الحماية الجنائية لصورة رجل الأمن في العصر الرقمي على ضوء القانون
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
في ضرورة وضع الأساس القانوني لمنع تصوير أو تسجيل رجال الشرطة خلال تأديتهم لمهامهم
مقدمة :
انتشرت في الآونة الأخيرة على مواقع التواصل الاجتماعي صور ومقاطع فيديو لرجال الأمن أثناء مزاولتهم مهامهم.
على أثر ذلك، أصدرت المديرية العامة للأمن الوطني مذكرة داخلية نصت على ضرورة تحرير محاضر وتوقيف كل شخص يحاول أو يقوم بتصوير أو تسجيل رجال الأمن أثناء أداء عملهم من دون إذن مع حجز الوسيلة ( آلة تصوير فوتوغرافي / كاميرا رقمية / هاتف متنقل…) التي استخدمت في ذلك.
ومن المعلوم أن الصورة ترتبط ارتباطا وثیقا بشخص الإنسان ( شخصا عاديا كان أم رجل سياسة أم رجل شرطة ) تفرض ضرورة حمایتها خصوصا في عصر تطور تكنولوجيات الإعلام والاتصالات.
وقد زادت أهمیة الحق في الصورة خاصة بعد ظهور كاميرات التصویر وغیرها من وسائل التصویر الرقمية الحدیثة وتقنيات تسجيل ونقل الصورة، حیث یمكن التقاط الصور حتى دون علم أصحابها.
وفي إطار ممارستهم لمهامهم اليومية، يكون رجال الأمن عرضة لالتقاط صورهم ( و حتى أقوالهم أي محادثاتهم ) من قبل صحافيين أو حتى أشخاص عاديين و نشرها عبر المواقع الإلكترونية أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
من جهة أخرى، أضاف القانون رقم 13-103 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء إلى مجموعة القانون الجنائي المادتين 447-1 و 447-2 اللتان تهدفان إلى حماية صورة الإنسان ( صورة المرأة وصورة الرجل وصورة رجل السياسة وصورة رجل الأمن… ) من الاعتداء عليها.
فبموجب المادتين المذكورتين، منح المشرع المغربي حماية جنائية للصورة من خطر الاعتداء عليها عن طريق التثبيت أو التسجيل أو النشر أو التوزيع بأي وسيلة كانت من دون رضاء صاحبها ( إنسان عادي / رجل سياسة / رجل شرطة..) أو تحريفها من أجل المس بسمعة وكرامة أي شخص بما في ذلك رجل الأمن.
ويثير موضوع الحماية الجنائية لصورة رجل الأمن في العصر الرقمي العديد من الإشكاليات القانونية لعل أهمها : هل الاعتداء على صورة رجل الأمن يجرم كيفما كانت الوسيلة المستخدمة ؟ هل الاعتداء على صورة رجل الأمن يجرم سواء تعلق الأمر بمكان خاص أو بمكان عام ؟ هل الاعتداء على صورة رجل الأمن يجرم كيفما كانت المهام الموكلة إليه ؟ هل الاعتداء على صورة رجل الأمن من خلال التلاعب بها مجرم أم لا ؟ ….
لهذا السبب قررنا فهم هذه الإشكالية لغاية توضيح الحقوق التي يتوفر عليها أو لا يتوفر عليها رجال الأمن في هذا الشأن، وكذلك ردود الفعل التي عليهم القيام بها في مواجهة من يخترق القانون في هذا الشأن.
غير أنه قبل استعراض الوضع في القانون المغربي في ما يتعلق بحق رجل الأمن في صورته، سنسلط الضوء على الحالة في القانون الفرنسي في هذا الشأن لنفهم كيف أنه على المشرع المغربي إضافة مقتضيات قانونية جديدة إلى القانون الجنائي أو أي قانون مرتبط بالمجال الأمني من أجل تحقيق نوع من التوازن بين حق رجل الأمن في صورته وحرية الغير في الإعلام والتعبير والمحاسبة.
