مقال قانوني حول مهنة وكيل الأعمال محرر العقود ثابتة التاريخ

بقلم ذ عبد الحق الحطاب

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

عضو المركز المتوسطي للدراسات القانونية والقضائية
سعيا بخطى حثيثة نحو ضبط مجال توثيق العقود العرفية المنتشرة

كثيرا على نطاق واسع في مختلف الدوائر القضائية بالمملكة، وتحيينا لبعض المقتضيات التشريعية القديمة التي يعود تاريخ صدورها للحقبة الاستعمارية الفرنسية كما هو الحال بالنسبة لظهير 1945 المنظم لمهنة وكيل الأعمال، بادرت الحكومة في إطار مخططها التشريعي إلى إعداد نص جديد في صيغة مشروع قانون يروم إلى الارتقاء بهذه المهنة وتأطيرها نظرا للدور الريادي الذي تلعبه في الأمن التعاقدي واستقرار المعاملات الخاصة بالمواطنين المستفيدين من الخدمات الجليلة التي يقدمها أصحابها، يتعلق الأمر بمشروع القانون رقم 12/88 الذي لا زال إلى غاية كتابة هذه السطور في مخاض عسير بين أخذ ورد وسلسلة طويلة من المشاورات ويشهد نقاشا عميقا من لدن المتتبعين والمهتمين والباحثين. ويمكن إبداء مجموعة من الملاحظات إزاءه على النحو الآتي:

بالنسبة للباب الأول المتعلق بالأحكام العامة، استعمل واضعو مشروع القانون مصطلح وكلاء الأعمال، بينما في حقيقة الأمر قد يؤدي ذلك إلى تفسير مخالف ومغلوط مفاده أن أصحاب المهن الحرة الأخرى لا يمكن اعتبارهم بمثابة وكلاء أعمال، الشيء الذي يستدعي استدراكه عن طريق حذفه وتعويضه بلفظ “محرر العقود ثابتة التاريخ”.

كما يعاب على نص مشروع القانون عدم إدراجه لفئة الكتاب العموميين و إشراكهم مع وكلاء الأعمال، مما يبقى السؤال مطروحا هل المسألة مجرد إغفال طبيعي أم إقصاء متعمد علما أن هناك تقاربا في المهام يجمع بينهم ؟

وقد جاء في المادة الأولى من مشروع القانون المذكور ما يلي ” تمارس وفقا لأحكام هذا القانون مهنة وكيل أعمال محرر العقود ثابتة التاريخ بصفتها مهنة حرة، من طرف كل شخص ذاتي يتكلف بتحرير العقود ثابتة التاريخ ما لم ينص قانون على خلاف ذلك.

يشار في هذا القانون إلى وكيل الأعمال محرر العقود ثابتة التاريخ بوكيل أعمال”.

يتضح أن واضعي النص ذهبوا إلى حصر الفئة التي لها الحق في ممارسة مهنة وكيل الأعمال في الأشخاص الذاتيين فقط دون غيرهم، وهو أمر غير مقبول بتاتا، بل إنه عبارة عن موقف يكرس تراجعا صارخا عما كان معمولا به في السابق، ومن ثمة يتعين إصلاح هذه المادة من خلال الأخذ بعين الاعتبار أيضا الأشخاص المعنويين خصوصا أن مزاولة المهنة قد تتم في شكل شركة مهنية أو مدنية على غرار المهن الحرة الأخرى كالمحاماة مثلا.

بالإضافة إلى ذلك، لقبول الشخص الراغب في ممارسة مهنة وكيل الأعمال يتعين عليه ألا يجمع بينها وبين وظائف ومهن أخرى كما هو مبين في المادة 2 من مشروع القانون التي جاء فيها ” تتنافى مهن وكيل أعمال، مع جميع الوظائف الإدارية والقضائية، كما تتنافى مع مهنة محام أو موثق أو عدل أو ناسخ أو مفوض قضائي أو ترجمان وكذا مع كل نشاط تجاري أو معتبر كذلك بمقتضى القانون “.

