أبحاث قانونية حول التعاونيات السكنية ومساهمتها في تمويل السكن

بقلم ذ سعيد الوردي

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

دكتور في الحقوق
تحت عدد: 46
نشأ التعاون الطبيعي مع ولادة الإنسان وشعوره بالحاجة لأخيه الإنسان[1]، لأن قدرة الإنسان الواحد تبقى قاصرة عن تحقيق كل غاياته ومتطلباته لذا يجد نفسه مدفوعا للاستعانة بأبناء جنسه لتحقيق مآربه. فالتعاون أمرا مطلوبا بين الأفراد لبناء المجتمع الأفضل والحصول على الحاجات الإنسانية بأقل جهد وأوفر كلفة[2].

ونظرا لأهمية التعاون وغاياته النبيلة فقد دعا إليه الإسلام[3] وحث عليه من خلال قوله تعالى:”وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان”[4]. فالتعاون من أجل تحقيق الغايات المشروعة هو أمر مطلوب من الناحية الشرعية لذا نجد الدين الإسلامي يوصي به ويحث عليه كما أن الأمة الإسلامية دأبت على تنفيذ هذه التوجهات كما يشهد بذلك تاريخها من خلال ما هو معلوم في تقاليدنا من بعض المفاهيم كالتويزة،أدوال،و أكادير[5].

أما في العصر الحديث فالتعاون لم يظهر إلا بعدما تطور العلم والمعرفة واستخدمهما الإنسان في تطوير وسائل الإنتاج واستخدام الآلة على نطاق واسع وزيادة الإنتاج وظهور الثورة الصناعية الكبرى مما دفع بأصحاب أنوال النسيج اليدوية إلى الاجتماع والقراءة والإطلاع ليجدوا في آراء روبرت أوين التعاونية[6] سبيلا لتنظيم علاقاتهم وجمع مدخراتهم من خلال أول جمعية تعاونية أطلق عليها رواد روتشدال. لتنتشر بعد ذلك التعاونيات في مختلف البلدان الأوربية وفي مختلف النشاطات الإقتصادية والإجتماعية مما نتج عنه نقل الاهتمام بالتعاون من الإطار الوطني إلى الإطار الدولي بتأسيس التحالف التعاوني الدولي بلندن عام 1895 .[7]

ونظرا لما حققه التعاون من نتائج إيجابية فقد أصدرت الأمم المتحدة القرار رقم 47/50 بتاريخ 19 دجنبر 1992 بعنوان:”دور التعاونيات في ضوء الاتجاهات الاقتصادية والاجتماعية الجديدة”، والذي تضمن إعلان أول يوم سبت من شهر يوليوز من كل سنة يوما عالميا للتعاونيات ليضاف إلى لائحة الأيام الرسمية التي تحتفل بها الأمم المتحدة، كما دعا إلى تشجيع الحكومات على إشراك التعاونيات في حل المشاكل الإقتصادية والإجتماعية المطروحة على المستوى المحلي.

والمغرب بحكم عضويته في منظمة الأمم المتحدة، وفي الحلف التعاوني الدولي وبحكم تفاعله مع محيطه ومواكبته للمستجدات فقد انخرط في تشجيع العمل التعاوني وحقق بذلك نتائج لابأس بها حيث عرفت الحركة التعاونية تطورا متزايدا بفضل العمليات المنجزة من طرف مكتب تنمية التعاون بتنسيق مع مختلف المتدخلين وبدعم من الدولة من خلال المشاريع الكبرى المجتمعية والقطاعية، وقد انعكس ذلك بشكل إيجابي على عدد التعاونيات حيث بلغت نسبة نمو هذه الأخيرة في الفترة ما بين شهر يوليوز 2005 ويوليوز 2013 142%. وأصبح النسيج التعاوني المغربي يتكون من 11.492 تعاونية واتحاد تعاوني تضم 432.975 متعاون ومتعاونة (31 يوليوز2013)، وتتوزع على 22 قطاع و 117 نوع من النشاط. ويتميز بهيمنة ثلاثة قطاعات هي : الفلاحة ب 66,4 % ، الصناعة التقليدية ب 14% ، والسكن ب 9,5 % من مجموع هذه التعاونيات.[8]

