إعادة نشر بواسطة محاماة نت
من إعداد : الدكتور فؤاد بنصغير أستاذ التعليم العالي/ كلية الحقوق المحمدية خبير/ مكون / مستشار في القانون الإلكتروني.
دعوة عاجلة إلى جمعية هيئات المحامين و إلى الوزارة الوصية وإلى اللجنة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية من أجل التنسيق في ما بينهم من أجل :
تعديل القانون 08-09 المتعلق بحماية المعطيات الشخصية من أجل إدخال وظيفة مكلف ( أو مندوب أو مفوض ) في حماية المعطيات الشخصية في النظام القانوني المغربي والسماح للمحامين بمزاولة هذه الوظيفة.
تعديل النصوص القانونية التي تحكم مهنة المحاماة بصفة مباشرة أو غير مباشرة من أجل تيسير هذه الوظيفة للمحامين.
وضع برنامج متكامل للتكوين في هذا الميدان يستفيد منه المحامون وغيرهم من الحاصلين على الإجازة في الحقوق والذين لهم اهتمام بميدان تكنولوجيات الإعلام والاتصالات.
ومن أجل توضيح أهمية هذا المقترح إليكم لمحات عن هذه الوظيفة وأهميتها في تكريس حماية المعطيات الشخصية وفي زيادة الأنشطة التي يقوم بها السادة المحامون .
مقدمة :
من المعلوم أن الواقع الحالي يتميز بانتشار استخدام التكنولوجيات الجديدة للإعلام والاتصال في جميع الميادين.
في هذا السياق، أصبحت المعطيات الشخصية عرضة للتجميع والمعالجة والتسجيل في ملفات رقمية وتحويلها إلى الغير ولاستعمالات مختلفة خاصة بواسطة المعلوماتية.
في سياق مثل هذا، أصبح الأشخاص الذاتيون غير قادرين على مراقبة الاستعمالات التي تكون معطياتهم الشخصية عرضة لها نظرا إلى أن هذه الاستعمالات أصبحت، بفعل المعلوماتية والإنترنت، متكررة وغالبا ما تتم بسرية تامة.
وقد كانت ضرورة حماية مستخدمي الإنترنت من الاستعمال التعسفي لمعطياتهم الشخصية وراء إصدار المشرع المغربي لقانون (القانون رقم 08-09 يتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي ) ومرسومين (مرسوم رقم 165- 09- 2 صادر في 25 من جمادى الأولى 1430 (21 ماي 2009) لتطبيق القانون رقم 08-09 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين اتجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي) ومقررين ( مقرر للوزير الأول رقم 3.62.10 صادر في 20 من رمضان 1431 (31 أغسطس 2010) بشأن تنصيب اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي و مقرر للوزير الأول رقم 3.33.11 صادر في 23 من ربيع الآخر 1432 (28 مارس 2011) بالمصادقة على النظام الداخلي للجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي ) يتعلقون بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة معطياتهم الشخصية.
وبعد مرور عشر سنوات بالتمام والكمال على إصدار القانون 08-09 المتعلق بحماية المعطيات الشخصية سنة 2009، لم يعد هذا القانون مواكبا للتطورات التي حصلت في ميدان تكنولوجيات الإعلام والاتصالات، والتي أخذتها العديد من الدول ( الغربية وحتى العربية ) بعين الاعتبار، بحيث أدخلت تعديلات على قوانينها الداخلية.
ومن بين أهم التعديلات التي أدخلت على القوانين التي تحمي المعطيات الشخصية، نجد خلق وظيفة ” مكلف بحماية المعطيات الشخصية ” يقوم بدور الوسيط بين المسؤولين عن معالجة المعطيات الشخصية والهيئات الرقابية.
وأقترح عليكم في هذا المقترح تقديم عرض موجز عن هذه الوظيفة التي استثمرها المحامون في العديد من الدول الأوربية وحتى العربية ( تونس مثلا ) والتي سمحت للمحامين بتطوير بشكل لا يمكن تصوره الأنشطة المؤدى عنها التي يقومون بها ( في فرنسا عدد كبير من مكاتب المحاماة أصبحت متخصصة فقط في حماية المعطيات الشخصية والحياة الخاصة من استشارة وتكوين وخبرة وغير ذلك ).
