بعد صدور حكم المحكمة الدستورية العليا فى 25 يوليو 2015 بشأن عدم دستورية اختصاص القضاء العادى بالمنازعات الضريبية التى ظلت تنظرها على مدى نصف قرن من الزمان وصدور حكم سابق منذ 17 إبريل 2013 بذات المبدأ فى شأن ضريبة المبيعات، بعدها بدأ المتقاضون سواء وزارة المالية «مصلحة الضرائب» أو الممولون، يلجأون إلى فضاء مجلس الدولة لنظر المنازعات الضريبية الجديدة، ثم ازداد عدد القضايا مفزعاً بعد أن أحال القضاء العادى كل المنازعات التى كان ينظرها منذ سنوات إلى مجلس الدولة التزاماً بحكم الدستورية، والأكثر فزعاً أن القضايا التى كانت تنظرها محكمة النقض وحكم فيها ابتدائياً واستئنافياً، وأحالتها محكمة النقض إلى مجلس الدولة ليبدأ نظرها من جديد.. وحصاد ذلك كله أن عدد القضايا المكدسة الآن أمام مجلس الدولة تجاوز 5 ملايين قضية دفعة واحدة!.
■ المشكلة أن مجلس الدولة لم يكن مستعداً لاستقبال هذا الكم من القضايا وقد انهالت عليه فجأة ومازالت هذه القضايا حتى الآن لم تقيد بجداول محكمة مجلس الدولة لتحديد جلسات لنظرها حتى ولو كانت فى شقها العاجل أو محالة من دوائر النقض وسبق الحكم فيها ابتدائياً واستئنافياً، إذ مازالت تنظر قضايا الضرائب بأنواعها.. وأيضاً قضايا الجمارك.. والسيارات، دائرة واحدة ومن كان حظه وافراً لحضور جلسة دائرة الثلاثاء وهى الدائرة الوحيدة التى تنظر منازعات الضرائب يذهله أن عدد ملفات القضايا المكدسة أمامها يتجاوز أكثر من خمسمائة قضية فى الجلسة الواحدة!
■ ترتب على ذلك أنه إذا بادر أى من طرفى الخصومة إلى تقديم الطلب لتحديد جلسة ولو لنظر الطلب العاجل تحدد له الدائرة جلسة بعد ثلاثة أشهر على الأقل وعند نظرها فى أول جلسة تؤجل لثلاثة أشهر أخرى.. ببساطة فإن السنة القضائية الواحدة تمضى بجلستين اثنتين لنظر القضية مرة واحدة خلال سنة قضائية كاملة وبعدها تؤجل القضايا للاطلاع.. ثم لتقديم المستندات ثم تحال القضية إلى المفوضين لتحضيرها.. ثم تعود إلى المحكمة مرة أخرى لنظرها.. ثم تحال إلى الخبراء لإبداء الرأى فى مراجعة الأرقام، بالنظر إلى طبيعة المنازعات الضريبية، ثم تأتى بعد الخبراء.. للاطلاع والتعقيب، وإذا حظيت القضية بحسن الحظ وحجزت للحكم قد تعاد المرافعة وإذا حالفها التوفيق وصدر فيها الحكم.. كان قابلاً للطعن! كل هذه المراحل لا تقل مدتها عن عدة سنوات!
■ الأخطر من ذلك أن هذه المراحل تمر كذلك على القضايا التى استقرت أمام مراحل التقاضى بالمحاكم العادية.. حتى وصلت النقض، وبعدما قطعت مشواراًَ طويلاً أمام المحاكم الابتدائية والاستئنافية وصدور أحكام فيها مروراًَ بالخبراء وجلسات التقاضى المطولة، وبأرقام الإحصاء فإن قضايا النقض مازالت تنتظر دورها منذ عام 2003 أى نحو ثلاثة عشر عاماً.. ومصيرها فى النهاية نقض الحكم والإحالة إلى مجلس الدولة للاختصاص، لتبدأ مسيرتها من جديد أمام مجلس الدولة بالمراحل السابقة.. كل ذلك ونحن أمام طعون تتعلق بالمراكز والحقوق المالية سواء حقوق الدولة أو حقوق الممولين، وكلاهما يجب أن يحظى بذات المعاملة والحماية دون تفضيل.
