إعادة نشر بواسطة محاماة نت
من إعداد : محمد القاسمي باحث في العلوم القانونية وخريج ماستر الأسرة، مدير مسؤول عن مجلة الباحث للدراسات القانونية والقضائية، مدير مسؤول عن سلسلة أبحاث قانونية جامعية معمقة.
مقدمة :
لا يخلوا أي مجتمع إنساني من أشخاص يعانون من القصور في أهليتهم، أو بعض العوارض التي تجعل هذه الأخيرة تمنعهم من التصرف في أموالهم بكل حرية، سواء كانت هذه العوارض تنقص الأهلية كما الحال بالنسبة للسفه[1] والعته[2]، أو تعدمها كالجنون أو الصغير الغير المميز[3].
فلقد اهتم المشرع المغربي بهذه الفئة، كما عمل على توفير الحماية الكافية لهم من جميع النواحي، وتتجلى الأهمية الكبرى التي أولاها بهم في الشق المالي خصوصا، حيث أحدث مسطرة دقيقة يتم سلوكها عندما تتولد الرغبة في من يمارسون أحكام النيابة[4] على هؤلاء في بيع أموالهم سواء المنقولة أو العقارية.
فالمقنن المغربي أحال بصريح المادة 274 من مدونة الأسرة[5] على القواعد المسطرية المضمنة في قانون المسطرة المدنية[6]، التي تنظم إجراءات بيع أموال القاصر سواء كانت منقولة أو عقارية[7]، وذلك بالنص:
“يتم بيع العقار أو المنقول المأذون به طبقا للإجراءات المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية…”
فبموجب هذه الإحالة الواردة في المادة 274 من مدونة الأسرة على قانون المسطرة المدنية، فيمكن لمن يمارس أحكام النيابة الشرعية بعد الإذن له بيع أموال القاصر، خصوصا المنقولة، أن يسلك الإجراءات المسطرية المحددة في القواعد العامة الإجرائية.
من كل هذا وذلك، تطرح الإشكالية التي مفادها: إلى أي حد وفق المشرع المغربي في وضع جملة من النصوص القانونية تعنى بتنظيم إجراءات بيع أموال القاصر المنقولة وحمايتها؟
وسيرا منا للإلمام بتفاصيل الإشكالية المطروحة، ومحاولة إعطاء مقترب جواب عنها، سنعمد إلى تبني التصميم المبين بعده: – المطلب الأول: الجهة المختصة بمنح الإذن ببيع منقولات القاصر وطبيعته، – المطلب الثاني: أنواع البيوعات التي تنصب على منقولات القاصر، وإجراءات إتمامها.
المطلب الأول: الجهة المختصة بمنح الإذن ببيع منقولات القاصر وطبيعته
سعيا من المشرع لحماية الذمة المالية للقاصر، فقد كرس رقابة متفاوتة على البيوعات الواردة على منقولاته، سواء كان النائب – البائع لها – وصيا أو مقدما، على اعتبار أن الولي الشرعي لا تمارس عليه رقابة عندما يود بيع أموال ابنه القاصر، إلا إذا تجاوزت سقفا معينا كما هو محدد في المادة 240 من المدونة[8].
في حين أخضع المشرع باقي ممارسي النيابة الشرعية على القاصر – سواء كان هذا النائب وصي للأب أو للأم أو مقدما – إلى رقابة قضائية على كل إجراء يهدف إلى بيع أموال القاصر المنقولة[9]، حيث ألزم هؤلاء الحصول على إذن من قاضي المكلف بشؤون القاصرين ( الفقرة الأولى) وهو الأمر الذي نتساءل معه حول الطبيعة القانونية للأوامر التي يتخذها هذا القاضي في هذا الصدد(الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : الإذن الصادر من قاضي شؤون القاصرين والرامي إلى بيع منقول القاصر
أوقف المشرع تمام بيع أموال القاصر المنقولة الذي يجريها الوصي أو المقدم، على إذن يمنح لهما من طرف القاضي المكلف بشؤون القاصرين، حيث يتخذ هذا الأخير جميع التدبير التي تمكن الوصي أو المقدم من القيام بإحصاء أموال القاصرين، وكذا ينظر في أمر تسييرها والحفاظ عليها، وتفويتها، بالإضافة إلى منح الإذن للمقدم أو الوصي في جميع التصرفات التي تحتاج إلى ترخيص منه.