أولا : الحالة في القانون الفرنسي
السؤال المطروح هو التالي : هل يستفيد رجال الأمن ( رجال الشرطة / رجال الدرك / رجال الجمارك…) من الحق في الصورة على غرار باقي الناس العاديين ؟ أم أن لهؤلاء وضع خاص في هذا الشأن ؟
فحسب النظرية العامة للقانون، ليس هناك من سبب يسمح بالتمييز بين رجال الأمن والناس العاديين في ما يتعلق بالحق في الصورة والحق في الحياة الخاصة بصفة عامة.
وقد استقر القضاء الفرنسي بالإجماع على أن أي شخص يملك الحق في صورته سواء تعلق الأمر برجل عادي أو امرأة أو رجل سياسة أو رجل أمن أو غيرهم.
ولفهم الحالة في القانون الفرنسي، لا بد من التمييز بين المقتضيات القانونية العامة والمقتضيات القانونية الخاصة التي تحكم حق رجل الأمن في صورته.
أ- المقتضيات العامة
یقصد بالحق في الصورة حق أي شخص بالاعتراض على تصویره أو تسجيله أو نشر صورته أو مقطع فيديو يظهر فيه بدون موافقته المسبقة.
ويحمي القانون الفرنسي صورة رجل الأمن من خلال حماية صورته من الالتقاط أو التسجيل أو النشر من جهة ومن خلال تجريم التلاعب بصورته لغاية المس بسمعته وكرامته من جهة أخرى.
1- لرجل الأمن الحق في صورته في القانون الفرنسي
مثله في ذلك مثل أي مواطن عادي، يحمي القانون الفرنسي حق رجل الأمن في صورته من خلال المادة 226-1 ( التي أخد عنها المشرع المغربي بشكل حرفي المادة 447-1 ) من القانون الجنائي الفرنسي التي تمنع التقاط أو تسجيل أو نقل صورة شخص يتواجد في مكان خاص.
هذا يعني أن صورة رجل الأمن لا تتم حمايتها إلا إذا تم التقاطها أو تسجيلها عند تواجد هذا الأخير في مكان خاص.
هذا يعني كذلك أن مبدأ حماية الحياة الخاصة لا يجد طريقه للتطبيق على صور رجال الأمن التي يتم التقاطها أو تسجيلها في الأماكن العامة.
بمعنى أنه عندما يتواجد رجل الأمن في الأماكن العامة أو ما شابه ( الشوارع / الأسواق / الجزء المفتوح على العموم من مقر الشرطة مثلا ) فإن القانون لا يحمي حقه في صورته.
في هذه الحالة لا يمكن لرجال الأمن التعرض على تصوير ( التصوير الفوتوغرافي ) أو تسجيل ( التسجيل الفيديوي ) لتدخلاتهم التي تتم في الأماكن العامة.
في حين أن الأجزاء غير المفتوحة على العموم لمقر الشرطة تعتبر مكانا خاصا، وبالتالي لا يمكن التقاط صورة رجل أو رجال الأمن المتواجدين في هكذا مكان.
ففي حكم لها صادر بتاريخ 2 أبريل 2002 جرمت الغرفة الأولى لمحكمة الاستئناف بباريس نشر جريدة يومية لصور فوتوغرافية لضباط شرطة داخل الحي المعزول بسياج أمني ( الذي أصبح مكانا خاصا ) من أجل ضمان سرية المعلومات القضائية واعتبرت أن هذا الفعل يعتبر انتهاكا للحق في الصورة لضباط الشرطة المعنيين.
هذا يعني أن المكان الذي كان في الأصل مكانا عاما أصبح بفعل السياج الأمني مكانا خاصا يمنع فيه بموجب القانون أخد صور أو تسجيل مقاطع فيديو لرجال الأمن.
من جهة أخرى، فإن قرارات عديدة لمحكمة النقض الفرنسية اعتبرت أن نشر صور لرجال الأمن خلال ممارستهم لمهامهم مسموح به عندما تكون الغاية من ذلك هي توضيح حدث من أحداث الساعة ( الحق في الإعلام ).
حيث يسمح بأخذ صورة رجل الأمن الذي يتواجد في الشارع العام شريطة أن تكون الغاية هي توضيح حدث من أحداث الساعة.