أولا : ماهية مهنة مراسل / مندوب / مفوض / مكلف بحماية المعطيات الشخصية ؟
بعد أن نقوم بتعريف المندوب في حماية المعطيات الشخصية، سنتولى إبراز محاسن تعيين مندوب في حماية المعطيات الشخصية داخل المؤسسات الخاصة والعامة.
أ- تعريف المندوب في حماية المعطيات الشخصية
إن ” المندوب في حماية المعطيات الشخصية ” هو الشخص الذي يتم تعيينه من قبل هيئة أو مجموعة من الهيئات ( مقاولات / جمعيات / مواقع إلكترونية…) لفترة معينة من أجل مساعدتها على الالتزام بالمقتضيات القانونية في ميدان حماية المعطيات الشخصية.
ويخضع تعيين ” مندوب في معالجة المعطيات الشخصية ” لإشعار اللجنة الوطنية المكلفة بحماية المعطيات الشخصية وإبلاغ الهيئات الممثلة للأجراء والموظفين داخل الهيئة التي تقوم بمعالجة المعطيات الشخصية.
وقد اعتبرت اللجنة الوطنية للمعلوميات والحريات في فرنسا أن المراسل في حماية المعطيات الشخصية عبارة عن وسيلة مميزة لنشر ثقافة المعلوميات والحريات ( ثقافة حماية المعطيات الشخصية ) داخل المؤسسات التي تقوم بمعالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي.
ولتنفيد هذه المهمة يتوجب بطبيعة الحال على المراسل التعاون عن كثب مع المسؤول عن المعالجة في المؤسسة التي يمارس داخلها مهمته من جهة، واللجنة المكلفة بحماية المعطيات الشخصية من جهة أخرى.
كما يتوجب كذلك على ” المندوب في معالجة المعطيات الشخصية ” بطبيعة الحال أن يتوفر على المؤهلات المطلوبة من أجل النهوض بمهامه.
حيث يجب أن يتوفر على مؤهلات في الميدان القانوني و ميدان المعليوميات، خاصة وأن غالبية المعالجات التي تتم اليوم هي معالجات مؤتمتة تستخدم الحاسوب والمعلوميات.
نشير إلى أنه يمكن خلق وظيفة ” مندوب في حماية المعطيات الشخصية ” في القطاع الخاص ( المقاولات الصغيرة والمتوسطة / الشركات متعددة الجنسيات / الجمعيات..) وكذلك في القطاع العام ( الجماعات المحلية / الإدارات العمومية / المؤسسات العامة…).
ب- محاسن تعيين ” مندوب في حماية المعطيات الشخصية ”
تتمثل الآثار الإيجابية لتعيين مندوب في حماية المعطيات الشخصية في ما يلي :
– يسمح تعيين مندوب في حماية المعطيات الشخصية بإعفاء المسؤول عن المعالجة من القيام بالإجراءات الأولية لدى اللجنة الوطنية التي وضعها على عاتقه القانون.
– يسمح تعيين مندوب في حماية المعطيات الشخصية كذلك للمسؤول عن المعالجة بالنهوض بشكل أفضل بالالتزامات التي تقع على عاتقه تطبيقا للقانون ، مثل احترام الحقوق التي منحها المشرع للأشخاص المعنيين ( الحق في الإعلام / الحق في الولوج / الحق في التعديل / الحق في الاعتراض…) وتأمين أمن وسرية المعطيات الشخصية التي يقوم بمعالجتها وضمان أن لا يتم استعمال المعطيات إلا للغايات التي من أجلها تم تجميعها وغيرها من الحقوق التي منحها القانون للأشخاص المعنيين والالتزامات التي وضعها على كاهل المسؤولين عن المعالجة.
ثانيا : التجارب المقارنة في هذا الشأن
سنقدم لمحة موجزة عن الوضع في النظامين القانونيين الفرنسي والتونسي في ميدان مهنة المندوب في حماية المعطيات الشخصية، وذلك من أجل إنارة الطريق أمام المشرع المغربي.
لا بد من الإشارة هنا أن هناك عدة دول سبقت فرنسا وبطبيعة الحال تونس في هذا الشأن نذكر من بينها هولندا والسويد واللكسمبورغ وغيرهم.
