بقلم ذ محمد أبرغ
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
باحث في قانون الأعمال
يعتبر التحكيم من الوسائل التي يلجأ إليها الأشخاص لتسوية المنازعات التي تنشأ بينهم، وقد درج الفقه والباحثين في المجال القانوني على تسميته بالوسيلة البديلة لحل المنازعات
وهو في نظرنا ما نرى عكسه حيث أن اعتبار التحكيم وسيلة بديلة لقضاء الدولة أمر لا يستقيم مع المنطق والواقع، ذلك لأن الأمر يحيل إلى وضع القضاء في يد الخواص من جهة، ومن جهة ثانية يفضي إلى القول بفشل قضاء الدولة، ومن هنا نقترح تسميته بالوسيلة الموازية أو الوسيلة الخاصة…، وعموما فالتحكيم يعتبر من أقدم الآليات التي يلجأ إليها .الأفراد لحل منازعاتهم
ويرجع الاهتمام بالتحكيم في المغرب إلى سنة 1693 حيث عقدت الدولة المراكشية في عهد المولى إسماعيل معاهدة مع الدولة الفرنسية التي تتناول موضوع وضعية الأجانب والتي نصت على فصل منازعات اليهود المتعلقة بالأحوال الشخصية وبعض المعاملات المدنية عن طريق التحكيم، وفي سنة 1913 صدر ظهير المسطرة المدنية وخص الفصول من 527 إلى 543 والتي ألغيت بمقتضى ظهير 1974 والذي خص المواد من 306 إلى 327 للتحكيم، كما صدرت عدة قوانين في السنوات الموالية والسابقة على حد سواء تتضمن مقتضيات خاصة بالتحكيم ، وفي سنة 2007 عمل المشرع على وضع تقنين شامل للتحكيم بمقتضى القانون رقم 05-08
هذا القانون نص على كيفية تشكيل الهيئة التحكيمية وشروطها وواجباتها واختصاصتها….، ليظل السؤال المحوري لهذه الدراسة هو كيف يتم تعيين الهيئة التحكيمية، وما هي اختصاصاتها وواجباتها؟
:للجواب على السؤال السالف ارتأينا تقسيم هذه الدراسة إلى مبحثين كما يلي
المبحث الأول : طرق تعيين الهيئة التحكيمية والشروط المتطلبة فيها
تتكون الهيئة التحكيمية حسب الفصل 312 من قانون المسطرة المدنية من محكم منفرد أو مجموعة من المحكمين، واستنادا لمقتضيات هذا الفصل يمكن تعريف الهيئة التحكيمية بأنها هيئة مكونة من شخص أو عدة أشخاص ذاتيين بقصد الفصل في نزاع ناشب بين أطراف اتفاق التحكيم، وهي هيئة مستقلة ومؤقتة تحل بمجرد انتهاء المهمة التي انتدبت لأجلها
والهيئة التحكيمية تعين بطريقين إما باتفاق الأطراف أو بتدخل القضاء في شخص رئيس المحكمة، غير أن هذا التعيين ليس مطلقا، ذلك أن المشرع أوجد مجموعة من الشروط الواجب توافرها في أعضاء الهيئة التحكيمية
المطلب الأول : طرق تعيين الهيئة التحكيمية
يعتبر تعيين الهيئة التحكيمية من اختصاص أطراف اتفاق التحكيم – الفقرة الأولى-، إلا أن هناك حالات استثنائية ينعقد :فيها هذا الاختصاص للقضاء- الفقرة الثانية-
الفقرة الأولى : تعيين الهيئة التحكيمية من قبل الأطراف
يتولى أطراف اتفاق التحكيم تعيين الهيئة التحكيمية في هذا الاتفاق أو على الأقل القيام بتحديد إجراءات هذا التعيين حسبما جاء في الفصل 2-327، ويجب على الأطراف مراعاة شرط العدد الذي حدده المشرع المغربي، بحيث يتوجب أن يكون عدد المحكمين وتريا، والحكمة من ذلك هي ضمان حسن سير إجراءات التحكيم لأن تكوين الهيئة من عدد زوجي لا محال سيعرقل المسطرة في حالة اختلاف المحكمين على أمر ما