وقد تنوعت مجالات تدخل التعاونيات لتشمل مختلف القطاعات بما فيها قطاع السكن الذي كان يعاني من أزمة خانقة، كما أن الإطار القانوني للتعاونيات قد عرف عدة تطورات لمسايرة المستجدات التي يعرفها العصر. فما هو إذن الإطار القانوني للتعاونيات السكنية – المطلب الأول – وما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه هذه التعاونيات في مساعدة المواطنين على تمويل السكن – المطلب الثاني-

المطلب الأول : النظام القانوني للتعاونيات السكنية بالمغرب

بدأ اهتمام المشرع المغربي بتنظيم التعاونيات منذ سنة 1922 حيث صدر أول ظهير يتعلق بإحداث شركات التعاونية للاستهلاك، ثم تلته بعد ذلك ظهائر أخرى ترمي كلها إلى تنظيم تأسيس التعاونيات الفلاحية، وفي سنة 1961 صدر ظهير يتعلق بالقرض الشعبي، وتلاه سنة 1968 مرسوم بمثابة قانون يتعلق بالقرض العقاري والقرض الخاص بالبناء والقرض الفندقي، وقد توجت هذه الحلقة التشريعية بصدور القانون رقم 83-24 المتعلق بتحديد النظام الأساسي العام للتعاونيات ومهام مكتب تنمية التعاون [9] الذي غير وتمم بالظهير الشريف المعتبر بمثابة قانون رقم 166-93-1.[10]

ومن خلال قراءة متمعنة في هذه النصوص القانونية، نجد بان المشرع المغربي لم يخص التعاونيات السكنية بنظام خاص، بل تخضع من حيث المبدأ للمبادئ العامة للتعاونيات، وتنفرد أحيانا ببعض الأحكام الخاصة التي نستشفها من نصوص أخرى.

فمن حيث المبادئ العامة للتعاونيات فقد نظمها المشرع في الباب الأول من القانون رقم 83-24 حيث عرف التعاونية بأنها “جماعة تتألف من أشخاص طبيعيين اتفقوا أن ينضم بعضهم إلى بعض لإنشاء مشروع يكون الغرض منه أن يتيح لهم وحدهم الحصول على المنتجات والخدمات التي هم في حاجة إليها، وللقيام بتسييره وإدارته وفق المبادئ الأساسية لبلوغ الأهداف المحددة في القانون”.[11]

أما المبادئ الأساسية فيمكن تحديدها في ضوء الفصل الثاني من القانون المذكور في :

– مبدأ الباب المفتوح في وجه جميع الأشخاص؛

– مبدأ الديمقراطية القائم على المساواة بين المتعاونين مهما بلغت الحصص التي يملكونها؛

– مبدأ القسمة حسب النشاط المقدم للتعاونية؛

– مبدأ عدم مكافأة رأس المال، وإذا تقررت المكافأة وجب أن تكون الفائدة محددة؛

– مبدأ المشاركة الفعلية في تنمية التعاونية؛

– مبدأ التضامن بين التعاونيات.

أما الأهداف فهي تلك التي نص عليها الفصل الثالث من القانون رقم 83-24 بقوله تمارس التعاونيات أعمالها في جميع فروع النشاط الإنساني مستهدفة أساسا:

– تحسين الوضعية الإقتصادية والإجتماعية لأعضائها؛

– تشجيع الروح التعاونية لدى هؤلاء الأعضاء؛

– القيام لفائدة أعضائها وبفضل جهودهم المشتركة بتخفيض ثمن التكلفة وكذا ثمن بيع بعض المنتجات أو الخدمات إن اقتضى الحال ذلك؛

– تحسين جودة المنتجات التي تقدمها إلى أعضائها أو ينتجها هؤلاء لبيعها للمستهلكين؛

– تنمية إنتاج أعضائها ورفع قيمته إلى أقصى حد.