أ- الوضع في النظام القانوني الفرنسي
لقد تم إنشاء وظيفة ” مراسل في حماية المعطيات الشخصية ” في فرنسا بواسطة القانون الصادر بتاريخ 6 غشت 2004 المعدل لقانون المعلوميات والحريات الصادر بتاريخ 1978.
حيث أعفت المادة 22 من قانون المعلوميات والحريات (Informatique et libertés ) الفرنسي ( الذي عكس المشرع المغربي تم تعديله في عدة مناسبات ) المسؤول عن المعالجة من التصريح :
” في حالة تعيينه مراسلا في حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي مكلف بتأمين بشكل مستقل احترام الالتزامات المنصوص عليها في هذا القانون “.
نفهم إذن أن اللجنة الوطنية للمعلوميات والحريات بفرنسا التي كانت منذ إصدار القانون سنة 1978 تمارس مراقبة قبلية للهيئات التي تقوم بمعالجة المعطيات الشخصية، لم تعد منذ خلق مهنة ” مراسل في حماية المعطيات الشخصية ” تحتاج إلى هذه المراقبة القبلية وبدأت تكتفي بالمراقبة البعدية.
نشير إلى أنه قد تم في فرنسا منذ 25 ماي 2018 استبدال إسم ” مراسل معلوميات وحريات ” (Correspondant informatique et libertés) باسم ” مندوب في حماية المعطيات الشخصية ” (Délégué à la protection des données ).
وقد تم تحديد إجراءات تعيين ” مراسل معلوميات وحريات ” ووضعيته ومهامه ومسؤولياته بواسطة المرسوم رقم 2005-1309 الصادر بتاريخ 20 أكتوبر من سنة 2005.
لا بد من الإشارة هنا إلى أن وظيفة ” مراسل معلوميات وحريات ” في فرنسا قد تم فتح إمكانية القيام بها للمحامين منذ تعديل القانون سنة 2004.
وقد عبرت اللجنة الوطنية للمعلوميات والحريات في فرنسا ( نفس الدور الذي تقوم به اللجنة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية في المغرب ) أكثر من مرة عن رغبتها الكبيرة في قيام المحامين بهذه الوظيفة.
ب- مهام ”المندوب في حماية المعطيات الشخصية”
حدد التقنين الأوربي والقانون الفرنسي مجموعة من المهام التي يتكلف ”المندوب في حماية المعطيات الشخصية” القيام بها.
– دور المراقبة
يقوم المندوب في حماية المعطيات بدور حقيقي في مراقبة والتثبت من تطبيق القانون المتعلق بحماية المعطيات الشخصية ونصوصه التطبيقية.
– دور نقطة الاتصال بسلطة المراقبة
يقوم المندوب في حماية المعطيات بدور نقطة الاتصال بين المسؤول عن معالجة المعطيات الشخصية وسلطة مراقبة تطبيق القانون ( اللجنة الوطنية للمعلوميات والحريات ).
ج- الوضع في النظام القانوني التونسي
من أجل مواكبة تشريعية للتطور الذي عرفته تكنولوجيات الإعلام والاتصالات، خلق المشرع التونسي مهنة ” مكلف بحماية المعطيات الشخصية ” في صلب الهياكل المسؤولة عن معالجة المعطيات الشخصية والتي تساعد سلطة المراقبة في مهامها.
1- خلق مهنة ” المكلف بحماية المعطيات الشخصية ”
خلق مشروع القانون المتعلق بحماية المعطيات الشخصية في تونس، الذي تمت المصادقة عليه في الأيام القليلة الماضية، مهنة ” المكلف بحماية المعطيات الشخصية ”.
حيث نصت الفقرة الأولى من الفصل 51 من القانون على أنه : ” يجب على الذوات المعنوية ( الأشخاص المعنويين ) سواء كانت عمومية أو خاصة، (…) أن تعين مكلفا بحماية المعطيات الشخصية وتعلم الهيئة بذلك (…) “.
غير أن تعيين المكلف بحماية المعطيات الشخصية يخضع إلى شرطين، وهما إما أن يشغل المسؤول عن المعالجة أكثر من 50 عون ( عامل أو موظف ) أو أن يعالج معطيات حساسة وذلك حسب الفقرة الثانية من الفصل 51 من نفس القانون التي نصت على أنه : » يجب على الذوات المعنوية سواء كانت عمومية أو خاصة، التي تعالج معطيات شخصية وتشغل أكثر من خمسين عونا أو تعالج معطيات حساسة، أن تعين مكلفا بحماية المعطيات الشخصية وتعلم الهيئة بذلك وتنشره للعموم في أجل خمسة عشر يوما «.