هذا، ويتم تعيين الهيئة من قبل الأطراف على قدم المساواة حيث يحق لكل طرف أن يعين المحكم الذي يريد، على أن يتولى المحكمين المعينين تعيين المحكم الذي سيشكل هيئة وترية، غير الإشكال المطروح في هذا المقام هو ما العمل في حالة كون عدد أطراف اتفاق التحكيم عددا وتريا، كأن يكون عدد الأطراف مثلا ثلاثة؟
لاشك أنه والحالة هاته سيتولى كل طرف تعيين محكم وهنا ستتشكل الهيئة من عدد وتري، ومن تم ستظهر إشكالية تنازع المصالح حيث سيعمد كل محكم إلى الدود عن مصالح الطرف الذي عينه، فهل في هذه الحالة يتولى المحكمين .تعيين محكمين آخرين؟أم تبقى الهيئة على حالها؟
الفقرة الثانية : التعيين القضائي للهيئة التحكيمية
الأصل هو تولي الأطراف تعيين الهيئة التحكيمية، والاستثناء هو منح هذه المهمة للقضاء في شخص رئيس المحكمة، :وقد حدد المشرع حصرا الحالات التي يقوم فيها القضاء بهذه المهمة وهي
حالة ثبوت عدم توافر الشروط القانونية في الهيئة المعينة أو لوجود عائق يحول دون هذا التعيين-
حالة عدم تعيين الأطراف لإجراءات تعيين محكم وتري وعدم اتفاق المحكمين على تعيين محكم سيجعل من عدد محكمي الهيئة وتريا
حالة عدم تحديد الأطراف مسبقا لهيئة التحكيم أو على الأقل لإجراءات وتاريخ تعيينها أو في حالة اختلاف الأطراف
حالة وجود عائق يحول دون تشكيل الهيئة التحكيمية بسبب أحد الأطراف أو لوجود صعوبة في تطبيق إجراءات التعيين
هذا ويتولى رئيس المحكمة هذا التعيين بعد استدعاء الأطراف، ويجب عليه التقيد بما اتفق عليه الطرفين وبأحكام القانون، كما أن الأمر الصادر عن رئيس المحكمة في هذا الموضوع لا يقبل أي طريق من طرق الطعن
المطلب الثاني : الشروط المتطلبة في الهيئة التحكيمية
قيد المشرع المغربي تعيين الهيئة التحكيمية بمجموعة من الشروط تطلبها في أعضاء هذه الهيئة، منها ما يتعلق :بالطبيعة القانونية لشخص المحكم، ومنها ما يرتبط بسلوكه وسيرته
الفقرة الأولى : طبيعة أشخاص الهيئة التحكيمية
من المعلوم أن الأشخاص في القانون تنقسم إلى أشخاص عامة وأخرى خاصة، وهذه الأخيرة تتكون من أشخاص ذاتيين وأخرى اعتبارية، فالشخص الذاتي هو الذي أوكل إليه المشرع المغربي مهمة الفصل في النزاعات عن طريق التحكيم حسبما جاء في الفصل 320 من قانون المسطرة المدنية الذي نص على أنه:” لا يمكن إسناد مهمة المحكم . إلا إلى شخص ذاتي كامل الأهلية…”
والشخص الطبيعي الذي يمكن أن تسند إليه مهمة المحكم يجب أن يكون شخصا كامل الأهلية أي بالغ لسن 18 سنة كاملة ودون أن يتخلله ما ينقص أهليته أو يعدمها
وعليه فالشخص المعنوي لا يمكن أن يكون محكما وهو أمر بديهي ومنطقي وإن كان المشرع أسند إليه مهمة تنظيم التحكيم حسبما جاء في الفقرة الثانية من الفصل 320 السالف الذكر الناص على أنه:” إذا عين في الاتفاق شخص معنوي، فإن هذا الشخص لا يتمتع سوى بصلاحية تنظيم التحكيم وضمان حسن سيره”
علاوة على ما سبق، يتوجب على كل شخص طبيعي يزاول مهمة المحكم إما على سبيل الاعتياد أو في إطار مهنة أن يصرح بذلك إلى السيد وكيل جلالة الملك لدى محكمة الاستئناف الذي يتواجد في دائرة نفوذها محل سكناه
الفقرة الثانية : انتفاء حكم نهائي بالإدانة