وهكذا يتضح من خلال هذه الأهداف أن التعاونيات تعمل على تحسين الوضعية الإقتصادية والإجتماعية لأعضائها لتمكينهم من الخدمات والمنتجات بثمن يقل عن سعر السوق.

ومن حيث التأسيس فالتعاونيات السكنية تخضع للمبادئ العامة المتعلقة بشكليات الترخيص والتأسيس الواردة في الفصول من 7 إلى 86 من القانون رقم 83-24، وللمرسوم الملكي بمثابة قانون رقم 67-552 بتاريخ 17 دجنبر 1968 المتعلق بالقرض العقاري الخاص بالبناء والقرض الفندقي، ولقرار وزير المالية الصادر بنفس التاريخ.كما تخضع كذلك في تكوينها للتشريع المتعلق بالشركات ولبعض مبادئ ظهير الحريات العامة لسنة 1959 كما وقع تغييره وتتميمه وإلى أحكام بعض فصول قانون الالتزامات والعقود وإلى بعض قوانين المالية وبعض أحكام فصول المسطرة المدنية والقانون الجنائي وغيرها من القوانين التي يمكن الرجوع إليها كلما دعت الضرورة لذلك[12].

إذن كانت هذه هي المبادئ العامة التي تخضع لها التعاونيات السكنية مثلها في ذلك مثل باقي التعاونيات الأخرى، فماذا إذن عن الأحكام الخاصة التي تنفرد بها التعاونيات السكنية؟

تخضع التعاونيات السكنية لبعض الأحكام الخاصة تميزها عن باقي أنواع التعاونيات الأخرى نص عليها بصفة خاصة المرسوم الملكي بمثابة قانون رقم 67-552 ترتبط في جزء منها بشروط الانخراط وفي جزء آخر برأس المال وشروط التخلي عن الملكية.

فبالنسبة لشروط الانخراط حددتها المادة 43 من المرسوم المذكور فيما يلي:

– أن يكون المنخرط شخصا ذاتيا؛

– أن يكون المنخرط مقيما بالمغرب وقاطنا فيه؛

– أن لا يكون المنخرط متوفرا في المدينة المؤسسة فيها التعاونية السكنية على مكان ملائم لسكناه؛

– أن لا يكون المنخرط منخرطا في شركة تعاونية أخرى للسكنى.

وهكذا يتضح أن المشرع قد وضع مجموعة من الشروط لا بد من توفرها في الشخص الذي يرغب في الانخراط في إحدى التعاونيات السكنية، وهي كلها شروطا تهدف إلى ضمان تحقيق الغاية من العملية التعاونية وهي تمكين المتعاونين من حقهم في السكن اللائق دون أن تحيد بها إلى تحقيق أغراض أخرى كالمضاربة وتحقيق الربح. لذا حصر المشرع الانخراط في الأشخاص الذاتيين لأنهم هم أصحاب الحاجة إلى السكن وذوو الحق فيه، وأقرنه بالإقامة بالمغرب والسكن فيه لأن المواطنين القاطنين بالمغرب هم الذين في حاجة ماسة إلى السكن أكثر من غيرهم، وهذا الغير إن احتاج إلى السكن بالمغرب فسيحتاج إلى سكن ثانوي وليس للسكن الرئيسي الذي يستوجب الدعم،

ثم يجب على المنخرط ألا يكون متوفرا على سكن ملائم في المدينة التي أسست بها التعاونية السكنية وهو شرط ضروري لكي لا يفتح الباب في وجه جميع الأشخاص الراغبين في الحصول على سكن للانخراط في التعاونيات والاستفادة من امتيازاتها لأن هذا الحق يجب أن يبقى قاصرا على من لا سكن له، على الأقل بالمدينة التي توجد بها التعاونية، وهو أمر محمود لأنه قد يتوفر الشخص على سكن بمدينة أخرى لكن ظروف عمله أو اعتباراته الصحية تفرض عليه الاقامة بالمدينة التي توجد بها التعاونية ويجب أن لا يتم حرمانه من هذا الحق . وحتى لايفتح الباب أمام المضاربين لتعقب التعاونيات السكنية بمختلف المدن والانخراط فيها أورد المشرع الشرط الأخير وهو أن لا يكون المنخرط قد سبق له أن انخرط في تعاونية أخرى للسكن وأورده مطلقا دون أن يقيده بالمدينة التي يسكن فيها، بمعنى أن حق الاستفادة من خدمات التعاونيات السكنية يتم مرة واحدة فقط بالنسبة لأي شخص.