غير أننا نعتقد أن الشرط الأول في غير محله نظرا إلى أن مهمة المكلف بحماية المعطيات الشخصية مرتبطة بحجم المعطيات الشخصية التي يتولى المسؤول عن المعالجة معالجتها ولا علاقة لعدد الأشخاص الذين يشتغلون لدى المسؤول عن المعالجة بها.
لذلك نرى أنه من الضروري على المشرع المغربي، إن قرر إنشاء هذه الوظيفة، تعميمها على المسؤولين عن المعالجة، بالنظر إلى حجم المعطيات التي يقومون بمعالجتها، وليس بالاعتماد على عدد الأشخاص الذين يشغلونهم.
2- مهام المكلف بحماية المعطيات الشخصية
حددت المادة 52 من مشروع القانون سالف الذكر المهام التي يضطلع بها المكلف بحماية المعطيات الشخصية على سبيل المثال في :
مسك سجل في عمليات المعالجة المنجزة من قبل المسؤول على المعالجة.
تلقي طلبات النفاذ إلى المعطيات الشخصية.
تلقي الشكايات من الأشخاص المعنيين.
إعداد تقرير سنوي للأنشطة المتعلقة بحماية المعطيات الشخصية يحال إلكترونيا إلى اللجنة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية.
ربط الصلة بين الهيكل المعني ( المسؤول عن المعالجة ) الذي ينتمي إليه والهيئة المكلفة بحماية المعطيات الشخصية ( اللجنة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية ).
ثالثا : وظيفة ” المندوب في حماية المعطيات الشخصية ” ومهنة المحاماة
بعد توضيح ضرورة استثمار المحامين لوظيفة ” المندوب في حماية المعطيات الشخصية ”، سنركز على ضرورة تعديل النصوص القانونية التي تحكم مهنة المحاماة لكي تتوافق ومقتضيات مزاولة هذه الوظيفة.
أ- في ضرورة استثمار المحامين لوظيفة ” المندوب في حماية المعطيات الشخصية ”
من المعلوم أن مهنة المحاماة لا يجب أن تمارس فقط في قاعات المحاكم، بل يجب أن تكون أيضا خارجها بحيث تمثل الاستشارة القانونية جزءا لا يتجزأ من النشاط الذي يقوم به المحامي.
مقال قد يهمك : هشام الوازيكي : ضمان المراكز المتعارضة في منازعات الصفقات العمومية
ففي العصر الرقمي الذي نعيشه اليوم والذي قد يحرم المحامي من الكثير من الأنشطة المهنية التي تعود القيام بها، يتوجب على المحامي ( أو بالأحرى الهيئات التي تمثله ) البحث في خضم هذه الثورة الرقمية عن نشاطات جديدة تعوض ما قد يضيع منه من نشاطات بسببها.
بمعنى آخر، فإن مستقبل المحامين لا ينحصر في مجال التقاضي، ولكن كذلك في الاستشارة القانونية حيث يمكنه تسويق ليس فقط خبرته في الميدان القانوني والمعلومياتي ( ما دام أن مهنة مكلف أو مندوب في حماية المعطيات الشخصية تتطلب هذين التخصصين ) ولكن كذلك وخصوصا أخلاقيات المهنة التي تتميز بها مهنة المحاماة مقارنة بغيرها.
لهذا السبب لا بد لهيئات المحامين في المغرب التفكير جديا، كما فعل ذلك زملاءهم في فرنسا وغيرها من البلدان ( تونس…)، في اقتحام هذا الميدان وإضافة هذا النشاط إلى نشاطاتهم الحالية.
غير أن هذا الأمر يتطلب إدخال بعض التعديلات على النصوص القانونية التي تحكم مهنة المحاماة لكي تتوافق ومقتضيات مزاولة مهنة مكلف أو مندوب في حماية المعطيات الشخصية.
ب- في ضرورة تعديل النصوص القانونية التي تحكم مهنة المحاماة
إذا أراد السادة المحامون السماح لهم بممارسة هذه الوظيفة فعليهم تعديل النصوص القانونية التي تحكم مهنة المحاماة.