اشترط المشرع المغربي في المحكم أن يكون شخصا طبيعيا كامل الأهلية…، واشترط أن لا يكون محكوما عليه بحكم نهائي من أجل ارتكاب أفعال تخل بالشرف أو صفات الاستقامة أو الآداب العامة أو بالحرمان من أهلية ممارسة التجارة أو حق من حقوقه المدنية
غير أن المشرع لم يذكر هذه الأفعال وجعلها أعم، ونرى على سبيل المثال أن المقصود بأفعال تخل بالشرف كل من الفساد والخيانة الزوجية وإهمال الأطفال والاغتصاب…، أما الأفعال التي تمس بالاستقامة فمنها مثلا خيانة الأمانة والسرقة والرشوة واستغلال النفوذ….، أما تلك التي تخالف الآداب العامة كالسكر العلني وممارسة الرذيلة ….، هذا ويمكن أن يحكم بسقوط الأهلية التجارية مثلا في حالة عدم سداد خصوم المقاولة، أما فقدان الحقوق المدنية فيعتبر عقوبة إضافية يحكم به القاضي إذا رأى ذلك حسب الفصل 36 من القانون الجنائي الذي ينص على أن:” العقوبات :الإضافية هي
3 – الحرمان المؤقت من ممارسة بعض الحقوق الوطنية أو المدنية أو العائلية…”
المبحث الثاني : واجبات واختصاصات الهيئة التحكيمية
تقع على الهيئة التحكيمية منذ لحظة تعيينها مجموعة من الالتزامات والواجبات، هذه الأخيرة تجد مصدرها إما في القانون أو في اتفاق التحكيم، وكلما تم تحديد هذه الالتزامات والواجبات في اتفاق التحكيم ضاق نطاق القانون والعكس أقوم، وما يميز هذه الواجبات هي أنها تقع على عاتق الهيئة قبل وأثناء وبعد الشروع في إجراءات التحكيم
هذا، وإلى جانب ما سبق تختص الهيئة التحكيمية بمجموعة من الاختصاصات التي تتنوع إلى اختصاصات بقوة القانون أي أنها تجد مصدرها في النص القانوني، وأخرى منقولة أي هي في الأصل مقررة للأطراف ونقلت للهيئة، وأخيرا اختصاصات مقررة بمقتضى اتفاق التحكيم
المطلب الأول : واجبات الهيئة التحكيمية
تنقسم واجبات الهيئة التحكيمية إلى واجبات تقع عليها قبل سريان المسطرة، وأخرى أثناءها وهي محور الدراسة عبر :فقرتين في هذا المطلب
الفقرة الأولى : واجبات الهيئة التحكيمية قبل سريان مسطرة التحكيم
تقع على عاتق المحكم مجموعة من الالتزامات قبل بدئه في مسطرة التحكيم، حيث يتوجب عليه التصريح بكل الظروف التي يمكن من شأنها أن تثير الشكوك في حياده واستقلاليته كتابة، كما يتعين عليه أن يثبت قبوله لتولي المهمة التحكيمية إما بالتوقيع على اتفاق التحكيم أو بتحرير عقد مستقل، ناهيك عن ذلك يلتزم المحكم بالإفصاح عن أسباب التجريح فيه حسب منطوق الفصل 7-327 الذي جاء فيه:” يتعين على المحكم الذي يعلم بوجود أحد أسباب التجريح في نفسه أن يشعر الأطراف بذلك. وفي هذه الحالة، لا يجوز له قبول مهمته إلا بعد موافقة الأطراف”
الفقرة الثانية : واجبات الهيئة التحكيمية أثناء وبعد سريان المسطرة
تلتزم هيئة التحكيم بالاستمرار في مهمتها لغاية انتهاء أو إنهاء إجراءات التحكيم بحيث لا يجوز لها التخلي عنها تحت طائلة المسؤولية، ويتوجب عليها الالتزام بكتمان السر المهني، والقيام بجميع المهام المتطلبة لإنجاح مسطرة التحكيم واحترام جميع إجراءاتها، أضف إلى هذا التزامها بمعاملة أطراف النزاع على قدم المساواة واحترام حقوق الدفاع
وفي ختام هذه الفقرة نشير إلى أن للهيئة التحكيمية مجموعة من الحقوق كالأجرة والحماية والحرية في ضبط المسطرة ….
