مقال قانوني حول القضاء التجاري

بقلم ذ مولاي حفيظ علوي قاديري

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

دكتور في القانون الخاص تخصص قانون الأعمال أستاذ بكلية الحقوق مراكش
تقديـم
جاء إحداث محاكم متخصصة بالمغرب، كحلقة

ضمن سلسلة الإصلاحات التشريعية التي باشرها المغرب مطلع العقد الأخير من القرن الماضي، وذلك بغية تطوير مناخ التجارة والأعمال ومنح أكبر ثقة للمستثمر الأجنبي الراغب بالاستثمار في المغرب. وبالتالي الاستفادة من إمكانية ضخ رؤوس أموال مهمة تعين الاقتصاد الوطني على النهوض من جديد، وهو الذي كان لا يزال يترنّح جراء الفاتورة الاجتماعية لسياسة التقويم الهيكلي وتنفيذ برامج الإصلاح المالي والنقدي اللذين فرضتهما عليه السلطات النقدية العالمية[1].

حيث تمّ في هذا الإطار استصدار العديد من القوانين المهمة والتي مهدت لعهد جديد في مجالي التجارة والاستثمار. وهكذا أدخل المشرع المغربي العديد من الإصلاحات التي همّت بالخصوص القوانين المرتبطة بمجالي الأعمال والمقاولات. فتمّ بهذا الخصوص، اعتماد قانون رقم 39.89 بشأن تحويل منشآت عامة إلى منشآت خاصة أو ما اصطلح عليه إعلاميا ب “قانون الخوصصة”. وعلى المستوى المحاسباتي، اهتم المشرع بإعداد إطار محاسباتي للمقاولة، حيث حدّد القواعد المحاسبة الواجب على التجار العمل بها بمقتضى القانون 9.88.

ثم تلا بعد ذلك صدور القوانين الثلاث المتعلقة بتنظيم السوق المالي، حيث تم إحداث وتنظيم بورصة الدارالبيضاء، واستصدار القانون المتعلق بمجلس القيم المنقولة وبالمعلومات المطلوبة إلى الأشخاص المعنوية التي تدعو الجمهور إلى الاكتتاب في أسهمها أو سنداتها، ثم القانون المتعلق بالهيئات المكلفة بالتوظيف الجماعي للقيم المنقولة[2]. كما أعاد المشرع تنظيم القطاع البنكي بمقتضى الظهير المعتبر بمثابة قانون يتعلق بنشاط مؤسسات الائتمان ومراقبته[3].

لتتسارع بعدها وثيرة الإصلاحات بصدور نص جديد بمثابة قانون يحكم التجار والأعمال التجارية، هو مدونة التجارة لسنة 1996. ثم يتلوها مباشرة بعد ذلك، اعتماد إطار قانوني جديد للشركات هما القانونين، الأول رقم 17.95 المتعلق بشركة المساهمة. والثاني رقم 5.96 المتعلق بشركة التضامن وشركة التوصية البسيطة وشركة التوصية بالأسهم وشركة ذات المسؤولية المحدودة وشركة المحاصّة.

هذه الحركة التشريعية، اكتملت سنين قليلة بعد ذلك، بإصدار العديد من النصوص المتممة والمكمّلة لمنظومة الأعمال بالمغرب، وتمثل ذلك بالخصوص، في إصدار القانون المنظم للمجموعات ذات النفع الاقتصادي، والقانون المتعلق بحماية الملكية الصناعية. والقانون المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة.

وعلى مستوى تحسين أداء الإدارة، خطا المغرب فعلا خطوة عملاقة في ميدان التنظيم القضائي للمملكة، وذلك حينما قرّر الخوض في تجربة القضاء المتخصص، والتخلّي بالتالي عن نظام الغرف داخل المحاكم الموّحدة، لصالح قضاء متخصص ومستقل إداريا وهيكليا توكل إليه مهمة النظر في بعض القضايا النوعية. فكانت تجربة القضاء الإداري التي انبثقت بموجب القانون رقم 41.90.

ليتحقق بعدها صرح المحاكم التجارية بإصدار القانون رقم 53.95[4]. الذي أخرج لحيز الوجود محاكم ذات اختصاص نوعي وحصري، متميز عن اختصاص المحاكم العادية ذات الولاية العامة. وكان القصد من وراء هذا المولود الجديد الذي ازدانت به الساحة القضائية المغربية، هو إسناد نظر قضايا معينة، وعلى سبيل الحصر، إلى قضاء متخصص ونوعي. والمعنى هنا ينسحب على المنازعات التجارية وما تتميز به من خصوصيات تجعلها متفرّدة على مستوى الخصوم وكذا الموضوع الذي ينصب عليه النزاع. مما يفرض ويبرّر، في الآن نفسه، اللجوء إلى قضاء استثنائي ومتخصص من شأن الاعتماد عليه لنظر منازعات التجارة والمال، أن يقوّي ثقة أصحاب رؤوس الأموال، و يعزّز مكانة الاقتصاد الوطني كوجهة استثمارية توفر المناخ الملائم لعالم الاستثمار والأعمال[5].

وإذا كان لا أحد ينكر عن المشرع المغربي، وعبر هاته الباقة المتنوعة من الإصلاحات الجريئة والنوعية، نجاحه في التأثير إيجابا على القدرة التنافسية للمقاولات المغربية، ونموّ الاستثمار، وتحسين موقع المغرب ضمن لائحة الدول ذات الجاذبية الاقتصادية[6].

إلا أن كل ملاحظ أو متتبع مختص، لا يجد أدنى صعوبة في استخلاص مجموعة من الملاحظات والاستنتاجات التي لا زالت تلقي بظلالها سلبا على مناخ الأعمال بالمغرب، وخاصة منها ما تعلق بمحدودية انخراط القضاء المتخصص عموما، والقضاء التجاري خصوصا، في تدليل العقبات ذات الصبغة القانونية أو التنظيمية أمام المستثمر، مغربيا كان أم أجنبيا.

والقول هنا، يعني النص الحالي المنظم لاختصاص المحاكم التجارية، بعد مرور قرابة العقدين على استصداره، وما راكمه من تجارب بمحاسنها وإن على قلّتها، وكذا سلبياتها وإن كانت كثيرة. سواء على مستوى الهيكلة والاختصاص، أو النظام الداخلي، أو التقطيع الترابي لتلك الهيئات القضائية.

وخاصة، مع طرح مشروع القانون المتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة[7]، والذي نلاحظ معه، استمرار المشرع في تبني نظريات وأحكام، بمناسبة تنظيمه لهذا المرفق الحيوي، والذي أصبحت، جلّ المنظمات والهيئات الدولية المعنية بتصنيف اقتصاديات العالم، تعتبره المرآة التي تعكس، وبوضوح، الوجه الحقيقي والذي على ضوئه يقاس مدى تطور النظام القانوني لدولة ما، وبالتالي نجاعة مناخ المال والأعمال لديها.

محور المداخلة:

غير أن مناخ الأعمال، سواء كان دوليا أو محليا، فإنه يعرف تغيرا ونموا سريعا ومتواترا، مما يحتم معه تحيين دائم وموازي للإطار القانوني المغربي للأعمال. لأجله، فإن التساؤل يطرح نفسه بشدّة، عن مدى نجاح المشرع المغربي، وعبر ما يمكن تسميته ب”الجيل الثالث للإصلاح” من توفير هذا الإطار القانوني الأمثل لنمو الاستثمار، وبالتالي إعطاء دينامية جديدة للاقتصاد الوطني، تمكّنه من جهة، من مواجهة المنافسة الشرسة على الصعيدين الإقليمي والدولي. ومن جهة أخرى من تعزيز وتقوية ثقة الفاعلين في الدورة الاقتصادية الوطنية (مستثمر و مستهلك معا).

فإن كنا نلاحظ، وكما سبق ذكر ذلك في مقدمة البحث، أن هناك استمرارا لمواقف تشريعية وتنظيمية في النص الجديد، بشكل يصعب معه القول، بوجود رغبة قوية لدى المشرع المغربي بإجراء مراجعة شاملة لهذا المرفق، الذي أجمعنا على حيويته وتأثيره اللامحدود، وبالشكل الذي يجعل الحديث عن النص السابق بصيغة الماضي، في الروح والشكل، وليس في الشكل فقط[8].

ودليلنا فيما سبق، سيكون هذه الدراسة التحليلية والنقدية، التي ستتدرج زمنيا عبر نصوص القانون. لتستخرج مكامن القصور والتسرّع، الذي يصل أحيانا درجة عدم النضج، بخصوص تنزيل مختلف الطروحات النظرية، التي واكبت مرحلة الإعداد للنص القديم.

وإن كان النص في صيغته الحالية، مبرّر أخلاقيا، وكذا في تاريخ صدوره، على اعتبار أن مؤيّداته آنذاك، لم تكن نضج واحترافية القضاء التجاري أو المتخصص بالمغرب. بقدر ما كان هذا العمل تشريعا حكمت به توجيهات طارئة وخارجة عن السياسة التشريعية للدولة.

الأمر، الذي أصبح يطرح لزاما، البحث في مدى الاستمرار الزمني للمعطى السابق. الإجابة ستكون قطعا بالنفي، وذلك لتغير المعطيات والأوضاع الاقتصادية، والتي تجعل المصادر المادية للنص الحالي، تختلف اختلافا كبيرا عن تلك التي واكبت صدور النص القديم. وهو ما يعني، أن المشرع الحالي، ليس معرّضا للإكراهات التي عرفها قبل عشرين سنة أو أكثر، وبالتالي، كان رأينا، ومنذ صدور مسوّدة المشروع، أنه على القائمين على أمر هذا النص، التريّث قليلا وأخذ المسافة اللازمة من النصوص السابقة، بالشكل الذي يبعد المحاولة التشريعية الجديدة من الترسبات القانونية والتنظيمية للحقبة السابقة، والبحث ضمن التجارب المقارنة على الأقل، عن مقاربة جديدة تحكم القضاء التجاري بالمغرب.

آليات البحث:

وللبحث في هذه النقطة، كان لابد من اعتماد آليتي التحليل والمقارنة، عبر دراسة أهم النقط القانونية التي أثارتها تجربة المحاكم التجارية في نسخة 1997، والبحث في مدى نجاعتها وفاعليتها في الإجابة عن ما كان مأمولا من إعمالها، عبر تبنّي المشرع لتجربة القضاء المتخصص في المادة التجارية أواسط العقد الأخير من القرن الماضي.