■ وكنت قد كتبت عن هذا الزلزال مرتين فى هذا المكان.. وعن توابعه وعن المشاورات والمداولات التى جرت على استحياء لإيجاد حل، وطالبت بالبحث عن حل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.. ولكن دون جدوى، إذ مازالت الحكاوى على هامش مؤتمرات.. أو ندوات وتنطلق بعدها التصريحات آخرها ما نشر صباح الأحد الماضى خلال حفل سحور نظمته الجمعية المصرية للاستثمار لوزير المالية صرح فى نهاية السحور بأن هناك مشروع قانون للتصالح الضريبى لحل منازعات بـ 50 مليارا ولا أظن أن المشكلة المعروضة كانت فى بال الوزير!.
والآن ما الحل
■ مجلس النواب واللجنة الاقتصادية مدعوون على الفور لبحث جوانب المشكلة المعقدة، والتى تتطلب استصدار تشريع يعالج هذا الموقف إنقاذاً لمراحل التقاضى السابقة والاعتداد بالأحكام القضائية والسوابق، ولو أمام لجان طعن الضرائب أو المحاكم التى تنظرها.. اختصاراً للإجراءات واتباعاً لقاعدة اقتصاد الإجراءات.
■ وأمام الحكومة ووزراء المجموعة الاقصادية ومستشارى مجلس الوزراء.. إعداد مشروع قانون يعتد بإجراءات التقاضى والأحكام السابقة بحيث تلتزم مصلحة الضرائب بتنفيذها استقرارا للمراكز القانونية لأطراف المنازعات الضريبية واحتراما للأحكام القضائية التى صدرت من محاكم الاختصاص وقتئذ وحرصا على الوقت والجهد والمال.
■ كذلك المجلس الخاص لمجلس الدولة الموقر.. وقد صارت القضية فى حوزته وهو قاضى المشروعية يسعى دوماً إلى تحقيق العدالة الناجزة.. لأن هذا الكم الهائل من القضايا سوف يزداد فزعاً.. ولا يمكن لدائرة واحدة أو حتى عدة دوائر، مواجهة هذا الطوفان، كما لا يمكن للإجراءات العادية المقررة بقانون مجلس الدولة من المفوضين والخبراء وجلسات المرافعة.. والطعن.. لا يمكن لهذه الإجراءات، العادية المقررة، أن تواجه هذه الكارثة إلا بتعديل تشريعى لمواجهة هذه الإجراءات، ليحافظ مجلس الدولة على الحقوق وسلامة الإجراءات واحترام الأحكام القضائية التى سبق صدورها، وأصبحت فجأة المحاكم التى أصدرتها غير مختصة بعد أربعين عاماً، لا دخل للمتقاضين فيها، وأن يوازن بين ذلك كله.. وما قضت المحكمة الدستورية وتصنيف القضايا المحالة من محاكم أول درجة أو الاستئناف أو النقض.. وما حدث فيها من أحكام، وما لم يصدر خاصة وأن القاضى الإدارى هو المشرع فى بعض الأحوال عن طريق ابتداع الحلول.. وقواعد التفسير.
■ فهل نسمع قريباً عن كيفية مواجهة هذه الكارثة قبل فوات الأوان.. ولا يكفى أن نسمع حوارات أو تصريحات على هامش الاحتفالات أو المؤتمرات الدعائية.. لكن علينا أن نشاهد فى الواقع إجراءات عملية ونتوقف عن غسل يدينا.. ونقول هذا ذنب النصوص! أو حتى ذنب الأحكام ولو كانت صادرة من المحكمة الدستورية والتى كان عليها أن تحدد موعداً لسريان حكمها فى المستقبل ودون أثر رجعى!.
الدكتور شوقي السيد
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً