مسودة مشروع قانون التنظيم القانوني ومتطلبات تطور القضاء الإداري

بقلم ذ طارق الدنداني

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

باحث بسلك الدكتوراه
تتويجا لتوصيات الحوار الوطني لإصلاح العدالة ببلادنا اصدرت وزارة العدل والحريات مسودة مشروع القانون المتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة، وذلك تتويجا للمشاريع القوانين السابقة التي اعدتها الوزارة وقد جاء هذا المشروع بمجموعة من المستجدات التي ترتكز على مبدأ استقلال السلطة القضائية.

يحتل القضاء الإداري مكانة هامة داخل التنظيم القضائي، بحيث يلعب دورا بارزا في تحقيق العدالة، ومن هذا المنطلق فهو يتميز بعدة خصائص تجعله يختلف عن القضاء المدني وتتمثل أساسا في تميز قواعده الموضوعية والمسطرية، فالقضاء الإداري بدوره الإنشائي للقاعدة القانونية وتطبيقها على المنازعات المعروضة عليه حسبما تقتضيه المصلحة لاسيما عند عدم وجود نص قانوني يساهم في تحقيق احتياجات المرافق العامة وحسن تسييرها، ويضمن حماية الحقوق والحريات الفردية والجماعية، لهذا من الطبيعي ان يتميز بخصوصيات في خريطة التنظيم القضائي.

إن أول ملاحظة يمكنها ملاحظتها في مسودة مشروع قانون المتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة هو ادراج المحاكم المتخصصة في صلب التنظيم القضائي عوض الاكتفاء بالنصوص القانونية الخاصة، و هذا اعتراف بأهمية هذه المحاكم و نخص بالذكر المحاكم الإدارية و محاكم الاستئناف الإدارية فهذه النقطة تصب في صالح المشروع و ذلك تلبية للحوار الوطني لإصلاح العدالة الذي أكد في ميثاقه على ضرورة ملائمة التنظيم القضائي مع مقتضيات الإصلاح وإذا كان هذا المستجد يصب في صالح المشروع فإن عكس ذلك فيما يخص المستجد الذي ينص على إمكانية إحداث أقسام للقضاء الإداري بالمحاكم الابتدائية وأقسام اخرى بالمحاكم الاستئناف، وذلك بواسطة مرسوم بعد استشارة المجلس الأعلى للسلطة القضائية.

إلا أنه وبذلا من مواصلة السير من أجل استكمال بناء هرم القضاء الإداري المستقل على المستوى العمودي، شهد هذا المسار تلكؤ، وتقزيم للقضاء الإداري وهذا راجع بالأساس للدور الريادي لهذا القضاء في الآونة الأخيرة فهو يتميز بالجرأة في أحكامه و شجاعة قضاته من اجل الدفاع عن الحق و القانون، فرغم التعبير الرسمي للكلمة الملكية أثناء افتتاح أشغال المجلس الأعلى للقضاء بتاريخ 15/12/1999. على ضرورة إحداث هرم إداري يتوج المحاكم الإدارية نجد ان مسودة التنظيم القضائي تؤكد على مبدأ وحدة القضاء مع التخصص، وأقرت المعايير الموضوعية التي يجب أن تتأسس عليها الخريطة القضائية لاسيما تحقيق القرب من المتقاضين وتسهيل الولوج إلى العدالة.هذا من جهة و من جهة أخرى فهذا النص القانوني يخالف الدستور من خلال التنصيص على إحداث محاكم عادية ومتخصصة بمقتضى القانون. في حين أن مسودة جاءت بمستجد احداث اقسام للقضاء الاداري و ذلك بواسطة مرسوم بعد استشارة المجلس الاعلى للسلطة القضائية.