فأي تصرف يرمي إلى بيع أموال القاصر المنقولة، سواء من قبل وصيه أو مقدمه، فهو يحتاج إلى إذن من القاضي المكلف بشؤون القاصرين، وهو ما جاء بصريح المادة 201 من قانون المسطرة المدنية الذي نصت على أنه:” يأذن القاضي المكلف بشؤون القاصرين للوصي أو المقدم في بيع أموال قاصره المنقولة بطريق المراضاة لمصلحة هذا الأخير إذا لم تتجاوز قيمتها ألفي درهم…”
فانطلاقا من مقتضيات الفصل المذكور أعلاه، يتضح أن المشرع أوقف بيع منقولات القاصر من قبل وصيه أو مقدمه على ترخيص يسلمه القاضي المكلف بشؤون القاصرين، لكن ما يلاحظ على هذا النص أن المشرع المغربي قام باستبعاد الولي من هذا المقتضى، حيث لم يدرجه من ضمن الأشخاص الذين يستوجبون استصدار إذن من القاضي المكلف بشؤون القاصرين عندما يرغب في بيع أموال ابنه القاصر المنقولة، حيث يبقى من حقه القيام بهذا التصرف دون رقابة كقاعدة عامة.
وهذا الأمر هو الذي دهب إليه المجلس الأعلى في أحد قراراته جاء فيها :” القانون الذي يحكم النيابة الشرعية للمغاربة المسلمين هي مدونة الأحوال الشخصية، التي تعطي للأب الولاية العامة على أولاده القاصرين له التصرف في أموالهم بما فيها البيع دون إذن سابق من القاضي. المقدم والوصي، هو الذي يحتاج إلى إذن القاضي بالنسبة لهذه التصرفات وليس الأب.”[10].
يتضح من خلال مضمون القرار الصادر عن المجلس الأعلى أنه استبعد الولي – الذي هو الأب أو الأم في حالة عدم وجوده أو فقده للأهلية – من رقابة القضاء المتمثلة في تلك التي يمارسها القاضي المكلف بشؤون القاصرين، وأبقى على هذه الرقابة لكي يخضع لها كل من الوصي والمقدم.
والرأي في ما نعتقد أن ما ذهب إليه الاجتهاد القضائي في هذا الصدد صائب، لأن عدم إخضاع الولي للرقابة التي يمارسها القضاء أمر يجد ما يشفع له، على اعتبار أن الولي سيحرص كل الحرص على أموال ابنه القاصر ولن يعطيه خاطره أن يقوم بالإضرار بفلذة كبده، فإن لم يسعى إلى جلب النفع له، فلن يطمح إلى إلحاق الضرر به، فالرابطة الدموية التي تجمع بين الطرفين تجعل الولي يتحاشى أي تصرف قد يلحق أي نوع من أنواع الضرر بابنه، على خلاف أنه ليس هناك علاقة دموية مباشرة بين الوصي أو المقدم والقاصر، مما يكون معه مراعاة مصالحه من طرفهما غير كاملة إلى حد ما، مما يجعل رقابة قاضي شؤون القاصرين تأتي لتكمل هذا الحرص، وتلزم الوصي والمقدم على إعارة الاهتمام لمصالح القاصر في كل كبيرة وصغيرة، وخصوصا عندما يهم الأمر بيع أموال هذا القاصر.