وكيفما كانت الإجابة، فنتائج البحث الأولي على مستوى هذه المرحلة سيمكننا من تقدير وتقييم توجه المشرع المغربي، عبر هذه المحطة الثانية من الإصلاح، والتي كانت مناسبتها هو إصلاح شامل لمنظومة العدالة. والنظر على الأقل فيما تم تبنيه بخصوص مقترحات المحلّلين من أساتذة وقضاة ومحامين، بمناسبة النقاش العمومي والندوات التي احتضنتها فضاءات محاكم المملكة، والتي ولّدت شبه إجماع لدن المتخصصين سواء بمناسبة تقييم تجربة القضاء التجاري عبر قرابة العقدين من الممارسة، وكذا بمناسبة استشراف المحاور الكبرى للإصلاح.

خطة البحث:

سنحاول الإجابة عن الإشكالية المحورية من خلال اعتماد تقسيم ثلاثي، يتدرّج، زمنيا، في التحليل من خلال البحث في المحاور التالية:

– المحور الأول: مميزات المحاكم التجارية في إطار قانون 53.95: تجربة مغربية خارج الناموس الفرنسي.

– المحور الثاني: تجربة المحاكم التجارية عبر نصوص مشروع قانون التنظيم القضائي للملكة.

– المحور الثالث: إصلاح منظومة القضاء التجاري ضمن استعداد المملكة لتحديات الألفية.

المحور الأول: مميزات المحاكم التجارية في إطار قانون 53.95: تجربة مغربية خارج الناموس الفرنسي.

إذا كان المغرب قد اختار مبدأ التخصص كما سبقت الإشارة إلى ذلك. فإن تجربته في هذا المجال استقت من القانون الفرنسي[9]، الذي يعد المصدر المادي والتاريخي للتشريع المغربي في كل ما يخص منظومة المال والأعمال. لكن مع ميزة خاصة، قلّما نعتر على مثيلة لها بمناسبة الحديث عن مبادرة تشريعية مقتبسة كليا أو جزئيا من القانون الفرنسي.

الميزة الأولى: القاضي النظامي عوض القاضي المنتخب.

أخذت بعض الدول بمبدأ ازدواجية القضاء عند إنشاءها للمحاكم التجارية، وذلك بإسنادها مهام القضاء بهذه المحاكم لهيئة قضائية مشكلة من الحرفيين الممارسين[10]. ودولا أخرى مزجت بين القضاة النظاميين والقضاة المنتخبين من بين فئة التجار والمقاولين.

كما أن هناك دول أسّست تجربتها في القضاء التجاري، على النظامين معا، وذلك بالأخذ بعين الاعتبار مرحلة التقاضي. حيث يعتمد القضاء المنتخب في تكوين الهيئة لدى المحاكم التجارية من الدرجة الأولى، بينما يسند النظر للقضاة النظاميين في المحاكم التجارية من الدرجة الثانية[11].

أمّا المغرب، فقد اختار الركون إلى تجربة القضاء الموحد والاعتماد على سلك القضاة النظاميين في تطعيم محاكمه التجارية الجديدة، بالقضاة الذين سيتكلفون بمهام النظر والفصل في المنازعات التجارية التي ستختص به تلك المحاكم، إن على مستوى المرحلة الابتدائية أو على مستوى مرحلة الاستئناف.

الميزة الثانية: المزج بين الاختصاصين “النوعي” و”القيمي”.

تناقض المعيار “القيمي” مع “سياسة القرب” في تحديد مجال اختصاص المحاكم التجارية[12]، وعدم مراجعة المعيار ” النوعي” وفق الصياغة التي تسمح بإمكانية للمزج بين المعيارين، ومن تم إدخال سقف قيمي داخل نوع القضايا التي تختص المحاكم التجارية بالنظر فيها وذلك في إطار البحث عن إعمال أفضل لمقاربة القضاء الفردي، أو الأقسام التجارية داخل المحاكم الابتدائية، أو لتوزيع القضايا بين القضاء الفردي والقضاء الجماعي.

قام المشرع برفع الاختصاص القيمي للمحاكم التجارية، وأصبحت هاته المحاكم تختص بالنظر ابتدائيا وانتهائيا في الطلبات الأصلية التي تتجاوز قيمتها عشرين ألف درهم (20.000)، كما تختص بالنظر في جميع الطلبات المقابلة أو طلبات المقاصة مهما كانت قيمتها[13].

أما الاختصاص النوعي المنصوص عليه بمقتضى المادة 5 من نفس القانون، فهو نقل للمقتضى الفرنسي، مع بعض الاستثناءات في الموضوع[14]، فالمشرع المغربي، وفي باب الاختصاص النوعي، جعل المحاكم التجارية مختصة بالنظر، في:

– الدعاوى المتعلّقة بالعقود التجارية،

– الدعاوى التي تنشأ بين التجار والمتعلّقة بأعمالهم التجارية،

– الدعاوى المتعلّقة بالأوراق التجارية،

– النزاعات الناشئة بين شركاء في شركة تجارية،

– النزاعات المتعلّقة بالأصول التجارية،

وتستثنى من اختصاص المحاكم التجارية قضايا حوادث السير.

يمكن الاتفاق بين التاجر وغير التاجر على إسناد الاختصاص للمحكمة التجارية فيما قد ينشأ بينهما من نزاع بسبب عمل من أعمال التاجر.

يجوز للأطراف الاتفاق على عرض النزاعات المبينة أعلاه على مسطرة التحكيم والوساطة وفق أحكام الفصول 306 إلى 70-327 من قانون المسطرة المدنية[15].

وإذا كانت المقتضيات الأولى من هذه المادة لا تثير أي إشكال بشأنها، ذلك أن هناك توافق فقهي، انعكس لاحقا على تشريعات الدول الآخذة بازدواجية النظام القضائي، على اعتبار اختصاص المحاكم التجارية بنظر المنازعات التي تنشا بين التجار بصدد أعمالهم التجارية، وكذا المنازعات بين الشركاء في شركة تجارية هو اختصاص أصيل نابع من قناعة أن البيئة التجارية هي بيئة خاصة ومستقلة عن بيئة المعاملات المدنية التقليدية، وبالتالي فالمنازعات المتوّلدة عنها هي منازعات خاصة تحتاج لهيئة قضائية خاصة تنظر وفق مساطر استثنائية.

لكن، ما هو غير عادي، في متن المادة السابقة، فيتعلق بالمقتضيات والفقرات اللاحقة، والتي خالف فيها المشرع المغربي، نظيره الفرنسي، واستقل بنظرة خاصة للأمور، جعلته، يتوسع بشكل مبالغ فيه، في سرد تعداد أمور أخرى تدخل المنازعات بشأنها ضمن نظر المحاكم التجارية، هذا الاختيار من طرف المشرّع، يقتضي إبداء ملاحظات، أو عيوب منهجية أوقع فيهما المشرع نفسه، ذلك:

– أن التعميم الوارد بالفقرة الثالثة من المادة أعلاه، كان في نظرنا، غير موفّق من طرف المشرّع المغربي. فحينما مدّد أحكام هذا القانون لتشمل المنازعات المرتبطة بالشيك[16]، غالا بشكل مفرط في اعتماد الشكلية التجارية المطلقة التي تسقط على الشخص بصرف النظر عن كونه تاجرا أم لا. ذلك أن غالبية الفقه والتشريع المقارنين، وخاصة بمصر وفرنسا، يقيمان وزنا للتفرقة، بين ما إذا كان المتعامل بهذه الورقة التجارية، تاجرا أم غير تاجر، إضافة إلى تعلّق تلك المعاملة من عدمها، بأغراض تجارية أم لا[17]. وإذا كان منهج التفرقة، لا ينتج عنه أي أثر في القانون المغربي، على اعتبار أن هذه الورقة التجارية منظمة مسبقا، بمقتضى المواد من 239 إلى 328 من مدونة التجارة. فهذا لأن التنصيص السابق ذكره هو بحدّ ذاته جزء من الإشكالية، وضرورة التفرقة هنا ليس لغوا أو اعتباطا ولا فائدة منها كما قيل، بل الأمر يدعو إلى الأخذ بعين الاعتبار نسبة المتعاملين بالشيك من غير التجار، وفي غير المعاملات التجارية. ما يفرض تمييزا في المسطرة بين الشيك المدني وبين الشيك التجاري[18].

– أن التعداد الوارد بالفقرة 5 من المادة السابقة، هو على سبيل التكرار، حيث أن تلك النزاعات المنصوص عليها ، تقع ضمنا في دائرة الدعاوى المتعلقة بالعقود التجارية المنصوص عليها في الفقرة الأولى اعلاه. فالتصرفات القانونية التي يكون الأصل التجاري محلا لها، هي محل عقود منظمة بمقتضى مدونة التجارة، وبالتالي فهي تخضع منطقيا لاختصاص المحاكم التجارية.

– أن التنصيص في متن النص على استثناء قضايا حوادث السير من اختصاص المحاكم التجارية، هو عبارة عن سبق قلم من القائمين على أمور الصياغة القانونية للنص، لأنه إذا كان العذر هنا هو التوضيح لمن يقول بخضوع قضايا حوادث السير التي تتسبب فيه العربات المملوكة للتجار ، أشخاص طبيعيين أو معنويين، لاختصاص هذا القضاء الاستثنائي من عدمه، فهذا الأمر ينمّ عن غباء قانوني، يرتدّ في نظرنا بصور أكبر، ليس على من طرح السؤال، ولكن على من حاول الإجابة عنه.

– أن السماح بعرض النزاعات التي تنشأ بين التجار وغيرهم، على أنظار المحاكم التجارية، فقط بالاعتماد على وجود تنصيص سابق في العقد وهو ما يعبّر عنه ب “شرط الاختصاص”، فمثل هذا المقتضى يضرب في الصميم مبدأ التوازن الذي يجب أن يتصف به العقد، خاصة مع شيوع العقود النموذجية في الحياة التجارية التي تجمع بين التاجر المحترف والزبون المستهلك. وبالتالي أمام قوة الطرف الأول في فرض شروطه على الطرف الثاني، الذي غالبا ما يكون في موقف ضعف، يبقى هكذا مقتضى مجرد إضافة لا تخدم بتاتا، لا مصالح التاجر، ولا مصالح غير التاجر حالة إجباره المثول أمام قضاء غير عادي في نظره للفصل في المنازعات التي قد تنشب بينه وبين الطرف الآخر.