في اعتقادنا، حتى يستقيم المعنى المطلوب بهذا الخصوص، نقترح إقحام فقرة جديدة تتضمن المسائل التي لا تتعارض مع مهنة وكيل الأعمال أسوة بما سطرته المادة 9 من القانون رقم 28-08 المنظم لمهنة المحاماة كما يلي ” لا تتنافى مهنة وكيل الأعمال مع :

1. العضوية في المحكمة الدستورية ؛

2. العضوية في المجلس الإداري لشركة ؛

3. القيام بمهام التحكيم والوساطة بانتداب من القضاء أو بطلب من الأطراف “.

وبالنسبة للباب الثاني المتعلق بالتسجيل في جدول وكلاء الأعمال، حدد مشروع القانون آنف الذكر الشروط الجوهرية التي ينبغي أن تتوفر في الشخص المترشح لمزاولتها في مادته 5 التي ورد فيها أنه ” يشترط في طالب التسجيل في جدول وكلاء الأعمال أن يكون:

1-مغربيا

2-متمتعا بحقوقه الوطنية والمدنية وذا مروءة وسلوك حسن،

3-متمتعا بالقدرة اللازمة لممارسة المهنة مثبتة بشهادة طبية صادرة عن مصالح الصحة التابعة للقطاع العام،

4-غير محكوم عليه من أجل جناية أو جنحة باستثناء الجنح غير العمدية ولو رد اعتباره،

5-غير صادرة في حقه في إطار الوظيفة العمومية أو المهن الحرة، عقوبة نهائية إدارية أو تأديبية بالإقالة أو التشطيب أو العزل أو الإحالة على التقاعد أو سحب الإذن أو الرخصة،

6-غير محكوم عليه بإحدى العقوبات المتخذة ضد مسيري المقاولة المنصوص عليها في القسم الخامس من مدونة التجارة ولو رد اعتباره،

7-متوفرا على مكتب بدائرة المحكمة الابتدائية التي يرغب في ممارسة عمله بها،

8-أن يكون قد مارس بصفة اعتيادية مهنة وكيل أعمال مكلف بتحرير العقود وفقا لأحكام الفقرة الثالثة من الفصل الأول من ظهير 27 محرم 1364 (12 يناير 1945) وأن يثبت ذلك بالوثيقتين التاليتين:

-رخصة إدارية تثبت ممارسته للمهنة،

-شهادة من إدارة الضرائب تثبت ممارسته للمهنة بصفة اعتيادية “.

إن مقتضيات هذه المادة تنطوي على حيف وتهميش وإجحاف تجاه الأجانب، إذ جعلت الانتساب إلى مهنة وكيل الأعمال مقتصرا على المغاربة، مما يعني أنهم مستبعدون قطعا. وهكذا، فمن الضرورة معالجة النقص الذي اعتراها بإدخال تعديل بسيط يتيح لهؤلاء أيضا الحق في ولوج المهنة، وعلى سبيل الاستئناس يمكن الرجوع إلى أحكام البند الأول من المادة 5 من القانون رقم 28-08 المنظم لمهنة المحاماة التي قضت ” أن يكون مغربيا أو من مواطني دولة تربطها بالمملكة المغربية اتفاقية تسمح لمواطني كل من الدولتين بممارسة مهنة المحاماة في الدولة الأخرى، مع مراعاة مبدأ التعامل بالمثل مع هذه الدول “.

واللافت للانتباه أن شرط القدرة اللازمة المثبتة بشهادة صادرة عن مصالح الصحة العمومية يتخلله نوع من الإجحاف بالنسبة لبعض الفئات المجتمعية كذوي الاحتياجات الخاصة أو ذوي الإعاقات البدنية أو الحسية أو الحركية. ومن هنا، ننادي بتفعيل الأحكام القانونية التي كرسها دستور المملكة بخصوص ضمان تمتعها بحقوقها المكتسبة وإدماجها في المحيط السوسيو مهني.

وللأسف الشديد، لم يتحدث مشروع القانون فحسب عن المستوى الدراسي أو المؤهل العلمي المتطلب في المترشح الراغب في ولوج المهنة واجتياز المباراة التي تسهر على تهييئها هياكل وزارة العدل والحريات وإنما تجاهل أيضا التطرق إلى فترة التكوين التي من المفترض أن يمر منها هذا الأخير بمعهد محدث بموجب نص تنظيمي وكذا مرحلة التمرين التي تسبق الممارسة الفعلية للمهنة بعد الحصول على شهادة الكفاءة.