هذا ما قام به المحامون في فرنسا حيث تم إدراج مقتضيات قانونية خاصة في القانون الداخلي لهيئة باريس في ما يتعلق بالمحامين الذين يمارسون مهام المندوب في حماية المعطيات الشخصية.
ومن بين المقتضيات القانونية التي أضيفت نذكر المادة 6.2.0.2 التي تنص على أنه : » قبل ممارسة نشاط مراسل في حماية المعطيات الشخصية يتوجب على المحامي إبلاغ النقيب بذلك. ويتم داخل الهيئة مسك سجل لمحامي باريس الذين يمارسون هذه المهنة «.
1- المبادئ العامة
تتعلق أهم التعديلات التي أدخلت على النصوص القانونية الخاصة بمبدأين أساسيين وهما : مبدأ تضارب المصالح ومبدأ السر المهني.
– مبدأ تضارب المصالح :
من المعلوم أن مبدأ عدم تضارب المصالح من المبادئ الأساسية لمهنة المحاماة.
لذلك يتوجب على المحامي المندوب في حماية المعطيات الشخصية احترام هذا المبدأ في ما يتعلق بالمعالجات التي يتكلف بها.
حيث نصت إحدى التعديلات على أنه عند ممارسة نشاطه كمكلف بحماية المعطيات الشخصية، يظل المحامي ملزما باحترام المبادئ الأساسية لمهنة المحاماة وعلى رأسها مبدأ تضارب المصالح.
هذا يعني أنه لا يمكن للمحامي المكلف بحماية المعطيات الشخصية شغل منصب لدى المسؤول عن المعالجة.
وتستثني استقلالية المراسل أي حالة تضارب للمصالح مع غيرها من المهام التي يمارسها في نفس الوقت.
ذلك أن المادة 46 من مرسوم 20 أكتوبر 2005 تنص كذلك على أنه : ” لا ينبغي على الوظائف والنشاطات التي يمارسها المراسل أن يكون من شأنها أن تؤدي إلى تضارب المصالح مع ممارسته لوظيفته “.
– مبدأ السر المهني :
من المعلوم أن مبدأ السر المهني يعد من القواعد الأساسية لمنة المحاماة في المغرب أو في غيره من البلدان.
لذلك يتوجب على المحامي المندوب في حماية المعطيات الشخصية الالتزام بهذا المبدأ في هذا المجال كما يلتزم به في المجالات التي تدخل صلب اختصاصاته.
ومن أجل جعل مهنة مراسل / مكلف / مندوب في حماية المعطيات الشخصية متوافقة مع مهنة المحاماة خاصة في مجال السر المهني قامت هيئة باريس بتعديل القانون الداخلي للهيئة بإضافة المادة 6.2.2.2 التي تنص على أنه : ” يتوجب على المحامي الذي يزاول مهنة مراسل في حماية المعطيات الشخصية أن يضع حدا لمهمته إذا اعتبر أنه غير قادر على القيام بها، وذلك بعد أن يبلغ ويقوم بالإجراءات الضرورية لدى المسؤول عن المعالجة “.
2- المبادئ الخاصة
اعتبرت هيئة باريس أنه من الضروري إخضاع المحامين الذين يمارسون وظيفة مراسل في حماية المعطيات الشخصية إلى واجبين لا يلتزم بهما المرلسلون العاديون ( من غير المحامين ) : واجب عدم الإبلاغ و واجب الاستقالة.
-واجب عدم الإبلاغ :
من المعلوم أن ما يميز المحامي المراسل عن المراسل غير المحامي هو أن الأول ملزم باحترام أخلاقيات المهنة ( مهنة المحاماة).
ويعود ذلك إلى أن المراسل قد يكون مجبرا على كشف المخالفات التي يقوم بها المسؤول عن المعالجة أو القصور الذي يعتري معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي.
ومن المقرر في القانون أن يقوم المراسل بتنبيه المسؤول عن المعالجة عندما يكتشف عدم التزامه بواحدة أو أكثر من الواجبات التي فرضها عليه القانون، تم في مرحلة ثانية فقط رفع شكوى إلى اللجنة الوطنية عن الصعوبات التي تعترض ممارسته لمهامه.
