بقلم ذ مصطفى الفوركي
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
باحث في قانون الأعمال و المقاولات باحث في صف الدكتوراه كلية العلوم القانونية و جدة
تعتبر حقوق الملكية الفكرية حق الإنسان في إنتاجه العلمي، والأدبي، والفني، والتقني، والتجاري، ليستفيد من ثماره وآثاره المادية والمعنوية، وحرية التصرف فيه، والتنازل عنه، واستثماره، كحق المؤلف في التأليف، والمترجم في الترجمة، والناشر في حقوق النشر، والرسام في لوحاته، والمهندس في المخططات والخرائط، والمخترع فيما اخترعه ووصل إليه، وأعطته الدولة الحق في تسجيله والحصول بموجبه على براءة الاختراع.
وقد عُرّفت الملكية الفكرية بأنها مصطلح قانوني يدل على ما ينتجه العقل البشري من أفكار محدده، تتم ترجمتها إلى أشياء ملموسة. فيدخل في نطاقها كافة الحقوق الناتجة عن النشاط الفكري للإنسان في الحقول الأدبية والفنية والعلمية والصناعية والتجارية وما أشبه.
إن تناولنا لمصنفات الأعمال الإبداعية الجديدة المتمثلة في المصنفات الرقمية، لم يكن من باب عرض الحاصل ولكنها استفاقة لواقع ومحصلة لتأمل ومراجعة لمصنفات حديثة تجاوزت سابقاتها بالشيء الكثير، حتى غدت المصنفات الأدبية والفنية التقليدية جزءاً من مكونات هذه المصنفات،ناهيك عن اتساعها وكثرة تداولها واكتساحها لكل مجالات الحياة خاصة والسرعة والبساطة والسعه هي مميزات هذه المصنفات، يقابل ذلك إشكالات وتعقيدات سببها طبيعتها الفنية المعقدة، وعدم قدرة القواعد القانونية الخاصة بقانون حق المؤلف على إحاطتها بالحماية القانونية الكافية لاختلاف خصائص هذه المصنفات، وكذا تمايز عناصر الحقوق الأدبية والمالية لمؤلفي هذه المصنفات عن غيرها من المصنفات التقليدية ومما لا شك فيه أن ظهور الحاسب قد أحدث تغييراً كبيراً في سرعة البحث عن المعلومة وسهولة الحصول عليها للمستفيدين، وما هذه الظاهرة المعلوماتية التي أقامت العالم ولم تقعده إلا خير دليل على تأثير الحاسب وشبكة الانترنيت في سحب بساط الجمود التقليدي للأرشفة والتخزين والبحث واعتمادها النظم المعلوماتية ذات القدرة الهائلة على التخزين والاسترجاع وطرح الحلول لأعقد المشكلات ونقل المعلومات وسهولة انسيابها عبر الحدود الإقليمية وبزمن قياسي لم يسبق له مثيل.هذا التحول الذي أحدثته المعلوماتية المتمثلة في الحاسب والانترنيت أفردت أصابع الترابط بين المعلوماتية والقانون.
يعد الإبداع الفني بما يحمله من حقوق لمؤلفه واحدا من أهم إنتاجات المرء الفكرية، هذا الحق يمكن أن يكون ضحية وقوع اعتداء عليه بالتزييف والتقليد أو الاستنساخ غير المشروع. فيضيع صاحب هذا الحق من الضرر الذي مس إنتاجه، ومنه كان لزاما إيجاد حماية للمؤلف لكي يزيد من إبداعه ويطمئن على حقوقه.
فإذا وقع الضرر كان للمضرور (المؤلف) نهج أساليب الحماية الموضوعية عن طريق تحريك دعوى المسؤولية المدنية (المطلب الأول) أو الحماية الجنائية (المطلب الثاني).
المطلب الأول: الحماية المدنية لحقوق المؤلف في النطاق الرقمي
إذا تعرض حق المؤلف للاعتداء، يمكنه الرجوع هو أو ذوي حقوقه على الشخص الذي خرق هذا الحق ويكون رفع هذه الدعوى طبقا للمسؤولية المدنية، فإذا كانت هناك علاقة عقدية بين المؤلف والشخص الذي مس الحق، تقوم المسؤولية العقدية أما إذا لم تكن تربطه بالمؤلف صلة عقدية تقوم المسؤولية التقصيرية، وبالتالي وجب التعويض عن الضرر الذي فات على المؤلف كسبه أو ألحق به خسارة. وبالتالي لدراسة شروط هذه المسؤولية الموجبة للتعويض فإننا سنتناولها في فقرتين:
الفقرة الأولى: تحديد عناصر المسؤولية المدنية
تستنتج عناصر المسؤولية عموما على مستوى المادة 77 من ظهير الالتزامات و العقود وأكد عليها بوجه خاص من خلال المادة 62 من قانون حماية حقوق المؤلف المغربي التي تنص على :”في حالة خرق معترف به لصاحب حقوق محمية بموجب هذا القانون، يحق لصاحب الحق الحصول من مقترف الخرق على تعويضات عن الضرر الذي تعرض له بسبب الخرق”.
وعلى العموم، فإن هذه العناصر من خلال المادة 77 من ظ.ل.ع تستوجب توافر أركان: الخطأ والضرر والعلاقة السببية.
أولا: الخطأ
الخطأ بوجه عام هو ترك ما يجب فعله أو فعل ما يجب الإمساك عنه، فيقترب معناه هذا لقيام المسؤولية التقصيرية أو العقدية. فالأولى منالها في الاعتداء على حقوق المؤلف من قبل غير لا تربطه بالمؤلف أي علاقة تعاقدية على مستوى موضوع النزاع.
ويشترط في الخطأ كأحد شروط قيام المسؤولية التقصيرية توفر عنصري التعدي البين أو الطافح عن سلوك الشخص المتبصر الحازم لشؤونه، والعنصر الثاني: الإدراك وهو ما اصطلح عليه المشرع “بينة” أي الإدراك وبه لا يمكن نسب الخطأ إلى شخص فاقد للأهلية لانعدام التمييز[1] أو الجنون.
ومثال هذا الخطأ التقصيري القرصنة الرقمية للمنتج وسرقة الأبحاث والرسائل العلمية.[2]
أما الخطأ العقدي فيظهر في علاقة المؤلف والمتنازل إليهم عن حقوق الاستغلال[3] أو المرخص لهم باستغلال الحق أو المصنف.
ثانيا: الضرر
يتميز الاعتداء على حق المؤلف وإضراره بخصوصية معينة حيث يستوجب الضرر المادي والضرر المعنوي، ورغم هذا التمييز فتحقق واحد من هذين النوعين يسمى ضررا يستوجب التعويض.
ويشترط لتوافر عنصر الضرر في الاعتداء على حقوق المؤلف أن يكون الضرر الذي يصيب المؤلف ثابتا على وجه اليقين أي محسوسا وملموسا. فالضرر الناجم عن الاعتداء على الحق المالي واجب الإثبات من طرف المضرور فهو يخضع لحكم القواعد العامة.