علاوة على ذلك، تنص المادة 10 من مشروع القانون على أنه ” يقيد بقرار لوزير العدل والحريات، وباقتراح من اللجنة المشار إليها في المادة 7 أعلاه، المترشح الذي يستوفي الشروط المنصوص عليها في المادة 5 من هذا القانون في جدول إحدى المحاكم الابتدائية بصفته وكيل أعمال محرر العقود ثابتة التاريخ.

تبلغ القرارات الصادرة عن اللجنة المشار إليها في المادة 7 أعلاه، بواسطة وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية المختص.

تكون القرارات المتعلقة بعدم القبول أو الرفض معللة “.

والملاحظ على هذه المادة ذات الحمولة الخطيرة أنها تحرم الشخص المعني بالأمر من إمكانية الطعن في قرار اللجنة أمام المحكمة المختصة (غرفة المشورة).

وبخصوص الباب الثالث المتعلق بالحقوق والواجبات، حصر مشروع القانون مهام وكيل الأعمال داخل دائرة نفوذ المحكمة الابتدائية عكس باقي مهن التوثيق الأخرى المحددة مهامها بدائرة نفوذ محكمة الاستئناف ، بحيث نصت المادة 13 منه على ما يلي ” يمارس وكيل الأعمال مهامه داخل دائرة نفوذ المحكمة الابتدائية الموجود مقر عمله بها “. وحتى تتحقق المساواة بين شتى المهن الحرة ببلادنا، نرى أن الحل يكمن في ضرورة توسيع مجال ممارسة المهنة وجعله يمتد إلى نفوذ الدائرة القضائية لمحكمة الاستئناف لأن الإبقاء على هذه المادة على حالها من شأنه التضييق على وكلاء الأعمال.

ونفس الحكم يسري على المادة 21 من ذات مشروع القانون التي نصت على أنه “تحرر العقود في وثيقة واحدة دون انقطاع أو بياض أو بشر أو إصلاح أو إقحام أو إلحاق أو تشطيب، مع ذكر تاريخها بالساعة واليوم والشهر والسنة بالحروف والأرقام، متضمنة وجوبا الأسماء الكاملة للمتعاقدين، مع بيان مواطنهم وحالتهم المدنية، وأرقام وتواريخ بطاقات تعريفهم.

ينص في الوثيقة على المستندات اللازمة طبقا للقواعد المعمول بها مع ذكر رقمها وتاريخها والدائرة التي أقيمت فيها ومراجع التسجيل.

إذا تعلق الأمر بعقار غير محفظ، يجب عليه أن يتأكد بواسطة شهادة صادرة عن السلطة المحلية من كونه ليس ملكا جماعيا أو حبسيا وليس من أملاك الدولة وغيرها أو كونه يمنع التصرف فيه قانونا…..”.

على ضوء نص المادة أعلاه، نسجل أن صياغتها غير دقيقة لأنها لم تشر لا من قريب أو من بعيد إلى العقار المحفظ ومسؤولية وكيل الأعمال المترتبة عن عدم التأكد من الوضعية القانونية للعقار وخلوه من أنواع الشوائب كالحجوز والتحملات والرهون… وعليه، نقترح إضافة هذه النقطة لتجاوز الإشكال الذي قد يثور بمناسبة ممارسة عمله على أرض الواقع.

وارتباطا بموضوع المسؤولية، قضت المادة 23 من مشروع القانون بأنه ” يتعين على وكيل الأعمال إذا تعلق الأمر بعقود تخضع لواجبات التسجيل

-تحرير العقد بمجرد تلقيه، والسهر على المصادقة عليه وتوجيه نسخة منه إلى مكتب التسجيل المختص

-إشعار المتعاقدين وحثهم على أداء واجبات التسجيل لدى الجهة المختصة داخل الأجل القانوني.

يقوم المتعاقدون بالإجراءات المتعلقة بإدارة التسجيل وإدارة الضرائب والمحافظة العقارية وغيرها، ويمنع تكليف وكيل الأعمال بالقيام بالإجراءات المذكورة “.

