بحث قانوني قيم بعنوان النشاط الإداري
الأستاذ الدكتور عمار بوضياف
قسم القانون العام
الأكاديمية العربية المفتوحة الدانمارك
إن مهام ووظائف الإدارة عديدة ومتنوعة وتختلف حسب النظام السياسي. وهي محل اهتمام كل من علماء الإدارة والقانون الإداري والمهتمين بالعلوم السياسية. واذا كان علم الإدارة يهتم خاصة بوظيفة التخطيط والتنفيذ. فان فقهاء القانون الإداري يهتمون بالإدارة من حيث نشاطها وأموالها وموظفيها ومنازعاتها باعتبارها شخصا من أشخاص القانون الإداري.
والحقيقة أيا كانت وظائف الإدارة ومهامها، فان نشاطها يظل مرصودا لخدمة الجمهور، والا لماذا عمدت السلطة العامة الى تزويد الإدارة بالجانب البشري والجانب المادي وأحاطتها بنسيج من النصوص القانونية بما يساعدها على القيام بمهمتها.
وتوفير الخدمة للجمهور يمكن أن يتم من خلال إنشاء مرفق عام تعود منافعه عليه (الجمهور). ويمكن أن يتم بإلزام الإدارة الأفراد بالقيام بعمل معين أو الإمتناع عن سلوك محدد. وقد اصطلح الفقه على النوع الأول من الأعمال بالنشاط الإيجابي (نظرية المرفق العام). أما النوع الثاني فقد اصطلح عليه بالنشاط السلبي (نظرية الضبط الإداري).
وتبعا لذلك قسمنا هذا الفصل الى مبحثين. تناولنا في:
المبحث الأول: المرفق العام.
المبحث الثاني: الضبط الإداري.
المبحث الأول:
المرفق العام.
تقتضي دراسة نظرية المرفق العام استعراض مفهومه وتطور هذا المفهوم وإبراز عناصره. كما تقتضي التطرق لأنواع المرافق ونظامها القانوني وطرق إدارتها.
وعليه فضلنا تقسيم هذا المبحث إلى ستة مطالب سنتناول في:
المطلب الأول: مفهوم المرفق العام.
المطلب الثاني: تطور وظيفة الدولة وأثره على مفهوم المرفق.
المطلب الثالث: عناصر المرفق العام.
المطلب الرابع: أنواع المرافق العامة.
المطلب الخامس: النظام القانوني للمرافق العامة.
المطلب السادس: طرق إدارة المرافق العامة.
المطلب الأول: مفهوم المرفق العام.
في البداية ينبغي التذكير إن لفكرة المرفق العام علاقة وثيقة بالقانون الإداري كفرع من فروع القانون. وهذا ما رأيناه عند دراسة أسس القانون الإداري. حيث استندت مدرسة المرفق العام لهذه الفكرة القانونية واعتبرتها أساسا لتحديد نطاق القانون الإداري و تطبيق أحكامه.
كما اعتمد عليها أيضا لرسم مجال اختصاص كل من القضاء العادي والقضاء الإداري. واعتبرت مدرسة المرفق العام الدولة بمثابة جسم خلاياه المرافق العامة. ويعتبر المرفق العام أكثر المفاهيم القانونية غموضا وإثارة للجدل. فمن الفقهاء من ارتكز على معيار الوظيفي. ومنهم من استند في تعريف المرفق العام الى معيار العضوي ومنهم من مزج بين الأول والثاني.
المعنى العضوي: يقصد بالمرفق العام تبعا لهذا المعنى كل منظمة عامة تنشئها الدولة وتخضع لإدارتها بقصد تحقيق حاجات الجمهور. ومن هنا جاز اعتبار كل من مرفق القضاء والأمن والدفاع وغيرها مرافق عامة لأنها منظمات أنشأتها الدولة بغرض أداء خدمة للجمهور. ويتصف هذا المعنى بالشمولية والإطلاق حتى أن الدكتور أحمد محيو قال عنه يقصد بالمرفق العام تبعا لهذا المفهوم الإدارة بشكل عام.