الميزة الثالثة: القضاء الجماعي عوض القضاء الفردي.

طبقا للمادة الرابعة من القانون المحدث للمحاكم التجارية، “تعقد المحاكم التجارية ومحاكم الاستئناف التجارية جلساتها وتصدر أحكامها وهي متركبة من ثلاثة قضاة من بينهم رئيس، يساعدهم كاتب ضبط ما لم ينص القانون على خلاف ذلك”. وهذا المقتضى جاء سيرا على النهج الذي تبناه المشرع المغربي عقب صدور ظهير 1993، الذي عدّل المادة 4 من ظهير 1974 وانتقل النظام القضائي المغربي بمقتضاه من نظام القضاء الفردي إلى القضاء الجماعي.

لكن الملاحظ، هو أن المشرع المغربي لم يجعل التعديل الوارد على المادة الرابعة السالفة الذكر، بمقتضى القانون رقم 34.10[19]، والذي بمقتضاها تمت العودة مرة ثانية إلى تبني نظام القضاء الفردي. يشمل أيضا القضاء التجاري ويمتد ليعدّل تركيبة هيئته بما يسمح باعتماد هذا النوع من القضاء أيضا لدى المحاكم التجارية. أو الاحتفاظ به بمناسبة نظر نوع معين من القضايا، أو قصره فقط على محاكم الاستئناف التجارية.

وقد كان لهذا التوجه حالة تبنيه من طرف مشرّع 1997، أن يجنّب هذه المحاكم الفتيّة الضغط الناتج عن كثرة القضايا وتراكمها، وخاصة منها تلك المتعلقة بمطالبات ذات القيمة الضئيلة، أو منازعات في بعض الأقضية التي لا تحتاج في موضوعها لأكثر من قاضي واحد لنظرها.

الميزة الرابعة: التشبث بمؤسسة النيابة العامة.

لقد أثار اختصاص النيابة العامة لدى المحاكم التجارية ردود أفعال كثيرة، كان مردّه ذاك الغموض وعدم وضوح الرؤية الذي اعترى توجهات واختيارات واضعي النصوص، بخصوص تحديد الاختصاص، من جهة، وطبيعة المهام الموكولة لهذا الجهاز أثناء نظر المنازعات التجارية من جهة أخرى. كما أن الممثلين لهذا الجهاز وهم قضاة النيابة العامة لم يتأقلموا بعد مع خصوصية المهام الموكولة إليهم بمقتضى النصوص، والتي لا يمكن بتاتا فصلها عن السياق والرغبة في تبني تجرية جديدة على مستوى الأخذ بمنهج القضاء المتخصص، محرومة فيه من الحق في المتابعة باسم حماية المجتمع[20].

إذا كانت الاختصاصات الجنائية للنيابة العامة لدى المحاكم التجارية قليلة إن لم نقل منعدمة – ما لم تتغير النصوص – فإن اختصاصاتها التجارية المحضة واسعة تضمن حقها في أن تراقب سير عجلة الاقتصاد الوطني وتساهم في تصحيح اعوجاجه. فالمشرع المغربي، وفي تناسق مع توجه نظيره الفرنسي بعد إصلاح 1970[21]، مكّن هاته المؤسسة، من وضع العين واليد على المقاولات التجارية. إذ من حقها أن تطلب من المحكمة فتح مسطرة من مساطر المعالجة ضد أي مقاولة ليس بمقدورها سداد الديون المستحقة عليها عند الحلول – التوقف عن الدفع – بما في ذلك الديون الناجمة عن الالتزامات المبرمة في إطار الاتفاق الودي المنصوص عليه في المادة 556 (المادتان 560 و563 ف 2 من مدونة التجارة)، سواء تعلق الأمر بالتسوية القضائية إن كانت وضعية المقاولة ليست مختلة بشكل لا رجعة فيه، أو بالتصفية القضائية إن كانت وضعيتها مختلة بشكل لا رجعة فيه (المادتان508 و619 من مدونة التجارة)[22].

الميزة الخامسة: تقطيع قضائي غير موفّق.

بمقتضى المادة الأولى من المرسوم التطبيقي[23] الصادر تطبيقا للفصل 1 من قانون التنظيم القضائي الحالي، تم تحديد عدد المحاكم التجارية في ثمان(8) محاكم (الرباط – الدار البيضاء – فاس – مكناس – وجدة – طنجة – مراكش – أكادير).

كذلك، وطبقا لنفس المادة، تم تحديد عدد محاكم الاستئناف التجارية في ثلاث (3) محاكم (الدار البيضاء – فاس – مراكش).

وإن كان هذا المرسوم، قد تبنى تقطيعا قضائيا، كان له ما يبرّره وقت وضعه، إلا أن لا أحد يجادل الآن في وجود ضرورة ملّحة وعاجلة لمراجعة شاملة لهذا المرسوم. سواء على ضوء ما جاء به التقطيع الترابي الجديد للمملكة. أو على سواء التغييرات الحاصلة في تسمية وترتيب المراكز والأقطاب الاقتصادية، منها تلك المتواجدة، أو تلك التي أحدثتها الدينامية الجديدة والتوجهات الجديدة التي تبنتها حكومة المملكة المغربية على أمل إحداث مراكز وأقطاب تجارية جديدة[24]

المحور الثاني: تجربة المحاكم التجارية عبر نصوص مشروع قانون التنظيم القضائي للمملكة.

تتلخص أهم مستجدات مشروع قانون رقم 15-38 المتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة، على مستوى الموضوع، في اعتماد مبادئ موجهة للتنظيم القضائي، أهمّها قيام التنظيم القضائي الجديد على وحدة القضاء قمته محكمة النقض، واشتغال مختلف مكونات التنظيم القضائي وفق مبدأ القضاء المتخصص. مع الانفتاح على تجربة جديدة، تتمثل في اعتماد الأقسام المتخصصة في القضاء التجاري، بكل من المحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف.

أما على مستوى الشكل، فسيتم دمج الأحكام المتعلّقة بتنظيم المحاكم التجارية ومحاكم الاستئناف التجارية في صلب مشروع القانون المتعلّق بالتنظيم القضائي للمملكة، بدل الإبقاء على تلك الأحكام متفرقة في نصوص خاصة[25]، عدا ذلك، فالخطوط العريضة التي رسمت اختيارات المشرّع المغربي في إطار قانون 53-95، هي نفسها، التي حكمت توجهه في إطار مشروع قانون 15-38.

استمرار التوجه نحو “القضاء الجماعي” على إطلاقيته.

نصّت المادة 62 من مشروع قانون 15-38، على أنه “مع مراعاة الاختصاصات المخولة لرئيس المحكمة بمقتضى نصوص خاصة، تعقد المحاكم التجارية جلساتها وتصدر أحكامها في جلسة علنية، وهي مكوّنة من ثلاثة قضاة من بينهم الرئيس، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك، بمساعدة كاتب للضبط”. والسؤال العريض الذي يطرح نفسه بشدّة، وهو لماذا الاستمرار في المراهنة على اختيار القضاء الجماعي للنظر هذه المنازعات. فهل الضمانة المراد منحها للمتقاضي عامّة وللمستثمر الأجنبي خاصة تجد ضالّتها في القضاء الجماعي فقط؟

الأكيد أن استمرار المراهنة على اختيار “القضاء الجماعي”، هو رهان ليس له ما يبرّره، في نظرنا، سوى محاولة إعطاء صك تميّز أو شهادة اعتراف مسبقة بالجودة التي هي عليها الأحكام الصادرة عن القضاء المغربي ، والحال أن هذا المبتغى ليس المتحكّم فيه هو عدد أعضاء هيئة الحكم، بقدر ما هو نوعية وجودة تكوينها وصلابة التدريب النظري والعملي لقضاتها.

وحتى ولو كان للقضاء الجماعي، كتركيبة، له ما يبرّره بخصوص بعض القضايا النوعية، في المادة التجارية عموما، فهذا الاختيار لا معنى له البتّة، إذا تعلّق الأمر بنزاعات ذات قيمة صغيرة، ونحن نرى كيف أن سقف الاختصاص القيمي، قد سبق تحديده في 20.000 درهم، ونلاحظ كذلك من خلالنا اطلاعنا على أحكام عديدة في الموضوع لقضايا تم تداولها داخل رحاب أهم المحاكم التجارية بالمغرب، كيف أن النزاع، لا تتجاوز قيمته المالية، بضعة الآلاف من الدراهم.

وهو ما يذهب سدى مجهود هيئة بأكملها، كان من الأسلم لو ركز المجهود العلمي والعملي في نظر قضايا أكثر أهمية، من ناحية القيمة وكذا من ناحية الموضوع. أو ما يعني بصيغة أخرى، الجمع بين النظامين، حسب الحالة، للتفضيل بين “القضاء الفردي” أو ” القضاء الجماعي” لنظر نازلة معينة.

استمرار الدور الباهت للنيابة العامة

جعلت الفقرة الأخيرة من المادة 62 حضور ممثل النيابة العامة في الجلسات اختياريا، ما لم يوجد نص خاص، لا سيما إذا كانت النيابة العامة طرفا أصليا[26].

كما لم يتم تمديد المقتضى الوارد في القرة الأخيرة من المادة 55، والذي استبعد حضور ممثل النيابة العامة لجلسات القضاء الإداري المتخصص. ليشمل القضايا التجارية بالمحكمة الابتدائية (أو قسم القضاء التجاري)، خاصة وأن مبرر حضور النيابة العامة يظهر جليا في القضايا الإدارية، على الأقل أكثر منه في المادة التجارية، التي تعنى فقط بقضايا لها علاقة، غالبا بالمصالح المالية الفردية. وبالتالي، فمنذ صدور قانون 53.95 أثير التساؤل عن دور النيابة العامة بهذه المحاكم وما إذا كان من اختصاصها النواحي الزجرية بالنسبة لقانون الأعمال والجرائم الاقتصادية أمام المحاكم التجارية؟

– لا تمارس النيابة العامة أمام المحاكم التجارية اختصاصات زجرية، لأن طابع هذا الجهاز في هذا النوع من المحاكم هو طابع مدني وليس طابعا زجريا. فدوره يقتصر على الحرص على حسن تطبيق القانون، لكن الإشكال يثور عندما لا يوجد قانون بالمعنى المكتوب، كما هو حال قانون التجارة فالغالبية العظمى للمقتضيات القانونية هي إما أعراف أو عادات تجارية.