الفقرة الثانية : طبيعة الإذن الممنوح من طرف قاضي شؤون القاصرين
إن من الأمور التي تثار في هذا الصدد، هو طبيعة الإذن الذي يمنحه قاضي المكلف بشؤون القاصرين، والذي بموجبه يمكن للوصي أو المقدم أن يبيع أموال القاصر المنقولة، هل يمنحها بصفته القضائية؟ أم أنه يمنحها بصفته الولائية؟
إن الإذن الممنوح يعتبر مظهرا من مظاهر الرقابة القضائية الممارسة على تصرفات المقدم أو الوصي، وذلك لأجل ضمان الحماية الكافية لأموال القاصر من استغلال واختلاس الشخص الذي عهد له الإشراف عنها، حيث يسعى إلى المحافظة عنها وتنميتها إلى حين بلوغ القاصر سن الرشد القانوني المحدد في المادة 209 من مدونة الأسرة[11]، مع تخلف عوارض الأهلية سواء المعدمة أو المنقصة لها.
فبالعودة إلى طبيعة الأوامر التي يتخذها القاضي المكلف بشؤون القاصرين بخصوص الإذن الممنوح للنائب الشرعي الرامي إلى بيع أموال القاصر المنقولة، فكثيرة هي المعايير التي اعتمد عليها بعض الفقهاء و الباحثين مستندين في ذلك إلى مقتضيات الفصلين 148 و 149 من قانون المسطرة المدنية.
وعليه، يبقى السؤال مطروحا، أي المعايير الأنجع لتبيان الطبيعة القانونية للإذن الذي يمنح قاضي شؤون القاصرين والرامي إلى بيع أموال القاصر المنقولة، ففي هذا الصدد ذهب بعض الفقه ويمثله الأستاذ عبد الرحيم بلعكيد إلى القول أن وضع حدود للسلطة القضائية من جهة والولائية من جهة التي يجمع بينها قاضي شؤون القاصرين، فالسلطة الولائية ترجع إلى الإشراف العام الذي يمارسه على النيابة القانونية داخل دائرته الترابية في حماية مال القاصر من الضياع وتبذيره واستثماره، فهي لا تتعلق البتة بالفصل في نزاع، لذا كانت الأوامر التي يصدرها ذات طبيعة ولائية، أما سلطته القضائية فإنها ترجع إلى المنازعات التي يفصل فيها لأن طبيعة هذه السلطة هي الفصل في النزاع، خلافا للسلطة الولائية[12].
والتوجه السالف الذكر هو ما لم يستسغه بعض الفقه[13]، وسنده في ذلك أن بعض الأوامر التي يتخذها القاضي المكلف بشؤون القاصرين مع أنه يتخذها بصفته الولائية إلى أنه ومع ذلك تنشئ أو تقرر مركز قانونيا.
وأمام هذا الرأي وذاك، نرى أن طبيعة هذا الإذن الذي يتخذه القاضي المكلف بشؤون القاصرين، والذي بموجبه يأذن للنائب الشرعي ببيع أموال القاصر المنقولة، لا يعدو أن يكون متخذا بصفته الولائية، وسندنا في ذلك أن الأوامر الولائية يتم اتخاذها لأجل ضمان حق أو لحفظه أو ضمان مطابقة تصرف معين للقانون، والإذن الممنوح هذا لا يعدو أن يكون إلى ضمانة لحماية أموال القاصر من تلاعب وتبذير النائب الشرعي، وكذلك درءا لأي تواطأ أو اختلاس، في حين نستبعد أن يكون هذا الإذن دو طبيعة قضائية، لأنه لا يهدف إلى الفصل في دعوى قضائية.
المطلب الثاني : أنواع البيوعات التي تنصب على منقولات القاصر، وإجراءات إتمامها
استنادا إلى الفصل 201 و202 من قانون المسطرة المدنية، نلاحظ أن هناك نوعين من الطرق التي يتم بها البيع المنصب على أموال القاصر المنقولة، حيث حسب الفصل 201، فالبيع يتم بطريقة المرضاة (الفقرة الأولى) في حين أن مضمون الفصل 202 من نفس القانون يتحدث عن الطريقة الثانية التي يتم بها البيع، وهي البيع بالمزاد العلني (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: البيع بالتراضي لمنقول القاصر وإجراءاته
يقصد بالبيع بالمرضاة كما هو وارد في الفصل 201 من قانون المسطرة المدنية، ذلك البيع الذي يتم بالتراضي والاتفاق بين كل من الوصي أو المقدم والمشتري، من غير إتباع إجراءات الإشهار والسمسرة العمومية[14].
