بقلم ذ جواد روڭي
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
طالب باحث في القانون المدني
مقال موسوم ب قراءة في مقتضيات استرجاع حيازة المحلات المهجورة أو المغلقة على ضوء قانون 67-12
يعتبر تنظيم المشرع في قانون رقم 12-67 لموضوع استرجاع حيازة المحلات المهجورة أو المغلقة من أهم المستجدات التي جاء بها
وموضوع استرجاع المحال المهجورة هو موضوع من ابتكار القضاء في ظل انعدام أي نص قانوني ينظمه قبل صدور قانون 67-12.
ومن الإشكالات الكبرى التي كانت مطروحة؛ مشكل الاختصاص، فهناك من يرى أن الاختصاص يعود لمحاكم الموضوع مطلقا سواء تعلق ذلك بالأماكن المستعملة في السكن والحرف، والمهن أو بالتجارة. بينما يرى البعض الآخر أن الاختصاص لرئيس .المحكمة في إطار الفصل148 من ق.م.م أو الفصل 149 من نفس القانون
كذلك من الأمور التي كانت تستشكل على القضاء هو مسألة ظهور المكتري والمحل بيد المكري، ففي هذه الحالة يرى البعض أنه لا توجد أي صعوبة بالنسبة للمكتري الذي يراجع رئيس المحكمة في إطار الفصل149 من ق م.م من أجل إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه، إلا أن محكمة النقض كان لها رأي آخر حيث قضت في أحد قراراتها بأن أيد محكمة الاستئناف ورفض طلب النقض الذي تقدم به المكتري، حيث قضت محكمة الاستئناف بأداء الكراء، ورفض إرجاء المحل إلى المكتري الذي ترك المحل مدة طويلة دون ترك عنوان له ودون أداء الكراء بدلا على تخليه عنه.
وقد نظم المشرع المغربي مسطرة استرجاع المحلات المهجورة أو المغلقة من طرف المكري من خلال المواد من 57 إلى 66 من قانون 12-67 وكذلك الاسترجاع من طرف المكتري من المادة67 إلى الماد 70 من نفس القانون.
أولا: الاسترجاع من طرف المكري
جاء في المادة57 ما يلي : ” يعتبر المحل مهجورا إذا ظل مغلقا لمدة ستة أشهر على الأقل بعد
إخلاء المكتري المحل من جميع منقولاته و أغراضه كليا أو جزئيا
غياب المكتري عن المحل و عدم تفوته من طرفه شخصيا أو من طرف من ينوب أو من يقوم مقامه
وفاة المكتري أو فقدانه للأهلية القانونية و عدم ظهور أي من الأشخاص المستفدين المنصوص عليهم في المادة54 أعلاه”
وقد جاء في المادة 58 أنه” لا يعتبر المحل مهجورا إذا استمر المكتري في الوفاء بالتزاماته إزاء المكري”
بخصوص ما سبق يمكن تسجيل الملاحظات التالية
– صياغة المادة 57 تحيل على أننا بصدد شروط اعتبار المحل مهجورا، وليس بصدد حالات اعتبار المحل مهجورا، والحال أننا بصدد حالات معينة لاعتبار المحل مهجورا يكفي لتحقق أحداهما بعد مرور المدة المحددة في الفقرة الأولى ليصبح المحل في حكم المهجور
– لا أفهم المبرر الذي جعل المشرع يقحم ما ورد في الفقرة الأخيرة من المادة 57 ضمن حالات اعتبار المحل مهجورا من أجل مباشرة مسطرة الاسترداد، والحال أن هذه الحالة نص عليها المشرع ضمن حالات فسخ الكراء بقوة القانون في المادة 55 من نفس القانون التي جاء فيها ” يفسخ عقد الكراء بقوة القانون بوفاة المكتري مع مراعاة أحكام المادة 53 أعلاه…”
والإشكال الذي يثور هنا هو تعارض مساطر إنهاء الكراء بالنسبة للمكري، فهل ينتهي العقد بقوة القانون وبمجرد وفاة المكتري دون ظهور من يستمر الكراء لفائدتهم، أم على المكري أن ينتظر مرور ستة أشهر من أجل أن يسلك مسطرة استرجاع حيازة المحل المهجور في إطار المادة 57
عموما فإن الاختصاص في مسطرة حيازة المحل المهجور ينعقد إلى السيد رئيس المحكمة بصفته قاضيا للمستعجلات حسب صريح المادة59 من القانون 12-67
وحسنا فعل المشرع لما أسند الاختصاص في هذه المسطرة للقضاء ألاستعجالي نظرا لطبيعة هذه المسكرة وما يعرفه القضاء العادي من بطء بسبب الإجراءات الشكلية، وسلوك مساطر معقدة أحيانا واستنفاذ درجات التقاضي يطول معها أمد النزاع
ويقدم طلب الاسترجاع إلى السيد رئيس المحكمة بصفته قاضيا للمستعجلات، ويجب أن يكون مشفوعا بالعقد أو السند الكتابي المثبت للعلاقة الكرائية، ومحضر معاينة واقعة الإغلاق وهجر المحل المكتري، وتحديد أمد الإغلاق
ومما يلاحظ هنا أن المشرع لم يحدد الجهة التي تختص بإجراء هذه المعاينة وتحرير محضر بشأنها
ويبدو أن الجهة الأقرب للقيام بهذا الإجراء هي السلطة المحلية عن طريق أعوانها، حيث يتسلم المكري بموجب إجراء هذه المعاينة شهادة إدارية تثبت واقعة الهجر.
