بقلم ذ محمد فجار
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
نقيب سابق لهيأة المحامين بالجديدة
أتى مشروع قانون المسطرة المدنية بحل لعدد من الإشكالات العملية التي كانت تعترض أطراف مسطرة الحجز لدى الغير في العديد من مراحلها، وذلك بهدف تبسيط هذه المسطرة وتحقيق النجاعة، من ناحية، وبغاية توفير ضمانات لكل طرف من أطرافها، من ناحية أخرى.
وهكذا فإن الملاحظ عليه بالنسبة إلى الحالة الأولى أنه أحدث ميزا واضحا وجليا بين مسطرة الحجز لدى الغير التي تتم تأسيسا على سند تنفيذي، وتلك التي تنبني فقط على مجرد أمر صادر عن رئس المحكمة؛ فنص في المادة 518 منه على أن الحجز إذا تم إيقاعه بناء على سند تنفيذي ولم تكن هنالك أية منازعة بشأنه بين الأطراف فإنه يكون على المحجوز لديه أن يسلم المبالغ المحجوزة بعد انصرام أجل الثلاثين يوما الموالية للتصريح، مع إمكانية تسليم المبالغ المحجوزة للدائن في هذه الحالة، حتى قبل انصرام أجل الثلاثين يوما، إذا صرح المحجوز عليه بأنه لا يرغب في المنازعة.
ولكن ذلك مقيد بأن يتم هذا التصريح بعدم توفر هذه الرغبة لديه في المنازعة كتابة. أما إذا حصلت المنازعة فيه من قبل المحجوز عليه، فإنه يكون عليه إشعار المحجوز لديه بذلك داخل أجل ثلاثين يوما. وفي هذه الحالة، يبت قاضي التنفيذ المختص في هذه المنازعة المقدمة إليه بأمر غير قابل لأي طعن.
كما أن المسجل عليه بالنسبة إلى الحالة الثانية، أنه جاء بعدة ضمانات لأطراف العلاقة وحتى بالنسبة إلى الدائنين الآخرين، تهدف إلى حمايتهم مما قد تتعرض له مصالحهم من ضرر بسبب مفاجأتهم بهذه المسطرة أو بسبب إجراءاتها رغم علمهم بذلك. ومن هذه الضمانات على سبيل المثال:
أ- ما ورد النص عليه في المادة 514 من المشروع من أن تحويل وحجز المبالغ المستحقة لمقاولين أو من رسا عليهم مزاد أعمال لها صفة الأشغال العمومية، لا يكون له أي أثر إلا بعد استلام هذه الأشغال وبعد خصم جميع المبالغ المستحقة لمن أتى ذكرهم في هذه المادة وحسب ترتيبهم، وهم:
– العمال والمستخدمون من أجل أجورهم أو من أجل تعويض عن عطلة مؤدى عنها أو تعويض مقابل لها بسبب تلك الأشغال؛
– المزودون بالمواد والأشياء الأخرى التي استخدمت في إتمام الأشغال التي تستحق عنها المبالغ؛
ب- ما منحه المشروع للدائن بمقتضى المادة 515 منه، من إمكانية أن يوقع الحجز بين يديه على ما يكون مدينا به لغيره، وهي حالة لم تكن تشملها المقتضيات المنظمة لمسطرة الحجز لدى الغير الواردة في قانون المسطرة المدنية الحالية، ربما بسبب الالتباس الذي كان يحدث في صفة الدائن عندما يكون الأخير في نفس الوقت طالبا للحجز ومحجوزا بين يديه، حيث كان القضاء يجد عنتا كبيرا في محاولة تطبيق مقتضيات الفصل 291 من قانون الالتزامات والعقود المتعلقة بحق الحبس عليها؛
ت- ما أوجبه واضع المشروع على المكلفين بإجراءات الحجز في المادة 516 منه من ضرورة تضمين محاضر الحجز عدة بيانات أساسية، من جملتها بيان تاريخ وساعة تحرير محضر الحجز وأسماء أطراف الحجز لدى الغير وبيان المبلغ المحجوز من أجله وفوائده والمصاريف وتنبيه المحجوز لديه إلى عدم الوفاء بما في يده إلى المحجوز عليه أو تسليمه إياه، وتكليفه بالتصريح بما في ذمته في حدود مبلغ الحجز داخل أجل ثمانية أيام من حصول التبليغ، ووجوب أن يرفق محضر الحجز بصورة من السند التنفيذي أو الأمر الذي تم إيقاع الحجز لدى الغير بمقتضاه، وأن يبلغ هذا المحضر فورا إلى المحجوز لديه؛