فلأجل أن يأذن القاضي المكلف بشؤون القاصرين بهذا النوع من البيوع، فلابد من تحقق شرطين، نص عليهما الفصل 201 من قانون المسطرة المدنية، ويتمثل هذين الأخيرين في:
الشرط الأول : أن تقل قيمة المنقول المراد بيعه عن مبلغ ألفي (2000) درهم، وهو ما صرحت به الفقرة الأولى من الفصل المذكور بتنصيصها على أنه:” يأذن القاضي المكلف بشؤون القاصرين للوصي أو المقدم في بيع أموال قاصره المنقولة بطريق المراضاة لمصلحة هذا الأخير إذا لم تتجاوز قيمتها ألفي درهم…” مما يمكن معه أن نستشفه أنه في حالة تجاوز قيمة المنقول ألفي (2000) درهم فهناك طريقة أخرى حددها المشرع لكي يتم البيع بها.
الشرط الثاني : أن تكون هناك مصلحة ظاهرة للقاصر إذا تم البيع بهذه الطريقة، حيث يجب أن يكون الثمن الذي اقترحه المشتري يوازي القيمة الحقيقية للمنقول المبيع تلافيا لأي غبن أو ضرر قد يلحق بالقاصر، وهو الأمر الذي أكده المشرع في الفقرة الثانية من الفصل 201 من قانون المسطرة المدنية، وذلك بتنصيص أنه:” يتحقق القاضي في هذه الحالة قبل منح الإذن من أن الثمن المقترح يوافق قيمة المنقولات التي يقومها خبير يعينه لهذه الغاية عند الاقتضاء وليثبت أن الثمن المعروض لا غبن فيه ولا ضرر على المحجور.”
فهنا أعطى المشرع للقاضي أن يستعين بخبير يجري خبرة لكي يتبين له من خلالها ما إن كان الثمن المقترح من المشتري مناسبا للقيمة الحقيقية للمنقول، وما إذا لم يكن في الأمر غبن ولا ضرر قد يلحق بالمحجور في الأمر، ومن هنا تتجلى مظاهر حماية المشرع لأموال القاصر والحفاظ على مصالحه كطرف ضعيف في العلاقة.
فبمجرد ما يتحقق الشرطين المذكورين أعلاه، يأذن القاضي المكلف بشؤون القاصرين لمن يمارس النيابة الشرعية – سواء كان وصيا أو مقدما – بأن يوقع البيع بالتراضي، حيث يتم تسليم المنقول إلى المشتري، وقبض الثمن من قبله، ولا يستوجب أن يفرغ البيع في صك مكتوب، مادام أن قانون الالتزامات والعقود لم يستوجب الكتاب إلا إذا كانت قيمة المعاملة تتجاوز 10 ألاف درهم.
الفقرة الثانية : إنجاز البيع بالمزاد العلني لمنقول القاصر وإجراءاته
جاع الفصل 202 من قانون المسطرة المدنية للتنصيص على ما يلي:” إذا لم تقع المراضاة أو كانت قيمة المنقولات تتجاوز ألفي درهم أجري البيع بالمزاد العلني بواسطة كتابة الضبط.
يقع هذا المزاد في أقرب سوق عمومي أو في أي مكان آخر يتوقع فيه الحصول على أحسن نتيجة. ويحاط العموم علما بتاريخ ومكان المزاد بكل وسائل الإشعار المناسبة لأهمية المبيع.
يباشر البيع بواسطة عون من كتابة ضبط القاضي المكلف بشؤون القاصرين تحت إشراف هذا الأخير، ويرسو المزاد على من قدم أعلى عرض في التاريخ والمكان المعينين.
يجرى المزاد بعد انتهاء أجل ثمانية أيام من يوم إشهار إعلان البيع إلا إذا كان المنقول عرضة للتلف أو لتقلب الأسعار حيث يمكن للقاضي في هذه الحالة تقصير الأجل من يوم إلى آخر ومن ساعة إلى أخرى.