والإشكال الذي يطرح بهذا الخصوص هو فيما يخص مرفقات الطلب، ذلك أن المشرع استوجب إرفاقه إضافة إلى شهادة تثبت واقعة الهجر بالسند الكتابي المثبت للعلاقة الكرائية، والسؤال الذي يطرح هو، ماذا عن عقود الكراء التي أبرمت شفويا دون كتابة مع العلم أنها صحيحة من حيث القانون، وإذا كان الأمر فيه الاختلاف بخصوص شرط الكتابة المنصوص عليه بموجب القانون 67-12، فماذا عن عقود الكراء التي أبرمت قبل دخول هذا القانون حيز التنفيذ، فالمكري في هذه الحالة عند مباشرته مسطرة استرجاع المحل المهجور سيجد نفسه أمام ضرورة توفره على سند كتابي. فهل هذا يعني أن المكري الذي لا يتوفر على سند كتابي مثبت للعلاقة الكرائية ليس له الحق في سلوك مسطرة استرجاع المحل المهجور
وربما كان على المشرع أن يفتح الباب أمام المكري لمباشرة دعوى استرداد المحل المهجور في إطار المساطر العادية إذا لم يتوفر على سند كتابي يثبت الكراء كما فعل بخصوص استيفاء الوجيبة الكرائية
عموما فإنه بعد توصل رئيس المحكمة بطلب الاسترجاع يتم استدعاء المكتري من خلال عنوانه الواردة في عقد الكراء أو أية وثيقة رسمية صادرة عن المكتري وإذا تعذر ذلك يتم استدعاء المكتري في عنوان المحل المكتري
في حالة توصل المكتري بصفة شخصية ولم يدل بأي جواب يثبت رئيس المحكمة ذلك في الطلب وفقا للقانون
غير أنه إذا تعذر استدعاء المكتري بصفة شخصية لا يبت رئيس المحكمة في الطلب إلا بعد الأمر بإجراء بحث بواسطة الشرطة القضائية تحت إشراف النيابة العامة
و يرى بعض الباحثين أن المقصود بالبحث هنا هو ما تقوم به الشرطة القضائية لبيان واقعة إغلاق المحل ومدتها، وهل من متفقد للمحل، وهل يؤدي مبالغ الكراء أو توقف عن أداؤها
لكن يبدو أن رئيس المحكمة في غنى عن هذا البحث حول المحل، وواقعة الإغلاق، مادام أن المكري قد سبق وأن أرفق بطلب الاسترجاع محضر معاينة واقعة إغلاق وهجر المحل. ومنه فالمقصود بالبحث في المادة 62 هو سلوك مسطرة القيم من أجل محاولة التوصل إلى المكتري قصد إبلاغه بالإجراءات التي تتخذ في حقه بخصوص المحل المكترى.
عموما فإنه في حالة البت في الطلب بالاسترجاع لفائدة المكري، فإنه يتضمن الإحالة على ما ورد في الفصل 447 ق.م.م بخصوص الأشياء المنقولة الموجودة بالمحل وقت استرجاع حيازته والتي يقوم مكلف التنفيذ بخصوصها بتحرير محضر وصفي للمنقولات الموجودة بالمحل حيث تبقى في عهدة المكري إلى حين إتمام إجراءات الفصل 447 من ق م.م بشأنها
أما إذا ظهر المكتري أو من يمثله أو يقوم مقامه أثناء تنفيذ الأمر بالاسترجاع، يقوم المكلف بالتنفيذ بتحرير محضر إخباري يرفعه حالا إلى رئيس المحكمة أو إلى القاضي المكلف بالتنفيذ الذي له أن يأمر بوقف التنفيذ في غيبة الأطراف، وذلك حسب ما جاءت به المادة 66 من القانون الذكور
وما يمكن ملاحظته هنا هو أن المشرع أقصر إمكانية إيقاف التنفيذ على ظهور المكتري أومن يمثله دون أن يشمل الأمر ظهور الأشخاص المنصوص عليهم في المادة54 و53 من القانون12-67 ممن يستمر الكراء لفائدتهم، مع العلم أن لهؤلاء الحق في مباشرة مسطرة إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه حسب المادة57.