هيكلة عاجزة عن تحقيق النجاعة القضائية

– إن التقسيم الوارد بالمادة 61 من المشروع والذي قسّمت بمقتضاه المحكمة التجارية إلى أقسام يمكن توزيعها، حسب منطوق المادة، إلى غرف. لا يعكس بتاتا حقيقة واقع هذه المحاكم، و بالتالي يحق لنا التساؤل حول ما إذا كان واضعو المشروع على وعي تام بالقدرات البشرية والمكنات المعرفية القانونية والتقنية، التي تتمتع بها هذه المحكمة في نظامنا القضائي. أم هو فقط روح استشراف لما هو مأمول أن تكون عليه محاكمنا في مغرب القرن 21. لأن هكذا مقتضى هو انعكاس خادع وغير واقعي للصورة، وفي حالة التشريع، ستأتي على ذكر أو تعداد أمور غير واقعية ولا تعكس واقع الحال – إن لم تتم ترجمته إلى الواقع – سيحظى بمعاملة الاخ غير شقيق مع باقي أقرانه من نصوص المشروع. وبالتالي وضع تخصص جراحي داخل تخصص عام، يفرض في الأول إعداد الكادر البشري القادر على مجاراة هكذا تحوّل، وبالتالي فالتقسيم التقليدي الذي نجده في نشرات المحاكم التجارية أو محاكم الاستئناف التجارية سيظل هو نفسه. يشتغل تحت مظلة التقسيم الوارد بالنصوص الموضوعية أي تقسيم إداري للمحكمة موازي لفهرست نصوص مدونة التجارة أو قوانين الشركات.

– إضافة إلى ذلك، فالمشرّع لازال لم يعي بعد، أو يتجاهل عن عمد، بكذا مقتضيات تضرب في الصميم مبدأ التخصّص الذي ينادى به. فالقول بإمكانية وجود أقسام بالمحاكم التجارية أو بمحاكم الاستئناف التجارية مع إمكانية تقسيم أو تفريع تلك الأقسام نفسها إلى غرف، إلا أن لكل قسم أو لكل غرفة إمكانية البت في كل القضايا المعروضة على المحكمة. وبهذا التوجه، يكون المشرع قد ضرب في الصميم وعاكس بتاتا على الأقل النيّة نحو توجّه لقضاء متخصص يحكم علاقات تؤطرها قواعد خاصة. بل قواعد ذهبت في الخصوصية إلى الحدّ البعيد، أصبحت تشكل هي الأخرى أصلا عاما لعلاقات أكثر خصوصية ومتشعّبة عنها، وهو ما تدعمه وتؤكده مختلف التطورات التي حصلت في ميدان التجارة بصفة عامة، خاصة خلال السنوات الأخيرة.

– قاضي التنفيذ: تعتبر مؤسسة قاضي التنفيذ جهاز رقابي أكثر منه تنفيذي، حيث أن المشرّع جعل مهمة قاضي التنفيذ تقتصر على مراقبة ومتابعة عمليات التنفيذ التي يجريها أعوان التنفيذ، ولم يمنحه اختصاص قاضي التنفيذ للبث في صعوبات ومشاكل التنفيذ، بل يبقى ذلك من اختصاص رئيس المحكمة التجارية باعتباره قاضيا للمستعجلات.

كتابية المسطرة: اشترطت المادة 13 من قانون المحاكم التجارية أن ترفع الدعوى بمقال مكتوب موقع عليه من محام مسجّل في هيئة من هيئات المحامين بالمغرب، وبذلك يكون المشرّع قد استبعد المسطرة الشفوية أمام القضاء التجاري، وخصّ المحامين وحدهم باحتكار مهنة تمثيل المتقاضين أمامه.

– إلا أنه يستثنى من أحكام المادة 13 الأحوال التي يرخص فيها لمن يتوفر على الكفاءة القانونية اللازمة مباشرة المسطرة في المرحلة الابتدائية فقط أمام المحاكم التجارية بنفسه أو بواسطة أحد الأشخاص المنصوص عليهم في المادة 33 من ق م م وذلك أمام المحاكم التي لا يستقر بدائرتها القضائية عدد كاف من المحامين، وتمنح هذه الرخصة من طرف رئيس المحكمة التجارية بناء على طلب كتابي. ولا يطبق هذا الاستثناء أمام محاكم الاستئناف التجارية[27].

لكن هناك ملاحظتين بخصوص هذا المقتضى:

أولهّا: أنه لم نعثر، ونحن نطالع ما هو منشور من أحكام، من لدن المحاكم التجارية للدار البيضاء وفاس ومراكش، في الفترة ما بين 2009 و2014، على أية قضية تمت فيها المؤازرة في إطار الاستثناء الوارد في المادة 13 السابقة الذكر.

ثانيها: أنه ليس هناك من مبرّر قانوني لقصر تطبيق الاستثناء على المرحلة الابتدائية دون مرحلة الاستئناف، وبمعنى آخر جعل التطبيق السابق صالحا فقط أمام المحاكم التجارية دون محاكم الاستئناف التجارية، وذلك تطبيقا للقولة الشهيرة، أن من يستطيع الجزء يستطيع الكل:Qui peux le moins peux le tout وأن إعمال النص بصيغته الحالية هو نوع من الاختيار غير الكامل أو نسمّيه “نصف الاختيار” لمقتضى غير قابل للتجزئة. لأن تجزئة التطبيق وجعله قاصرا على المرحلة الابتدائية، يؤدي، في حالة تطبيقه، إلى اعتماد نوعين من الدفاع بخصوص القضية الواحدة، فلو فرضنا أن شخصا اختار الدفاع في قضيته وفق الاختيار الممنوح له في إطار المادة 13ن فسيكون مجبرا على استبدال دفاعه أمام محكمة الاستئناف التجارية، وإن كان هذا الاختيار قد يكون مفيدا له في حالة ما إذا كان الحكم الابتدائي في غير صالحه، فإنه على العكس من ذلك سيكون من الإضرار بمصالحه جبره عن التخلي عن الدفاع المعتمد في المرحلة الابتدائية والذي تمّ بناء على المادة 13 واستبداله حتى ولو بمحام معتمد من هيئة معينة إن كان قد ربح الدعوى في المرحلة الابتدائية، و تمّ استئناف الحكم كان من الطرف الثاني.

المحور الثالث: إصلاح منظومة القضاء التجاري ضمن استعداد المملكة لتحديات الألفية.

حدّد واضعو المشروع في المذكرة التقديمية للمسوّدة، أهداف القانون الجديد، متمثلة في مراجعة التنظيم القضائي وفق أسس جديدة، لتلافي صعوبات الوضعية الحالية، وتوفير متطلبات النجاعة القضائية على مستوى مختلف درجات التقاضي وأنواع الهيئات القضائية، بما يمكّن من توطيد الثقة والمصداقية في قضاء فعال ومنصف، باعتباره حصنا منيعا لدولة الحقن وعمادا للأمن القضائي، والحكامة الجيدة، ومحفّزا للتنمية.

والحال أثبت، ومن خلال الواقع الذي تعيشه المحاكم التجارية بالمغرب، إن على مستوى التركيبة أو البنية القاعدية لها، وكذا من خلال النظر في طريقة اشتغالها، أن قطار الإصلاح يمرّ وجوبا، عبر محطات أساسية، تتمثل في إعادة النظر في مجموع الميكانيزمات التي ميّزت التجربة خلال سنة 1997، والتي حرص القائمون على أمر إصلاح منظومة العدالة، على ضمان استمرارها في النسخة الجديدة من القانون.

هذه المراجعة، تبقى في نظرنا، المنفذ الوحيد، لجعل مطلب الإصلاح منظومة القضاء المتخصص، ومنه تحقيق النجاعة، منطقيا من جهة، وقابلا للتحقيق من جهة أخرى.

مراجعة الاختصاص النوعي والقيمي:

وذلك عبر إعادة النظر في المواد التي تدخل في اختصاص المحاكم التجارية والاقتصار على المجالات المرتبطة بالأعمال وصعوبات المقاولة.

فالتعميم الوارد بالفقرة 3 من المادة 5 بخصوص “الدعاوى المتعلقة بالأوراق التجارية” مثلا، يتطلّب إعادة النظر، وذلك بجعله قاصرا فقط على “الكمبيالة” وإبقاءه بالنسبة “للشيك” و”السند لآمر” متى تعلّق هذا الأخير بمعاملة تجارية بين تاجرين. وحذف الاختصاص من المحكمة التجارية فيما عدا ذلك.

لأنه لا معنى لوجود قضاء متخصص بنظر منازعات التجارية بين التجار وبمناسبة أعمالهم التجارية، إذا لم يحترم المبدأ الأول، فجعل نظر المحاكم التجارية ينعقد بصرف النظر عن الأشخاص المتعاملين بها، أكانوا تجارا أم لا. واعتبار الاختصاص، في هذه الحالة، ينعقد للورقة ذاتها، لا على المتعاملين بها، هو منطق، وإن كان ما يبررّه من ضرورة حماية الائتمان الذي تمثله تلك الأوراق.

إلا أننا نرى ضرورة تجاوز هذا الهاجس، والذي كان يحكم السياسة التشريعية بالمغرب مخافة انهيار الثقة في أدوات الأداء، إلا أن هكذا اعتبار أصبح متجاوزا، وأن المتعاملين من غير التجار، أصبحت لديهم من الوسائل القانونية، الخاضعة للقواعد العامة بظهير الالتزامات والعقود، ما يغنيهم عن اللجوء لهاته الوسائل في معاملاتهم غير التجارية، وهو ما لا يقع إلا نادرا ما دمنا نتحدث عن فئة غير التجار[28].

أما مسألة الاختصاص القيمي يمكن القول بشأنها، عموما، أن الاختيار الذي أتى به المشرع المغربي سواء في إطار قانون 53.95، أو في إطار نصوص المشروع، لم يكن أبدا محل رضى من لدن القانونيين المتخصصين. وأثار موجة من الانتقادات الحادّة، لم تحظى بمثيل لها إلا النصوص المتعلقة بدور النيابة العامة في هذه المحاكم.

