه النظرية وإن كانت تمثل مرحلة متطورة في تكييف عملية التحكيم وفي الجمع بين مزايا النظريتين التعاقدية والقضائية، إلا أنها لم تسلم من النقد باعتبار أنها تبنت موقفاً وسطاً بين النظريتين السابقتين، ولأنها قللت من شأن الطبيعة القضائية لنظام التحكيم التي توازي طبيعة النظام القضائي العادي. كما ان التحليل القانوني يجب الا يقف عند حد القول بأن التحكيم ذو طبيعة مختلطة او انه خليط غير متجانس، فمثل هذا الوصف يعتبر بمثابة اعتراف بالعجز ومحاولة للهروب من المواجهة الحقيقية بابعادها المتعددة فضلاً عن ذلك، فإنها جعلت الحكم انعكاساً لاتفاق التحكيم، الأمر الذي لا يعطي الوظيفة القضائية التي يتولاها المحكمون الأهمية الخاصة التي تعطى لوظيفة القاضي، رغم استناد وظيفة المحكم بتولي وظيفة قضائية مؤقتة إلى إجازة المشرع وموافقة أطراف النزاع، بفصل النزاع الذي يحال إليه بحكم نهائي وملزم تكون له حجية على أطراف التحكيم والمحاكم المختصة بأصل النزاع، ما لم يكن اتفاق التحكيم باطلاً لا يمكن تنفيذه أو ما لم يكن قد طعن فيه أمام المحكمة المختصة في البلد الذي فيه أو بموجب قانونه صدر الحكم، وصدر عن المحكمة المختصة المذكور قرار بإلغاء حكم المحكمين أو بوقف تنفيذه عملاً بالمادة الخامسة من اتفاقية نيويورك .[66]

ومن نقاط الضعف في هذه النظرية كذلك اهدار القيمة القانونية لحكم التحكيم وحجيته اذلم يصدر الأمر بتنفيذه وهذا ما يتنافى مع قصد المشرع من اقرار نظام التحكيم ففكرة التحكيم تقوم اساسا على التنفيذ الاختياري لحكم المحكم الذي يكتسب الحجية فور صدوره دون ان يتراخى هذا الاثر الى حين صدور الامر بالتنفيذ[67] كما أن عدم اتساق النتائج مع المقدمات بالقول ان اتفاق التحكيم عقد يترتب عليه نتائج تجاوز في اهميتها وخطورتها اي عقد اخر الا وهو صدور حكم التحكيم. اي ان العقد الذي يبدأ به الاطراف نظام التحكيم ليس مجرد عقد يستوي بغيره من العقود.

ولضعف التأصيل القانوني لهذه النظرية اتجه الفقه الى تبني اتجاه اخر ينادي باستقلالية نظام التحكيم وعمل المحكم عن كل من التكييف التعاقدي والقضائي والمختلط وهذا ماسنتعرض له أسفله

ثانيا : الطبيعة المستقلة للتحكيم

ذهب بعض الفقهاء[68] إلى القول بأن التحكيم ذو طبيعة خاصة، لأن مؤيدي الطبيعة العقدية للتحكيم لم يستطيعوا أن يتفقوا على طبيعة هذا العقد، فهل هو عقد من عقود القانون العام أم عقد من عقود القانون الخاص، وهل هو عقد ينظم الشكل أو ينظم الموضوع، حتى الذين يقولون بأنه عقد من عقود القانون الخاص اختلفوا في تحديد ماهية ذلك العقد فتارة يقولون عقد عمل، وتارة يقولون عقد وكالة، كذلك أصحاب الطبيعة القضائية للتحكيم لم يستطيعوا الفكاك من اعتبارات النظام القضائي الداخلي، فالبعض[69] منهم يرى أنه مجرد بطانة للقضاء الوطني، والبعض الآخر[70] يرى أنه تفويض صادر من الدولة للمحكم لإقامة العدالة بين الخصوم، أما أصحاب الطبيعة المختلطة للتحكيم فيكفي القول بأن موقفهم فيه نوع من الهروب للتصدي الجدي لمشكلة تحديد الطبيعة القانونية للتحكيم .