فإذا تم أخد الصورة في سياق حدث ذو أهمية تبرر نقله للعموم، فلن يكون من الضروري حجب وجوه الأشخاص ( رجال الأمن وغيرهم ) المعنيين كشهود أو الحشد الموجود في المكان.
غير أنه على هذه الصور أو التسجيلات أن تحترم كرامة رجل الأمن وأن لا تقدم معلومات خاطئة دون تشويه أو تحريف للحقائق.
وفي حالة نشوب خلاف ( لأنه في الميدان القانوني يوجد دائما خلافات حول تفسير النصوص )، ستكون للقاضي الكلمة الأخيرة في تحديد ما إذا تم احترام التوازن بين الحق في الإعلام / الحق في التعبير من جهة والحق في الصورة من جهة أخرى.
فسواء تم أخد الصورة أو تسجيل فيديو من قبل صحافي أو حتى من قبل شخص عادي، فإن حرية الإعلام تسمو على الحق في الصورة أو احترام الحياة الخاصة لأي كان ( شخص عادي أو رجل أمن أو غيرهما ).
هذا يعني أنه ليس من الضروري حجب وجوه الأشخاص المتواجدين في الصورة أو في مقطع الفيديو عندما يتم تصوير أو تسجيل رجل أمن في سياق حدث من أحداث الساعة له من الأهمية ما يبرر نقله للعموم ( عن طريق الجرائد أو شاشات التلفزة أو عبر شبكة الإنترنت ).
نصل إلى أن القانون والقضاء الفرنسيين لا يعتبران بشروط ( كما سنبين ذلك في ما بعد ) أن تصوير أو تسجيل رجال الأمن خلال قيامهم بمهامهم ونشر ما يتحصلون عليه من صور فوتوغرافية أو تسجيلات فيديوية عملا غير مشروع سواء قام بذلك صحفي مهني أو حتى شخص عادي.
أكثر من ذلك فإن حق رجل الأمن في صورته ليس بتلك القوة والصرامة التي تتمتع بها صورة المواطن العادي. بمعنى أن صورة رجل الأمن محمية بشكل أقل من صورة المواطن العادي.
ويعود ذلك إلى أن رجل الأمن يمارس وظيفة عمومية وأن تدخلاته تجعله منخرطا في أحدات الساعة ( أحداث سياسية أو أمنية أو رياضية أو فنية… ) تبرر بموجب مبدأي حرية التعبير وحرية الإعلام التقاط أو تسجيل صورته ونشرها وبالتالي ليس بإمكانه التعرض على ذلك.
ويضاف إلى الأسباب القانونية سالفة الذكر، مبدأ أساسي وهو كون رجل الأمن يخضع لقواعد أخلاقية صارمة عند ممارسته لمهامه، وبالتالي ليس عليه أن يخشى تسجيل صورته في حدود الواقع الذي توجد عليه.
لذا، فإن هذه الوضعية توسع من المجال العام لرجال الأمن والتزامهم بقبول أن يكونوا عرضة للتصوير الفوتوغرافي أو التسجيل الفيديوي في الأماكن العامة عندما يقومون بمهمة للمصلحة العامة شريطة أن تخلو الصور أو الفيديوهات من التلاعب الذي يمس بسمعة وبكرامة رجل الأمن.
2- الاعتداء على سمعة رجل الأمن من خلال الصورة
إن الاعتداء على صورة رجل الأمن لا تقتصر على التقاط أو تسجيل أو بث أو توزيع هذه الصورة، بل تمتد لتشمل الاعتداء على كرامته و سمعته من خلال تركيب صورته أو فيديو يظهر فيه لا يعكس الحقيقة ونشرها عبر المواقع الإلكترونية أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
ذلك أنه أصبح بالإمكان اليوم التلاعب بصور ( أو أقوال ) حقيقية لرجل الأمن من أجل إعطائها معنى أو مظهرا مختلف وغير متطابق مع الواقع من أجل الإضرار بسمعته أو التشهير به.
ويعود ذلك إلى أن الرقمنة التي عرفتها آلات التصوير الفوتوغرافي والهواتف الذكية والبرمجيات التي تسمح بذلك سهلت بشكل كبير من إمكانية التلاعب بالصور والفيديوهات التي يظهر فيها رجال الأمن أو غيرهم.