ومن بين ما ورد في المادة66 أنه “… لا يجوز متابعة المكتري إلا بناء على شكاية من المكري أو من يمثله أو يقوم مقامه…” والظاهر أن الأمر هنا يتعلق بالمتابعة في إطار دعوى عمومية مادام الأمر يتعلق بشكاية، والشكاية لا يتم الحديث عنها إلا ضمن وسائل تحريك الدعوى العمومية بحيث أنها قد تكون شرطا للمتابعة طبقا للمادة 4 من ق م ج
وليست مفهوما سبب إقحام هذا المقتضى ضمن ما ورد في المادة66
ثانيا: الاسترجاع من طرف المكتري إن من الضمانات الممنوحة للمكتري بهذا الخصوص هو إمكانية عودته إلى المحل الذي سبق وأن استرجعه المكري بموجب أمر رئيس المحكمة، بل له الأسبقية في العودة إلى المحل قبل كل شخص من الغير
وإذا وقع أن وضع أحد من الغير يده على المحل المسترجع قبل عودة المكتري في الأجل المحدد قانونا، فلا يواجه المكتري بحقوق هذا الغير إذا كان الغرض هو الإضرار به، وله أن يطلب من المحكمة إبطال التصرف الذي بموجبه وضع هذا الغير سيء النية يده على المحل مع إمكانية طلب تعويضه
فقد نصت المادة67 على ما يلي ” إذا ظهر المكتري أو ذوي حقوقه المنصوص عليهم في المادة 54 أعلاه. بعد تنفيذ الأمر باسترجاع الحيازة، جاز لمن يعينه الأمر أن يتقدم بطلب إمام رئيس المحكمة بصفته قاضيا للمستعجلات بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه.
لا يقبل استرجاع الحيازة بعد مرور ستة أشهر على التنفيذ المشار إليه في المادة 65 أعلاه”
وقد جاء في المادة 70 ما يلي ” لا يواجه المكتري بالحقوق المكتسبة على المحل المسترجع لفائدة الغير سيء النية
ويحق للمكتري أو من يمثله أو من يقوم مقامه اللجوء إلى المحكمة المختصة للمطالبة بإبطال تلك الحقوق و التعويض عن الضرر المترتب عنها”
عموما فإن من شروط طلب استرجاع المحل من قبل المكتري:
– أن يقدم الطلب داخل أجل ستة أشهر على التنفيذ المشار إليه أعلاه في المادة635. والإشكال الذي قد يثار هنا هو أن الأجل لم يحدد بدقة، فهل يبتدئ الأجل من يوم الشروع في التنفيذ، أم من يوم إنهاء إجراءات التنفيذ خصوصا وأن إجراءات التنفيذ قد تتخذ وقتا (يومين أو أكثر)
أن يؤدي المكتري ما عليه من مبالغ كرائية –
وفي حالة استحالة إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه كأن يدخل المكري في علاقة كرائية مع الغير حسن، النية جاز للمكتري طلب التعويض عن الضرر حسب المادة 69 من القانون12-67
والملاحظ بخصوص هذه النقطة هو الحيف الذي تعرض له المكري الذي يجد نفسه مطالبا بالتعويض رغم أنه لم يقم بما يوجب ذلك، فكل ما فعله هو مباشرة مسطرة الاسترجاع التي يكفلها له القانون، كما لو باشر حقه في إكراء محله للغير، أو بيعه إياه بحسن نية مما جعل من المستحيل إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه
فقد يؤدي المكتري المبالغ التي في ذمته رغم رفض المكري ذلك، وبالتالي يصبح له الحق في مباشرة مسطرة إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه، والمطالبة بالتعويض في حالة الاستحالة، هذا التعويض الذي قد يفوق بكثير ما أداه المكتري في إطار الفقرة الثانية من المادة67 من قانون 12-67
وربما كان على المشرع من أجل خلق نوع من التوازن بين المكري، والمكتري أن يتم الاقتصار في إلزام المكري بالتعويض في حالة استحالة إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه على حالات معينة من قبيل تسلمه لما أداه المكتري من مبالغ كرائية كانت ترتبت عليه، وهو يعلم أنه لا يستطيع إرجاء الحالة إلى ما كانت عليه
بقلم ذ جواد روڭي
طالب باحث في القانون المدني
اترك تعليقاً