أما بالنسبة لرأس المال فقد حدده المشرع وفقا لمعيارين أولهما وهو أنه يجب ألا يقل عن 20000 درهم وثانيهما أنه يجب أن يعادل على الأقل وفي جميع الحالات القيمة العقارية الإجمالية للبنايات المنوي إنجازها، ويجب أن يدفع عند الاكتتاب على الأقل العشر منه.[13] وهو تحديد منتقد في جزئه الأول لأن هذه القيمة أصبحت في الوقت الحالي لا تساوي شيئا، لكن المعيار الثاني يخفف من حدة هذا الانتقاد لأنه ورد بصيغة مرنة صالحة لكل وقت وزمان. كما أن المشرع أحسن صنعا عندما اشترط تسديد العشر من رأس المال عند الاكتتاب حتى تتمكن التعاونية من شراء الأرض والشروع في البناء لأن هذا الأخير لا يمكن أن يتم إلا إذا توفرت التعاونية على الموارد المالية اللازمة لهذا الغرض المتوصل بها من الأعضاء المكتتبين والقروض المحصل عليها من طرف مؤسسات القرض المختصة .[14]

أما فيما يخص التخلي عن الملكية التامة لأماكن السكنى فلا يتم إلا بعد أداء جميع الأسهم المكتتب بها من لدن جميع الشركاء المستفيدين من برنامج بناء مشترك ينجز بواسطة سلف واحد. وعندما يطلب الشركاء الحصول على رسم ملكية مستقل، تلغى أسهمهم ويصبحون بهذه الكيفية غير منتمين إلى الشركة التعاونية ولا تجوز لهم المطالبة بأي قسط من مدخر الشركة.[15] وحسب المادة 49 من المرسوم المذكور فإنه لا يسوغ التخلي عن أماكن السكنى إلا للمساهمين الذين يتوفرون على عدد من الأسهم يمثل قيمة اسمية تساوي على الأقل ثمن التخلي عن المكان. وإذا لم تؤد الأسهم بتمامها فإن التخلي لا يمكن إنجازه إلا بواسطة البيع عن طريق الكراء، ولا يصبح البيع نهائيا إلا بعد أداء جميع الأسهم المكتتب بها، وجميع العقود التي تبرم خلافا لذلك تكون ملغاة بحكم القانون.

يتضح إذن من خلال هذه النظرة الموجزة حول النظام القانوني للتعاونيات السكنية بالمغرب ان المشرع لم يعط أهمية كبيرة لهذا النوع من التعاونيات إذ لم يخصها بنظام قانوني خاص وحديث على خلاف ما فعلته بعض التشريعات العربية كالتشريع السوري مثلا[16]. وذلك على الرغم من الدور المهم الذي تلعبه في التخفيف من أزمة السكن وتيسير سبل تمويله.

المطلب الثاني : دور التعاونيات السكنية في المساعدة على تمويل السكن والاكراهات التي تواجهها

في إطار المجهودات المبذولة من طرف الحكومة ، ومن أجل الرفع من مستوى العرض السكني وتنويعه قصد تناسبه مع الطلب من جهة، والسماح لمختلف الشرائح الاجتماعية بالولوج إلى ملكية السكن اللائق من جهة أخرى، أعطيت عناية خاصة للتعاونيات السكنية [17] نظرا للامتيازات المتعددة التي تتوفر عليها وللدور الفعال الذي تلعبه في مساعدة الأسرة على تدليل الصعاب المالية التي تعترضها أثناء الولوج للسكن اللائق.