ويبقى الضرر في هذه الحالة محط جدل فقهي وقضائي[4]، وذلك من حيث إلزامية إثبات الضرر من جانب المؤلف (المضرور) ووفق الراجح، فإن الضرر الذي يترتب على الاعتداء على الحق الأدبي يكون مفترضا[5]، وأمام التفوق الفني للمؤلف فإنه عادة ا تكون له السلطة التقديرية في تحديد الضرر أمام ضعف المدعى عليه بدحض هذا الادعاء.
وبالتالي، تكون محكمة النقض الفرنسية[6] قد حاذت عن القاعدة العامة التي تلزم المدعي بإثبات الضرر الذي أصابه وسمحت له بأن يقرر ما إذا كان الاعتداء الذي وقع على حقه الأدبي.
أما على المستوى العربي، فإن دار القضاء التونسية كرست قرينة الضرر من حيث استخلاص ثبوت الضرر أم لا.
ويرى أحد الفقهاء أن الضرر الأدبي يتميز بطبيعة خاصة[7] ذلك أنه غير محدد ماديا بل هو متعلق بإمساك المؤلف وتفكيره مما يجعل من إثباته أمرا عسيرا، وهو ما يجب تقدير خضوع الإصابة بالضرر للمؤلف كون الاعتداء فيه مساس بسمعة المؤلف ومكانته العلمية والأدبية والفنية، والإصابة بالضرر تقرر للمؤلف من حيث افتراض وجوده. فرابطة الأبوة بين المؤلف والمصنف الذي أبدعه تؤكد مدى صلة المؤلف بمصنفه.
أما تقدير قيمة التعويض ومقداره فيخضع لقاضي الموضوع، وذك حتى لا يكون المؤلف خصما وحكما في نفس الوقت.
هذا ويجب القول أن الحق الأدبي يعتبر من الحقوق اللصيقة بالشخصية واحترامه تكريس من القانون ولو لم يجد اتفاقا ينص على ذلك[8] مما يستنتج منه أننا بصدد التزام قانوني.
ثالثا: علاقة السببية
ثالث أركان المسؤولية، توافر العلاقة السببية بين الخطأ والضرر أمر ضروري لقيام المسؤولية، وهذا ما أكده الفصل 77 من ظ.ل.ع ذلك أن الخطأ قد يقع من جانب المعتدي دون أن يؤدي ذلك إلى حدوث ضرر للمؤلف صاحب الحق، كالكاتب الذي يسطو على فصول من مصنف ما ثم ينسبها لمؤلفه دون ترخيص من المؤلف ولم ينشرها بعد [9] وقد اختلف الفقه حول تحديد معيار السببية، وهي نظرية تعادل الأسباب ونظرية السبب القريب والثالثة نظرية السبب المنتج[10]. هذه الأخيرة أخذ بها معظم القضاء لتضرب بذلك إشكالية السبب العارض.
الفقرة الثاني: التعويض
التعويض هو نتيجة حتمية كلما توافرت أركن المسؤولية فهي بمعنى آخر أثر من آثار قيام هذه المسؤولية.
أولا: طرق التعويض وتقديره
· طرق التعويض:
بتحقق أركان المسؤولية المدنية يرتب للمؤلف حق الحصول على تعويض عادل تراعي المحكمة في تقديره مكانة المؤلف ومدى استفادة المعتدي من استغلال المصنف، فإذا أمكن إزالة الضرر وإعادة الوضع إلى ما كان عليه سابقا كان التعويض تعويضا عينيا، أما إذا تعذر ذلك فلابد من اللجوء إلى الطرق الأخرى للتعويض وهو التعويض غير المباشر عن طريق إلزام المعتدي بدفع مبلغ من المال للمؤلف المعتدى عليه، وترتيبا على ذلك يتخذ التعويض الذي يؤدي لإزالة الضرر طريقتين:
· التنفيذ العيني
· التنفيذ بمقابل
· التنفيذ العيني:
يقصد بالتنفيذ العيني إصلاح الضرر إصلاحا تاما وإعادته إلى نفس الوضع السابق الذي كان عليه[11] والتنفيذ العيني الذي تحكم به جهات القضاء يفضل على التنفيذ بمقابل أو التعويض لأنه يؤدي إلى محو الضرر الذي أصاب المؤلف بدلا من الإبقاء على الضرر وإعطاء هذا المؤلف مبلغا تعويضيا لجبر الضرر.
ويمتاز التنفيذ العيني في مجال حقوق المؤلف بخصوصية، حيث تزيل المحكمة بناء على طلب من المدعي (المؤلف) أو خلفه كل اثر للتعدي على حقوقه وذلك بأن يأمر بوقف النشر أو العرض وكل عمل غير مشروع يضر بمصالح المدعي. بالإضافة إلى أمرها بالحجز وإتلاف المواد التي استعملت في النشر أو تغيير معالم[12] النسخ أو الصور أو جعلها غير صالحة للعمل وذلك كله على نفقة الطرف المسؤول عن الضرر[13].
أما عن صور هذا التنفيذ، فهي تختلف بحسب طبيعة محل الاعتداء فقد يكون بصور ازالة التشويه عن المصنف أو إعادته إلى أصله أو بصورة محو ما ورد في المصنف عن إضافة[14].
وقد تتخذ صورة إلزام المعتدي بنشر المصنف في المجال إذا كان قد تلكأ في إظهاره بهدف تفويت فرصة عرضه في اللحظة المناسبة التي اختارها المؤلف، فإذا تأخر المنتج في طرح برنامج حاسب، جاز لمؤلف البرنامج اللجوء إلى القضاء مطالبا بالتنفيذ العيني مع حصوله على تعويض من جراء تأخير تنفيذ الالتزام.
وقد تطرق قانون المؤلف المغربي في المادة 62 إلى صورة وحيدة من هذه الصور، وهي الائتلاف لكل ما من شأنه الإضرار بالمصنف[15] ونصت من خلال الفقرة الخامسة على :”… في حالة وجود النسخ المتحصلة من انتهاك حقوق ثابتة يخول للسلطات القضائية إصدار الأوامر بإتلاف هذه النسخ وتلفيفها، والأمر في حالات استثنائية بالتصرف فها بشكل آخر معقول، خارج النطاق التجاري بشكل يحول دون إحداث ضرر لصاحب الحق، إلا إذا رغب صاحب الحق في ذلك”.
ونشير أن نص المادة 62 هو جواز كون المشرع استعمل كلمة (يخول) مما يفيد أن الأمر غير وجوبي على المحكمة[16] وإنما هو أمر اختياري.
ويلاحظ أن النص خول للسلطات القضائية الأمر في حالات استثنائية التصرف في المصنف بشكل آخر معقول خارج النطاق التجاري وبما يحول دون إحداث ضرر لصاحب الحق.