حيث لم تعد هناك حاجة لامتلاك مهارات كبيرة للقيام بعمليات تركيب الصور والفيديوهات من أجل الإضرار بسمعة رجال الأمن أو غيرهم مادام أن الوسائل الضرورية للقيام بذلك أصبحت في متناول الجميع على شبكة الإنترنت.
ففي مجال الحق في الصورة، يمكن القول أن هناك نوعين من التحريف ( التغيير و التبديل الذي يجري على صورة رجل الأمن ) :
التغيير الذي ينصب على أصل الصورة ( صورة رجل الأمن ) بحيث يتم التغيير في ملامح هذه الصورة و تكون مختلفة عن الصورة الأصلية،
التغيير الذي ينصب على معنى الصورة ( صورة رجل الأمن ) حيث يتم تغيير المعنى الحقيقي للصورة لمعاني أخرى خاطئة عن صاحب الصورة.
و في كلتا الحالتين فإن التحريف بهذه الكيفية يهدف إلى تشويه شخصية صاحب الصورة و يستعمل كوسيلة للخداع و الكذب و ذلك بأن ينسب لصاحب الصورة سلوكاً لم يصدر عنه قط، أو تظهره في وضع أو مكان لم يوجد فيه مطلقاً بحيث يعتقد من يشاهد الصورة بأنها مطابقة للواقع تماما.
ومع ظهور الكاميرات الرقمية و الحواسيب والبرامج الخاصة بها، تم إيجاد طرق جديدة لتحريف صورة رجل الأمن و التلاعب بها سواء كانت هذه الصورة ثابتة أو متحركة ( مقطع فيديو ).
وقد أصبحت العملية أكثر سهولة و خاصة مع ظهور الصور الالكترونية التي يتم التقاطها بواسطة الكاميرات الرقمية أو الهاتف النقال.
فهذه الصور تسهل فبركتها و إعادة تركيبها و معالجتها سواء من خلال نظام معالجة الصور في الهاتف المحمول ذاته أو من خلال نقلها إلى جهاز الحاسوب لإجراء التعديلات عليها بواسطة برامج المعالجة الرقمية للصور الأمر الذي قد يؤدي إلى تغيير معالم الصورة بالكامل و تزوير مشاهد غير حقيقية و تركيبها على مشاهد أخرى يجعلها تكون أقرب للحقيقة.
وقد جرم المشرع الفرنسي من خلال المادة 8-226 من القانون الجنائي الفرنسي ( التي أخد عنها المشرع المغربي بشكل حرفي المادة 447-2 ) المونتاج الذي يجري على صورة الإنسان شخصا عاديا كان أم رجل أمن أم غير ذلك لغاية الإضرار بسمعته وكرامته.
بالإضافة إلى هذه المقتضيات العامة التي تهم في نفس الوقت رجل الأمن أو غيره من أيها الناس، وضع المشرع الفرنسي مقتضيات خاصة برجل الأمن تأخذ بعين الاعتبار الوضع الخاص لهذه الفئة من الناس.
ب- المقتضيات الخاصة
إلى جانب المقتضيات ذات الطابع العام التي عرضنا لها، نجد في التشريع الفرنسي مقتضيات ذات طابع خاص تحمي صورة رجال الأمن المنتمين إلى بعض المصالح أو بعض الوحدات المشار إليها في القرار الوزاري الصادر بتاريخ 27 يونيو 2008 (قرار يتعلق باحترام غفلية anonyma بعض موظفي الأمن).
يتعلق الأمر بالمهام التي تتطلب لأسباب أمنية احترام خصوصية بعض رجال الأمن ( وحدات محاربة الإرهاب / وحدات محاربة التجسس / وحدات محاربة المافيا / الإدارة المركزية للشرطة القضائية المكلفة بأمن الدولة….).
فالقيود الوحيدة إذن في القانون الفرنسي في ما يتعلق بتسجيل ونشر صور وفيديوهات رجال الأمن لا تستفيد منها سوى المصالح المتخصصة المحددة حصرا في القرار الوزاري السالف الذكر.
هذا يعني أن هناك فئات من رجال الأمن وليس كل رجال الأمن التي تستفيد بموجب هذا القرار من منع أخد صور أو تسجيل فيديوهات لها ( سواء من قبل أشخاص عاديين أو حتى من قبل صحفيين ).