فالتعاونية السكنية تسهل للفرد بلوغ الأهداف التي لا يمكنه بلوغها لوحده إلا بعد معاناة كبيرة، وذلك نابع من الامتيازات التي توفرها التعاونيات السكنية لمنخرطيها ولا سيما على مستوى التمويل، حيث ينخفض ثمن الشقة لأن التعاونية توفر السكن بثمن التكلفة، وهذا الأخير ينخفض بشكل كبير لدى التعاونيات نظرا للامتيازات التي يوفرها لها القانون خصوصا فيما يتعلق بالإعفاءات الجبائية، الشيء الذي يجعل تكلفة انتاج الشقة السكنية أقل بكثير من تلك التي ينتجها المنعش العقاري [18]، لأن القانون رقم 24/83 يعفي التعاونيات من الضرائب المباشرة وغير المباشرة حسب مقتضيات الفصلين 87 و 88، وكذلك المادة 157 من القانون الصادر بتاريخ 26/06/1989 الواجب التطبيق بمقتضى ظهير 21/11/1989 المحدثة بموجبه الضرائب المستحقة للجماعات المحلية وهيآتها [19] والتي تنص على أن “تعفى من الضرائب كل عمليات بناء المساكن الإقتصادية المنصوص عليها في الجزء السادس من مرسوم 17/12/1968″[20] .

إذا كان هذا أحد أوجه المساعدة على تمويل السكن لأن طالب السكن يكون مطالبا بدفع ثمن اقل من ذلك الذي يجب دفعه في حالة اقتناء الشقة السكنية بسعر السوق. أما الوجه الآخر للمساعدة على تمويل السكن فيتجلى في تقسيط المبالغ الواجب دفعها، لأن المنخرطين يدفعون واجباتهم عبر أقساط وبدون فوائد، وتبقى الملكية في إسم التعاونية ولا تنتقل إلى المتعاونين إلا بعدما يتم أداؤهم لجميع الحصص الواجبة، وعندها يسلم الصك العقاري الخاص بالشقة[21].

ونتيجة لهذه المزايا فقد حققت التعاونيات السكنية نتائج مهمة، حيث بلغ عدد هذه التعاونيات 1092 تعاونية سكنية موزعة على جميع جهات المملكة تضم 49298 منخرط برأسمال بلغ 4733964961 درهم ، وتمثل 9,5 من العدد الإجمالي للتعاونيات بالمغرب، وهي تحتل بذلك المرتبة الثالثة بعد التعاونيات الفلاحية والحرفية [22]. وقد ساهمت نتيجة لذلك في التخفيف من حدة أزمة السكن التي يعرفها المغرب وإن كانت تلك المساهمة قد ظلت محتشمة بالنظر للعوائق الكبرى التي تحد من فعالية النظام التعاوني.

فتفاقم الاختلالات الإجتماعية وتردي مؤشرات التنمية البشرية التي جعلت المغرب يصنف من طرف تقرير التنمية البشرية في مرتبة غير مشرفة، دعا بشدة كل مكونات المجتمع السياسية والمدنية إلى تحمل مسؤوليتها وإعادة النظر في طرق التعامل مع الشأن العام ومع متطلبات الوضع الراهن والتجاوب معها بشكل إيجابي وفعال[23]، فالقطاع التعاوني على الرغم من الأهمية الكبرى التي حظي بها في الخطابات الرسمية على أعلى المستويات ومنذ وقت مبكر[24]، لم تعط له العناية اللائقة لجعله يقوم بالأدوار المنوطة به في حل الأزمات ودعم قاطرة التنمية، وهو ما تفطن له صاحب الجلالة محمد السادس بمجرد توليه مقاليد الحكم حيث أكد في خطاب العرش لسنة 2000 على أنه ” لا يجدر ببعض المقاولات المغربية أن تستمر في الاعتماد على اقتصاد الريع والامتيازات والمكاسب السهلة وألا تضع نفسها على هامش حركة التعبئة التي أطلقناها من أجل مغرب الاقتصاد الاجتماعي”. وفي نفس السياق نجد بأن الآلة التشريعية قد سارت في اتجاه ضبط الامتيازات الممنوحة للتعاونيات بموجب قانون المالية لسنة 2005 [25]، وجعل كل تعاونية تشتغل خارج الضوابط القانونية غير مستفيدة من الإعفاءات الضريبية [26]. بمعنى ان الغاية من تمتع التعاونيات ببعض الامتيازات تكمن في مساعدتها على تحقيق بعض أهداف التعاونية والرقي بمستوى المعيشة لدى المتعاونين من أجل توفير شروط العيش الكريم لهم. والتعاونيات السكنية بالمغرب لم تحقق هذه الغاية على الوجه المطلوب، ولعل ذلك يرجع إلى جملة من الإكراهات التي لا زالت تحف بعمل التعاونيات السكنية وهي تتجلى على الخصوص في :