وبخصوص الاستثناء الذي بينه النص يظهر رغبة المشرع في تخويل السلطات القضائية صلاحيات تتجاوز حدود المألوف، فإذا رأت المحكمة أن هناك نفعا من أوراق المصنف بعد تغيير معالمه غير أن هذا الاستثناء يبقى مقيدا بموافقة المؤلف ورضاه فإذا رفض تنفيذ حكم الإتلاف.
· التنفيذ بمقابل
وهو التعويض غير المباشر الذي يلجأ إليه القاضي عندما يتعذر إصلاح الضرر الناجم عن الاعتداء على هذا المصنف حيث يذيع وينتشر بشكل لا يجدي الحجز في إيقافه أو منع الاعتداء عليه، أو أصبح من المستحيل السيطرة عليه، فلا يمكن للقضاء من حل منصف سوى الحكم بالتعويض النقدي[17]
فإذا كان التنفيذ العيني يرمي إلى محو الضرر وإزالته فإن التنفيذ بمقابل يرمي أساسا إلى جبر الضرر التقديري.
فالمادة 62 من قانون حقوق المؤلف المغربي قد نصت على التنفيذ بمقابل عن طريق التعويض إلا أنها أعطت صاحب الحق الخيار بين حالتين:
الحالة الأولى: التعويض عن الأضرار التي لحقت به فعلا، أي حق المؤلف في الحصول على التعويض العادل جراء الاعتداء على مصنفه من خلال مبلغ تقدره المحكمة، يشمل ما لحقه من ضرر فعلي بالإضافة إلى كل الأرباح المترتبة عن النشاط الممنوع والتي تؤخذ بعين الاعتبار في حساب التعويض.
الحالة الثانية: التعويض وفق مبلغ محدد بنص القانون، وهنا ليس للمؤلف إلا التعويض فيما هو محدد بنص القانون وهو مبلغ 5000 درهم و 25.000 درهم كحد أقصى وذلك حسب تقدير المحكمة.
· تقدير التعويض:
إن تقدير التعويض وتحديد مقدار التعويض مسألة واقعية من مسائل الموضوع التي يختص ويستقل بها قاضي الموضوع، إلا أن هذه المسألة ليست أمرا عشوائيا وإنما تتم بالاستناد إلى اعتبارات تؤثر في تقدير التعويض المالي للمؤلف المتضرر ويتم تصنيفها[18] كما يلي:
· الاعتبارات المتعلقة بالمؤلف: ومثالها حرص المؤلف على المحافظة على حقوقه وفقا للحماية الممنوحة له قانونا بالإضافة إلى إمكانية المؤلف وحمولته الثقافية وتأثير الاعتداء على سمعته.
وبخصوص القضاء العربي، فإن محكمة الاستئناف بتونس في أحد أحكامها قررت بأنه طالما أن المؤلف المعتدى على حقوق فنان عالمي فإن تعويض محكمة البداية له بمبلغ 5000 دينار لا يتماشى مع مكانته كفنان عالمي مما يستوجب معه رفع مقدار التعويض المستحق.[19]
ويؤخذ بمعيار جسامة الاعتداء بالتعويض الأكبر.
· الاعتبار المتعلق بالمصنف: تتمثل في قيمة المصنف الأدبية وأهميتها وتستنتج هذه الأهمية من مدى إقبال الجمهور عليه ومدى حاجة الناس إليه وطلبه، فالاعتداء على صورة أو أصل مصنف تطبيقي ليس كالاعتداء على كتاب علمي يتعلق بشؤون الذرة مثلا.[20].
كذلك يعد معيار انتشار النسخ المقلدة من المصنف، ذلك أن مدى الضرر الذي يلحق بالمؤلف يتوقف إلى حد كبير على عدد النسخ المقلدة التي صدرت من المصنف محل الاعتداء فإحداث التغييرات والتشويهات على نحو يسيء إلى سمعة المؤلف ومكانته في ظل انتشار نسخ المصنف وإقدام الجمهور عليها سيزيد حتما من قيمة المصنف.
· الاعتبارات المتعلقة بالعائد الذي حصل عليه المعتد من استغلال المصنف: الأصل أن القاعدة العامة في التعويض تقتضي أن يكون التعويض بقدر الضرر، مع الأخذ ف الاعتبار عند التطبيق العملي لتقدير الأرباح التي يجنيها المعتدي.
ونشير أن المشرع المغربي من خلال المادة 62 قد أخذ مبدأ التعويض العادل، بمعنى أن التعويض هنا لا يقدر على أساس قيمة الضرر (التعويض الكامل) بل يمكن أن يزيد عليه، وذلك للتخفيف من وقع الإساءة التي لحقت بالمؤلف والتي تمس سمعته من ناحية، وردع المعتدي من تكرار هذا الفعل.
ثانيا: العقوبات المدنية
نصت المادة 62 من قانون حقوق المؤلف المغربي على أنه:”في حالة خرق حق معترف به لصاحب حقوق محمية بموجب هذا القانون، يحق لصاحب الحقوق الحصول من مقترف الخرق على تعويضات عن الضرر الذي تعرض له بسبب فعل الخرق.
يتم تحديد مبالغ التعويض عن الضرر طبقا لمقتضيات القانون المدني مع مراعاة حجم الضرر المادي والمعنوي اللذين تعرض لهما صاحب الحق، وكذا حجم الأرباح التي حصل عليها مقترف الخرق من فعله.
يجوز لصاحب الحقوق الاختيار بين التعويض عن الأضرار التي لحقت به فعلا بالإضافة إلى كل الأرباح المترتبة من النشاط الممنوع[21] والتي لم تؤخذ بعين الاعتبار في حساب التعويض المذكور، أو التعويض عن الضرار المحددة في 5000 درهم على الأقل و 25000 درهم كحد أقصى حسب ما تعتبره المحكمة عادلا لجبر الضرر الحاصل.
على إثر المسطرة المدنية يجوز للمحكمة المرفوعة إليها القضية أن تأمر الطرف الذي خسر الدعوى بأن يؤدي إلى الطرف الآخر المصاريف المعقولة التي تحملها برسم أتعاب المحامي. وفي حالة وجود نسخ متحصل عليها من انتهاك حقوق ثابتة، يخول السلطات القضائية إصدار الأوامر بإتلاف هذه النسخ وتلفيفها والأمر في حالات استثنائية بالتصرف فيها بشكل آخر معقول، خارج النطاق التجاري بشكل يحول دون إحداث ضرر لصاحب الحق، إلا إذا رغب صاحب الحق في غير ذلك.
في حالة استعمال معدات أو جهاز من أجل ارتكاب أعمال تمثل خرقا، تصدر السلطات القضائية أمرا بتدميرها على الفور دون تعويض من أي كان، أ الأمر في حالات استثنائية بالتصرف فيها بشكل آخر النطاق التجاري بكيفية تقلص إلى أدنى حد خطر حدوث خروقات جديدة، أو تأمر بتسليمها إلى صاحب الحق، وفي حالة التخوف من استمرار أعمال تشكل خرقا، تصدر السلطات القضائية أمرا صريحا بتوقيف هذه الأعمال، كما تحدد مبلغا يساوي على الأقل 50% من قيمة العملية برسم التعويض عن الأضرار”.