وبالتالي، كان المطلب ولا يزال بحذف الاختصاص القيمي، وعدم الاعتماد عليه ضمن النصوص المحددة لاختصاص المحكم التجارية، لأن إيراد مثل هذا المقتضى يضرب في الصميم ميزة التخصّص التي ينفرد بها هذا النوع من القضاء[29]. فإذا كان الغرض من تعديل المادة 6 هو التخفيف من العبء والضغط الكمّي اللذان تعيشهما بعض المحاكم نتيجة كثرة عدد القضايا و الملفات الرائجة بها، إلا أن معالجة هذه المسألة، والتي تظل في نظرنا إشكالا تدبيريا محضا ولا يرقى إلى درجة المشكل القانوني، لا تكون بمثل هذا الإجراء، والذي نعتبره مجرد سبق قلم من المشرع، لأنه كان من الأسلم الاحتفاظ بالمادة كما هي قبل التعديل، وأن الرفع من قيمة القضايا المعروضة على المحكمة، يكون ابتدائيا وانتهائيا، وهو ما سيخفّف قليلا من الضغط على محاكم الاستئناف التجارية من جهة.

ومن جهة أخرى، مثل هذا الإجراء القانوني، سيحافظ على ذلك التميّز في الاختصاص الذي تنبري به المحاكم التجارية عن غيرها من المحاكم الأخرى. ولأن الاستمرار في إعمال المادة على شاكلتها الحالية. سيؤدّي إلى إحالة العديد من القضايا النوعية على المحاكم العادية، التي تفتقر إلى التكوين المتخصص، على الأقل الذي لا نجد له نظيرا لدى قضاة المحاكم التجارية. وبالتالي سيؤدي الأمر إلى إحالة النظر في قضايا نوعية على هيئات غير متخصصة.

هذا مع التذكير، بأن العديد من القضايا الرائجة بردهات المحاكم العادية، إعمالا للسقف القيمي للاختصاص، تكون الطلبات فيها، لا علاقة لها بالقيمة المالية بل المراد هو البحث عن تدخل جراحي للقضاء عبر اجتهادات نوعية تؤسس لتوجه جديد أو مغاير لما درج العمل عليه سابقا، وهي حالة المنازعات مثلا في قضايا الشركات أو إسباغ الصفة التجارية على أعمال معينة.

لذلك نفضّل إرجاع الصياغة القديمة للمادة 6 إلى بنود القانون الجديد المنظم للاختصاص القيمي المحاكم التجارية على أن تأخذ المراجعة بعين الاعتبار الرفع من القيمة الوارد في القانون، وأن تكون الصياغة على الشكل الآتي: ” تختص للمحاكم التجارية بالنظر ابتدائيا وانتهائيا في الطلبات التي لا تزيد قيمتها الأصلية عن عشرين ألف (20.000) درهم وابتدائيا في جميع الطلبات التي تفوق المبلغ المذكور”. وإذا كان المشروع، في نصوصه، قد عاد وتبنّى تجربة الغرف التجارية بالمحاكم الابتدائية، فمثل هذا المقتضى وإن كنا لا نؤمن بمنطقيته، إلا أنه سيساعد، حال تبنّيه من طرف البرلمان، من تخفيف العبء والضغط الناتج عن كثرة القضايا المعروضة على المحاكم التجارية[30]. وسيساعد في اختصار مدة البت في الملفات.

إعادة النظر في دور النيابة العامة:

من المفارقات التي فرضتها ظروف التطور على أدوار النيابة العامة لدى المحاكم التجارية، أن هاته الأخيرة تقيم دعاوى تجارية ولا تحرك دعاوى جنائية[31].

لكن أصبح من اللازم اليوم، وأكثر من ذي قبل، تجديد دور النيابة العامة أمام المحاكم التجارية، بالشكل الذي يؤدي إلى فهم وضبط مجال المقاولة والأعمال وحماية المستهلك في آن واحد[32]. وفي هذا، نادى البعض بفصل اختصاص النيابة العامة بالمحاكم التجارية عن النيابة العامة في المحاكم العادية، وألا تتحرّك الأولى منطلقة من نفس الاعتبارات التي تؤطّر وتحكم عمل الثانية. وترمي إلى تحقيق أهداف مشابهة ومتماثلة.

وكان هذا هو بيت القصيد في جميع ما أثير من نقاش لحظة طرح النص الحالي للنقاش، حيث كانت الآراء المتخصصة، كلها مجمعة على إيجاد فلك جديد يدور حوله عمل النيابة العامة[33]، والذي لن يكون سوى فلك المال والأعمال عوض الاختصاص التقليدي المتمثل في المتابعات الجنائية والزجر الجنائي. فصحيح أن هناك من الجرائم ما يظل وثيق الصلة بمجال التجارة والأعمال وتداول الرساميل، مثل الجرائم الاقتصادية في مدونة التجارة وقانون الشركات وقطاع الائتمان والتأمين، إلا أن هناك مقاربة نوعية لممارسة الاختصاص في هذا النوع من الجرائم. والمتمثلة في إجراء إحالة لأوراق القضية عن طريق الإخبار والتنازل، إما من طرف قضاء الموضوع من تلقاء نفسه، أو من طرف النيابة العامة عن طريق تقديم ملتمس في الموضوع[34].

وتبني مثل هذا الاختيار الأخير، يتيح الاستفادة من تجربة وحنكة النيابة العامة لدى المحكمتين كلتاهما، فالنيابة العامة لدى المحكمة التجارية تملك من الخبرة في تقدير بعض الممارسات التي تتم في بيئة الأعمال ما لا تملكه نظيرتها لدى المحاكم العادية. بينما النيابة العامة في المحاكم العادية، وبفضل الاختصاص الأصلي والممارسة الشبه يومية، تملك أدوات ووسائل البحث والتقصّي في المتابعات الجنائية المتعلقة بالأعمال المكيّفة جنحيا والتي تتم إحالتها من طرف النيابة العامة لدى المحكمة التجارية.

قضاء تجاري يستجيب لمطلب النجاعة القضائية:

عكس اختيار “القضاء الجماعي”، يعتبر القضاء الفردي ضمانة للتجرد والموضوعية وعدم المحاباة، وصونا أكثر للحقوق، زيادة على ما يمنحه من امتيازات أخرى على مستوى التدبير الأمثل للموارد البشرية الموضوعة رهن إشارة محكمة ما، أي سنكون أمام اختيار يقلل من ضغط قلة عدد القضاة المتخصصين وسيمنح إمكانية النظر في اكبر عدد من القضايا بأقل تكلفة وفي أسرع وقت ممكن. وأن تعدّد القضاة، في العديد من الدراسات الميدانية، يكون اختيارا يصاحبه ارتفاع مؤشر الإضرار بمصالح المتقاضين كيفما كان نوعهم. زيادة على ارتفاع تكلفة النظر في القضية الواحدة و تدبيرا غير معقلن لموارد طالما اشتكى واضعو المشروع من نقصانها. وبالتالي فالبديل المقترح، هو إعادة النظر في المادة 62 من المشروع برمّتها، مما يشكّل إعادة نظر في الاختيار في أساسه، وقلب المعادلة، بالشكل الذي تصبح معه الصياغة على النحو التالي، أي: “مع مراعاة الاختصاصات المخولة لرئيس المحكمة بمقتضى نصوص خاصة، تعقد المحاكم التجارية جلساتها وتصدر أحكامها في جلسة علنية، وهي مكوّنة من قاض منفرد، يساعده كاتب للضبط، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك”.

ثم التركيز على التكوين والتكوين المستمر للقضاة. إن الغاية من التذكير بهذه التحولات التي عرفها، وسيعرفها المغرب، خلال العشرية المقبلة، هي فقط للتدليل على حجم ونوع المنازعات التي قد تظهر إلى الوجود لاحقا، والمرتبطة أساسا بتواجد مقاولات صلبة، ماليا وتدبيريا، ممّا يحتّم أوّلا، التوفر على رأسمال بشري مؤهّل وكفء للإجابة عن جميع التساؤلات والفرضيات القانونية التي يمكن أن تفرضها طبيعة وحرارة النقاش القانوني الدائر أثناء نظر دعوى تجارية. لأن الأمر يتعدّى بالتأكيد منازعات أطرافها أشخاص طبيعية، ليصل حدّ التقاضي بين مؤسسات استثمارية ممثلة ومؤازرة بنخبة من رجالات القانون المتخصصين في منازعات المال والاستثمار، وأحيانا قد يكون منطوق الحكم تتعلّق به قيم مالية بالملايير. وهي حالة الشركات مثلا، ذات الرساميل المنفتحة على العموم، والتي تعتبر عن حق الركيزة الأساسية التي يراهن عليها المسؤولون في أي بلد من أجل إعطاء القيمة المضافة الحقيقة، وتحقيق الطفرة الاقتصادية المنشودة.

إعادة النظر في الخريطة القضائية للمحاكم التجارية.

إن كنا فقط بصدد مناقشة مشروع قانون، وأن المسطرة التشريعية تقتضي، كما هو متعارف عليه، إحالة النص إلى الغرفتين قد المناقشة المستفيضة والبنّاءة بغية تجاوز مكامن الضعف في النص. فإننا نكون أمام معطى زمني يمنعنا من الخوض في ما لدى المشرع من نيّة، بخصوص أجرأة التدابير القانونية المعلّق عليها نفاذ القانون الحالي. ونحن هنا، وأمام هذا المعطى، ليس لنا إلا أن نفترض حسن نيّة المشرع في هذا الباب.

لكن، لا ضرر من سرد بعض الاعتبارات القانونية والاقتصادية والاجتماعية، وحتى السياسية. الواجب أخذها بعين الاعتبار أثناء تنزيل المراسيم التطبيقية المتعلقة بالقانون الجديد للتنظيم القضائي للمملكة. حالة المصادقة عليه من طرف البرلمان. والمتمثلة أساسا، في:

– الاعتبارات القانونية والسياسية: وتتمثل في الأخذ بالجهوية الموسعة والمتقدمة كمقاربة ترابية جديدة في تدبير الشأن المحلي والوطني بالمغرب، عبر ترسيخ خصوصية الجهة في إطار تكامل واندماج وطنيين. وإعمال هذا الاعتبار أو إعطاءه ما يستحق من العناية والاهتمام باعتباره أصبح محددا رئيسيا للسياسات العمومية عامة ومثلها الحال يكون بالنسبة للسياسة التشريعية والقضائية لدى المسؤولين عن القطاع.

– الاعتبارات الاقتصادية: والتي تأخذ بعين الاعتبار ما يتم تسجيله لدى الهيئات المكلفة بالإحصاء وتتبع الظرفية الاقتصادية للمغرب، والتي تتم عبر تقارير وبحوث ميدانية دورية. نستشف منها، حدوث تغييرات في البنية الاقتصادية بالمغرب، إن على مستوى أفقي أو عمودي. فالتغيّرات، خلال العشرية الأخيرة، طالت بنيات الإنتاج، وكذلك التحوّل نحو الرساميل نحو الاستثمار في أنشطة صناعية وحرفية جديدة.