– ضعف الموارد البشرية المؤهلة : فالتعاونيات السكنية تحتاج إلى أطر تقنية لها إلمام كبير بقطاع السكن وما يرتبط به من بناء وتعمير، وهو ما لا يتوفر دائما في عدد من التعاونيات، مما يترتب عنه جملة من المشاكل ترتبط بالتسيير لعدم تفرغ أعضاء مجالس الإدارة لتسيير التعاونية وصعوبة ذلك بسبب جهلهم لميدان البناء بصفة عامة [27]، وغالبا ما يؤدي ذلك إلى فشل التعاونية في تحقيق أهدافها لأنه كما أكد ذلك جلالة المغفور له الحسن الثاني فالأطر البشرية تعتبر الأساس الثاني لبناء التعاونية بعد روح التعاون[28].

– تعقد الأنظمة العقارية : فكما هو معلوم يعرف القطاع العقاري بالمغرب تعددا في الأنظمة العقارية تنعكس بشكل سلبي على الدور الذي يجب أن تلعبه التعاونيات السكنية، حيث غالبا ما تقتني هذه التعاونيات أراضي غير محفظة أو غير صالحة للبناء، يترتب عنها ضياع الوقت في مسطرة التحفيظ، أو في صرف أموال طائلة في التجهيز … أضف إلى ذلك ما يرتبط بهذا المجال من ضعف الأوعية العقارية المخصصة للبناء، والارتفاع الصاروخي في أسعار العقارات.

– عدم التقيد بالقوانين الأساسية للتعاونية: حيث غالبا ما يلاحظ نوعا من عدم الاهتمام واللامبالاة في عقد اجتماعات مجلس الإدارة والتجمعات السنوية، وكذا على مستوى انخراطات وانسحابات المتعاونين والتي لا تخضع دائما للضوابط المنصوص عليها في القانون الأساسي للتعاونية.

خاتمة:

خلاصة القول أن انخراط النظام التعاوني في السياسة السكنية التي تنهجها الدولة ، يتطلب القيام ببعض الاصلاحات لجعله قادرا على تحقيق الاهداف المتوخاة منه ، ولبلوغ ذلك نقترح بعض التوصيات فيما يلي:

– اقرار نصوص قانونية خاصة بالتعاونيات السكنية وتمييزها عن باقي أنواع التعاونيات؛

– العمل على نشر وتعميق مفاهيم وفلسفة الفكر التعاوني لدى المتعاونين من خلال إخضاعهم لتكوين مستمر قصد صقل مواهبهم وتنمية القدرات التعاونية لديهم، مع التركيز بصفة أساسية على الأطر التعاونية المكلفة بالإدارة والتسيير قصد الرفع من كفاءتها وتنمية قدراتها القيادية؛

– الزيادة في دعم التعاونيات السكنية من خلال إعطائها الأسبقية في الاستفادة من اراضي الدولة التي تتم تعبئتها لغرض الإسكان، ومنح تسهيلات إضافية فيما يخص الاستفادة من القروض لتسهيل عملية التمويل مع تخفيض في نسبة الفائدة بالنسبة للتعاونيات؛