المعنى الوظيفي أو الموضوعي: يقصد بالمرفق العام بالنظر للمعيار الموضوعي كل نشاط يباشره شخص عام بقصد إشباع حاجة عامة ومن ثم تخرج عن نطاق هذا التعريف سائر النشاطات الخاصة كالمؤسسة الخاصة كما يخرج عنه المشروعات التي تستهدف فقط تحقيق الربح.
المطلب الثاني: تطور وظيفة الدولة وآثارها على مفهوم المرفق العام.
عند ظهور فكرة المرفق العام خلال القرن التاسع وبداية القرن العشرين لم تكن على درجة من الإبهام والغموض كالذي نراه الآن. خاصة وأن وظائف الدولة في تلك المرحلة كانت واضحة ودقيقة ولأن المرافق العامة في بداية الأمر كانت تتسم بارتباطها بمظهر سيادة الدولة الأمر الذي جعل الفقهاء يجمعون على خضوعها للقانون العام. غير أن تطور وظيفة الدولة طرح إشكالا قانونيا في غاية من العمق. هل يصح اعتبار المرافق الاقتصادية من قبيل المرافق العامة ومن ثم نخضعها هي الأخرى لقواعد القانون العام، أم أنها تخرج أصلا عن عداد المرافق العامة؟
في الحقيقة ليس من السهل الفصل في هذه الإشكالية بعيدا عن فكر وخلفية كل فقيه بخصوص الوظائف الأساسية للدولة. وإذا كانت المرافق ذات الطابع الإداري لم تطرح من حيث الأصل إشكالية بشأن خضوعها للقانون العام، فان الأمر لم يكن كذلك بالنسبة للمرافق الاقتصادية خاصة وأنها تخضع في نشاطها لكثير من قواعد القانون الخاص.
ولقد سئل الفقيه ديجي عن النشاطات التي يمكن وصفها بالمرفق العام فرد قائلا:
” أنه لا يمكن إعطاء جواب ثابت لأن هناك شيء ما يتغير بصورة أساسية كل ما يمكن قوله هو أنه بقدر نمو المدنية يزداد عدد النشاطات القابلة لأن تستخدم كأساس للمرافق وينمو بالتالي عدد المرافق”. ومشابه لهذا القول ما ذهب اليه الدكتور أحمد محيو ” ان مفهوم المرفق العام لا يمكن أن يكون مفهوما قانونيا مجردا أو حياديا وليس له معنى الا في ضوء محتواه والغايات الاقتصادية والاجتماعية التي أسندت له والتي يجب تحديدها..1.. ويعني ذلك أن لهذا المفهوم علاقة بكل مسألة من مسائل القانون الإداري، فالقرار الإداري هو الذي يتصل موضوعه بالمرفق العام. وتكون المسؤولية إدارية إذا كانت ناتجة عن مرفق عام . والعقد الإداري هو الذي يبرمه مرفق عام . والنزاع الإداري هو الذي يكون أحد أطرافه شخص من أشخاص القانون العام وهكذا. ولقد خص الدكتور سليمان محمد الطماوي أهمية فكرة المرفق العام على الصعيد القانوني قائلا ” إن نظرية المرفق العام تؤدي دورها كاملا ومن ينكرها فإنما يتنكر لكافة قواعد القانون العام والتي بنيت على أساس الأحكام الضابطة لسير المرافق العامة “.
المطلب الثالث: عناصر المرفق العام.
1- المرفق العام تنشأه الدولة:
إن كل مرفق عام تحدثه الدولة. ويقصد بذلك أن الدولة هي التي تقدر اعتبار نشاط ما مرفقا عاما وتقرر إخضاعه للمرافق العامة بناءا على قانون معين. وليس من اللازم أن يكون كل مشروع تحدثه الدولة أن تتولى هي مباشرة إدارته، فكثيرا ما تعهد الإدارة إلى الأفراد أو شركة خاصة بأداء خدمة عامة تحت إشرافها وهو الوضع الذي يجسده نظام الامتياز أو الشركات المختلطة وسنفصل في هذا الأمر عند دراستنا لطرق تسير المرفق.