كما لحق التغيير أيضا نقط تمركز المقاولات ، والذي لوحظ فيه اتجاه اصحاب رؤوس الأموال إلى التمركز قرب نقط الإنتاج، أو مراكز التوزيع، أو نقط العبور البرية أو البحرية المحدثة أخيرا قصد تشجيع أرباب المقاولة على التصدير.

هذا الواقع الجديد ساهم في خلق تجمعات اقتصادية بالعديد من المدن والمناطق بربوع المملكة، والتي كانت إلى عهد قريب، بعيدة زمنيا عن التصنيف الصناعي أو الحرفي أو الخدماتي. وهو ما نسميه حاليا ب”الجهة الاقتصادية”[35].

أكيد أن سياسة المغرب الأخضر، ساعدت على خلق أقطاب صناعية على مستوى العديد من جهات المملكة، خاصة على مستوى مقاولات الصناعات التحويلية والتي بدأت تنتشر وتتقوّى ماليا وتدبيريا بكل من جهة فاس – مكناس، وجهة تطوان – طنجة – الحسيمة، وجهة درعة – تافيلالت.

كذلك، حجم ونوع الاستثمارات التي ضخّت، في الجهات الجنوبية من المغرب، ستعرف حتما بروز قطب اقتصادي مهم.

مع ما يمثله أيضا، إطلاق مشروع المغرب الرقمي، من حافزا لتطوير حقل التجارة الالكترونية. والمعاملات المرتبطة بالاقتصاد الرقمي.

وإيراد هذه الفكرة بخصوص الانتعاشة الاقتصادية لمناطق معينة على حساب مناطق أخرى، هو الدعوة إلى أخذ مجمل هذه التحولات بعين الاعتبار، أثناء مراجعة المراسيم التنفيذية الصادرة تطبيقا لنصوص هذه القانون حالة خروجه إلى حيّز الوجود. وبمعنى آخر، إعادة النظر في التقطيع القضائي، وجعله تقطيعا مبنيا على اعتبارات اقتصادية والابتعاد قدر الإمكان عن المؤثرات المرحلية الصيّقة (سياسية، قبلية، لغوية…الخ). والذي عوض أن تكون عامل نهضة وإقلاع اقتصاديين، تكون سببا للانتكاسة والتقهقر درجات في سلم النماء والتنمية ببلادنا.

خاتمة:

إن الحديث عن إي إصلاح شمولي لمنظومة القضاء في المغرب، سوف لن يكتب لها الكمال والنجاح، إن تمت بمعزل عن إصلاح القضاء المتخصص، وتقويم تجربته في نموذج القضاء التجاري.

كذلك مسار الإصلاح يمرّ لزوما عبر البوابات الإصلاح الثلاث التي اقترحناها، واقترحها سابقونا من السلف الصالح، من أساتذة القانون ومحامون وقضاة ورجال أعمال. وهي الثلاثية المقدّسة: القاضي الكفء، والنص الجيّد، والمحكمة القريبة.

عندها، يمكن لمشروع إصلاح القضاء التجاري ، وعبره مراجعة التنظيم القضائي للمملكة، أن يحقّق مبدأي الاستقرار القضائي والتوقّع القانوني.

وحينها، فقط، يمكن للقضاء التجاري، أن يوطّد الثقة والمصداقية في قضاء فعّال ومنصف، باعتباره حصنا منيعا لدولة الحق، وعمادا للأمن القضائي، والحكامة الجيّدة، ومحفّزا للتنمية بالبلاد.

[1] – قال صندوق النقد الدولي في تقرير عنوانه “التجربة المغربية” صدر في واشنطن عام 1995 “أن المملكة المغربية راهنت في السبعينات على استمرار ارتفاع اسعار المواد الأولية في السوق الدولية ومنها صادرات الفوسفات كما راهنت على تحصيل قروض ميّسرة في ظل الفائض المالي الدولي وطفرة النفط في منطقة الشرق الأوسط، ما نتج عنه تراكم ديون المغرب على مدى سنوات لتنتقل من 800 مليون دولار في 1970 الى 2.3 بليون دولار عام 1976 ثم قفزت الى 6.5 بليون دولار في عام 1979. وعند حلول عقد الثمانينات كان اجمالي ديون المغرب الخارجية تفوق 7.6 بليون دولار فيما تراجع الاحتياط النقدي إلى نحو شهر من تغطية واردات السلع والخدمات وارتفع عجز الموازنة إلى نحو 15 في المئة من اجمالي الناتج القومي إضافة إلى تراكم مستحقات الديون غير المسددة وظهور صعوبات في تمويل التجارة الخارجية”.

واعتبر صندوق النقد الدولي أن سياسة تشجيع الاستهلاك عوض الادخار، واستمرار اعتماد الحماية المحلية للصناعات التي كانت تعوض الواردات ساعدت في تأزيم وضعية الاقتصاد المحلي على رغم أن متوسط النمو كان يصل الى نحو أربعة في المئة في السنوات من 1977 و1980 قبل أن يتراجع الناتج الاجمالي إلى ناقص 2.8 في المئة عام 1981 بسبب عودة الجفاف وتقلص الانتاج الزراعي واضطرار الرباط الى الاستدانة لسد فجوة النقص الغذائي وبذلك وصلت المديونية الخارجية حدوداً قصوى بلغت 9.7 بليون دولار أصبح معها طلب الجدولة ملحاً وضرورياً من خلال برنامج متفق عليه مع صندوق النقد الدولي، وهو ما عرف اختصارا ب PAS أو برنامج التقويم الهيكلي.

[2] – وهي على التوالي، الظهائر الثلاث بمثابة قوانين رقم: 1.93.2112 و 1.93.212 و1.93.213، بتاريخ 4 ربيع الأول 1414 (21 سبتمبر 1993) الجريدة الرسمية عدد 4223 بتاريخ 06 أكتوبر 1993. الصفحة 1882.

[3] – ظهير شريف رقم 147 .1.93 صادر في 15 من محرم 1414 (6 يوليو 1993). الجريدة الرسمية عدد 4210 بتاريخ 07 يوليوز 1993. الصفحة 115.

[4] – الصادر بتنفيذه بالظهير رقم 1.97.65، بتاريخ 4 شوال 1417 (الموافق 12 فبراير 1997. الجريدة الرسمية عدد 4482، بتاريخ 8 محرم 1418 (الموافق 15 ماي 1997).

[5] – حيث جاء في خطاب للملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله، في نفس السياق، بتاريخ 24 أبريل 1995 بمناسبة استقباله أعضاء المجلس الأعلى للقضاء ما يلي: ” إن المغرب إذا أراد أن ينفتح على العالم يجب أن يكون كذلك قضاءه منفتحا، وفي مستوى قضاء العالم… لأنه ﻻ يمكن لهذا المغرب أن ﻴﻔﺘﺢ ابوابه للمال الأجنبي إذا لم يكن ذلك المال الأجنبي عارفا أنه في مأمن من الشطط وسوء الفهم… فالقضاء اليوم لم يصبح فقط أساسا لطمأنينة الرعيّة والمجتمع بل أصبح ضروريا للنماء “.

[6] – وخاصة في تقرير البنك الدولي Doing Business، والذي يتيح مقاييس موضوعية لأنظمة أنشطة الأعمال وإنفاذها عبر 189 اقتصادا. وينظر مشروع ممارسة أنشطة الأعمال، الذي تم تدشينه عام 2002، إلى الشركات المحلية الصغيرة والمتوسطة الحجم، ويقيس الأنظمة المطبقة عليها على مدى دورة حياتها. ويُعتبر كل من تقرير ممارسة أنشطة الأعمال والنموذج المعياري لاحتساب التكلفة الأداتين المعياريتين الوحيدتين اللتين يجري استخدامهما عبر مجموعة متنوعة وواسعة النطاق من الاقتصادات لقياس أثر عملية وضع القوانين والأنظمة على أنشطة الأعمال التجارية. من خلال جمع وتحليل البيانات الكمية الشاملة للمقارنة بين بيئات اللوائح الحكومية المنظمة لأنشطة الأعمال فيما بين الاقتصادات وعبر الوقت،

وقد غطى أول تقرير في سلسلة تقارير ممارسة أنشطة الأعمال، الذي صدر في 2003، 5 مجموعات من المؤشرات في 133 اقتصادا. يغطي تقرير هذا العام 10 مجموعات من المؤشرات في 189 اقتصادا، وهي: – بدء النشاط التجاري – استخراج تراخيص البناء – الحصول على الكهرباء – تسجيل الملكية – الحصول على الائتمان – حماية المستثمرين الأقلية – دفع الضرائب – التجارة عبر الحدود – إنفاذ العقود – تسوية حالات الإعسار. ومازال الهدف الأولي للتقرير قائماً، وهو: توفير أساس موضوعي لفهم طبيعة البيئة التنظيمية لأنشطة الأعمال التجارية والعمل على تحسينها والارتقاء بها في مختلف أنحاء العالم.

[7] – يتعلّق الأمر، بمشروع قانون رقم 15- 38 يتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة.

[8] – مع العلم أن مشروع القانون الجديد، وكما سطره واضعوه، يهدف “إلى مراجعة التنظيم القضائي وفق اسس جديدة، لتلافي صعوبات الوضعية الحالية، وتوفير متطلبات النجاعة القضائية على مستوى مختلف درجات التقاضي وأنواع الهيئات القضائية بما يمكن من توطيد الثقة والمصداقية في قضاء فعال ومنصف، باعتباره حصنا منيعا لدولة الحق، وعمادا للأمن القضائي، والحكامة الجيدة، ومحفزا للتنمية”. راجع مذكرة تقديم مسوّدة المشروع الصادرة عن وزارة العدل والحريات. ص 2.