يحدد الثمن الأساسي للبيع خبير يعينه القاضي لهذه الغاية. يسدد المشتري الثمن والصوائر حالا ولا تسلم له المنقولات إلا بعد أداء ثمنها نقدا. ينذر عند تأخره عن الأداء بتأديته دون أجل. إن لم يستجب للإنذار الموجه إليه أعيد البيع على نفقته ومسؤوليته.
يتحمل المشتري المتخلف الفرق بين الثمن الذي رسا به المزاد عليه والثمن الذي وقفت به المزايدة الجديدة إذا كان هذا الثمن أقل من الثمن الأول أما إذا كان أكثر فلا حق له في الفرق بينهما.”
إن مقتضيات الفصل المومأ إليها أعلاه تعتبر الإطار العام الذي يتم من خلاله بيع منقول القاصر في المزاد العلني من طرف كاتب الضبط، ويستشف من خلال مضامين هذا الفصل أنه يجب توفر شرطين لكي يتم البيع بالمزاد العلني، ويتمثل هذه الشرطين في ما يلي:
الشرط الأول : أن تتجاوز قيمة المنقول ألفي (2000) درهم، خلافا للحالة الأولى التي يكون فيها المبلغ أقل من ألفي (2000) درهم، حيث يتم البيع في هذه الحالة بالمرضاة كما سبق تبيانه في الفقرة الأولى من هذا المطلب.
الشرط الثاني : عدم وقوع المرضاة في البيع، أي أن البيع بالمرضاة غير ممكن لانعدام رضا بين البائع الذي هو كاتب الضبط والمشتري.
وقد حدد الفصل المذكور القائم على البيع وهو كاتب الضبط الذي يشتغل في كتابة ضبط المحكمة التي يوجد في دائرة نفوذها القاضي المكلف بشؤون القاصرين، والذي منح الإذن بالبيع.
كما حدد كذلك الأماكن التي يمكن أن يتم فيها البيع بالمزاد العلني المتمثلة في أقرب سوق عمومي، أو في أي مكان آخر يمكن في الحصول على ثمن يليق بالمنقول المبيع، ويستعمل في خضم إنجاز هذا البيع مجموعة من وسائل الإشهار، كمثال إلصاق إعلانات، أو اعتماد البراح في الأسواق…، ويراعى في ذلك قيمة المبيع وأهميته، حيث بمجرد فتح المزاد العلني في التاريخ والمكان المحدد له من طرف كاتب الضبط فيستمع لعروض العامة، ويرسو المزاد على من قدم أعلى عرض فيه.
وقد حدد المشرع المغربي الأجل الذي يتم فيه البيع بالمزاد العلني، حيث لا يتم إلا بعد أجل ثمانية أيام من يوم إشهار إعلان البيع، مع الاستثناء من هذا الأجل المنقول الذي يخاف عليه من التلف قبل إنجاز المزاد أو تغير الأسعار، حيث يحدد تاريخ أقرب لإجراء المزاد، أما بخصوص ثمن المزاد فيحدد بواسطة خبير يعينه قاضي شؤون القاصرين لهذا الغرض، وبمجرد رسو المزاد يكون من رسا في حقه ملزما بدفع الثمن نقدا وفي الحال، بالإضافة إلى الصوائر الأخرى، وفي حالة تقاعس من رسا عليه المزاد عن تسليم ما عليه، فيتم إنذار بضرورة تسليم النقود مع حرمانه من الأجل الذي سبق وأن حدد له للدفع، أما إذا لم يستجيب للإنذار يعاد البيع في مزاد علني أخر على نفقة ومسؤولية المتقاعس.
