بقلم ذ فيصل الزوداني
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
إطار بمؤسسة عمومية وخريج المدرسة الوطنية للإدارة
نشر أخيرا بالجريدة الرسمية القانون 86.12 المتعلق بعقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص1 والذي ظل لما يقارب السنتين رهين التداول والمناقشة والدراسة والتصويت، بدءا من مصادقة المجلس الحكومي عليه في27 من دجنبر2012
مرورا بإحالته على مجلس النواب بتاريخ 21 فبراير2013 وانتهاء بمصادقة نواب البرلمان عليه بتاريخ 25 نونبر2014 في إطار قراءة ثانية لمشروع القانون المعدل من طرف مستشاري الغرفة الثانية
سيرورة التداول والتدارس بشأن هذا المشروع طبعها طلب إبداء الرأي الذي تقدم به رئيس مجلس المستشارين إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بتاريخ 24 ماي 2014 من أجل فحص مضامين مشروع القانون 86.12 والإدلاء بكل الملاحظات والمقترحات في الموضوع. وبموازاة جلسات الإنصات والمداخلات التي عقدت بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي مع ممثلين عن القطاع الخاص والمجتمع المدني والشركاء الاجتماعيين وبعض الوزارات والمجلس الأعلى للحسابات، تم تنظيم لقاء دراسي بمجلس المستشارين حول ذات المشروع من أجل إثراء النقاش بين مختلف فرق الغرفة الثانية
عن هندسة مشروع القانون 86.12 وكرونولوجيا وسياقات دراسة المشروع بغرفتي البرلمان يتأسس المحور الأول، فيما يقارب المحور الثاني مضامين المشروع على ضوء انشغالات ومخاوف المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بشأن عقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص وكذا توصياته في ذات السياق
كرونولوجيا وسياق إخراج القانون 86.12 : من هندسة المشروع إلى حيز التنفيذ
تأتي هندسة مشروع القانون 86.12 في سياقات عدة، أولاها أنه يأتي استجابة للتعليمات الملكية الداعية إلى ” ضرورة تطوير الآليات التعاقدية المتعلقة بالشراكة بين القطاعين العام والخاص” 2 ، كما أنه يأتي بعد تقييم نتائج الدراسة المعمقة التي أعدتها وزارة الاقتصاد والمالية بتعاون مع مؤسسات دولية بخصوص وضع تحليل للإطار القانوني لتنمية الشراكة على ضوء التجارب الدولية الناجحة. بالإضافة إلى أنه يأتي بعد سلسلة من المشاريع الناجحة التي أنجزها المغرب بصفة محددة وخاصة، وذلك في إطار عقود شراكة بين القطاعين العام والخاص على الرغم من غياب تشريع قانوني خاص بهكذا شراكة
وقد أسهمت نتائج الدراسة المعمقة التي أجرتها مديرية المنشآت العامة والخوصصة حول تحليل الإطار القانوني لتنمية الشراكة في التسريع بإحداث خلية للشراكة بين القطاعين العام والخاص على مستوى هذه المديرية، كما سرع من وتيرة التفكير في بلورة إطار قانوني لعقد شراكات بين القطاعين العام والخاص. وقد أسفر ذلك عن هندسة مشروع القانون 86.12 والذي تبنته الحكومة في مجلسها بتاريخ 27 دجنبر2012 ، والتي أحالته بدورها بعد ذلك على مجلس النواب بتاريخ 21 فبراير2013
لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بالغرفة الأولى لم تشرع في مناقشة مشروع القانون 86.12 إلا في 18 من شتنبر2013 4 ،حيث اشتغلت كل من فرق ومجموعتي الأغلبية وكذا فرق المعارضة داخل اللجنة على تدارس مواد المشروع بعد الاستماع إلى عرض وزير الاقتصاد والمالية ، كما استمعت اللجنة إلى جواب الحكومة على المقترحات والتعديلات التي اقترحتها أطياف اللجنة قبل التصويت عليها. وفي جلسة عامة لمجلس النواب تمت المصادقة على مشروع القانون 86.12 بتاريخ 12 فبراير 2014 بعد إدخال ستة وعشرين تعديلا
إحالة مشروع القانون المصادق عليه في إطار قراءة أولى بعد ذلك على لجنة المالية والتخطيط والتنمية الاقتصادية بمجلس المستشارين فتح باب التدارس والنقاش باللجنة على مدى ثلاث اجتماعات. إذ وقفت اللجنة منذ اجتماعها الأول بتاريخ 18 مارس على أهمية مضامين المشروع وبالتالي طرحت العديد من الأسئلة التي دفعت رئيس مجلس المستشارين إلى طلب رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول مضامين المشروع. وبعد التوصل برأي المجلس واصلت اللجنة أشغالها حيث حددت أجلا لإيداع تعديلات الفرق. وفي فاتح شتنبر2014 تم البث في هذه التعديلات مع الحكومة، ليتم في الأخير التصويت على مشروع القانون برمته معدلا