الملاحظ في هذه الأحكام خصوصا حق المؤلف المغربي أكثر تفصيلا وانضباط[22] كونه حدد عدد العقوبات المدنية بحق المعتدي ناهيك عن مقدار التعويض الذي يتحصل عليه المؤلف بحق هذه العقوبات الأمر بتدمير المعدات والأجهزة التي استعملت في ارتكاب الاعتداء.
والملاحظ على هذا النص وخصوصا الفقرة السادسة منه أن المشرع لا يواز ويوافق بين مصالح الأطراف المتنازعة، فإصدار الأمر بتدمير المعدات والأجهزة التي استعملت في خرق الحقوق المحمية قانونا، يحقق غاية المضرور ويردع المعتدي من ارتكاب خروقات جديدة، غير أن الضرر قد يكون كبيرا بالمعتدي، خصوصا إذا كانت هذه الأجهزة والمعدات تتميز بالجودة والحداثة وكلفة الثمن، ويكون ثمنها يزيد عن ثمن التعويض الذي قد يتلقاه المؤلف.
لهذا كان من الأنسب أن ينص المشرع على بيع هذه الأجهزة بالمزاد خصوصا إذا كانت تتميز بالجودة في صناعتها تحقيقا للفائدة منها سواء للمؤلف في حالة ما إذا كان المعتدي معسرا أو لتهربه في أي حال من الأحوال، أو استفادة المجتمع منها حال بيعها، أو حتى لا يضار المعتدي كثيرا.
وكتعويض عن الضرر الناشئ عن طول المسطرة[23] وما تحمله من مصاريف ألزم المشرع المعتدي بدفعها.
المطلب الثاني: الحماية الجنائية لحقوق المؤلف في النطاق الرقمي
اصدر المشرع المغربي القانون المتعلق بحقوق المؤلف وخصص المواد من 61 إلى 64 منه لسن عقوبات مستقلة عن القانون الجنائي، ولكن تبين للمشرع بعد مضي ست سنوات أن هذا القانون وأن هذه المواد غير كافية لردع المعتدين أو لضمان حماية أكثر, إصدر القانون رقم 05/34 القاضي بتغييره وتتميمه سنة 2006 الذي نص من خلال مواده على شروط الدعوى المتعلقة بالاعتداء عليها المتمثلة في التقليد والاستثناء الواردة عليها، كما نص عل الإجراءات المسطرية الواجب إتباعها، وسنه مجموعة من العقوبات من أجل ردع مقترفي الفعل الإجرامي.
كما لا نستثني المواد من 575 إلى 579 من القانون الجنائي التي تعاقب جرائم الاعتداءات على حقوق الملكية الأدبية والفنية بصفة عامة وعلى حقوق المؤلف بصفة خاصة.
بناءا على ما سبق يتم تناول شروط قبول دعوى الاعتداء (الفقرة الأولى) على أن نخصص (الفقرة الثانية) لصور الاعتداء على حقوق المؤلف ثم في (الفقرة الثالثة ) للعقوبات المقررة لجريمة التقليد
الفقرة الأولى: شروط قبول دعوى الاعتداء
يشترط من أجل الاستفادة من الحماية الجنائية لحقوق المؤلف أن يكون فعل الاعتداء الذي يشكل جنحة، عدم مرور زمن التقادم (أولا) وأن يرتكب هذا الفعل داخل المغرب (ثانيا).
أولا: عدم مرور زمن التقادم
يتعين على صاحب الحق الذي يريد رفع الدعوى أمام المحكمة الزجرية فيما يتعلق بالفعل الذي يشكل اعتداءا على حقه، أن يرفع الدعوى في مدة لم يمر عليها زمن التقادم وما دام المشرع المغربي لم يتحدث عن التقادم في قانون 05/34 المتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة فإنه ضمنيا يحيل على القواعد الخاصة للتقادم للفعل الجنائي.
وما دام المجال الذي نحن بصدده يشكل جنحة فإن مدة التقادم هي 5 سنوات[24] إلا أن ما يمكن ملاحظته بخصوص مدة التقادم نعتقد انه إذا كان المشرع المغربي حريا أن يخرج عن المبادئ العامة كما هو الشأن بالنسبة لحقوق الملكية الصناعية، والذي حدد مدة التقادم في 3 سنوات نظراً لأن مجال الملكية الفكرية على العموم وحقوق المؤلف على الخصوص يدخل ضمن مجال الأعمال والذي يمتاز بالسرعة وكذا بكثرة حجم الاستثمارات التي توظف في هذا المجال.
ثانيا: شروط ارتكاب الفعل الجرمي داخل المغرب
إن الأفعال التي تشكل اعتداءا على حقوق المؤلف لا يمكن أن تكون محل متابعة جنائي استنادا إلى القانون رقم 05/34 المتعلق بحقوق المؤلف و الحقوق المجاورة إلا إذا ارتكبت في المغرب أعمالا بالمبدأ الراسخ في القانون الجنائي وهو مبدأ إقليمية القانون الجنائي والذي يقضي بعقاب الأشخاص المرتكبين لهذه الأفعال سواء كانوا مغاربة أو أجانب[25].
غير أن ذلك لا يمنع من متابعة المغربي الذي ارتكب فعلا يعد من قبيل الجنح الماسة بحقوق المؤلف في الخارج بشروط حددها المشرع في:
· إذا لم يثبت أنه قضى العقوبة بالبلد المرتكب فيه الجنحة.
· يشترط الرجوع إلى المغرب
· يشترط توصل النيابة العامة بشكاية بطلب من الطرف المتضرر، أو بناء على بلاغ صادر من سلطات البلد الذي ارتكبة فيه الجنحة[26].
وهذا ما أكدته محكمة النقض في عدد من قراراتها حيث جاء في أحدها:
إن متابعة مغربي ارتكب جنحة خارج المملكة لا يعفيه من المتابعة الا إذا أدلى بحكم نهائي أمام القضاء الأجنبي طبقا للفصل 752 من قانون المسطرة الجنائية فإن كل مغربي ارتكب فعلا خارج المملكة له صفة جنحة في نظر القانون المغربي و قانون القطر الذي ارتكب فيه، يمكن متابعته بالمغرب والحكم عليه ولو كان متابعا على نفس الفعل أمام القضاء الأجنبي لا يعفي من هذه المتابعة إلا بحكم يكون قد بت في موضوع الفعل الإجرامي ولم يعد خاضعا لأي طعن[27].
كما أكد في قرار آخر نفس التوجه حيث جاء فيه: “لما كان الطاعن موجودا بالمغرب ولم يدل بما يثبت أنه حكم نهائيا في الخارج فإن تصدي القضاء المغربي للبت في القضية غير مشوب بأي عيب ويتفق مع أحكام الفصلين 751 و752 من قانون المسطرة الجنائية كما أن المتابعة التي تمت بناءا على إعلام صادر عن سلطات القطر الذي ارتكبت فيه الجنحة لعدم وجود شكاية صادرة عن الضحية تعتبر مطابقة لأحكام الفصل 752 المذكور[28].