وإذا كان التحكيم يعني الرغبة في فض النزاع بطريقة ودية بين الأفراد، فإن ذلك يعنى أن نأخذ عند تحديد الطبيعة القانونية للتحكيم بفكرة مستقلة عن النظم الداخلية، فالتقسيمات والأنظمة الداخلية لا تعد القوالب المناسبة لوضع نظام مميز للتحكيم في إطارها، لأن ذلك سيكون على حساب الحقائق العلمية .

وفى نظرنا نرى أنه يجب أن ينصب البحث في هذه المسألة على حصر العناصر ذات الطابع الإرادي “التعاقدي” للتحكيم وتميزها عن تلك العناصر ذات الطابع القضائي بحيث يمكن في النهاية تحديد مدى تداخل كل عنصر من العناصر التعاقدية والقضائية في تكوين نظام التحكيم وإعطائه طبيعته الذاتية المستقلة، فالجهد يجب ألا يتوقف على محاولة إذابة أحد العنصرين في الآخر، أو محاولة المزج بينهما وإنما تحليلهما تحليلاً دقيقاً يكشف عن الخصائص المميزة لكل منهما .

فيرى انصار هذا الاتجاه ان التحكيم يمثل وسيلة قانونية لحل المنازعات دون ان يكون تصرفا قانونيا او عملا قضائيا. حيث ان التحكيم له طبيعة خاصة تتأتى من كونه اداة خاصة تحقق الهدف الذي يسعى اليه الخصوم[71] فاتفاق التحكيم وإن كان عقداً يتمتع بالخصائص العامة للعقود، إلا أنه يتميز عنها بهدفه وموضوعه، فهدفه ليس إقامة علاقة قانونية بين طرفين مالية كانت أو شخصية، وإنما تسوية النزاع الناشئ عن علاقة قانونية سابقة، وموضوعه ليس التراضي على تسوية نهائية لنزاع محدد بذاته، وإنما إقامة كيان عضوي( فرداً كان أو هيئة ) ترفع إليه ادعاءات الطرفين لتولي الفصل فيها مستقلاً عنهما .

أما عن عمل المحكم فهو بالضرورة حسم النزاع وفقاً للمبادئ العامة التي يضعها النظام القانوني وأهمها مبدأ المساواة ومبدأ المواجهة إلى غير ذلك من المبادئ القضائية، مع دخول اتفاق التحكيم في عداد الاتفاقات المطروح تطبيقها على المحكم أي أن المحكم عليه أن يطبق شروط اتفاق التحكيم مثله في ذلك مثل القاضي عندما يطبق شروط عقد معين متعلق بالنزاع المطروح عليه، فالمحكم هنا يطبق اتفاق التحكيم للتعرف على حدود المنازعات التي تدخل في ولايته وللتعرف على القواعد الإجرائية والموضوعية الواجبة الإعمال في صدد النزاع وعلى ذلك يكون اتفاق التحكيم مصباحاً لأداء الوظيفية القضائية للمحكم .

وعلى ذلك نخلص إلى أن التحكيم قضاء اتفاقي يتقيد بنصوص اتفاق التحكيم وبالنصوص القانونية التي يفترض على المحكم الالتزام بها، لذلك يجب أن نبتعد عن القوالب التقليدية لتحديد طبيعة التحكيم، فهو ظاهرة وإن سبقت القضاء في الوجود، إلا أنه ليس أحد السلطات العامة في الدولة مثل القضاء، كما أنه لا يجوز في كل منازعة، حيث يجب أن تكون المنازعة قابلة للتحكيم، فربط التحكيم بفكرة تقليدية عقدية كانت أم قضائية ربما كان ذلك ذا فائدة في الماضي ولكن تلك الفكرة قد تقف الآن عائقاً أمام التوصل إلى

نظرة شاملة وواضحة لظاهرة التحكيم التي باتت تفرض نفسها على منازعات التجارة الدولية.