لكن بما أن المسؤول عن المعالجة هو كذلك موكل لدى المحامي، فإن تلك الشكوى قد تمثل انتهاكا للسر المهني وتضع المحامي في وضعية تضارب المصالح.
لهذا السبب، فإن اللجنة الوطنية قد أعفت المحامين من التزام الإبلاغ ( كشف القصور الذي قد يعتري معالجة المعطيات الشخصية ) وذلك بموجب المادة 22 من القانون الصادر سنة 2004.
وقد أصبحت هذه الإمكانية التزاما بعدم الإبلاغ في القانون الداخلي لهيئة باريس من خلال المادة 6.2.2.2 منه، التي تنص على أنه : ” لا يمكن للمحامي المراسل أن يبلغ عن موكله ( المسؤول عن المعالجة ) “.
– واجب الاستقالة :
تنص المادة السابقة أيضا على أنه :
“يتوجب على المحامي المراسل في حماية المعطيات الشخصية أن يضع حدا لمهمته إذا اعتبر أنه لم يعد قادرا على القيام بها “.
غير أن هذا المقتضى يثير مفارقة هامة :بحيث أنه إذا كان على المحامي التزام عدم الإبلاغ عن موكله لدى اللجنة الوطنية فإن استقالته التي يجب أن يعلم بها اللجنة الوطنية بموجب المادة 54 من المرسوم سالف الذكر قد يكون من آثارها أن تثير على الرغم من ذلك انتباه اللجنة الوطنية عن الإختلالات التي قد تعتري معالجة المعطيات الشخصية.
نشير في الختام أن مخالفة واحدة أو أكثر من هذه المبادئ تعد جريمة و إخلالا بالقواعد الأخلاقية، من شأنها أن تؤدي بالموازاة مع المحاسبة الجنائية إلى عقوبات تأديبية.
ج- الأدوار التي يقوم بها المحامي في هذا الميدان
يقوم المحامي المكلف بحماية المعطيات الشخصية بعدة أدوار لعل أهمها :
1- دور المساعدة في الإجراءات الأولية
من بين الأدوار التي يقوم بها المحامي المكلف بحماية المعطيات الشخصية نجد مساعدة المسؤول عن المعالجة في القيام بالإجراءات الأولية الإلزامية لدى اللجنة الوطنية التي تنص عليها قوانين حماية المعطيات الشخصية.
2- دور المساعدة في حالة المراقبة
في إطار إجراءات التحقق والمراقبة التي تقوم بهما اللجنة المكلفة بالسهر على تطبيق القانون في مجال حماية المعطيات الشخصية، بإمكان المسؤول عن المعالجة الحصول على مساعدة من مستشار أو خبير أو محامي من اختياره.
3- دور المساعدة أمام المحاكم
يقوم المحامي المندوب في حماية المعطيات الشخصية كذلك بدور مساعدة المسؤول عن المعالجة أمام المحاكم في حال نشوب نزاع بين هذا الأخير وأحد الأشخاص المعنيين ( العمال داخل المقاولة / المستهلكين الإلكترونيين بالنسبة لمواقع التجارة الإلكترونية / الموظفين بالنسبة للجماعات المحلية…) أو بينه وبين اللجنة المكلفة بمراقبة تطبيق قوانين حماية المعطيات الشخصية.
انطلاقا من كل هذا يتوجب على المشرع المغربي إدخال تعديلات على القانون 08-09 المتعلق بحماية المعطيات الشخصية يأخذ بعين الاعتبار التطورات التكنولوجية التي حدثت في العشر سنوات الأخيرة التي تلت صدور القانون المذكور ومن بين هذه التعديلات إلزامية تعيين مكلف أو مراسل أو مفوض ( الذي من الأنسب أن يكون محامي ) في حماية المعطيات الشخصية من قبل كل مسؤول عن معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي :
– بالنسبة لكل سلطة عمومية وكل هيئة عمومية ( الجماعات المحلية / الدولة / المؤسسات العمومية…) كيفما كانت طبيعة المعالجة التي تقوم بها.
– بالنسبة لكل الهيئات الخاصة ( مقاولات / مواقع إلكترونية …) التي تقوم على نطاق واسع بمعالجة معطيات شخصية حساسة.
– بالنسبة للمؤسسات القضائية ( المحاكم / السجل العدلي…) التي تعالج المعطيات المتعلقة بالمخالفات والإدانات والتدابير الوقائية.