وعموما، يمكن القول أن هذا الشرط هو قيد القاضي المغربي للنظر في الدعوى المرفوعة أمامه[29].
الفقرة الثانية: صور الاعتداء على حقوق المؤلف
دعم المشرع المغربي في قانون حق المؤلف الجزاءات المدنية بجزاءات أشد وطأة وأكثر ردعا على كل معتد يقدم على أفعال تمثل خرقا لحقوق المؤلف وأصحاب الحقوق المجاورة حيث نجد المشرع المغربي قد جمع هذه الاعتداءات ومثلها في صورتين الأولى جريمة التقليد والثانية هي مجموعة من الأفعال التي تشكل جرائم مماثلة لجريمة التقليد.
أولا : الاعتداء المباشر (جريمة التقليد)
تهرب المشرع المغربي من إعطاء مفهوم واضح ومحدد لأي نوع من أنواع الجرائم، ومنها جريمة التقليد، وله في هذه الأخيرة عذارا مقبولا نظراً لتنوع هذه الجريمة وتعددها بحسب نوع التصرفات التي قد يرى المشرع أنها غير مشروعة تاركا وضع المفاهيم لرجال الفقه متفرغا لتعداد الأفعال التي تدخل في وصف جريمة التقليد.
فجريمة التقليد تعني في مجال الاعتداء عل حقوق المؤلف بأنها تلك التي يرتكبها من يعتدي على حقوق المؤلف الأدبية بتقليد المصنفات الأدبية أو العلمية أو الفنية[30] أو هي الاعتداء الكلي أو الجزئي على حقوق المؤلف الأدبية منها أو المالية، وذلك بالنشر أو الإذاعة أو بأي وسيلة من وسائل النشر أو التبليغ مخالفا، بذلك الأنظمة والقوانين المتعلقة بهذه الحقوق.
وجريمة التقليد تتكون من ركنين أساسين هما:
· الركن المادي: ويتحقق بوقوع التقليد فعلا وذلك بقيام المعتدي بارتكاب فعل جرمه القانون فيما يتعلق بحقوق المؤلف المادية والأدبية، كنشر المصنفاو ادخال تعديلات تمس تكامل المصنف وتحرفه عن الشكل أو المضمون الذين ارتضاهما المؤلف، دون الحصول على إذن كتابي منه أو ممن يخلفه، أو قيام المعتد بنقل المصنف إلى الجمهور بطريقة مباشرة مثل التلاوة العلنية أو الأداء الموسيقى أو التمثيل المسرحي، أو العرض من خلال الشاشات التلفزيونية أو السينما أو عبر شبكات الإنترنت أو أي وسيلة من وسائل النقل بالإذاعة السلكية[31].
وبخصوص العمل القضائي، فقد ذهب القضاء المغربي بأن تقليد الكاسيت المتضمنة بعدد من الأغاني لفناني ومغنيين وقعوا تعاقدا مع المطالب بالحق المدني، الذين بذلوا جهودا مادية في إبراز لكل الأغاني إلى الوجود، ثم قام الأضناء بتقليد تلك الأغاني وعرضها في السوق بثمن أقل من الثمن الأصلي مما أحدث زعزعة في السوق وخلق منافسة غير مشروعة وألحقوا بذلك أضرارا مادية بالمطالبين بالحق المدني[32].
نفس الاتجاه سارت فيه محكمة الجنح بالدقي بمصر بتاريخ 3/3/2003 حيث خلصة إلى اعتبار أن إقامة موسيقى وأغاني على الإنترنت للتحميل من قبل من يزور الموقع المتاحة فيه هذه الأغاني، يعتبر اعتداءا على أصحاب حقوق الأغاني والموسيقى طالما لم يتم الإذن بذلك من طرف أصحاب الحق.
· الركن المعنوي: وهو الجانب الشخصي أو النفسي للجريمة، فلا يكفي لقيام الجريمة تواجد الواقعة المادة التي تخضع لنص التجريم بل لابد أن تصدر عن إرادة فاعلها وترتبط به ارتباطا معنويا وأدبيا.
وباستقرائنا لمجموعة من القرارات القضائية نرى أن هذه السلطة اشترطت لتوافر الركن المعنوي في جريمة تقليد المصنفات توافر سوء النية لدى الفاعل أي القصد الجنائي الخاص، حيث أن المدعي طالب الضنين (صاحب لمؤسسة العربية للموسوعات) أمام محكمة الدار البيضاء، وجاء في حيثيات الحكم أن لجوء الضنين إلى إعادة نسخ ما تضمنه مؤلفه التعليق على قانون المسطرة الجنائية في مؤلفه الجديد موسوعة القضاء والفقه للدول العربية واكتفائه في تغيير العنوان فقط، يفسر بأن غايته من النقل لم تكن حسنة وإنما كانت بهدف البيع ليس إلا[33].
ومن خلال النصوص التي تجرم هذا الفصل نلاحظ أنها لم تشترط القصد الجنائي، فيكفي أن يعلم الجاني بأن نشاطه الإجرامي يرد على مصنف ينسب إلى شخص آخر، وأن فعله هذا لم يكن مستندا على ترخيص وبالتالي يتوفر هنا القصد الجنائي.
أما بخصوص حسن النية فلا تفترض في جريمة التقليد بل يقع عبء إثباته على المتهم[34] اذ يفترض سوء النية أو الإهمال الشديد في المقلد لمجرد أنه ارتكب الفعل المادي للتقليد والذي يعد كافيا كدليل على نية الغش والتدليس لديه، وعليه أن يقوم بإثبات أن ما ارتكبه لم يقصد منه التقليد[35]، وتقدير هذه الأمور ترجع لقاضي الموضوع وتبقى خصوصية التقليد ومعايير أخرى تحكم بعض الأعمال العلمية (المصنفات العلمية: الرياضيات، الفيزياء) والمصنفات الدينية في الفقه والحديث والتفسير والسيرة النبوية فلا يعتبر من يقوم بالاقتباس منها مرتكبا لجريمة التقليد لأنها تقوم غالبا على مصدر وحيد يصعب إثبات الاعتداء عليها[36].
ثانيا: الاعتداء غير المباشر:
لم يقم المشرع المغربي في قانون حقوق المؤلف بالتفريق بين صور الاعتداء المباشر التي تمثل جريمة تقليد وبين صور الاعتداء غير المباشر التي تمثل أفعال مشابهة لجرائم التقليد، فإذا كنا قد اعتقدنا أن صنع أو استنساخ المصنفات وتبليغها إلى الجمهور يمثل جريمة تقليد فمن غير المعقول أن تكون جريمة بيع المصنف أو استيراده أو تصديره أو تأخيره أو استئجاره من جرائم التقليد، فهي أفعال مشابهة لفعل التقليد كونها تمس بحقوق المؤلف بالإضافة إلى الحقوق المجاورة لها.