ويفترض في المرفق العام الذي تتولى الدولة احداثه أن يكون على قدر من الأهمية والا لكان قد ترك الأفراد. وفي هذا المعنى قدم الفقيه ديجي وصفا للمرفق العام باعتباره نشاطا بأنه: أنواع النشاط أو الخدمات التي يقدر الرأي العام في وقت من الأوقات وفي دولة معينة أن على الحكام القيام بها نظرا لأهمية هذه الخدمات للجماعة. ولعدم إمكان تأديتها على الوجه الأكمل بدون تدخل الحكام.
2- هدف المرفق هو تحقيق المصلحة العامة:
عرفنا سابقا أن المرفق العام مشروع يستهدف تحقيق مصلحة عامة. وهذا العنصر هو أكثر العناصر إثارة للجدل من جانب الفقهاء.
ذلك أن المصلحة العامة هي هدف كل وظيفة إدارية، بل وحتى المؤسسات التي تسيرها الدولة والتي تكون غايتها تجارية بحتة كالمؤسسات الإقتصادية انما تسعى الى تحقيق المصلحة العامة.
كما أن المصلحة العامة ليست حكرا على الإدارة فمن الوظائف التي يمارسها الأشخاص العاديون ما تتصل كذلك بالمصلحة العامة كخدمات البناء والنقل.
ولقد اقترح الفقه معيارا للخروج من هذه الإشكالية فإذا كانت المصلحة العامة تمثل الغاية الأولى من النشاط الذي يقوم به الشخص القانوني وتوفرت الأركان الأخرى يتكون المرفق العام. أما إذا كانت المصلحة العامة تمثل غاية ثانوية لهذا النشاط فان الوظيفة لا ترتقي إلى منزلة المرفق العام.
يقول René Chapusريني شابي في هذا الصدد: (إذا كانت الوظيفة تمارس أساسا لصالح الغير فإنها تمثل مرفق عاما. وإذا كانت تمارس أساسا للصالح الذاتي للمصلحة التي تتبعها فإنها تمثل وظيفة لصالح النفع الخاص.
ويترتب على تمييز المرفق بهذا الوصف أن كل مرفق عام ينبغي أن يخضع الى مبدأ المجانية. ولا يقصد بذلك عدم وجود مقابل بل القصد أن فرض مقابل ما ليس هو الغاية المقصودة من خلال القيام بالنشاط. أي أن المجانية لا تفيد هنا انعدام المقابل انعداما تاما، بل تفيد فقط أنه ليس من الضروري أن يكون المقابل مساويا للتكلفة المالية للمرفق العام. فعندما يلزم الطالب في الجامعة مثلا بدفع رسوم رمزية كل سنة جامعية فان ما قدمه لا يغطي أبدا الخدمات التي ينتفع بها من مرفق التعليم العالي.
3- خضوع المرفق لسلطة الدولة:
سبقت الإشارة أنه ليس كل مشروع يهدف الى تحقيق النفع العام يعد مرفقا عاما، لأن هناك من المشروعات الخاصة ما يعمل على تحقيق النفع العام كالمدارس والجامعات الخاصة والجمعيات.
ومن هنا تعين أن يتصف المرفق العام بصفة أخرى تميزه عن غيره وهي خضوعه للدولة. وهو ما يترتب عليه أن لهذه الأخيرة وهيئاتها ممارسة جملة من السلطات على المرفق سواء من حيث تنظيمه وهيكلته أو من حيث نشاطه. فالدولة هي من تنشئ المرفق، وهي من تحدد له نشاطه وقواعده تسييره وعلاقته بجمهور المنتفعين، ومن حيث بيان سبل الانتفاع ورسومه (السلطة على نشاط المرفق).