التعديلات هاته أعادت المشروع من جديد إلى مجلس النواب في 28 من أكتوبر قصد دراسة ومناقشة تعديلات المستشارين على النسخة الأولى للمشروع. وبعد شروع اللجنة في دراسة ومناقشة مواد المشروع المشمولة بالتعديلات والتصويت عليها بالإجماع في قراءة ثانية 5، عقد نواب البرلمان في 25 من نونبر جلستهم العامة وصوتوا بالإجماع على مشروع القانون 86.12 في إطار القراءة الثانية، حيث تم تعديل ديباجة مشروع القانون واثنتي عشرة مادة وتم إحالة المشروع في نسخته النهائية إلى الأمانة العامة قصد نشره بالجريدة الرسمية
تأرجح مشروع القانون بين غرفتي البرلمان وتأخر إخراجه إلى حيز التنفيذ يكشف النقاب عن قيمة وراهنية مضامين القانون 86.12، وقد ارتأينا أن نستعرض في المحور الموالي أهمية هذا القانون في تأطير عقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص على ضوء المخاوف والتوصيات التي عبر عنها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في ثنايا رأيه بخصوص المشروع وذلك بموجب الإحالة الواردة عليه بطلب من رئيس الغرفة الثانية
مضامين القانون 86.12 على ضوء مخاوف وتوصيات المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي
إخراج قانون ينظم عقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص ومكمل للمقتضيات القانونية المتعلقة بالطلبيات العمومية مما من شأنه تسريع وتيرة الاستثمارات العمومية، وإنجاز البنيات التحتية الإدارية والاقتصادية والاجتماعية وتعزيز المرفق العام والتنمية المجالية هو الغاية التي أوضحها وزير الاقتصاد والمالية من اعتماد هذا القانون ، بالإضافة إلى أنه سيسمح بإعداد وإسناد وتتبع مشاريع الشراكة بين القطاع العام والخاص بغية تمكين المستثمرين المحليين والدوليين من رؤية واضحة لتطوير مشاريع الشراكة
هذه الرؤية الواضحة لا تبدو كذلك بحسب المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ، فقد تضمن رأي المجلس تعبيرا صريحا عن انشغالات ومخاوف مرتبطة بوضع إطار قانوني لعقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص سيما أن عددا كبيرا من مواد القانون تتطلب اعتماد مقتضيات تكميلية عن طريق نصوص تنظيمية من شأنها تجلية العديد من القضايا المضمرة. وحسب المجلس، فإن وضع هكذا قانون يثير العديد من المخاوف وعلى مستويات عدة
فعلى المستوى الاستراتيجي، يطفو إلى السطح التخوف من انحسار دور الدولة في ممارسة وظائفها السيادية، وخاصة فيما يتعلق بالخدمات الاجتماعية كالتربية والصحة مثلا، وكذا دور الجماعات المحلية في الاختصاصات المشتركة أوالمماثلة، مع تخوف مرتبط باستدامة مجانية ولوج جميع المواطنين إلى الخدمات العمومية الأساسية. كما قد ينظر إلى هذا القانون على أنه تملص للشخص المعنوي من مسؤولياته، بل كنوع من الخوصصة المقنّعة
وعلى المستوى المؤسساتي، تطرح هاهنا مسألة اضطلاع هيئات الحكامة بالتقييم ومراقبة عقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص بالنظر إلى أن استدامة ميزانية اللجوء إلى عقد الشراكة بين القطاعين العام والخاص يجب أن ينظر إليها كمبدأً استراتيجي، مخافة أن تتفاقم مستويات مديونية الدولة، أو تتعمق هشاشة المالية العمومية أخذا بعين الاعتبار انعكاساتها على الأجيال القادمة، بالنظر إلى كون القانون 86.12 يعرف عقد الشراكة بكونه عقد يعهد بموجبه شخص عام إلى شريك خاص مسؤولية القيام بمهمة شاملة تتضمن التصميم والتمويل الكلي أو الجزئي والبناء أو إعادة التأهيل وصيانة أو استغلال منشأة أو بنية تحتية أو تقديم خدمات ضرورية لتوفير مرفق عمومي، ولمدة تتراوح ما بين خمس سنوات وخمسين سنة
وعلى المستوى الإجرائي، يظل الغياب الحالي لتقييم موضوعي حول شراكة القطاعين العام والخاص في إطارالتدبيرالمفوض ، بالإضافة إلى التسويق الإعلامي والصعوبات التي عانت منها بعض عقود التفويض في منأى عن خلق حالة من الرضى لدى المواطن بخصوص إيجابيات ومحاسن الشراكة بين القطاعين العام والخاص
وتأسيسا على ما سبق رأى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أنه من الضروري توضيح نطاق هذا القانون وذلك بتحديد مجال تطبيقه وتحديد الفاعلين المعنيين تجنبا لأي التباس أو تأويل . كما رأى المجلس أنه يجب النظر إلى عقود الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص على أنها رافعة استراتيجية أكثر منها مجرد أداة للتمويل، مما يحتم ضرورة التفكير في دمج و بوصلة هذه الآلية ضمن استراتيجية وطنية لتطوير عقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وبشكل يضمن استفادة كل من المقاولة الوطنية والمواطن في الوقت ذاته. و لن يتأتى هذا إلا بتعزيز آليات الحكامة الجيدة في أبعادها المرتبطة بالشفافية والمساءلة
بقلم ذ فيصل الزوداني
إطار بمؤسسة عمومية وخريج المدرسة الوطنية للإدارة
اترك تعليقاً