مقال قانوني في الصلح في نزاعات التحفيظ العقاري

بقلم ذ شعيب حريث

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

باحث في العلوم القانونية
يعتبر الصلح من المفاهيم التي استمدت مجموعة من القوانين العربية تعريفها و أحكامها من القانون الفرنسي الذي يتزعم النظام القانوني اللاتيني و الذي تمتد جذوره إلى القانون الروماني فقد أطلق المشرع الفرنسي لفظة الصلح على اﻹتفاقات التي تبرم ﻹنهاء النزاعات المتعلقة بقضايا معينة حيث نجد أن التقنين المدني الفرنسي في مادته 2044 عرفه على انه عقد يحسم به المتعاقدان نزاعا قائما أو يتوقيان نزاعا محتملا و قد تختلف النزاعات باختلاف المجالات القانونية إلا انه ما يهمنا هي النزاعات المتعلقة بالتحفيظ العقاري و التي تحتاج بدورها لمسطرة الصلح اﻹداري و التي خلالها يكون للمحافظ العقاري دور أساسي في تحريك هذه المسطرة إذن فكيف يتم تدخل هذا المحافظ العقاري ؟ دور المحافظ في العقاري في إقامة الصلح:

يعتبر المحافظ العقاري موظفا عموميا تناط به مهام السهر على حسن سير مجموعة من العمليات المتعلقة بالتحفيظ العقاري ومن بينها مهمة تحريك مسطرة الصلح والتي تتم بعد تلقي التعرضات على مطلب التحفيظ واستيفائها للشروط الشكلية والموضوعية وقد خوله القانون اتخاذ هذا اﻹجراء بمقتضى الفقرة الرابعة من الفصل 31 من ظهير التحفيظ العقاري و يتمثل في إبرام الصلح بين طالب التحفيظ و المتعرضين على مطلب التحفيظ على اعتبار ان للصلح أهمية بالغة في إنهاء الخصومة بين المتنازعين (1).

إن بالرجوع إلى الفصل 31 من ظهير 12 غشت 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري و المتمم و المعدل بالقانون 14-07 يتبين لنا أن المحافظ العقاري يقوم بوظيفة التصالح و التوفيق من خلال تقمصه لمهمة قاضي الصلح نظرا لما يتمتع به من تجربة و كفاءة تجعل منه خير وسيط لحل النزاع و كثيرا ما تتكلل مساعيه بالنجاح حيث تظل رهينة بطبيعة النزاع و مدى إمكانية التوفيق في إجراء مسطرة الصلح كأن يكون التعرض واقعا على جرد الحدود أو ما شابه هذا النزاع بحيث يكون ممكن تسويته و إجراء الصلح بشأنه دون اللجوء إلى القضاء(2)

لكن ما يمكن ملاحظته هو أن المشرع المغربي لم يحدد مسطرة معينة ﻹجراءات الصلح بل ترك للمحافظ العقاري السلطة التقديرية التي تتناسب و الظروف المحيطة بالنزاع فمسطرة الصلح تبتدئ حين تمر فترة الشهر التي تمنح لطالب التحفيظ من أجل رفع التعرض دون أن يثبت رفعه له لكن ما ينبغي الإشارة له هو أن القيام بإجراء الصلح من طرف المحافظ العقاري هي مسألة اختيارية وغير إجبارية و هذا يتضح من خلال استعمال المشرع المغربي في الفصل 31 من ظهير التحفيظ العقاري لعبارة ” يسوغ للمحافظ..” على عكس نظيره الفرنسي الذي أتى بصياغتها على سبيل اﻹلزام، و يتضح هذا من العبارة التي استعملها المشرع الفرنسي و هي عبارة “..ملزم” و تعتبر مسألة اﻹختيارية عاملا مساهما في ضعف تدخل المحافظين العقاريين لتحريك هذه المسطرة. و نشير إلى أن مبادرة الصلح قد تأتي من طرف الخصوم أنفسهم أي طالب التحفيظ و المتعرض إذا رغبوا في المبادرة التي ستجد استجابة من المحافظ العقاري و كما يمكن أيضا للغير التدخل ﻹقامة هذا الصلح (3)عموما و كيفما كان مصدر مبادرة الصلح فإن المحافظ يبادر باستدعاء من يهمهم اﻷمر إلى جلسة صلاحية بمكتبه لهدف التوفيق بين المتنازعين و إذا اقتضت الضرورة التوجه لعين المكان و بعد هذا إذا نجحت مسطرة الصلح فإنه يقوم بتحرير محضر يوقع عليه الأطراف و تكون للاتفاقات المدرجة في المحضر قوة التزام عرفي و يسجل العقر بعدها في المحافظة طبقا له و هذا ما أكدته الفقرة الثانية من الفصل 31 من ظهير التحفيظ العقاري و يصبح اﻹتفاق المبرم ملزما لكلا الطرفين و لا يجوز التراجع بعد ذلك بشأنه بإرادة منفردة.