فعدم تفرقة المشرعين بين صور الاعتداء تعود لوحدة الهدف النهائي الذي يسعى إليه الجاني من جراء التقليد فالتقليد ليس هدفا في ذاته وإنما الهدف هو جني الفوائد والأرباح التي يدرها بيع المنتجات المتحصلة من هذا الفعل، ومن هنا كان العقاب على طرح النسخ غير المشروعة للتداول السبيل الكفيل بالحيلولة دون تحقيق مصلحة المقلد الحقيقية.
والمشرع المغري قد ضمن هذه الحالات في المادتين (64 و65 من قانون حقوق المؤلف).
الحالة الأولى: استيراد أو تصدير نسخ مقلدة من مصنف أو أداء:
تنص المادة 64 من قانون حقوق المؤلف المغربي “على من قام باستيراد أو تصدير نسخ منجزة خرقا لأحكام هذا القانون”.
فالركن المادي في هذه الجريمة يتحقق في إدخال أو إخراج أية مصنفات أدبية أو فنية أو علمية سواء كانت مكتوبة أو رقمية بحيث يؤدي ذلك إلى عبور هذه المصنفات أو الأداءات عبر الحدود السياسية لإقليم الدولة وهذا المفهوم في نظر الفقه قد لا يلائم جريمة التقليد للمعلومات والمصنفات التي تجتاز الحدود افتراضيا، ويكفي أن يقوم الضنين بإدخال المصنف المقلد إلى أراضي الدولة أو تصديره خارجها
وتحقق الركن المعنوي لهذه الجريمة يتحقق من خلال علم الجاني كون المصنف الذي عبر به الحدود مقلدا، أما إذا وجد المصنف في حقيبة سفره الخاصة أو جيبه عن طريق الخطأ فلا يتوفر القصد الجنائي.
الحالة الثانية: بيع أو توزيع النسخ المقلدة
هذه الحالة لا تختلف في خصائصها عن سابقتها باعتبارها ترد على مصنف أو أداء مقلد وليس أصليا فإذا قام شخص بعملية بيع أو توزيع مصنفات مكتوبة أو رقمية مع علمه بتقليدها يعتبر مرتكبا لفعل مشابه لفعل التقليد يوجب العقوبة عليه
وصور بيع المصنف المقلد أن يقوم الجاني بنقل حق استغلال المصنف إلى المشتري مقابل ثمن معين ليس له الحق فيه بل هو من حق المؤلف الأصلي للمصنف.
مثلا فصاحب مؤسسة للنشر والتوزيع الرقمي الذي يقوم بتوزيع نسخ أقراص مقلدة يؤاخذ على فعلته لأن مسؤوليته تفرض عليه ضرورة التحري، ومن الأحكام الحديثة في هذا الصدد، ما قضت به إحدى دوائر الجنح المستأنفة في مصر، في قضية تتلخص وقائعها في “أن النيابة العامة كانت قد أذنت بتفتيش واحدة من دور الطبع لضبط مجموعة نسخ من كتاب (الوسيط في شرح القانون المدني للفقيه عبد الرزاق السنهوري) بمقولة أنها مقلدة[37]، لكن المتهم دافع أنه لا يتوفر على القصد الجنائي ودليله على ذلك بالعقد المبرم بينه وبين دار للنشر في بيروت وبوليصة شحن الكتب من لبنان إلى مصر، والإخراج الجمركي عنها مما اعتبرته المحكمة دليلا على عدم توافر العلم.
الحالة الثالثة: تأجير المصنفات المقلدة
وهي تأجير مصنفات بقصد استعمالها لمدة معينة لكي ينتفع بها، وتكفي عملية استئجار وحيدة[38] ولا تكون أمام حالة العود إذا تكررت العملية إلا إذا صدر ضده حكم نهائي[39].
وتتحقق هذه الجريمة لمجرد وضع المصنف المقلد في خدمة المستأجر، حتى ولو كانت عملية التأجير ليست منظمة، أي ليس عن طريق محل تم استئجاره لهذا الغرض، بل يكفي أن يمارس الجاني هذا النشاط خفية من جهات المراقبة.
الفقرة الثالثة: عقوبات جريمة التقليد
أولا: الجرائم بنص القانون
تناولت المادة 65 من قانون حقوق المؤلف المغربي هذه العقوبات “دون الإخلال بأحكام القانون 77.03 المتعلق بالاتصال السمعي البصري تعتبر الأفعال التالية غير قانونية وتعتبر بمثابة خرق لحقوق المؤلفين وفناني الأداء ومنتجي التسجيلات الصوتية بموجب المواد 61 إلى 64 وهي كما يلي:
· صنع أو استيراد أو تصدير أو تجميع أو تغيير أو بيع أو تأجير أو استئجار أداة أو نظام أو وسيلة أعدت خصيصا لتعطيل أداة أو نظام آخر.
فمن يقوم بهذا الفعل بهدف إلى تعطيل أجهزة أخرى وضعها القانون لحماية المؤلفين كحماية تقنية لمصنفاتهم، فيعتبر مرتكبا لجريمة التعطيل لأجهزة الحماية التقنية التي وضعها المؤلفون أو أصحاب الحقوق المجاورة.
· صنع أو استيراد أو تصدير أو تجميع أو تغيير أو بيع أو تأجير أو استئجار أداة أو نظام أو أية وسيلة تسهل فك رموز الإشارات المشفرة الحاملة للبرامج.
واشترط المشرع سوء النية ليتوافر بذلك الركن المعنوي الخاص في مثل هذه الجرائم ومفاد ذلك أن يكون عالما بما يقوم به[40].
· استقبال أو إعادة توزيع الإشارات الحاملة للبرامج المشفرة في الواقع هذه الجريمة هي امتداد لسابقتها لكن لمشرع المغربي[41] خصها باستقلالية عن جريمة فك الشفرة، وبالتالي فك الشفرة دون الحصول على إذن من موزعها يعتبر اعتداء على حق المؤلف.
· التحايل على كل تدبير تكنولوجي فعال: فالمشرع المغربي[42] جرم صنع أو التحايل بوسيلة من أجل الدخول إلى المعلومات والمصنفات المحمية ولم يجرم فعل البقاء داخل النظام المعلوماتي.
ويلاحظ أن المشرع المغربي قد قيد من الحماية الجنائية واعتبر التحايل لا يكون إلا على تدبير تكنولوجي فعال، بمعنى أن كل تدبير تقني غير فعال لا يمثل جرما يستحق العقاب.