– توجيه التعاونيات السكنية نحو النظام الكرائي وذلك بأن تبقى التعاونية مالكة لمنازل السكن التي تشيدها أو تقتنيها ثم تكتريها للمتعاونين الأعضاء الذين يؤدون مبلغا ماليا على شكل حصص لاكتساب العضوية ويقومون بأداء أقساط الكراء الشهري بناء على القيمة التي تحدد على أساس تكلفة معقولة . وعند مغادرة العضو للتعاونية يسترد الحصص التي اكتتب بها أثناء انخراطه من أجل الاكتتاب بها في تعاونية سكنية أخرى سينخرط فيها في المدينة التي سينتقل إليها، ويحتاج هذا النوع من التعاونيات إلى تراكم الخبرة في التسيير، وهي خبرة منتشرة في العديد من الدول منها كندا على سبيل المثال[29].

[1] – أنظر مصطفى العبد الله الكفري :”المنظمات التعاونية في الوطن العربي”، الحوار المتمدن عدد 701 – 2004 ص 32

[2]- راجع في هدا الشأن مقال للأستاد محمد عامر الشيشكلي تحت عنوان مستقبل القطاع التعاوني في سوريا منشور على الموقع الالكتروني :

www.mafhoum.com.syr

[3] -أنظر عبد الواحد العابد:”نظرة الإسلام للعمل التعاوني”، مجلة التعاون، العدد 83 السنة 2007، ص 48.

[4] – الآية 02 من سورة المائدة.

[5] – راجع في هذا الشأن المصطفى بوشفرة : ” مفهوم التعاونية “، دروس ألقيت على متدربي الفوج 43 من السلك العادي لرجال السلطة، بالمعهد العالي للإدارة الترابية بالقنيطرة، السنة الدراسية 2007-2008.

[6]-يمكن إجمال أهم مبادئ روبرت أوين التعاونية في : – حرية الانتساب والانسحاب – المساواة بين الأعضاء في الحقوق والواجبات – الديمقراطية في الإدارة من خلال حرية الترشيح والانتخاب- جعل الاجتماعات منظمة ودورية وأهمية المتابعة – جعل الفائدة محدودة على راس المال – التعامل بسعر السوق بيعا وشراء- جعل اكبر قدر من الرباح للمتعاملين مع التعاونية من العضاء أو ما يطلق عليه حاليا اسم العائد – تخصيص جزءمن الرباح للثقافة والمدارس وغيرها – التأكيد على سوية المنتجات والمواد وجودتها ودقة الوزن والمواصفات.

– انظر محمد عامر الشكيلشي المرجع السابق[7]

[8] _ انظر موقع مكتب تنمية التعاون : http://www.odco.gov.ma/index.php?option=com_content&view=article&id=158&Itemid=&lang=ar

[9]- الصادر بتنفيده الظهير الشريف رقم 226-83-1 بتاريخ 9 محرم 1405 – 5 أكتوبر 1984- الجريدة الرسمية عدد 3773 بتاريخ 29 جمادى الأولى 1405 -20 فبراير 1985- ص 219.

[10] – الصادر في 22 ربيع الأول 1414 الجريدة الرسمية عدد 4220 بتاريخ 27 ربيع الأول 1414 – 15 سبتمبر 1993 ص 1626.

– أنظر الفصل الأول من القانون رقم 83-24.[11]

[12] – للمزيد من التفاصيل أنظر أحمد الخزامي : نظام التعاونيات السكنية، مجلة المحامون، العدد 3 / 1993 ص 148-149.

– أنظر المادة 45 من المرسوم الملكي بمثابة قانون رقم 67-552 .[13]

– راجع أحمد الخزامي : نظام التعاونيات السكنية، مرجع سابق ص 150.[14]

– المادة 48 من المرسوم الملكي بمثابة قانون رقم 67-552 .[15]

[16] _ أنظر القانون التعاوني السكني رقم 13 لسنة 1981.

