الجمعيات المهنية والمدنية والدفاع عن استقلال القضاء
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
بقلم ذ عبد اللطيف الشنتوف
دكتور في الحقوق رئيس المرصد الوطني لاستقلال السلطة القضائية
تحت عدد: 93
إنشاء التجمعات القضائية هدفه الأسمى حماية استقلال القاضي
في نظرة مقارنة، يرى المستشار طارق البشري القاضي المعروف في مصر، عند حديثه عن طبيعة نادي قضاة مصر كجمعية قضائية مهنية، أنه : ( ليس مجرد ناد اجتماعي ييسر لأعضائه الخدمات الاجتماعية والثقافية، وهو أيضا ليس شأنه فقط كشأن النقابات التي تتكون لتدافع عن حقوق العاملين المنضمين إليها، وهو كذلك ليس شأنه فقط كشأن باقي النقابات المهنية التي تقوم لرعاية أصول المهنة بين الممارسين لها وتحمي مستواها العلمي والفني. إن نادي القضاة كل ذلك شيء آخر أهم، إنه الهيأة المشخصة لما يمكن أن نسميه «بالجماعة القضائية «في عمومها والجامعة للقضاة).
ب) في المفهوم العالمي لاستقلال السلطة القضائية.
يتحدد مفهوم استقلال السلطة القضائية وفق الأعراف والمواثيق المتعارف عليها عالميا في مجموعة من المبادئ، تؤدي جميعها إلى أن يكون في مقدرة القاضي، ” ممارسة سلطاته القضائية بحرية وبمنأى عن الضغوط الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وبشكل مستقل عن باقي القضاة والإدارة القضائية، طبقا للمادة الثانية من الميثاق العالمي للقضاة والذي وافق عليه المجلس المركزي للاتحاد الدولي للقضاة في نونمبر 1999″.
وحددت مبادئ «بانغالور» المعروفة عالميا والمحددة للسلوك الواجب اتباعه من طرف القضاة للحفاظ على استقلالهم الفردي والمؤسساتي ،ما يلي :
-أن يمارس القاضي وظيفته باستقلال على أساس تقديره للواقع ووفق ما يمليه عليه ضميره وفهمه للقانون، بدون مؤثرات خارجية أو إغراءات أو ضغوط أو تهديدات أو تدخلات مباشرة كانت أو غير مباشرة من أي جهة كانت أو لأي سبب.
-أن يكون مستقلا في علاقته بالمجتمع عامة وبأطراف النزاع الذي يفصل فيه على وجه الخصوص .
– أن يكون مستقلا عن زملائه عند أداء مهامه القضائية.
-أن يظهر مستويات عالية لمعايير السلوك القضائي من أجل تعزيز ثقة الجمهور في النظام القضائي والتي تعتبر أساسية لصيانة استقلال القضاء.
كما أن استقلال القضاة لا يقف عند هذا الحد، بل يمتد إلى علاقة القضاة ببعضهم البعض، سواء كانوا يزاولون عملهم في إطار القضاء الواقف أو الجالس، وهو ما كرسته توصية المجلس الأوربي رقم 19 لسنة 2000 الخاصة باللجنة الوزارية للدول الأعضاء، بشأن دور النيابة العامة في نظام العدالة الجنائية والتي تنص على أنه «يجب على أعضاء النيابة العامة مراعاة استقلال القضاة ونزاهتهم، وعليهم بصفة خاصة ألا يلقوا بالشك حول الأحكام القضائية، أو يعيقوا تنفيذها، إلا عند ممارستهم لحق الاستئناف أو تطبيق إجراءات علنية أخرى « .
ثانيا : المؤيدات المكرسة لدور الجمعيات المهنية والمدنية في الدفاع عن استقلال القضاء
من المبادئ المسلم بها في أنظمة تسيير الشأن العام الحديثة، أن المجتمع المدني المتكتل في جمعيات، له دور كبير في الدفاع عن المبادئ والأفكار التي يؤمن بها هذا المجتمع، سواء صاغها في شكل قانون أو بقيت مجرد مبادئ، وطبعا فإن الجمعيات المدنية المهتمة بالشأن القضائي، لا تشذ عن هذه القاعدة، إذ تعمل على تحقيق أهدافها بعدة وسائل منها ما هو توعوي ومنها ما يتعلق برصد الحالات المخلة باستقلال القضاء وغير ذلك، وهو دور رقابي يساعد المؤسسات على مزيد من الضبط والاحتياط.