كما أنه في ظل الطبائع المتعددة للتحكيم لن يكون مستبعداً اللبس والخلط لأنه يصعب وضع معيار واحد يمكن على أساسه تحديد طبيعة التحكيم، وحتى إذا ما حاول البعض إفراد هذه الطبيعة في عدد محدود، فلن يلبس أن يتحول نوع منها إلى أخر كما حدث في نظام التحكيم بالصلح فقد كان في الأصل قريباً من التوفيق حيث كان هناك اقتراح للأطراف اختيار قبوله أو رفضه، ولكن التطور لحق به فأعتبر هذا الاقتراح حكما وأصبح الأطراف ملزمون به، الأمر الذي يجعلنا نؤيد الطبيعة المستقلة للتحكيم .

ويثور التساؤل الآن: من أين يستقي التحكيم هذا الطابع الخاص وهذه الذاتية المستقلة؟

ويجيب بعض الفقه[72] على هذا التساؤل ويقولون : أن التحكيم لا يجد أساسه في القوانين الداخلية للدول فحسب، وإنما أيضاً في أنظمة ولوائح هيئات ومراكز التحكيم الدائمة المنتشرة في مختلف دول العالم والتي يلجأ إليها الأطراف في صورة ما يعرف بالتحكيم النظامي ( وفق نظام معين ).

وكذا ما تتضمنه المعاهدات الدولية المتعلقة بالتحكيم سواء كانت ثنائية أم جماعية ونماذج القوانين الدولية الموضوعة من قبل هيئات دولية وقرارات المنظمات الدولية

لذلك وجب الخروج عن دائرة التكييف القانوني الضيق والاعتراف بالطبيعة الخاصة والذاتية لعملية التحكيم وعمل المحكم واستكمال القصور التشريعي المنظم لعمل المحكم ومسؤوليته في هذا الاطار

الآراء السابقة وانعاكسها على الطبيعة القانونية للتحكيم الضريبي
بعد استعراض الآراء السابقة والمتعلقة بطبيعة التحكيم بصفة عامة ومدى انعكاس ذلك على الطبيعة القانونية للتحكيم الضريبي نود أن نشير إلى الاتي :

التحكيم الضريبي وان كان في بادئه يتشابه مع الحكم القضائي من حيث حجيته والزاميته لطرفي المنازعة الا أنه يختلف عنه من حيث التشكيل ونظام العمل والتنظيم القانوني له بصفة عامة لذلك لا نعتبر التحكيم في المنازعات الضريبية ذو طبيعة قضائية
العلاقة التي تربط بين الملزم والإدارة الضريبية علاقة تنظيمية وليست تعاقدية وهذا ما أيدته محكمة النقض المصرية في إحدى قراراتها إذ أقرت بأن الضريبة لا ترتكز على رباط عقدي بين إدارة الضرائب والملزم وإنما تحددها القوانين التي تفرضها[73]. وبالتالي لا يمكن اعتبار التحكيم الضريبي ذو طبيعة تعاقدية لأنه لا يمكن اللجوء لهذا التحكيم ألا وفق الإجراءات التي يحددها القانون فضلا على أن أطراف النزاع الضريبي أي الملزم والإدارة الضريبية,

لا يجوز لهم الاتفاق عما يخالف القانون الضريبي وكذا ان يجيز القانون صراحة التحكيم في المنازعات الضريبية إجازة صريحة مثل معظم القوانين المقارنة وخصوصا تشريعات الدول المتقدمة مثل بلجيكا وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية وكذا بعض التشريعات العربية مثل القانون المصري الذي يعتبر رائدا في مجال التحكيم الضريبي بينما الحال في فرنسا والمغرب يبقى هو المنع من قيام التحكيم في المنازعات الضريبية[74] مبنية وفق مجموعة من الاعتبارات والتي نراها غير منطقية ولم تعد صالحة في هذه الآونة والظرفية المتقدمة تشريعيا واقتصاديا ولتشجيع الإستثمار لذا على المشرع المغربي إعادة النظر في هذه الفصول وإعطاء الأطراف الحرية للجوء إلى التحكيم لأجل فض النزاع حتى وان كانت الإدارة الضريبية فيما يتعلق بالتحصيل وكذا تماشيا مع المبدأ الفقهي المعروف ( كل ما يجوز فيه الصلح يجوز فيه التحكيم ) فالإدارة الضريبية تقوم بالصلح مع الملزم في كثير من الحالات بحيث يتنازل كل طرف عن التقدم إلى المحاكم أو طلب بعض التسهيلات أو تمديد أجل أداء الضريبة كما تعتبر هذه التقنية جد فعالة في النظام الضريبي نظرا لصعوبة المساطر الإدارية و القضائية وطول المدة التي تستغرقها[75], غير أن التحكيم ظل محرما تشريعيا وهذا خطأ يجب تداركه والاقتداء بالتشريعات المتقدمة وفك الارتباط عن القانون الفرنسي الذي لا يزال هو الأخر متعنة في هذا الاتجاه أي منع التحكيم في المنازعات الضريبية.