· حذف المعلومات المتعلقة بنظام الحقوق أو تغييرها بدون تفويض[43] يقصد بهذه المعلومات تلك المتعلقة بنظام يهدف إلى تحديد هوية المؤلف ومصنفه وأصحاب الحقوق المجاورة وكل صاحب حق طبق القانون، فيكون بذلك أن أخذ المشرع المغربي بعين الاعتبار التطور الفقهي والقضائي الحاصل في ميدان الدفاع عن الحقوق المعنوية المرتبطة بالتبعية وبالتطور الهام للحقوق اللصيقة بالشخصية باعتبار أن هذا الحق لصيق بالمؤلف يمكنه من وضع اسمه أو اية تسمية مستعارة عليه أو حتى تركه بدون اسم.
كما أن للمؤلف وحده الحق في الكشف عن مصنفه للجمهور متى شاء ذلك[44].
· توزيع مصنفات أو أداءات أو مسجلات صوتية أو مرئية أو استيرادها بهدف التوزيع:
وذلك بوضع هذا المقلد رهن إشارة الجمهور أو المقلد نفسه بدون ترخيص مع العلم أن المعلومات المتعلقة بنظام الحقوق المقدمة على شكل الكتروني يكون قد وقع حذفها أو تغييرها بدون ترخيص[45].
ثانيا: العقوبات المقررة لصور الاعتداء على المصنفات:
وهذه الأخيرة: تدور بين عقوبات أصلية يتم الحكم بها بمجرد توافر الركنين المادي والمعنوي بجريمة التقليد، ومنها ما هو تكميلي يتمثل في التدابير التي يقصد منها عادة تمكين الشخص المتضرر من الحصول على تعويض عادل وكاف، وإعادة الحال إلى ما كان عليه قبل الاعتداء.
1- العقوبات الأصلية:
عمل المشرع المغربي في قانون حقوق المؤلف على وضع مرجعية جنائية خاصة بدل الإحالة إلى فصول القانون الجنائي وذلك راجع إلى خصوصية هذه المادة، فنص في المادة 64″ يعاقب بالحبس من شهرين إلى ستة أشهر وبغرامة تتراوح بين 10.000 إلى 100.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، كل من قام بطريقة غير مشروعة وبأي وسيلة كانت بقصد الاستغلال التجاري بخرق معتمد. لحقوق المؤلف المشار لها في المادتين 9 و10 لحقوق فناني الأداء في المادة 50 لحقوق منتجي المحلات الصوتية (المادة 51) لحقوق هيئات الإذاعة (المادة 52).
والحبس والغرامة هنا عقوبتان أصليتان الأولى سالبة للحرية والثانية عقوبة مالية، مع السلطة التقديرية للقضاء في تكريس العقوبتين أو إحداهما تتناسب مع خطورة الفعل الجرمي.
ويلاحظ أحد الباحثين[46] أن هذه العقوبات لا تتناسب مع الهدف من الردع ونحن نوافقه الرأي.
وعلى العموم نجد المشرع المغربي متجاوبا مع اتفاقية (التربيس) التي حثت الدول على تبني نظام إجرائي رادع للمخالفين.
2- العقوبات التكميلية:
قوام هذه العقوبات هو المادة 64 في فقرتها الثالثة:
“في حالة مخالفة أحكام هذا القانون، يمكن للمحكمة المختصة أن تأمر باتخاذ التدابير الوقائية وتصدر العقوبات الإضافية التالية، مالم يكن قد صدر أمر قضائي سابق متعلق بنفس الموضوع وفي مواجهة نفس الأطراف:
وتتمثل هذه العقوبات الإضافية في:
· حجز النسخ والمواد المستعملة بها وكذا الأصول والوثائق والحسابات المرتبطة بهذه النسخ.
يعاب على المشرع هنا أخذه بعقوبة الحجز كعقوبة تكميلية في حين أنها من الأمور المستعجلة[47]، يهدف من خلاله وقف النشر وكذا حفظ هذا المصنف من التلف.
· المصادرة:
والمفهوم العام للمصادرة حسب المادة 42 من القانون الجنائي المغربي “تمليك الدولة جزءا من أملاك المحكوم عليه،ـ أو بعض أملاك له معينة وهي في قانون المؤلف[48]:
· مصادرة الأموال ذات العلاقة بالنشاط غير القانوني، أي المبالغ الإيرادات الناجمة عن الاستغلال الغير المشروع
· مصادرة النسخ والأدوات المستعملة من أجل إنجازها
ولا يفوتنا أن نسجل أن المصادرة في إطار قانون المؤلف تختلف عن المفهوم العام في إطار القانون الجنائي، حيث أن المشرع المغربي في إطار حماية المؤلف يأتي بمقتضى استثنائي وغريب عن ما عهدنا وذلك بموجب المادة 62 حيث نص على أن للسلطات القضائية ألا تأمر في حالات استثنائية بتسليم المواد والأدوات المصادرة إلى صاحب الحق أو ذوي حقوقه.
وبتعبير أدق فالمصادرة تحمل هنا هدفين هدف تحقيق العقوبة و هدف التعويض
· الإتلاف: على الأقل من أجل حد خطر حدوث خروقات جديدة، مع مراعاة إبقاء هذه المادة لاستغلالها مجردة لكن بموافقة المضرور.
· غلق المؤسسة: وهو منع المؤسسة من مزاولة نشاطها المعتاد وبصفة دائمة أو مؤقتة، وذلك كتدبير أمني احترازي.
وللإشارة فإن المؤسسات المعنية هنا بالإغلاق هي التي تهدف إلى الربح المادي أما الجمعيات و المؤسسات التربوية فلا يطالها هذا المنع[49].
· نشر الحكم : يشبه فكرة حق الرد[50] التي تعطي للمؤلف الحق في أن يرد على الاعتداء الموجه إليه من الغير عن طريق الصحافة بما يرد إليه اعتباره و يخفف الآلام التي إصابته من جراء الاعتداء.
خاتمة
إذا كان الفكر والمفكرين هم عصب التقدم الإنساني وسر تقدمه ورقيه، فقد يبدو من العبث أن نحاول إخضاعه للضبط القانوني .
غير أن الإنسان اهتدى عبر مسار طويل إلى الإيمان بسمو مكانة المفكرين بمختلف شرائحهم، وبضرورة ضمان حماية حقوقهم الذهنية في مواجهة كل أساليب القرصنة الفكرية.
فمن خلال دراستنا لهذا الموضوع نستنتج كون التدخل التشريعي لم يكن حاسما بل تولدت صعوبات معقدة حول نطاق الحماية القانونية المخولة لحق المؤلف في النطاق الرقمي وذلك بظهور مفاهيم جديدة وان كان المشرع المغربي في قانون حقوق المؤلف قد حسم مجموعة من النقاط التي كانت محل خلاف كما هو الشأن بالنسبة لبرامج الحاسوب وقواعد البيانات التي شملها بالحماية بمقتضى قانون المؤلف تماشيا مع الاتفاقيات الدولية المصادق عليها في انتظار تنظيمها بمقتضى قانون خاص.