والدولة هي من تضع التنظيم الخاص بالمرفق وتبين أقسامه وفروعه وتعين موظفيه وتمارس الرقابة على النشاط وعلى الأشخاص (السلطة على المرفق كهيكل).
4- خضوع المرفق لنظام قانوني متميز:
إن المشروع الذي رصد لتحقيق مصلحة عامة وأنشأته الدولة و تولت هي إدارته مباشرة أو عهدت به إلى أحد الأفراد أو الشركات انما يحكمه نظام قانوني خاص. وما أجمع عليه الفقهاء أن هذا النظام يختلف من مرفق إلى آخر. حسب طبيعته غير أن هناك قواعد مشتركة تحكم المرافق جميعا سنتولى توضيحها عند دراسة النظام القانوني للمرافق العامة. ويجدر التنبيه أن بعض الفقهاء اعتبر خضوع المرفق لنظام قانوني متميز بمثابة الأثر المترتب على كونه مرفق عاما فهو إذن نتيجة ولا يمكن اعتباره عنصرا من عناصر المرفق العام.
المطلب الرابع: أنواع المرافق العامة.
يمكن تقسيم المرافق العامة من زوايا متعددة سواء من حيث طبيعة نشاطها أو السلطة التي تنشئها أو لاختلاف دائرة نشاطها نستعرض هذه الأنواع فيما يلي:
أولا: تقسيم المرافق من حيث طبيعة أو نوعية النشاط.
من حيث هذه الزاوية يمكن تقسيم المرافق إلى مرافق إدارية وأخرى اقتصادية ومرافق ثقافية وأخرى مهنية.
1- المرافق الإدارية: وهي المرافق التي تؤدي الخدمات المرفقية التقليدية وقد لازمت الدولة منذ زمن طويل وعلى رأسها مرفق الدفاع والأمن والقضاء ثم مرفق الصحة والتعليم. وهذه المرافق عادة ما تتسم بارتباطها بالجانب السيادي للدولة الأمر الذي يفرض قيامها بهذه النشاطات وأن لا تعهد بها الأفراد بما في ذلك من خطورة كبيرة.
ورغم قدم هذا النوع من المرافق إلا أن الفقه لم يهتد لوضع معيار دقيق يمكن توظيفه والاعتماد عليه لمعرفة هذا النوع من المرافق على الأقل. وتكمن صعوبة وضع معيار في اختلاف نشاطات المرافق ذات الطابع الإداري. لذلك ذهب بعض الفقهاء إلى القول أن المرافق الإدارية هي مجموعة المرافق التي لا تدخل في عداد بقية أنواع المرافق الأخرى وهو ما أطلق عليه بالتحديد السلبي للمرافق.
فهذا الفقيه ديلوبادير يعرفها، بأنها ” تلك المرافق التي لا تعتبر مرافق صناعية أو تجارية أو مهنية ” وعرفها الدكتور فؤاد مهنا بأنها ” المرافق التي يكون نشاطها إداريا وتخضع في تنظيمها وفي مباشرة نشاطها للقانون الإداري وتستخدم وسائل القانون العام .
والمرافق الإدارية في غالبيتها تتميز بأن الأفراد لا يستهويهم نشاطها فلا يتصور أن يبادر الأفراد إلى إنشاء مرفق للأمن أو القضاء فهذا النوع من النشاط دون غيره يجب أن يلحق بالدولة ويدعم ماليا من قبلها ويسير أيضا من جانبها بصفة مباشرة. ولا يمكن لدولة أن ترفع يدها عن هذا النوع من النشاطات لأنها تدخل ضمن وظيفتها الطبيعية أو واجباتها تجاه الأفراد. ولقد أحسن أستاذنا الدكتور محمد سليمان الطماوي الوصف عندما قال إن هذا النوع من المرافق شيد على أساسها نظريات القانون الإداري الحديث .