ذهبت أراء عديدة إلى القول بان التحكيم الضريبي ذو طبيعة مختلطة أو خاصة ذلك على اعتبار المحكم في النزاعات الضريبية قاضيا خاصا يختاره الأطراف بإرادتهم للفصل في المنازعة في شقيها القانوني والواقعي ويصدر قرارا يلتزم الأطراف به وقد عارض هذا الرأي بعض الفقه على اعتبار أن محاولة إيجاد حد زمني فاصل بين كل من الطابع الاتفاقي والطابع القضائي للتحكيم خلافا للواقع امر صعب قبوله، فضلا عن أن اعتبار المحكم قاض خاص هو امر يثير الريبة والشك حول مدى نزاهة وحياد هذا المحكم[76]
نميل إلى اعتبار التحكيم الضريبي ذو طبيعة مستقلة لأنه وسيلة ذو طبيعة خاصة وتعد بديلا مناسبا لحل النزاع بعيدا عن طول الإجراءات القضائية وقد اثبت نجاعته في العديد من الدول تتقدمها بلجيكا وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية التي تشير أخر الإحصائيات[77] إلى أن معظم المنازعات في المجال الضريبي يتم إنهاؤها وفق طريق التحكيم وان طريق القضاء قد اصبح طريقا تقليديا متجاوزا لحل النزاع الضريبي لما يتمتع به المحكم من خبرة علمية وعملية في المجال الضريبي والواقعي كما أن التحكيم الضريبي لا يكون متاحا ألا اذا تم النص عليه صراحة في القانون على جوازه عكس التحكيم العادي الذي مرجعه الاتفاق ويمكن اللجوء إليه في أي وقت[78]

[1] – عبد القادر التعلاتي،” النزاع الضريبي في التشريع المغربي”، دار النشر المغربية، الدار البيضاء، 1997،ص:5.

[2] – مصطفى الفوركي : ” التحكيم في النزاع الضريبي ” أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص , كلية الحقوق بوجدة , ص 3

[3] – عمرو الصادق : “القاضي الإداري. مفتشا ساميا للضريبة أو أسلوب و وسائل الرقابة القضائية في مجال المنازعات الجبائية” ، مجلة المعيار ، العدد : 22 ، دجنبر 1996 ، ص : 6-22..

[4] – حياة البجداني : قواعد التقاضي في المادة الضريبية ” دراسة نماذج من المنازعات الجبائية والإشكالات المطروحة في الميدان العملي خلال مراحل الوعاء التصفية , منشورات مجلة الحقوق المغربية سلسلة دراسات قضائية الإصدار الثالث فبراير 2010 مطبعة الأمنية ص 30

[5] – أشرف عبد العليم الرفاعي : اتفاق التحكيم و المشكلات العملية و القانونية في العلاقات الخاصة الدولية. دراسة فقهية قضائية مقارنة، دار الفكر الجامعي، الاسكندرية، 2003 ص 3

[6] – عبد الحميد الأحدب : موسوعة التحكيم – التحكيم الدولي. الجزء الثاني. دار المعارف. الاسكندرية مصر 1998 ص 23

[7] – حسين عبد العزيز عبد الله النجار : البدائل القضائية لتسوية النزاعات الاستثمارية والتجارية. الامارات العربية المتحدة. 2015 ص 19