أما إذا ادعى الغير أن المنقولات المراد بيعها في المزاد ملك له، يؤجل البيع إلى أن يبت القاضي المكلف بشؤون القاصرين في الأمر في أقرب وقت، فإذا كان إدعاء الغير صحيحا ومرفوقا بحجج كافية طلب القاضي إخراج تلك الأشياء من المزايدة. ويستثنى من ذلك المنقولات التي يشيع الفساد فيها بسرعة حيث تستمر إجراءات بيعها ولا يسلم ثمنها إلى أن يبت في ملكيتها من طرف قاضي الموضوع.
فإذا وافق القاضي المكلف بشؤون القاصرين على تأجيل البيع قدم طلب بإخراج الأشياء إلى محكمة مكان التنفيذ خلال أجل ثمانية أيام من تاريخ الأمر؛ وإلا فتواصل الإجراءات، ولا تتابع عند الاقتضاء إلا بعد الحكم في هذا الطلب.
ولا يطعن في وثيقة البيع بالمزاد العلني إلا بالزور، حسب مقتضيات الفصل 204 من قانون المسطرة المدنية[15].
أما إذا تعلق الأمر ببيع أصل تجاري، فقد نص المشرع في الفصل 205 من قانون المسطرة المدنية على ما يلي:” ينصب البيع إذا تعلق الأمر بأصل تجاري على جميع عناصره بعد قيام الوصي أو المقدم بإجراءات التبليغ للبائعين السابقين وفق مقتضيات الفصل 3 من ظهير 13 من صفر 1333 (31 ديسمبر 1914).
يعين القاضي المكلف بشؤون القاصرين الذي يوجد بدائرته المركز الرئيسي للأصل التجاري بطلب من الوصي أو المقدم خبيرا لتحديد الثمن الأساسي.
لا يمكن أن يرسو المزاد على من قدم العرض الأعلى إذا كان الثمن يقل عن ثمن التقويم الذي حدده الخبير لمجموع العناصر المادية المكونة للأصل التجاري. تباع في هذه الحالة بالتقسيط مختلف العناصر التي تكون الأصل التجاري”
في حين نص الفصل 206 من قانون المسطرة المدنية[16] على طريقة بيع القيم المنقولة والسندات، ومن له الحق في بيعها، حيث أعطى المشرع حق الإذن في بيعها لقاضي شؤون القاصرين كذلك.
خاتمة :
انطلاقا من كل ما تقدم ذكره، نخلص إلى العديد من الخلاصات لعل أهمها :
أوقف المشرع تمام بيع أموال القاصر المنقولة الذي يجريها الوصي أو المقدم كممارسين للنيابة الشرعية على القاصر، على إذن يمنح لهما من طرف القاضي المكلف بشؤون القاصرين، بخلاف أنه لم يخضع المشرع الولي الشرعي سواء كان أبا أو أما لنفس المقتضى، بحيث يمكن لهذين الآخرين أن يقوما ببيع أموال ابنهما القاصر دون أية رقابة قضائية كقاعدة عامة.
إن طبيعة الإذن الذي يتخذه القاضي المكلف بشؤون القاصرين، والذي بموجبه يأذن للنائب الشرعي ببيع أموال القاصر المنقولة، لا يعدو أن يكون متخذا بصفته الولائية، والسند في ذلك أن الأوامر الولائية يتم اتخاذها لأجل ضمان حق أو لحفظه أو ضمان مطابقة تصرف معين للقانون، والإذن الممنوح هذا لا يعدو أن يكون إلى ضمانة لحماية أموال القاصر من تلاعب وتبذير النائب الشرعي، وكذلك درءا لأي تواطأ أو اختلاس.
يقع بيع أموال القاصر المنقولة بطريقة المرضاة، وذلك بتوفر شرطين هما أن تقل قيمة المنقول المراد بيعه عن مبلغ ألفي (2000) درهم، وأن تكون هناك مصلحة ظاهرة للقاصر إذا تم البيع بهذه الطريقة، كما يتم بيع هذه المنقولات بطريقة المزاد العلني إذا توفر شرطين هما أن تتجاوز قيمة المنقول ألفي (2000) درهم، وكذا عدم وقوع المرضاة في البيع، أي أن البيع بالمرضاة غير ممكن لانعدام رضا بين البائع الذي هو كاتب الضبط والمشتري.