وهو أمر أكدنا عليه أكثر من مرة ذلك أن الدارس للقانون الإداري في كل محور من محاوره كثيرا ما تصادفه فكرة المرفق العام ذو الطابع الإداري سواء عند التطرق للقرار الإداري أو العقد الإداري أو المنازعة الإدارية أو المال العام أو سلطات الإدارة وغيرها. وتتميز هذه المرافق عن غيرها أيضا أنها تخضع من حيث الأصل للقانون العام في سائر نشاطاتها لأنها تستخدم وسيلة القانون العام. وهو ما اتضح جليا من التعريف المذكورة للدكتور فؤاد مهنا.
واذا كان من الثابت فقها وقضاء أن المرفق الإداري يخضع على سبيل الاستثناء لقواعد القانون الخاص، إلا أن هناك من أنصار مدرسة المرفق العام من اعتبر ذلك غير منسجم مع قواعد القانون العام ذاته .
2- المرافق الاقتصادية: وهي مرافق حديثة النشأة نسبيا تسبب فيها التطور الإقتصادي وظهور الفكر الاشتراكي مما دفع بالدولة إلى ممارسة نشاطات كانت في أصلها معقودة للأفراد،و مثال هذا النوع من المرافق المؤسسات الصناعية والمؤسسات التجارية. وإذا كان الفقه قد أجمع كما رأينا على إخضاع المرافق الإدارية لقواعد القانون العام، فأن الأمر لم يكن كذلك بالنسبة للمرافق الاقتصادية خاصة وقد ثبت ميدانيا أن المرافق الإدارية يتسم عملها بالبطئ وإجراءاتها معقدة وتكاليفها باهظة، وهذه الآليات لا تساعد المرافق الاقتصادية التي تحتاج إلى أن تحرر أكثر وتخضع لإجراءات يسيرة يفرضها مبدأ المنافسة.
إن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها أن المرافق الاقتصادية إن خضعت لآليات القانون العام جملة، فإنها ستلقى منافسة شديدة من جانب المؤسسات الخاصة. ولربما يؤدي إلى زوالها مع مرور الوقت. لذلك اتجه الرأي الحديث في القانون الإداري وقضاء مجلس الدولة الفرنسي إلى تحرير المرافق الصناعية من قيود القانون العام. .
ولقد أثار ظهور المرافق الاقتصادية إشكالا على المستوى القانوني تمثل في إيجاد معيار فاصل بين المرافق الإدارية والمرافق الاقتصادية. نوجز هذا الخلاف فيما يلي:
– الرأي الأول: معيار القانون الواجب التطبيق أو النظام القانوني الذي يخضع له المرفق:.
وذهب مناصروه إلى القول أن ضابط التمييز بين المرافق الاقتصادية والمرافق الإدارية يكمن في أن النوع الأول من المرافق يخضع للقانون الخاص بحكم ممارسة لنشاط مماثل للذي يقوم به الأفراد. خلافا للنوع الثاني الذي يخضع كليا للقانون العام. ويؤخذ على هذا الرأي أنه يصادر على المطلوب فالخضوع لقواعد القانون العام أو القانون الخاص إنما هو نتيجة طبيعية ترتبت على الاعتراف بالطابع الإداري والإقتصادي للمرفق. ومن ثم لا يمكن الاعتماد عليه.
– الرأي الثاني: معيار الغاية.
رأى جانب آخر من الفقهاء أن أداة التمييز بين النوعين من المرافق الاقتصادية والإدارية تكمن في أن المرافق الاقتصادية تبتغي في نشاطها تحقيق الربح خلافا للمرافق الإدارية.
ويؤخذ أيضا على هذا الرأي أن تحقيق الربح من عدمه هو نتيجة مترتبة على طبيعته. كما أن المرافق الإدارية تتقاضى رسوما لقاء قيامها بخدمة ما للجمهور.
– الرأي الثالث: معيار شكل المشروع أو ومظهره الخارجي.