لهذا فبصدور قانون 05/34 يكون المشرع المغربي قد حقق قفزة نوعية من خلال سد ثغرات الظهائر السابقة ومحاولة ملاءمته مع الاتفاقيات الدولية لينص بذلك صراحة على سمو الاتفاقيات الدولية على التشريع الوطني عند التعارض طبقا للمادة 68 منه كما أن المشرع أحسن صنعا بإدخال التعديل على مقتضيات القانون الجنائي المتعلقة بنظم المعالجة الآلية للمعطيات لسد النقص الذي تعرفه الفصول 575 و 576 من القانون الجنائي.
وفي الأخير نشير إلى أن ظاهرة العولمة وما تحمله من تحديات تجعلنا نتساءل عن الوضعية القانونية لهذه الحقوق مستقبلا ومدى فعالية المعايير الحمائية، سواء تلك المدرجة في التشريعات الوطنية أو الدولية أو اتفاقيات التبادل الحر، ووعيا منا بأهمية حقوق التأليف في التنمية الثقافية والاقتصادية والاجتماعية، فقد بات من الضروري اتخاذ مجموعة من التدابير الضرورية لتشجيع الإبداع.
[1] – شحاتة غريب شلقامي، الحق الأدبي للمؤلف برامج الحاسب الآلي ص:136.
[2] – عبد الرشيد مأمون: حقوق المؤلف والحقوق المجاورة، الكتاب الأول ص:504.
[3] – يحيى محمد حسين راشد الشعيبي: الحماية القانونية لحقوق الملكية الفكرية في النطاقين الرقمي والتقليدي، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص جامعة محمد الأول وجدة 2010-2011 ص 158
[4] – لمزيد من التوسع حول هذه الاختلافات يراجع: عبد الرشيد مأمون، الحق الأدبي للمؤلف، ص:128.
[5] – شحاتة غريب الشامي، الحق الأدبي للمؤلف برامج الحاسب، ص:134.
[6] – عبد الرشيد مأمون، الحق الأدبي للمؤلف، م.س، ص:458.
[7] – يحيى محمد حسين راشد الشعيبي، م س . ص:371.
[8] – يحيى محمد حسين راشد الشعيبي، م.س، ص:372.
[9] – هناء بوكيلي: آليات حماية حقوق المؤلف في التشريع المغربي ، ص:99.
[10] – عز الدين الديناصوري، عبد الحميد الشواربي: المسؤولية المدنية في ضوء الفقه والقضاء، ص:188.
[11] – منذر الفضل: النظرية العامة للالتزام، ج.1، مكتبة دار الثقافة للنشر، عمان. ص 90
[12] – يحيى محمد حسين راشد الشعيبي، م.س، ص:373.
[13] – جمال محمود الكردي: حق المؤلف في العلاقات الخاصة الدولية، ص:66.
[14] – جمال محمود الكردي: حق المؤلف في العلاقات الخاصة الدولية،، ص:66.
[15] – سهيل الفتلاوي: حقوق المؤلف المعنوية في القانون العراقي، ص 293.
[16] – يحيى محمد حسين راشد الشعيبي، م.س، ص:293.
[17] – نواف كنعان: حق المؤلف، ص:478.
[18] – يحيى محمد حسين راشد الشعيبي، م.س، ص:375.
[19] – قرار محكمة الاستئناف بتونس بتاريخ 11/12/1998.
[20] – سهيل الفتلاوي: حقوق المؤلف المعنوية، ص:319.
[21] – إبراهيم الدسوقي أبو الليل: تعويض الضرر في المسؤولية المدنية، الكويت، 1995، ، ص:47.
[22] – يحيى محمد حسين الشعيبي، م س ص:378.
[23] – حازم عبد السلام المجالي: حماية الحق المالي للمؤلف في القانون الأردني، مطبوعات وزارة الثقافة، عمان، 1999، ص:158.
[24] – المادة 650 من قانون المسطرة الجنائية.
[25] – محمد عكى، الحقوق المجاورة لحق المؤلف في القانون المغربي، تقرير لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في لقانون الخاص، جامعة الحسن الثاني الدار البيضاء 2004/2005، ص112.
[26] – المادة 708 من قانون المسطرة الجنائية.
[27] – القرار رقم 8/1431 الملف الجنائي عدد 97/26805 المؤرخ في 6/6/2006 المنشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى، العدد 6059 دجنبر 2004، ص380.
[28] – قرار رقم 134 في الملف الجنحي عدد 85/14319 الصادر بتاريخ 7 يناير 1986 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى العدد 40 دجنبر 2000 ص251.
[29] – هناء بوكيلي، آليات حماية حقوق المؤلف في التشريع المغربي، رسالة لنيل دبلوم الدراسات المعمقة القانون الخاص، جامعة محمد الخامس السويسي، الرباط، 2010، ص107.
[30] – فؤاد كنعان، حق المؤلف، م.س، ص484.
[31] – …محمد حسين راشد الشعبي، م.س ، ص380.
[32] – قرار صادر عن محكمة الاستئناف التجارية بفاس رقم 7540/2002 بتاريخ 20/06/2002 ملف عدد 3049/01 منشور بمجلة المقال عدد 1 ، سنة 2007
[33] – حكم المحكمة الابتدائية، الدار البيضاء، عدد 1836 بتاريخ 22/01/1985 منشور بمجلة المقال عدد 1 سنة 2007
[34] – ابو اليزيد على المتين، الحقوق عن المصنفات، م.س، ص15.
[35] – BENSOUSSAN A : le logiciel et le droit, éditions Hermès, 1994.p 35
[36] – عبد الرشيد مأمون، الحق الأدبي للمؤلف، م.س، ص505.
[37] – حكم رقم 3489 لسنة 2001 جنح مستأنف، مشار له عند خاطر لطفي موسوعة حقوق الملكية الفكرية، ص591.
[38] – يحيى محمد حسين راشد الشعيبي، م.س، ص 385.
[39] – علاء عبد القادر القهوجي، الحماية الجنائية لبرامج الحاسب الآلي، الدار الجامعية للطباعة والنشر، سنة 1999، ص47.
[40] – يراجع المادة: 65 من قانون حقوق المؤلف المغربي.
[41] – الفقرة ج من المادة 65 قانون حقق المؤلف المغربي.
[42] – الفقرة د من المادة 65 قانون حقوق المؤلف لمغربي.
[43] – الفقرة و من المادة 65 قانون حقوق المؤلف المغربي.
[44] – يحيى محمد حسين راشد الشبعي ، م.س، ص393.
[45] – الفقرة ن من المادة 65 من حقوق المؤلف المغربي.
[46] – يحيى محمد حسين راشد الشبعي ، م.س، ص397.
[47] – يحيى محمد حسين راشد الشبعي ، م.س، ص399.
[48] – تراجع الفقرة 3 من المادة 64 من قانون حقوق المؤلف المغربي.
[49] – المادة 65 فقرة الأولى قانون المؤلف المغربي.
بقلم ذ مصطفى الفوركي
باحث في قانون الأعمال و المقاولات باحث في صف الدكتوراه كلية العلوم القانونية و جدة
اترك تعليقاً