ث- وجوب تحرير محضر جديد بسعي من طالب الحجز، في حالة عدم إدلاء المحجوز لديه داخل أجل الثمانية أيام الموالية للتبليغ بالتصريح الذي ينبغي أن يكون مرفقا بالوثائق المثبتة أو النافية للمديونية. وينبغي أن يضمن المكلف بالتنفيذ في هذا المحضر تصريح المحجوز لديه وإنذاره في حال تعذر ذلك بالقيام بالتصريح داخل أجل ثلاثة أيام من تاريخ الإنذار تحت طائلة الحكم عليه بأداء المبلغ المحجوز من أجله، مع إعفاء المحجوز لديه من هذا التصريح في حالتين، هما: حالة ما إذا أودع المحجوز عليه بصندوق المحكمة مبلغا يقدره رئيس المحكمة أو مبلغا مساويا للدين المحجوز من أجله ويخصص للوفاء بدين الحاجز الذي أوقع حجزه قبل الإيداع؛ وحالة ما إذا قام المحجوز لديه تلقائيا أو بناء على طلب المحجوز عليه بإيداع ما في ذمته بصندوق المحكمة؛
ج- النص في المادة 520 منه على إمكانية طلب المحجوز عليه من رئيس المحكمة إذنا بتسلم مبالغ من المحجوز لديه رغم التعرض تحت شرطين اثنين، أولهما أن يودع بكتابة الضبط أو لدى شخص معين، باتفاق الأطراف، مبلغا كافيا يحدده الرئيس لتسديد أسباب الحجز لدى الغير احتماليا؛ وثانيهما أن يقر المحكوم عليه بالدين أو يثبت الدين عليه؛
ح- النص في المادة 521 منه على عدم جواز أن يمتد الحجز لدى الغير إلى أكثر مما هو ضروري لضمان الوفاء بالدين، وإعطاؤه في المادة 521 منه للمحجوز عليه إمكانية أن يتقدم إلى رئيس المحكمة بطلب من أجل قصر الحجز فقط على الأموال التي تحقق هذه الغاية؛
• بالنسبة إلى البيوع والحجوز العقارية: سوّى المشروع بين مسطرة البيوع العقارية (كما هو الحال، مثلا، بالنسبة إلى بيع عقارات المحجورين وبيع العقارات المحكوم بقسمتها..) ومسطرة الحجوز العقارية التي يتم فيها بيع عقارات المحجوز عليهم جبرا عليهم بعد تعذر التنفيذ على منقولاتهم أو عند عدم كفايتها عدا إذا توفرت الاستثناءات التي ورد عليها النص في المادة 631 من المشروع، فجعلها تخضع في جل مقتضياتها لنفس الإجراءات، بما فيها إعادة السمسرة من جديد إذا تقدم شخص داخل أجل عشرة أيام من تاريخ السمسرة بتقديم عرض بالزيادة على ما رسا عليه المزاد يفوق بمقدار عشر ثمن البيع الأصلي والمصاريف وقام بإيداع مبلغ العشر هذا بصندوق المحكمة نقدا أو بشيك معتمد (الفقرة 8 من المادة 231 والفقرة 1 من المادة 649 من المشروع)، بعد أن كان تطبيق هذا المقتضى في ظل قانون المسطرة المدنية الحالية ينحصر في مسطرة الحجوز العقارية وحدها دون مسطرة البيوع العقارية، ومبلغ الزيادة منحصرا في السدس فقط (الفقرة 1 من الفصل 479 من قانون المسطرة المدنية الحالية).
كما أنه حذف ذلك المقتضى الوارد بالفقرة الأخيرة من الفصل 477 من قانون المسطرة المدنية الحالية الذي كان يمنح الحق للمشارك في السمسرة الذي رسا عليه المزاد في أن يصرح، خلال ثمان وأربعين ساعة من إجرائها، بأنه مزايد عن الغير، لما كان يثيره هذا المقتضى من مشاكل في العمل عندما كانت تتحول الجلسة التي ينعقد فيها المزاد العلني من السمسرة بمفهومها القانوني الصحيح إلى السمسرة بمدلولها العامي غير الأخلاقي.