بالإضافة الى ان هناك بعض الطعون المرتبطة بالقضايا الإدارية ترفع إلى غرفة الإدارية بمحكمة النقض كمحكمة عليا في ظل عدم وجود محكمة إدارية عليا أو ما يعبر عنه بمجلس الدولة، مما يطرح مجموعة من الإشكالات المرتبطة بالطعن في بعض القرارات الإدارية،التي جاء بها الدستور من خلال الفصلين 114 و 118 منح اختصاص جديد لأعلى هيئة قضائية إدارية لنظر في الطعون مقدمة ضد مجلس السلطة القضائية خاصة في العقوبات الصادرة في حق القضاة و إذا كانت هذه الهيئة العليا حاليا الغرفة الإدارية بمحكمة النقض هي المختصة ف فنطرح التساؤل التالي: عن أي استقلال للسلطة القضائية نتحدث؟ إذا كانت هذه الغرفة الادارية يتم تعيين رئيسها من طرف الرئيس الأول لمحكمة النقض حسب مضمون المسودة، لذلك أصبح من الضروري إحداث مجلس للدولة أو محكمة إدارية عليا.

إن واقع التنظيم القضائي للمملكة كما جاء بمسودة مشروع القانون يدعو إلى طرح أكثر من علامة استفهام حول مصير القضاء الاداري، إذا تم إحداث أقسام له بالمحاكم العادية فحاليا يثار الاكتظاظ في الملفات العالقة مثلا سنة 2012 سجل8788 بمحكة الإدارية الرباط كقضايا رائجة تم فقط في 6419 مما أدى تراكم 2369 كقضايا غير محكومة، وإذا علمنا آن قضاة هذه المحكمة مختصون في المنازعات الإدارية، نتسأل عن الكيفية ستتعامل معها المحاكم العادية مع نوع هذه القضايا؟ و كيف سيتم تخفيف الضغط على المحاكم الإدارية في ظل غياب قضاء متخصص، إن مسألة إحداث للقضاء الإداري سيزيد الضغط على المحاكم العادية و بالتالي التأخير في البث في القضايا بصفة عامة، فعوض إحداث أقسام فمن الضروري إضافة محاكم إدارية أخرى لتغطي التراب الوطني و ذلك وفقا لتوجهات الجهوية الموسعة، ثم إحداث محاكم استئناف أخرى لتخفيف الضغط على محكمة الرباط التي تغطي نسبة 77.32 % للقضايا الادارية المسجلة على الصعيد الوطني و22.68 % بالنسبة لمحكمة الاستئناف الادارية بمراكش، هذه النسب تؤكد بالملموس الضرورة الملحة لإحداث محاكم و ليس اقسام للقضاء الاداري.

لهذا فمن الطبيعي في نظري يتعين إعادة صياغة بعض مواد مسودة مشروع قانون التنظيم القضائي مع مشروع قانون الجهوية الموسعة الذي يعرف نقاشا حاليا على مستوى القانونية، والهادف إلى إيجاد جهات قائمة الذات وقابلة للإستمرار، من خلال بلورة معايير عقلانية وواقعية لمنظومة جهوية جديدة، واعتماد مقاربة أكثر تطويرا وتحديثا للتنظيم القضائي للمملكة تتجاوب مع هذا السياق؛ بما يحقق الانسجام مع الأهداف الجوهرية للجهوية المتقدمة باعتبارها توجها حاسما لتطوير وتحديث هياكل الدولة ومرافقها العمومية وفي مقدمتها مرفق القضاء.

لذلك فإن اعتماد مسودة مشروع قانون التنظيم القضائي على الجهة كإطار مرجعي لتحديد دوائر اختصاص المحاكم الإدارية، من شأنه أن يحقق عدة مزايا، في مقدمتها ضمان تقارب أكثر بين القاضي والمسؤول القضائي والواقع الأمني والإجتماعي والإقتصادي المحلي بكل خصوصياته ومميزاته، حتى لا يصبح القضاء منعزلا عن الدور الذي يجب أن يقوم به. ومن شأن هذه الملاءمة أن تحد من بعض الإختلافات بين الخريطة القضائية والتقسيم الإداري كما هو الأمر في التقسيم الحالي .

بقلم ذ طارق الدنداني
باحث بسلك الدكتوراه

شارك المقالة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.