– للمزيد من المعلومات حول مزايا التعاونيات السكنية راجع : [17]

“Coopératives d’habitat” : article publié sur le site d’intérnét www.alomrane.ma/index.ph?

[18] – عرفت الجزائر هذا النوع من التمويل على إثر تشكيل تعاونيات عقارية بفضل المرسوم رقم 76 – 92 الصادرة في 23 أكتوبر 1976 أنظر للمزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع :

Samia CHEKIR: “Les coopératives immobilières, une formule pour accéder au logement”, CNEP Neux, spécial salon immobilier 2003, p20.

[19] – كما تم تعديله وتثميمه بموجب الظهير الشريف رقم 195- 07 – 1 الصادر في 19 من ذي القعدة 1428 (30 نونبر 2007 ) بتنفيذ القانون رقم 06 – 47 المتعلق بجبايات الجماعات المحلية، الجريدة الرسمية عدد 5538 بتاريخ 3 دجنبر 2007 ص 3734

– أحمد الخزامي : نظام التعاونيات السكنية، مرجع سابق ص 151.[20]

– أحمد الخزامي : نظام التعاونيات السكنية، مرجع سابق ص 150.[21]

[22] – للمزيد من التفاصيل حول الإحصائيات المتعلقة بالقطاع التعاوني، يرجى زيارة الموقع الالكتروني لمكتب تنمية التعاون : www.odco.ma

[23] – المصطفى بوشفرة :” العمل التعاوني والتنمية البشرية “، مجلة التعاون، العدد83 السنة 2007، ص 34

[24] – يرجع أول اهتمام بالقطاع التعاوني إلى الكلمة التي ألقاها المغفور له محمدالخامس قدس الله روحه سنة 1958 بمناسبة صدور أول مجلة تعاونية مغربية حيث قال :” إن من أهم عوامل الازدهار الاقتصادي في أي بلد قيام مؤسسات تعاونية فيها، تلتئم فيها الجهود المتفرقة وتتعاضد القوى الفردية “، وفي نفس النهج سار المغفور له الحسن الثاني حيث قال في خطابه السامي بتاريخ 19شتنبر 1972 :” علينا أن ننظر إلى التعاونية بصورة جدية، فلا يمكن أن تعطي التعاونية أكلها إلا إذا كانت مبنية على أساسين متينين أولهما روح التعاون، أما الأساس الثاني فهم الأطر التي تبنى التعاونية على كاهلهم”، أما صاحب الجلالة محمد السادس فما فتئ بدوره يؤكد في كل المناسبات على دور التعاونيات في التنمية، من ذلك ما ورد في خطاب جلالته السامي للعرش يوم 30 يوليوز 2005 :” … كما نشيد بالجهود السخية التي تبذلها فعاليات المجتمع المدني لإشاعة روح المواطنة وتشجيع الاقتصاد الاجتماعي الموفر لشروط العيش الكريم”، وفي سياق آخر دعا جلالته التعاونيات لتقوم بدورها في إطار التشارك والتعبئة المطلوبة لمواجهة تحديات معركة التنمية (الرسالة الملكية السامية الموجهة إلى الوزير الأول بمناسبة الإعداد لمخطط التنمية الإقتصادية والاجتماعية 2000-2004 بتاريخ 16 اكتوبر 1999).

[25] – القانون رقم 04-26 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 255-04-1، الجريدة الرسمية عدد 5278 بتاريخ 30 دجنبر 2004 .

[26] – محمد نجيب كومينة :” بعد صدور قانون المالية 2005: الالتزامات والحقوق “، مجلة التعاون، العدد73 السنة 2005، ص 27.

[27] – نور الدين بن الصغير :”التعاونيات السكنية إحدى الخيارات الناجعة لتجاوز العجز السكني بالمغرب”، مجلة التعاون، العدد73 السنة 2005، ص 33.

[28] – الخطاب السامي للمغفور له الحسن الثاني بتاريخ 19شتنبر 1972.

[29] – نور الدين بن الصغير، مرجع سابق، ص 34.

بقلم ذ سعيد الوردي
دكتور في الحقوق

شارك المقالة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.