لا بد هنا من الإشارة إلى أنه من الصعوبة بالنسبة للشخص العادي أو حتى للصحفي المهني معرفة ما إذا كان رجل الأمن المراد تصويره أو تسجيله ينتمي إلى هذه الفئة أم لا، مما يجعل الصحفيين وأكثر منهم الأشخاص العاديون يترددون ألف مرة قبل الإقدام على هكذا فعل.
نخلص إلى أن رجال الشرطة في فرنسا لا يستفيدون من حماية خاصة في ما يتعلق بالحق في الصورة، ماعدا أولئك الذين تم تعيينهم في مصالح محاربة الإرهاب والتجسس مثلا أو بالنسبة للآخرين عندما يتم إرفاق صورهم بعبارات السب أو القذف أو عندما يتم تركيب صورهم والتلاعب بها بما يفضي إلى الإضرار بسمعتهم.
ثانيا :الوضع في القانون المغربي
يحمي القانون المغربي شأنه في ذلك شأن القانون الفرنسي صورة رجل الأمن كغيره من الناس من خلال حماية صورته من أفعال التثبيت أو التسجيل أو البث أو التوزيع من جهة ومن خلال تجريم التلاعب بصورته لغاية المس بسمعته وكرامته من جهة أخرى.
أ- لرجل الأمن الحق في صورته في القانون المغربي
يتمتع رجل الأمن في القانون المغربي بحقه الطبيعي في صورته عندما يتم تثبيتها أو تسجيلها أو بثها أو توزيعها بأي وسيلة عند تواجده في مكان خاص.
1- معيار المكان الخاص
شأنه في ذلك شأن المشرع الفرنسي، اشترط المشرع المغربي بموجب المادة 447-1-2 من القانون 13-103 أن يقوم الجاني بتثبيت أو تسجيل أو بث أو توزيع صورة المجني عليه ( رجل الأمن ) عند وجوده في مكان خاص.
أما السلوك الإجرامي فقد حددته نفس المادة في فعلي التثبيت والتسجيل والبث والتوزيع.
ويقصد بالتثبيت تثبيت صورة رجل الأمن ( أو غيره ) على دعامة مادية (النيجاتيف) أو الدعامة الرقمية للهاتف النقال .
ويتحقق الركن المادي لهذه الجريمة بمجرد تثبيت الصورة على دعامة مادية كيفما كانت طبيعتها.
هذا يعني أن الجريمة تقع تامة في ركنها المادي حتى لو لم يكن باستطاعة الجاني فنياً معالجة النيجاتيف كيميائياً لإظهار الصورة أو استخراج الصورة المخزنة في الدعامة الرقمية.
ويقصد بالتسجيل حفظ الصورة (أو شريط الفيديو) على دعامة رقمية مخصصة لذلك حتى تتم مشاهدة الصورة أو الشريط في ما بعد.
ويتحقق الركن المادي لهذه الجريمة كذلك بمجرد تسجيل صورة رجل الأمن أو شريط الفيديو الذي يظهر فيه هذا الأخير على دعامة كيفما كانت طبيعتها.
2- كيفما كانت الوسيلة
لم يشترط المشرع المغربي من جهة أخرى وسيلة معينة تقع بها جرائم التثبيت أو التسجيل أو البث أو التوزيع لصور رجال الأمن، وذلك عندما استعمل عبارة ” بأي وسيلة كانت بما في ذلك الأنظمة المعلوماتية ‘‘.
هذا يعني أن الأداة المستخدمة في تثبيت أو تسجيل صور رجل الأمن أو أشرطة الفيديو التي يظهر فيها لا تهم، سواء تم ذلك عن طريق الكاميرا الرقمية المدمجة في الهاتف النقال أم بواسطة وسائل أخرى للبث أو للتسجيل.
كما لا تهم الوسيلة التي استخدمت في بث أو توزيع الصور أو مقاطع الفيديو سواء تم ذلك عن طريق الوسائط المادية ( الصحف والمجلات ) أو الوسائط الإلكترونية ( مواقع التواصل الاجتماعي مثلا ).