[8] – ابن منظور : لسان العرب. الجزء 12 بيروت لبنان ص 142

[9] – مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة و الجمعية العمومية لقسمي الفتوى و التشريع في العقود الادارية في اربعين عام. فتوى رقم 661 في 01/07/1989 جلسة 17/05/1989 ص 143 منشور بمجلة المحاكم المغربية عدد 3 و 4 ص 19

[10] – حكم محكمة النقض المصرية. الطعن بالنقض رقم 538 في 25/03/2013

[11] – حكم محكمة النقض المصرية. الطعن بالنقض رقم 52 في 28/02/1994

[12] -حكم المحكمة الدستورية في الدعوى 150/20ق بتاريخ 15/01/2002 الجريدة الرسمية، عدد 4 الصادرة بتاريخ 24/01/2002

[13] -قرار محكمة النقض عدد 501/2 المؤرخ في 01/10/2013 ملف مدني عدد 5131/2/2012 غير منشور

[14] – قرار محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء رقم 1672/2007 صدر بتاريخ 20/03/2007 رقم الملف 4356/06/04

[15] -عمر ازوكاغ : التحكيم التجاري الداخلي و الدولي بالمغرب – قراءة في التشريع و القضاء – الطبعة الأولى. مطبعة الصباح الدار البيضاء 2015 ص 7

[16] – LE GALL ( JP) : Fiscalité et arbitrage. revue de l’arbitrage 1994 numero 2 page 251

[17] – CASTAGENDE : Remarques sur la nature juridique du contentieux fisal. R.S.F 1980 p 10

TIXIER ET GEST : Manuel de droit fisal L.G.D.J Paris 1986 p 344

[18] – السيد عبد المولى : الضريبة الموحدة. دار الهضة العربية 1995

[19] – MEHL (L) et BELTRAME (P) : Science et technique Fiscal. 1er Edition P.U.F، Paris 1984 P58

[20] – حفيظة حداد : النظرية العامة للتحكيم في التجارة الدولية. الطبعة الأولى بيروت لبنان 2004 ص 44

[21] – أحمد ابو الوفا : التحكيم الاختياري و الاجباري. الطبعة الخامسة. منشأة المعارف الاسكندرية 1988. ص 15

[22] – JEAN-FRANçOIS POUDRET ET SEBASTIEN BESSON : Comparative Law Of international Arbitration. sweet and maxwell LTD 2007 P 1-2

[23] موقع هيئة التحكيم الامريكية –WWW.ADR.ORG

[24] – أحمد عبد الكريم سلامة : قانون التحكيم التجاري الدولي والداخلي. الطبعة الأولى 2004 دار النهضة العربية ص 19

[25] – حسين المصري : التحكيم التجاري. دار الكتب القانونية. المحلة. مصر 2006 ص 5

[26] – مأخوذ من موقع www.businessdictionary.com/definition/arbitration.html

[27] – أحمد عبد الكريم سلامة : قانون التحكيم التجاري الدولي والداخلي . م,س ص 19

[28] – مصطفى الفوركي : ” التحكيم في النزاع الضريبي ” أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص , كلية الحقوق بوجدة , ص31

[29] – Weil : Les soutenances arbitrage en droit international prive : these، paris 1906 P 40 ; G. Hamonic : L’arbitrage en droit commerciale، Paris 1950 P 64 ; E.Putman : La soutnance arbitrale et son execution. revue de la recherche juridique ( R.R.T ) 1996 P 17 N. 1

[30] – J. Arets. Reflexions sur la nature juridique de l’arbitrage. Paris 1965 P. 200

[31] – أحمد ابو الوفا : التحكيم الاختياري و الاجباري. منشأة المعارف ط 1983 بند 86 ص 197

[32] – محمد عبد الخالق عمر، النظام القضائي المدني، دار النهضة ج 1 ط 1 سنة 1971 ص 108

[33] – Ch. Fragistras : Arbitrage etranger et arbitrage international en droit prive. rev. crit 1960 p 20