[9] – ويرجع نظام المحاكم التجارية بفرنسا إلى العصر الوسيط، بحيث كانت تعقد في موانئ “البندقية” و “جنوة” خلال القرن 15 الميلادي محاكم للبت بسرعة وحالا في المنازعات التي تسفر عنها العمليات التجارية التي كان يجريها التجار الآتون من الشرق، وقد أنشأت أول محكمة تجاري فرنسية في مدينة “شاتلي Chatelet” سنة 1563 بمبادرة من “ميشيل لوسبيتل Michel de l’hospital” وكان الملك شارل التاسع أوّل من أمر بإقامة هذا الجهاز، ثم ازداد اهتمام لويس الرابع عشر به، وأمر بتنظيم جميع المحاكم التجارية في جميع أنحاء التراب الفرنسي بإصدار قوانين بإحداث تلك المحاكم بحيث خصص لكل محكمة قانونا خاصا بها. محمد المجدوبي الإدريسي. المحاكم التجارية بالمغرب. مطبعة بابل. الطبعة الأولى. ص 16 و17. وكذلك أحمد شكري السباعي. الوسيط في النظرية العامة في قانون التجارة والمقاولات التجارية والمدنية – دراسة معمقة في قانون التجارة المغربي الجديد والقانون المقارن – الجزء الأول. مطبعة المعارف الجديدة. الرباط. الطبعة الأولى. الرباط. 2001. ص201.

[10] – ونموذجها النظام القضائي الفرنسي الذي تتشكل محاكمه التجارية، من قضاة منتخبين من بين التجار يمارسون اختصاصاتهم بشكل تطوعي:

Article L721-1 : « Les tribunaux de commerce sont des juridictions du premier degré, composées de juges élus et d’un greffier. Leur compétence est déterminée par le présent code et les codes et lois particuliers ». Créé par Ordonnance n°2006-673 du 8 juin 2006 – art. 2 (V) JORF 9 juin 2006

Article L723-10 : « Les élections des juges des tribunaux de commerce ont lieu au scrutin plurinominal majoritaire à deux tours… ».

Ainsi que Article L722-11, stipule que : « Le président du tribunal de commerce est choisi parmi les juges du tribunal qui ont exercé des fonctions dans un tribunal de commerce pendant six ans au moins, sous réserve des dispositions de l’article L. 722-13… ».

[11] – وما دمنا نتحدث عن القضاء المتخصص، فهذا يعني، إقصاء الحديث عن النظم القضائية للدول التي تبنت وحدة القضاء، أي تلك التي تعطي الاختصاص لقضاءها العادي لنظر المنازعات التجارية، ومثالها: الولايات المتحدة الأمريكية، انجلترا، إيطاليا واسبانيا.

[12] – مداخلة الأستاذ عبد الرزاق العمراني رئيس المحكمة التجارية بالدار البيضاء، خلال الندوة الخامسة التي نظمتها محكمة الاستئناف بالدار البيضاء ومحكمة الاستئناف التجارية بها، في برنامج الندوات المشتركة حول موضوع تأهيل قضاء الأعمال والقضاء الاجتماعي. أبريل 2014.

[13] – تم نسخ وتعويض أحكام المادة 6 أعلاه بالمادة الأولى من القانون رقم 18.02 المتعلق بتتميم القانون رقم 53.95، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.02.108 بتاريخ فاتح ربيع الآخر 1432 (13 يونيو 2002). الجريدة الرسمية عدد 5029 بتاريخ 3 جمادى الآخرة 1423 (12 أغسطس 2002). ص2263. وكانت المادة 6 في صيغتها السابقة تعطي الاختصاص للمحاكم التجارية بالنظر ابتدائيا وانتهائيا في الطلبات التي لا تزيد قيمتها الأصلية عن تسعة آلاف (9.000) درهم وابتدائيا في جميع الطلبات التي تفوق المبلغ المذكور.

[14] – Article L721-3 : « Les tribunaux de commerce connaissent :

1° Des contestations relatives aux engagements entre commerçants, entre établissements de crédit, entre sociétés de financement ou entre eux ;

2° De celles relatives aux sociétés commerciales ;

3° De celles relatives aux actes de commerce entre toutes personnes.

Toutefois, les parties peuvent, au moment où elles contractent, convenir de soumettre à l’arbitrage les contestations ci-dessus énumérées ».

[15] -تم تغيير الفقرة الرابعة من المادة 5 أعلاه بموجب المادة الثالثة من القانون 05-08 القاضي بنسخ وتعويض الباب الثامن والقسم الخامس من قانون المسطرة المدنية، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.07.169 بتاريخ 19 من ذي الحجة 1428 ( 30 نوفمبر 2007 )، الجريدة الرسمية عدد 5584 بتاريخ 25 ذو القعدة 1428 ( 6 ديسمبر 2007 )، ص 3894.

[16] – ” ولقد كان المشروع الأولي يبعد الشيك من دائرة اختصاص المحاكم التجارية، وكانت نصيحتنا لوزارة العدل بعد الاطلاع عليه – ضمن الاستشارة التي طلبت منا – حذف هذا الاستثناء الذي لا يستند على أي مبرر واقعي أو عملي ما دامت المحاكم التجارية تتألف من قضاة رسميين، ولا تطبّق على الشيك في سائر الأحوال سوى مدونة التجارة ( المواد 239 إلى 333 من مدونة التجارة ) وقد استجاب القانون الجديد رقم 95-53 لهذه الدعوة بإيراد هذه العبارة العامة ( الأوراق التجارية ). أحمد شكري السباعي. الوسيط في النظرية العامة في قانون التجارة والمقاولات التجارية والمدنية. مرجع سابق. ص 217.

[17] – وقياسا على السند لآمر، يكون الشيك، عملا تجاريا إذا:

– صدر عن تاجر بمناسبة ممارسته أعمالا تجارية.

– صدر عن غير تاجر، وترتب عن دين أو معاملة تجارية.

وفي هذا، نخالف ما أورده استاذنا الدكتور أحمد شكري السباعي، بخصوص هدم التفرقة بين الشيك المدني والشيك التجاري، وأن هذا التمييز لا فائدة جوهرية منه لوحدة القانون والمحكمة اللذين يحكمان هذين الصكين، كما أن الأمر يتعلّق باستثناء يجب أن يؤول تأويلا ضيقا لا واسعا. راجع كتابه: الوسيط في الأوراق التجارية – دراسة عميقة في قانون التجارة المغربي الجديد وفي اتفاقية جنيف للقانون الموحد وفي القانون المقارن. الجزء الثاني. مطبعة المعرف الجديدة. الرباط. الطبعة الثالثة. ص 24 إلى 32.

[18] – بل هناك من الفقه من يعتبر حتى أن توقيع التاجر ينهض قرينة على تجاريته، ولكنها قرينة بسيطة تقبل إثبات العكس. مصطفى كمال طه.

[19] – القانون رقم 34.10 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.170 بتاريخ 27 من ذي القعدة 1432 (25 أكتوبر 2011). الجريدة الرسمية عدد 5989 مكرر، بتاريخ 28 ذو القعدة 1432 (26 أكتوبر 2011). ص 5228. مادة فريدة.

[20] – “والسبب يرجع إلى مزاجهم المتعود على المتابعات والعقاب لا على تقنيات المعاملات التجارية، أي على القانون الجنائي لا على القانون التجاري – الطبع يغلب التطبع –ومهما كان الأمر، نعارض مبدئيا إسناد اختصاصات جنائية إلى المحكمة التجارية لا لأن ذلك يشكل خرقا صريحا للمادة 5 من القانون 53.95 القاضي بإحداث محاكم تجارية فحسب التي حددت اختصاصات المحاكم التجارية بدقة، والتي لا يوجد ضمنها أي اختصاص جنائي، بل لأن الهدف من هذه المحاكم النظر في القضايا التجارية المحضة. حتى لا تتيه في قضايا الجريمة والعقاب –الحبس والسجن والغرامات – التي نتمنى أن يقلع المقاولون ورجال الأعمال عن ارتكابها تفاديان للإضرار بأنفسهم وأموالهم”. أحمد شكري السباعي. الوسيط في النظرية العامة في قانون التجارة والمقاولات التجارية والمدنية – دراسة معمقة في قانون التجارة المغربي الجديد والقانون المقارن – الجزء الأول. مطبعة المعارف الجديدة. الرباط. الطبعة الأولى. الرباط. 2001. ص 200 و201.

[21]- « Avant la loi n° 70-613 du 10 juillet 1970, sa présence dans les juridictions commerciales n’était pas organisée. Toutefois, il est apparu indispensable d’assurer la participation des pouvoirs publics à la surveillance des relations commerciales.

Le parquet dispose de pouvoirs très étendus dans le cadre des procédures collectives depuis la loi n° 81-927 du 15 octobre 1981, encore accrus depuis l’entrée en vigueur de la loi n° 85-98 du 25 janvier 1985 précitée. Il possède un droit de regard sur tous les actes de procédure mettant en cause l’intérêt général. Toutefois, la présence du parquet dans les tribunaux de commerce n’est pas obligatoire.

Il dispose d’un large pouvoir d’information. Les organes de contrôle (administrateur, expert, représentant des créanciers), comme le juge-commissaire, doivent tenir le parquet constamment informé sur le déroulement de la procédure de redressement ou de liquidation. Une information particulière est organisée à son profit à la charge des organes de contrôle afin de lui permettre d’avoir connaissance des faits de nature à entraîner la condamnation du dirigeant à la faillite personnelle. En outre, le ministère public dispose d’une source d’informations plus grande que le tribunal de commerce ou les organes de contrôle, compte tenu de la nature de ses attributions en toutes matières… ». Delphine Brach – Thiel. Le guide juridique du créateur d’entreprise. Librairie HEURE DE France. PARIS. P73.

[22] – وتقوم إلى جانب هذا الاختصاص الجوهري اختصاصات أخرى ترتبط به و لا تقل أهمية عنه:

– يجوز لوكيل الملك أن يطلب من المحكمة استمرار نشاط المقاولة الخاضعة للتصفية القضائية، ويمكن للمحكمة في هذه الحالة أن تأذن بهذا الاستمرار لمدة تحددها، إذا اقتضت المصلحة العامة أو مصلحة الدائنين ذلك (المادة 620 من مدونة التجارة).

– يطلع وكيل الملك القاضي المنتدب، بناء على طلب هذا الأخير أو تلقائيا، على الرغم من أية مقتضيات تشريعية مخالفة، على جميع المعلومات المتوفرة لديه، والتي يمكن أن تكون مفيدة للمسطرة (المادة 641 ف 2 من مدونة التجارة).

– يجب أن تضع المحكمة يدها تلقائيا على دعوى سقوط الأهلية التجارية (المواد 712 إلى 715 من مدونة التجارة) أو بناء على طلب السنديك أو وكيل الملك (المادة 716 من مدونة التجارة).