ب- حماية كرامة رجل الأمن من خلال صورته
سبق وقلنا أن الاعتداء على صورة رجل الأمن لا تقتصر على التقاط أو تسجيل أو بث أو توزيع هذه الصورة، بل تمتد لتشمل الاعتداء على كرامته و سمعته من خلال تركيب صورته أو فيديو يظهر فيه لا يعكس الحقيقة ونشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وقد جرم المشرع المغربي كما فعل قبله المشرع الفرنسي من خلال المادة 447-2 المونتاج الذي يجري على صورة الإنسان شخصا عاديا كان أم رجل أمن أم غير ذلك لغاية الإضرار بسمعته وكرامته.
لذلك فإن صورة رجل الأمن التي تتعرض للتلاعب من خلال فبركتها و إعادة تركيبها مما يؤدي إلى تغيير معالم الصورة بالكامل و تزوير مشاهد غير حقيقية و تركيبها على مشاهد أخرى يجعلها تكون أقرب للحقيقة مما يضر بسمعة وبكرامة رجل الأمن.
في الوضع الذي يوجد عليه القانون المغربي في ما يتعلق بالحق في الصورة، فإن رجال الأمن شأنهم في ذلك شأن أي مواطن لا يمكنهم التعرض على التقاط أو تسجيل أو نشر صورهم خلال ممارستهم لمهامهم في الأماكن العامة كيفما كانت الوسيلة المستخدمة في التثبيت أو التسجيل أو في البث أو التوزيع.
وبالتالي لا يمكن لرجال الأمن توقيف الصحفيين أو حتى الأشخاص العاديين الذين يقومون بتصويرهم أو تسجيل فيديوهات لهم في الأماكن العامة أو المفتوحة على العموم أو حجز الوسائل التي استعملت في ذلك أو إتلاف الصور التي تم التقاطها أو الفيديوهات التي تم تسجيلها.
خاتمة :
لقد فهمنا من ما سبق أن ليس من حق رجال الأمن توقيف الأشخاص الذين يقومون بالتصوير أو التسجيل سواء كان صحافيا أو غير ذلك أو نزع الوسيلة المستخدمة في ذلك أو إتلاف التسجيل أو الدعامة التي استخدمت في ذلك.
وفي جميع هذه الحالات قد يتعرض رجل الأمن إلى إجراءات تأديبية بل وحتى إلى المتابعة القضائية إذا لم يتم إضافة مقتضيات قانونية جديدة تسمح بذلك.
ونختم بالقول أن إشكالية الحماية الجنائية لحق رجل الأمن في صورته في العصر الرقمي معقدة للغاية تتداخل فيها حقوق أخرى مثل الحق في الإعلام والحق في التعبير والحق في المراقبة وغيرها من حقوق الإنسان الأخرى التي من بينها دون أدنى شك حق رجل الأمن في حماية حياته الخاصة.
لذاك يتوجب على المشرع المغربي من خلال نص قانوني ( مرسوم أو على الأقل قرار وزاري ) إضافة مقتضيات قانونية تسمح للأمن من جهة بمنع استخدام آليات أو وسائل للتصوير الفوتوغرافي أو التسجيل الفيديوي داخل مقراتها والمقرات التابعة لها وكذلك في الأماكن التي يمارس فيها رجال الأمن مهامهم خاصة منها المهام التي لها علاقة بمحاربة الإرهاب أو التجسس أو العصابات المنظمة أو كل ما يمس بالأمن الداخلي والخارجي للدولة المغربية ومن جهة أخرى حماية الحق في الإعلام والحق في التعبير التي أصبحت من الحقوق الراسخة في العصر الرقمي.
فأنا شخصيا مع من يدعي أن حرية الإعلام وحرية التعبير تسمو على الحق في احترام الصورة أو الحياة الخاصة لرجل الأمن أو غيره عندما لا تكون الغاية من ذلك الاعتداء على كرامة رجل الأمن عن طريق فبركة الصور أو الأشرطة التي يظهر فيها أو انتهاك سرية البحث أو التحقيق في الجرائم خاصة منها تلك التي تمس بالأمن الداخلي والخارجي للدولة.
اترك تعليقاً