[34] – رضوان ابو زيد : الاسس العامة للتحكيم التجاري الدولي. دار الفكر العربي. الطبعة الأولى. القاهرة. مصر. 1998 ص23

[35] – فتحي والي: قانون القضاء المدني. دار النهضة العربية للنشر. القاهرة. مصر 2009 ص 40

[36] – B. Goldman. Arbitrage international et droit commun de nations. rev. arb. 1956 p 116

[37] – ابراهيم أحمد إبراهيم، التحكيم الدولي الخاص، دار النهضة العربية، 1997، ص 3

[38] – عمر محمد عبد الخالق النظام القضائي المدني. الجزء الأول، المبادئ العامة. دار النهضة العربية للنشر. القاهرة. مصر 1977 ص 108

[39] – مصطفى محمد الجمال. وعكاشة محمد عبد العال: التحكيم في العلاقات الخاصة، الدولية والداخلية، الجزء الأول وضع التحكيم من النظام القانوني الكلي. اتفاق التحكيم. خصومة التحكيم، الطبعة الأولى، سنة 1998، ص 38

[40] – سعيد بن ناصر الحريسن : اتفاقية التحكيم والنظرية التعاقدية. مجلة الرياض اليومية الصادرة عن مؤسسة اليمامية الصحفية العدد 13962. يوم 15 شتنبر 2006 ص 22

[41] – أحمد أبو الوفا، التحكيم بالقضاء وبالصلح، منشأة المعارف، 1965، ص 65

[42] – B. Oppetit. arbitrage juridicationnel et arbitrage contractuel. rev. arb 1977 p 315

[43] – R. David. l’arbitrage commercial international. Paris 1965 p 30

[44] – وذلك في قضية:

“Affm Roses Clmoller- Roses”، et cie، Cass، reg.، 27 juillet، 1937

[45] – الحكم الصادر، في 4 فبراير 1988، الطعن رقن 1640 السنة 54ق.

الحكم الصادر في 18 مايو 1989، الطعن رقم 740 السنة 52ق.

الحكم الصادر في 23 يناير 1990، الطعن رقم 2568 السنة 56ق.

[46] – مست الجداوي، التحكيم، التحكيم في مواجهة الاختصاص القضائي الدولي، دار النهضة العربية، 1982، ص 37

[47] – ابراهيم أحمد إبراهيم، التحكيم الدولي الخاص. م س. ص 31

[48] – قرار محكمة استئناف بالبيضاء الغرفة التجارية 13-4-1976 رقم 565 ملف مدني عدد 4779 (غير منشور)

[49] – سعيد بن ناصر الحريسن : اتفاقية التحكيم والنظرية التعاقدية. مجلة الرياض اليومية الصادرة عن مؤسسة اليمامية الصحفية العدد 13962. يوم 15 شتنبر 2006 ص 23

[50] – عزمي عبد الفتاح : سلطة المحكمين في تفسير وتصحيح أحكامهم مقال منشور بمجلة الحقوق الكويتية عدد الرابع دسمبر 1984 ص: 101

[51] – إبراهيم عبد العزيز النجار : التحكيم في المجال الضريبي و جدواه للاستثمار . بحث مقدم للمؤتمر العلمي الثاني , القانون الاستثمار , المنعقد بكلية الحقوق , جامعة طنطا مصر , خلال الفترة من 29-30 أبريل 2015

[52] – Klein: Consideration sur l’arbitrage en droit international prive. Bale 1955 P 92

[53] – Jolidon: Comentaire du concordat suisse sur l’arbitrage – Lalive – Poudret reymond

[54] – Cour d’appel de paris 24 mars 1996

[55] – أحمد أنعم ناجي الصلاحي : النظام القانوني للتحكيم التجاري الدولي. دراسة مقارنة. الطبعة الأولى سنة 1994 ص 17

[56] – أحمد محمد عبد الصادق. المرجع العام في التحكيم المصري و العربي و الدولي. سنة 2007 القاهرة. مصر. ص 218

[57] – عز الدين عبد الله : تنازع الق

Share

Comments are closed.