لكن دور المجتمع المدني مهما كان هاما، فإنه في بعض الحالات قد يغفل تفاصيل دقيقة من الممارسة القضائية المتعلقة باستقلال القضاء، إما في عملية الرصد أو في اقتراح الحلول لبعض الإشكالات العملية، وهو ما تقوم به الجمعيات المهنية الخاصة بالقضاة، كإطارات تدافع عن الاستقلال الذاتي للقضاة في إطار تحقيق نوع من التوازن بين القانون والممارسة الجمعوية المدنية في سبيل تحقيق أو حماية استقلال القضاء المنشود.
والدفاع عن الاستقلال الذاتي للقضاة هو الهدف الأهم من إنشاء هذه التكتلات القضائية، وإن كان ليس هو الوحيد، حيث نصت في هذا الإطار مجموعة المبادئ الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة سنة 1985 في بندها 9 على أن :»للقضاة حرية تشكيل جمعيات، أو منظمات أخرى، والانضمام إلى تلك الجمعيات أو المنظمات التي تمثل مصالحهم وتعزز تدريبهم المهني وتحمي استقلال السلطة القضائية « .
يتبن إذن، أن الهدف من إنشاء التجمعات القضائية ليس فقط تعزيز الانتماء الفئوي والدفاع عن المصالح الضيقة المرتبطة بهذا الانتماء بل الهدف الأسمى هو حماية استقلال القاضي بشكل ذاتي أولا، مع العلم أن هذا الاستقلال كما هو معلوم ليس امتيازا للقضاة، وإنما امتياز للمتقاضي المحتمل أي المجتمع وكثير من القضاة في المشرق والمغرب، ضحوا من أجل هذا المبدأ وأدوا ثمنه غاليا، إذن هي تضحية من أجل الغير بشكل عام وإن كان القاضي هو أيضا متقاض محتمل.
لكن السؤال الذي يمكننا طرحة بشأن استقلال القضاء هو: هل يكون هذا الاستقلال دائم التهديد فقط من السلطات الأخرى داخل الدولة، خاصة التنفيذية منها وكذا مجموعة الضغط الاقتصادية والاجتماعية والإعلامية؟
الواقع أن الدراسات المهتمة باستقلالية القضاء، تذهب إلى أن الاستقلالية الداخلية للقضاء المتمثلة في الاستقلال عن جماعات النفوذ داخل الجسم القضائي الذين تطلق عليهم هذه الدراسات جماعات الكبار، لا تقل أهمية عن الاستقلال الخارجي للقضاء، بل إنه من الطرائف أن نجد أن بعض التكتلات القضائية عبر العالم وخاصة الشبابية منها، نشأت كرد فعل على هذا النفوذ الداخلي. وهكذا نشأت نقابة القضاة في فرنسا بمبادرة من القضاة الشباب وخاصة خريجي المدرسة الوطنية للقضاء بفرنسا وكذلك الأمر بالنسبة إلى جمعية القضاة الإيطاليين، حيث يذهب الأستاذAntoine VAUCHEZ إلى أن التجمع القضائي شكل ” أداة فضلى في نقض مبدأ الهرمية داخل القضاء، وذلك حين أشهرت مجموعة من القضاة الشباب داخل جمعية القضاة مبدأ “صوت لكل قاض ” في الانتخابات والقرارات المتصلة بأعمال الجمعية ” بل إن بعض الدساتير الأوربية ونتيجة لهيمنة كبار القضاة على إخوانهم تضمنت مبدأ جاء فيه بأن :”القضاة لا يتمايزون فيما بينهم إلا من حيث وظائفهم”.
بقلم ذ عبد اللطيف الشنتوف
دكتور في الحقوق رئيس المرصد الوطني لاستقلال السلطة القضائية
اترك تعليقاً