و بقي أن نشير إلى أنه يشترط أن يكون الصلح المزمع القيام به بمثابة صلح منهي للنزاع بشكل تام حتى تتحقق الحكمة منه فإذا كان جزئيا و لا يحد من أسباب النزاع موضوع التعرض فإن المحافظ العقاري لا يمكنه القيام به (4)

أهداف مسطرة الصلح في نزاعات التحفيظ العقاري :

إن لمسطرة الصلح في نزاعات التحفيظ العقاري أهمية بالغة بالنسبة للمتعاملين في الميدان العقاري والعقاريين وعلى رأسهم المحافظ العقاري والقاضي العقاري لأنهم معنيون أكثر من غيرهم إلى تشجيع اللجوء إلى هذه المسطرة لما توفره من وقت ومحاربة تأخر البث في قضايا التحفيظ العقاري فالصلح آلية فعالة يلجأ إليها المتنازعين لإنهاء الخصومة بينهما وذالك بتنازل كل طرف للأخر على جزء من مطالبه بحيث يظهر اﻷطراف المتنازعين بصورة المتصالحين الذين اختصروا الطريق لتسوية النزاع بينهما باختيار سبل الصلح عوض اللجوء للقضاء الذي قد يطول صدور حكم في الموضوع بسبب تعقد الإجراءات إضافة إلى الحكم الذي لا يرضي الطرف الخاسر في القضية (5)ولهذا نجد إن جل التشريعات المقارنة جعلت للصلح مكانة مهمة وخصصت له حيزا قانونيا وهو ما نلاحظه لدى المشرع البلجيكي في المادة 2044 والمشرع الايطالي في المادة 1965 والاسباني في المادة 1809 والفرنسي في المادة 2044 من قوانينها المدنية والهدف من وراء هذا الاهتمام بمسطرة الصلح هو السرعة وربح الوقت والاتفاق مبدئيا على تسوية النزاع والسرية وربح المال من توفير مصاريف وصوائر المرافعات القضائية وأتعاب المحامي ،ولهذا نجد على انه في الولايات المتحدة الأمريكية%90 من القضايا يتم حسمها عن طريق مسطرة الصلح بين الإطراف ، أما في فرنسا فقط %25 من القضايا هي التي يتم اللجوء فيها إلى الصلح (6) وفي نظرنا هذا هو سبب عدم التفاعل والاهتمام بهذه المسطرة من طرف المشرع المغربي.

هوامش:

(1)محمد الحياني : قراءة في مجال اختصاص كل من المحافظ العقاري و قاضي التحفيظ العقاري على ضوء أحكام مسطرة التحفيظ العقاري و التعرضات نموذجا

ص :155 مقال منشور بمجلة اﻹشعاع عدد 26 – دجنبر2002

(2)فاطمة الحروف دور المحافظ العقاري بشأن التعرضات على مطلب التحفيظ

المجلة المغربية للقانون و اﻹقتصاد عدد 19-2002

(3)جمعة محمد الزريقي : محضر الصلح بين طالب التحفيظ و المتعرض

مجلة التحفيظ العقاري عدد أبريل 1989صفحة 21

(4)محمد الزريقي م س. صفحة 22

(5)محمد مهدي : التحفيظ العقاري في المغرب.

مطبوعات دار المغرب 1997 صفحة 54

(6)رشيد تاشفين : وسيلة بديلة لتسوية المنازعات

بقلم ذ شعيب حريث
باحث في العلوم القانونية

شارك المقالة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.