• بالنسبة إلى الحجز التنفيذي، قام المشروع لأول مرة بتنظيم مؤسسة قاضي التنفيذ، وذلك بإعطائها صلاحيات إدارية وقضائية واسعة في مجال التنفيذ:
فمن الصلاحيات الإدارية أنه أصبح يقوم مقام رئيس كتابة الضبط في تلقي طلبات تنفيذ الأحكام وفي الإشراف على سير إجراءات تنفيذها من أول مسطرة التنفيذ إلى آخرها؛
ومن صلاحياته القضائية أن كل الاختصاصات التي كانت تعود إلى السادة رؤساء المحاكم الابتدائية في مجال التنفيذ قد تحولت إليه وأصبحت من صميم اختصاصه، ومن ذلك مثلا:
– اختصاصه بالبت في جميع الصعوبات في التنفيذ، سواء كانت ذات طبيعة وقتية أو صعوبات مادية (المادتان 568 و569 من المشروع)؛
– والإمكانية المعطاة له لإصدار أوامر بناء على طلب أو تلقائيا بغرامة تهديدية على المنفذ عليه، إن لم تكن محددة سلفا في السند التنفيذي (المادة 560 من المشروع)، وذلك على مجرد امتناعه عن تنفيذ الحكم، وفي جميع الأحوال ودون أن يشترط أن يكون هذا الامتناع منصبا على القيام بعمل أو على الامتناع عن عمل يتطلب التدخل الشخصي من قبل المحكوم عليه للقيام به، كما هو جار به العمل في ظل قانون المسطرة المدنية الحالي (الفصل 448 منه)؛
– وإعطاؤه إمكانية إصدار أوامر بالتحري والبحث عن الأشياء المعينة بالذات المحكوم على المحكوم عليه بتسليمها بجميع الطرق (المادة 562 من المشروع)، وإمكانية القيام بذلك في حالة تنفيذ حكم أو قرار أو أمر صادر بحضانة الولد أو تسليمه إلى من له الحق فيه أو بالزيارة أو بصلة الرحم، ولو أدى ذلك إلى الاستعانة بالقوة العمومية ودخول المنزل، مع جواز إعادة التنفيذ كلما اقتضى الأمر ذلك (المادة 563 منه) أو لمعرفة المنقولات التي يملكها المنفذ عليه (الفقرة 2 من المادة 577 منه)؛
– منحه الصلاحية لأن يتخذ بمقتضى أوامر جميع الإجراءات والأعمال التي تقتضيها عملية التنفيذ، بما في ذلك الأمر تلقائيا بفتح أبواب المحلات والمنازل والغرف وكذا الأثاث في حدود ما تقتضيه مصلحة التنفيذ (المادة 566 من المشروع)، وعددا آخر من الأوامر كحالة الأمر بوقف التنفيذ مؤقتا مع إيداع المبلغ المعروض المتنازع فيه أو مبلغ أكبر منه يحدده المنصوص عليها في المادة 572 من المشروع، والحكم على طالب الصعوبة، في حالة رفض طلبه، بأن يؤدي لفائدة الخزينة غرامة لا تقل عن 1.000 درهم ولا تزيد على 5.000 درهم (المادة 573 منه)، والأمر بتقرير أجر للحراسة يؤخذ بامتياز من حصيلة بيع المنقول إذا كان الحارس غير منفذ عليه (المادة 599 من المشروع )، وتحديد الثمن الافتتاحي للمزاد العلني استنادا إلى خبرة تقدر قيمة كل عنصر من عناصر الأصل التجاري وكذا الشروط الأساسية للبيع (المادة 625 من المشروع)، وأمر المحافظ العقاري بتسليم شهادة ملكية أو نسخة من المستندات الموضوعة المعززة لمطلب التحفيظ حسب الأحوال إذا صرح المنفذ عليه بفقدان رسم الملكية أو بعدم توفره عليه وتعلق الأمر بعقار محفظ أو في طور التحفيظ (الفقرة 3 من المادة 635 من المشروع)،
والبت في التعرضات على دفتر شروط البيع العقاري (المادة 642 من المشروع)، وإمكانية تحديد ثمن افتتاحي جديد تلقائيا أو بناء على طلب كل ذي مصلحة استنادا إلى تقرير خبير مختص إذا ما انصرمت سنة على تاريخ تحديد الثمن الافتتاحي دون أن يقع البيع (الفقرة الأخيرة من المادة 643 من المشروع)، وتغيير التاريخ المحدد للمزاد (المادة 648 من المشروع)، وإمكانية إيقاف إجراءات البيع العقاري بمناسبة رفع الغير دعوى استحقاق العقار المحجوز (الفقرة 2 من المادة 652 من المشروع)، والبت في دعوى بطلان إجراءات الحجز العقاري (الفقرة 1 من المادة 653 من المشروع)، وإعداد مشروع التوزيع الحبي (المادة 661 من المشروع).
بقلم ذ محمد فجار
نقيب سابق لهيأة المحامين بالجديدة
اترك تعليقاً