وتأسيسا على ذلك، نتساءل لماذا إذن أضفى مشروع القانون على الشخص محرر العقود ثابتة التاريخ لقب وكيل؟

نعتقد أن التوجه الذي سلكه مشروع القانون غير صائب إطلاقا وينزع الثقة عن وكيل الأعمال، ومنعه بالنيابة عنهم من القيام بإجراءات التسجيل وغيرها من المسائل المتصلة بتصفية أشغاله لا يعضده أي مبرر لاسيما أن مقتضيات قانون الالتزامات والعقود المتعلقة بالوكالة بأجر تكفي للقول بأحقيته في ذلك، وبالتالي فالأجدر أن يتم التصريح بأن مسؤوليته يبدأ مفعولها بمجرد اتفاق الأطراف على إسناد تلك المهمة إليه.

ولا يعقل بصفة أوتوماتيكية أن يعاقب وكيل الأعمال عند تأخره في إنجاز المهام المنوطة به، لأنه في غالب الأحيان يكون تحت ضغط الملفات التي يجب معالجتها، ويستحيل تنزيل التصور المنبثق عن المادة 24 من مشروع القانون على أساس أن المطلوب هو تحديد أجل معقول لإنجازها عوض نهج أسلوب التهديد بإيقاع الجزاء.

وعموما، إذا كان مشروع القانون قد حاول الإحاطة بكل الجوانب التي تمس مهنة وكيل الأعمال، فإنه بالمقابل تغاضى عن الغوص ولو بشكل عرضي في ملامح الدور المخول لمساعديه سواء من حيث الشروط الجوهرية التي يجب توفرها فيهم كالتجربة العملية والكفاءة العلمية أو من حيث المعايير الشكلية كشرط أداء اليمين القانونية لكي يصبحوا محلفين….

أما بالنسبة للباب الرابع المتعلق بالمراقبة والتأديب، فوكيل الأعمال بناء على المواد من 26 إلى 35 من مشروع القانون معرض للمتابعة المهنية والجنائية في أية لحظة، بدليل أن لوكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية صلاحية تفتيش مكتبه وزجره وفق الدعوى العمومية المحركة في مواجهته…

وبالمقارنة مع المهن الحرة الأخرى، لم يعط القانون للنيابة العامة مثل هذه الاختصاصات البارزة ويعد تحولا غريبا وجذريا يحيد عن المنطق السليم. فواضعو مشروع القانون مدعوون إلى ترتيب الأوراق، ذلك أن المتابعة التأديبية في نظرنا تنظر فيها الهيئة المهنية التي ينتمي إليها مرتكب المخالفة، وهذا بديهيا يستلزم استبدال الجمعية المذكورة بنقابة يجب التفكير في تأسيسها بالموازاة مع تأهيل المهنة بصفة انتقالية. فترك هامش تدخل النيابة العامة بدون أي قيد يزكي الأطروحة القائلة بكون إشرافها على المهنة ينسف استقلاليتها. وتخفيفا من احتمال حدة خضوع وكيل الأعمال لسلطة جهاز النيابة العامة، على صانعي النص الإقرار بأحقية ممثلها في إيداع ملتمسات كتابية أمام غرفة المشورة بمحكمة الاستئناف التي نرى أنها الأجدر بالبت في كل ما يتعلق بالمهن الحرة بما فيها مهنة وكيل الأعمال.

وفيما يخص الباب الخامس المتعلق بحماية المهنة، فقد أتى مشروع القانون بمادة يتيمة (المادة 36) لا تعدو أن تكون سوى تكرار للمقتضيات التي سنها القانون الجنائي حول انتحال صفة مهنة أو وظيفة منظمة.

وعلاقة بالباب السادس المنظم للجمعية المهنية لوكلاء الأعمال، يبدو أن مشروع القانون في المادتين 37 و 38 سار في منحى توحيد المهنة من خلال التنصيص على واجب ممارسي المهنة الانضمام في إطار جمعية، إلا أنه لم يفطن أبدا إلى أن ذلك يضرب في الصميم أحد المبادئ الدستورية المتمثل في حرية إنشاء الجمعيات والانخراط فيها. ونميل إلى القول بأنه من الأفضل التنصيص على تكوين نقابات قوية في مختلف الجهات والمناطق الجغرافية قادرة على الدفاع عن مصالح مهنيي القطاع.

بقلم ذ عبد الحق الحطاب
عضو المركز المتوسطي للدراسات القانونية والقضائية

شارك المقالة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.