نشير في هذا الصدد أن لمعنى تعبير ” على نطاق واسع ” أهمية خاصة بما أن مكتب محاماة صغير قد يقوم بمعالجة ملفات تنطوي على كميات هائلة من المعطيات الشخصية.
غير أن الاعتبار رقم 91 من التقنين الأوروبي يدعم فكرة أن هذا الاشتراط لا يطبق على المحامين الذين يمارسون المهنة بصفة فردية.
وقد نص هذا الإعتبار على أنه :
” لا تعتبر معالجة معطيات ذات طابع شخصي بأنها تمت على نطاق واسع إذا كانت المعالجة تهم معطيات شخصية تتعلق ب (…) محامي يمارس بصفة فردية “.
نفهم إذا أن معالجة المحامي للمعطيات ذات الطابع الشخصي التي تعود لموكليه أو للأشخاص الذين يشتغلون معه داخل المكتب، لا يمكن اعتبارها أنها تتم ” على نطاق واسع ”.
خاتمة :
يتوجب إذن على مهنة المحاماة في المغرب أن تمكن نفسها من جميع الوسائل من أجل استثمار الميادين الجديدة التي نشأت مع الثورة الرقمية.
صحيح أن أخلاقيات مهنة المحاماة تعيق في كثير من الحالات السادة المحامين من ولوج الكثير من النشاطات التي انبثقت عن الثورة الرقمية.
لذلك يتوجب على اللجنة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية وجمعية هيئات المحامين والوزارة الوصية والخبراء في ميدان القانون الإلكتروني الاتفاق على برنامج متكامل من أجل :
أولا : تقديم مقترح قانون ( وهو تقريبا موجود استلهمته من التقنين الأوربي والقانون الفرنسي والقانون التونسي مع أخد خصوصيات مهنة المحاماة بعين الاعتبار ) يتم بموجبه تتميم وتغيير القانون 08-09 المتعلق بحماية المعطيات الشخصية من أجل إنشاء وظيفة مراسل ( هذه التسمية أصبحت اليوم متجاوزة ) أو مندوب أو مكلف أو مفوض أو أي تسمية أخرى تعطي نفس المعنى في حماية المعطيات الشخصية.
ثانيا : إدخال بعض التعديلات على النصوص القانونية العامة والخاصة التي تحكم مهنة المحاماة من أجل وضع الإطار القانوني الذي يسمح للسادة المحامين بإضافة هذا النشاط إلى الأنشطة التي يقومون بها في مكاتبهم.
ولا يمكن لهذا الأمر أن يتحقق إلا في إطار ندوة وطنية يلتقي فيها كل المعنيين بالأمر لتدارس أنجع السبل من أجل خلق الإطار القانوني والتنظيمي الذي يسمح لهذه الوظيفة بالتطور في أحسن الظروف.
وأنا بدوري مستعد للتنسيق بين الأطراف في هذا المجال وكذلك توفير برنامج متكامل ( وهو موجود بالفعل ) لتكوين السادة المحامين في هذا المجال يصهر عليه قضاة ومحامون ومختصون في مجال المعلوميات وخبراء في مجال القانون الإلكتروني.
أتمنى على اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات الشخصية وعلى جمعية هيئات المحامين ( أو هيئة من هيئات المحامين أو أكثر ) وعلى الوزارة الوصية ( وزارة العدل والحريات ) وعلى كل من يكنه المساهمة من قريب أو من بعيد التفاعل مع هذا المقترح بما فيه خير للسادة المحامين وللمواطنين المغاربة من حيث حماية أكثر نجاعة لمعطياتهم الشخصية.
لا بد من التذكير أنه بدل أن يستسلم السادة المحامون لبعبع ( هي في الحقيقة حمل وديع ) الثورة الرقمية، لماذا لا يتم تطويع هذا البعبع للاستفادة من مزاياه التي تعد ولا تحصى.
لهذا السبب أقول أنه يتوجب على القائمين على هذه المهنة أن يبادروا بإدخال التعديلات الضرورية على النصوص التي تحكم مهنة المحاماة من أجل فتح آفاق جديدة أمام السيدات المحاميات والسادة المحامين للاستفادة من التطور الكبير الذي عرفته وما زالت تعرفه تكنولوجيات الإعلام والاتصالات.
اترك تعليقاً