المطلب الثاني : اختصاصات هيئة التحكيم
تتوزع اختصاصات الهيئة التحكيمية إلى اختصاصات تنعقد لها قبل التطرق لموضوع النزاع، وأخرى مرتبطة بهذا :الأخير
الفقرة الأولى : اختصاصات هيئة التحكيم قبل البث في الموضوع
تختص الهيئة التحكيمية قبل البدء في المسطرة بالتأكد من حدود اختصاصاتها أو من صحتها وصحة اتفاق التحكيم إما تلقائيا أو بناء على طلب أحد الأطراف ولها أن تطلب من الوكيل العام لمحكمة الاستئناف التي يوجد بدائرة نفوذها مكان التحكيم أن يمدها بالمعلومات الضرورية بالنظر إلى مقتضيات الفصل 308 من قانون المسطرة المدنية. ناهيك عن ذلك للهيئة اختصاص تعيين مكان انعقاد جلسات المسطرة في حالة تخلف الأطراف عن القيام بهذا التعيين، ولها كذلك أن تحدد اللغة التي سيتم العمل بها في حالة عدم قيام الأطراف بذلك…
الفقرة الثانية : اختصاصات الهيئة التحكيمية بعد الشروع في المسطرة
تنعقد للهيئة التحكيمية في هذه المرحلة مجموعة من الاختصاصات تدور رحاها حول ضمان إنجاح المهمة التحكيمية، ومن هذه الاختصاصات القيام بضبط وتسيير الإجراءات في حدود القانون وما اتفق عليه الأطراف، وكذا القيام بإجراءات التحقيق التي تراها ضرورية ومناسبة، كما تختص بحق طلب الأطراف بأن يدلوا إليها بوسائل الإثبات الموجودة بحوزتهم، ومدها بمختلف وصول الوثائق والمستندات الرائجة أمامها
أضف إلى ما سبق، أن الهيئة التحكيمية هي صاحبة الاختصاص في عقد جلسات المرافعة وتحديد تواريخها، ولها اختصاص تعيين تاريخ المداولة والاستماع للشهود وكذا اتخاذ التدابير التحفظية والمؤقتة، علاوة على اختصاصها بوضع حد لمسطرة التحكيم، إلى جانب إصدار الحكم والقيام بتصحيح الأخطاء المادية التي تعتريه
على سبيل الختام
في ختام هذه الدراسة نود الإشارة إلى أن ما تناولناه كان بالإيجاز والاختصار، محاولين بسط أرائنا ومواقفنا واجتهاداتنا، ونتمنى أن نكون موفقين في إيصال المعلومة للقارئ، ومن الله التوفيق، والخطأ منا
وننوه إلى أننا في مقال آخر بحول الله سنتناول تجريح ومسؤولية الهيئة التحكيمية
بقلم ذ محمد أبرغ
باحث في قانون الأعمال
اترك تعليقاً