الهوامش :
[1] – تنص المادة 215 من مدونة الأسرة على ما يلي:” السفيه هو المبذر الذي يصرف ماله فيما لا فائدة فيه، وفيما يعده العقلاء عبثا، بشكل يضر به أو بأسرته.”
[2] – تنص المادة 216 من المدونة على ما يلي:” المعتوه هو الشخص المصاب بإعاقة ذهنية لا يستطيع معها التحكم في تفكيره وتصرفاته.”
3- تنص المادة 217 من مدونة الأسرة على أنه:” يعتبر عديم أهلية الأداء :
أولا : الصغير الذي لم يبلغ سن التمييز ؛
ثانيا : المجنون وفاقد العقل”
[4] – المقصود بالنيابة في هذا المقام هي النيابة القانونية التي يمارسها الولي، أو النيابة القضائية التي يمارسها المقدم الذي يعينه القاضي.
[5] – مدونة الأسرة المغربية الصادرة بموجب الظهير الشريف رقم 1.04.22 بتاريخ 12 من ذي الحجة 1424 الموافق ل 3 أكتوبر 2004، والقاضي بتنفيذ القانون رقم 70/03 بمثابة مدونة الأسرة والمنشورة في الجريدة الرسمية عدد 5184 بتاريخ 14 ذي الحجة 1424 الموافق ل 5 فبراير 2004، الصفحة 418.
[6] – ظهير شريف بمثابة قانون رقم 1.74.447 بتاريخ 11 رمضان 1394 (28 شتنبر 1974) بالمصادقة على نص قانون المسطرة المدنية، الجريدة الرسمية عدد 3230 مكرر، بتاريخ 13 رمضان 1394 (30 شتنبر 1974)، ص 2741.
[7]– أشار المشرع المغربي إلى بيع أموال القاصر سواء المنقولة أو العقارية في الفصول 201 إلى 211 من قانون المسطرة المدنية.
[8] تنص المادة 240 من مدونة الأسرة على ما يلي:” لا يخضع الولي لرقابة القضاء القبلية في إدارته لأموال المحجور، ولا يفتح ملف النيابة الشرعية بالنسبة له إلا إذا تعدت قيمة أموال المحجور مائتي ألف درهم (200 ألف درهم). وللقاضي المكلف بشؤون القاصرين النزول عن هذا الحد والأمر بفتح ملف النيابة الشرعية إذا ثبتت مصلحة المحجور في ذلك. ويمكن الزيادة في هذه القيمة بموجب نص تنظيمي.”
[9] نص المشرع المغربي على الإجراءات المتبعة لأجل بيع أموال القاصر المنقولة أو العقارية في الفصول من 201 إلى 211 من قانون المسطرة المدنية.
[10] قرار صادر عن المجلس الأعلى عدد 546 ، في الملف الشرعي عدد 83/95، الصادر بتاريخ 14/05/1991.
[11] – تنص المادة 209 من مدونة الأسرة على أنه :” سن الرشد القانوني 18 سنة شمسية كاملة.
[12] عبد الرحمان بلعكيد، علم الفرائض (المواريث، الوصية، تصفية التركة) مطبعة النجاح الجديدة، الرباط، الطبعة الثالثة، 1995، ص. 255. 226.
[13] عبد الباسط جميعي، سلطة القاضي الولائية، مقال منشور بمجلة العلوم القانونية والاقتصادية، سنة 1996، العدد الثاني، البند 116، ص. 630.
[14] – عبد العزيز حضري، القانون القضائي الخاص، دار النشر الجسور، وجدة، 1999، الطبعة الأولى، ص. 232.
[15] – ينص الفصل 204 من قانون المسطرة المدنية على أنه :” لا يطعن في وثيقة البيع إلا بالزور.”
[16] – ينص الفصل 206 من قانون المسطرة المدنية على أنه:” تباع القيم المنقولة والسندات والأسهم أو حصصها في البورصة بأمر يصدره القاضي المكلف بشؤون القاصرين.”
اترك تعليقاً