ويمكن للنيابة العامة أن تطلب من السنديك أن يسلمها جميع العقود والوثائق التي بحوزته (المادة 727 من مدونة التجارة).

[23] – مرسوم رقم 2.97.771 الصادر في 25 جمادى الثانية 1418 (28 أكتوبر 1997) بتحديد عدد المحاكم التجارية ومحاكم الاستئناف التجارية ومقارها ودوائر اختصاصها. الجريدة الرسمية عدد 4532 بتاريخ 5 رجب 1418 (6نوفمبر 1997). ص 4194. كما تم تغييره وتتميمه بمقتضى المرسوم رقم 2.00.280 الصادر في 17 من ربيع الأول 1421 (20 يونيو 2000). الجريدة الرسمية عدد 4810، بتاريخ 3 ربيع الآخر 1421 (موافق يونيو 2000).

[24] – بمناسبة جولات الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة الذي انطلق في ماي 2012 وتم الانتهاء من أشغاله وتقديم توصيات بشأنه شهر يوليوز 2013 ، ومن التوصيات التي همّت هذا الموضوع: “ربط وجود المحاكم التجارية بالأقطاب التجارية والصناعية الكبرى”.

[25] – على أن تنقل إلى قانون المسطرة المدنية وقانون المسطرة الجنائية باقي الأحكام المتعلّقة بالإجراءات والاختصاص المتعلّقة بالجهات القضائية المذكورة. مذكرة تقديم مسوّدة المشروع الصادرة عن وزارة العدل والحريات. الصفحات 2، 4، 7.

[26] – إذا كانت فرنسا قد انتظرت ما يقارب 400 سنة لإدخال مؤسسة النيابة العامة أمام المحاكم التجارية أي منذ إحداث أول محكمة تجارية ب “شاتلي châtelet” سنة 1563، وإلى حدود صدور قانون 10 يوليوز 1970 والمرسوم التطبيقي له رقم 72.684 بتاريخ 20 يوليوز 1970، علما أن حضورها بهذه المحاكم فبيل هذا التاريخ كان موسميا وغير شكلي.

ووجود النيابة العامة أمام المحاكم التجارية بفرنسا قوبل في البداية بنوع من التحفظ بل سبق وصنّف دورها أمام هذه المحاكم بأنه دور “عديم الفائدة إن لم يكن خطرا” لكن أصبح حضورها اليوم أمام المحاكم التجارية الفرنسية أمرا غير مرغوب فيه.

[27] – تنص المادة 32 من الظهير المنظم لمهنة المحاماة ل 10 شتنبر 1993، على أن: ” المحامون المسجلون بجداول هيئات المحامين بالمملكة، هم وحدهم المؤهلون، في نطاق تمثيل الأطراف، ومؤازرتهم، لتقديم المقالات والمستنتجات والمذكرات الدفاعية في جميع القضايا باستثناء قضايا التصريحات المتعلقة بالحالة المدنية، وقضايا النفقة أمام المحكمة الابتدائية والاستئنافية، والقضايا التي تختص المحاكم الابتدائية بالنظر فيها ابتدائيا وانتهائيا وكذا المؤازرة في قضايا الجنح والمخالفات.

غير أنه يمكن للمحامين الذين يمارسون المهنة في بلد أجنبي، يرتبط مع المغرب باتفاقية تسمح لمواطني كل من الدولتين المتعاقدتين بممارسة المهنة في الدولة الأخرى، أن يؤازروا الأطراف، أو يمثلوهم، أمام المحاكم المغربية، بشرط أن يعينوا محل المخابرة معهم بمكتب محام مسجل بجدول إحدى هيئات المحامين بالمملكة بعد الإذن لهم بصفة خاصة، في كل قضية على حدة، من طرف وزير العدل ما لم تنص الاتفاقية على خلاف ذلك”.

[28] – وهو التبرير الذي اشار إليه، أستاذنا الدكتور احمد شكري السباعي، بقوله “ولقد كان المشرع الأولي يبعد الشيك من دائرة اختصاص المحاكم التجارية، وكانت نصيحتنا لوزارة العدل بعد الاطلاع عليه – ضمن الاستشارة التي طلبت منا – حذف هذا الاستثناء الذي لا يستند على أي مبرّر واقعي أو عملي ما دامت المحاكم التجارية تتألف من قضاة رسميين، و لا تطبّق على الشيك في سائر الأحوال سوى مدونة التجارة”. الوسيط في النظرية العامة في قانون التجارة. ج 1 مرجع سابق. ص 217.

[29] – راجع ما أورده، محمد المجدوبي الإدريسي، في مرجعه، بالقول: “وعموما، فإن المحاكم التجارية تعد مؤسسة قضائية جديدة في التنظيم القضائي المغربي، ذات اختصاص استثنائي بالنظر إلى نطاق اختصاصها المحدد في نطاق المادة التجارية، مع ما يترتب على ذلك من كون هاته المحاكم لا ينعقد لها الاختصاص إلا إذا أورد المشرع نصا صريحا بهذا الخصوص، بحيث لا تختص غلا بالنزاعات والدعاوى التي أوردها القانون ونص عليها تحديدا، أما غيرها من النزاعات والقضايا، فتختص بها المحاكم الأخرى. المحاكم التجارية بالمغرب. مرجع سابق. ص 50.

[30] – وهو ما تحفظنا عليه من خلال إبداء الملاحظات السابقة.

[31] – أحمد شكري السباعي. الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة ومساطر معالجتها. الجزء الأول. مطبعة المعارف الجديدة. الرباط. الطبعة الثانية. 2000. ص 104.

[32] – وفي نظرنا، هذا هو الامتداد الجديد لدور النيابة العامة من أجل تحقيق النظام العام الاقتصادي بمفهومه الحديث.

[33] – رأي الأستاذ عبد العالي العضراوي، المنشور بجريدة الصباح، ضمن مقال بعنوان “دراسة في القانون: مآل المحاكم التجارية والحوار حول إصلاح منظومة العدالة”، والذي اعتبر فيه الكاتب: ” إن تنوير المحكمة بالبيانات والمعطيات المحاسبية والإلمام بالتنظيمات وقوانين البنوك والمؤسسات المالية والبورصة والشركات والمجموعات ذات النفع الاقتصادي وقانون المستهلك والتأمينات بمختلف أنوعها، وحرية المنافسة والأسعار وقانون الملكية الصناعية وربط الاتصال معلوماتيا أو بطريقة مباشرة بكل المصالح المختصة والجهات الخصوصية والعمومية ومتابعة الملفات التجارية والاستعجالية والمساطر الجماعية ومراقبة السجل التجاري وممارسة الطعن بالاستئناف أو النقض، إذا كانت طرفا رئيسيا (مدعية أو مدعى عليها) كلها أعمال تتطلب من النيابة العامة بالمحاكم التجارية العناية والاهتمام البالغين، والهندسة في الاتجاه الذي يخدم المصلحة العامة بأكثر جدية ومصداقية وعدالة قانونية وواقعية، وتكريس التتبع والمراقبة التي قمنا بها يوم طلبنا من كل الأجهزة تبليغنا بكل التقارير الصادرة في المسطرة لإبداء موقفنا منها لفائدة القانون والمصلحة الاقتصادية، وتدعيما لدور غرفة المشورة في المساطر الجماعية حددنا المهام الذي يتعين القيام بها بالجلسة التي تعقدها وتوفر لها العناصر الكافية لمعرفة الوضعية الحقيقية لكل مقاولة ووضع حد لكل من يريد استعمال هذه المسطرة الإنقاذية والتصحيحية استعمالا لا يحقق غاية المشرع في المحافظة على بقاء المقاولة وتحقيق التوازن المنشود والمصلحة العامة، في إطار التسيير المعقلن الذي يضمن تسريع وتيرة الاستثمارات وخلق مناصب الشغل”. جريدة الصبح بتاريخ 13 مارس 2013.

[34] – ويقتصر دور النيابة العامة التجارية في معاينة هذه الجرائم واكتشافها وتبليغها إلى النيابة العامة لدى المحاكم العادية مع سائر المعلومات التي رصدتها وجمعتها قصد دراستها لفتح المتابعة الجنائية لدى هذه المحاكم العادية. وتملك النيابة العامة لدى المحاكم العادية سلطة تقديرية كاملة لتقييم وتكييف الجريمة وفتح المتابعة من دونه، دون أن تتقيد باستنتاجات النيابة العامة لدى المحاكم التجارية، وإن كان من اللازم الاستئناس بها عند الاقتضاء، وذلك لاستقلال النيابة العامة لدى المحاكم التجارية، العكس بالعكس، و لا يمكن القول بعكس ذلك، أي القول بأن النيابة العامة لدى المحاكم التجارية تحرك دعوى التفالس وغيرها لدى المحاكم التجارية لأن مثل هذا القول يجعل من المحاكم التجارية محاكم عادية أخرى، الأمر الذي يتنافى مع مرتكزات وجودها باعتبارها محاكم متخصصة تنظر في القضايا التجارية المحضة، لا علاقة لها بالجريمة أو بالنزاعات الشغل أو غيرها. أحمد شكري السباعي. الوسيط في النظرية العامة في قانون التجارة والمقاولات التجارية والمدنية – دراسة معمقة في قانون التجارة المغربي الجديد والقانون المقارن – الجزء الأول. مطبعة المعارف الجديدة. الرباط. الطبعة الأولى. الرباط. 2001. ص 201.

[35] – تعرّف الجهة الاقتصادية، بأنها “النسق الاقتصادي والسوق المجالية التي تحدد بالظروف الطبيعية والبشرية وكذلك بالنشاط الاقتصادي للسكان وبسلوكاتهم الاقتصادية”. فإلى جانب المفهوم الترابي للجهة والذي تحكمه غالبا اعتبارات سياسية، هناك مفهوم جديد للجهة، وهو “المفهوم الاقتصادي”، المرتكز اساسا على اعتبارات اقتصادية، والأكيد ان كلا الاعتبارين، أصبح من الواجب أخذهما بعين الاعتبار عند اعتماد أي تقطيع للجهة، بل إن من عوامل نجاح هذا التآلف الترابي بين مناطق عدة في الوطن الواحد، هو تلك اللحمة التي يحدثها اسجام وتكامل اقتصادي بينها.

بقلم ذ مولاي حفيظ علوي قاديري
دكتور في القانون الخاص تخصص قانون الأعمال أستاذ بكلية الحقوق مراكش

شارك المقالة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.