ذهب رأي في الفقه إلى التركيز على شكل المشروع أو مظهره الخارجي. فيعد المرفق اقتصاديا إذا أدير عن طريق شركة. إما إذا تولت السلطة العامة إدارته فهو على هذا النحو مرفق إداري. غير أن هذا الرأي تعرض للنقد مفاده أنه لاشيء يمنع السلطة العامة من أن تتولى أيضا إدارة المرافق الاقتصادية.
– الرأي الرابع: معيار طبيعة النشاط.
وهو أكثر المعايير الفقهية شيوعا بالنظر لدقته. ويقوم هذا المعيار على أساس طبيعة النشاط الذي يزاوله المرفق. فإذا كان هذا المرفق يمارس نشاطا يعتبره القانون تجاريا فيما لو قام به الأفراد عد المرفق على هذا النحو تجاريا. ولقد تبنى هذا الرأي كبار فقهاء القانون الإداري. ونحن بدورنا نعتقد أنه معيار سليم خاصة وقد سلط الضوء على ضابط يمكن الاعتماد عليه للتمييز بين النوعين من المرافق. وإذا كان الدكتور محمد أنس قاسم اعتبر أنه في المرافق الإدارية الوضع الغالب الإدارة هي من تديرالنشاط خلافا للمرافق الاقتصادية يعهد بالنشاط لأحد أشخاص القانون الخاص .
فوائد التفريق بين المرافق الإدارية والمرافق الاقتصادية:
إن فوائد التفرقة بين المرافق الإدارية والمرافق الإقتصادية كثيرة ومتنوعة يمكن حصرها في جانبين أحدهما يتعلق بالنظام القانوني الذي يخضع له المرفق والثاني يتعلق بالجهة القضائية صاحبة الاختصاص بالنظر في النزاع. نوضح هذا الأمر فيمايلي:
1- من حيث النظام القانوني الذي يخضع له المرفق:
إن الدارس للقانون الجزائري الخاص بالمرافق العامة يلاحظ دون شك صور الاختلاف في مجال النصوص بين المرافق العامة ذات الطابع الإداري والمرافق العامة ذات الطابع الإقتصادي. ولعل هذا الاختلاف يتضح أكثر عندما نستعرض أهم المراحل التشريعية التي مرت بما المرافق بنوعيها الإدارية والاقتصادية.
أ- المرحلة الانتقالية 62 إلى غاية جوان 66: لقد تعارض غداة الاستقلال تياران حول طبيعة ومدى الإصلاحات التي يتطلبها عالم المؤسسات العامة. فطالب اتجاه بضرورة الإبقاء على النظام الفرنسي بما يتسم به من دقة ويترتب على هذا انقسام عالم الشغل إلى قسمين: قسم يحكمه قانون الوظيفة العامة وآخر يحكمه قانون العمل.
وطالب اتجاه آخر بمقاطعة التشريع الفرنسي كلية وإيجاد نظام آخر يتماشى وفلسفة الدولة المستقلة ويعزز مبدأ السيادة. ولقد حسم القانون 62- 157 الصادر في 31 ديسمبر 1962 الأمر فقضى بالمحافظة على التشريع الفرنسي إلا ما كان منه يتنافى والسيادة الوطنية. أي ببساطة العمل بمقتضى قانون الوظيفة العامة وقانون العمل والتمييز بين الموظفين والأجراء.
غير أن لهذا الموقف ما يبرره حيث أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية كانت في غاية من التدهور ولم يكن بإمكان الدولة عمليا الاستغناء كلية على التشريع الفرنسي كأداة تنظيم مختلف المؤسسات والقطاعات. فضلا على أن عملية الاستغناء الكلي عن التشريع الفرنسي كانت تحتم اقتراح تشريع بديل يحكم شؤون الدولة في شتى نشاطاتها الإدارية والاقتصادية والاجتماعية.
وقامت الحكومة الجزائرية في شهر سبتمبر 1965 بتشكيل لجنة عليا ضمنت ممثلين عن وزارة المالية والداخلية وذلك بغرض وضع قانون أساسي للوظيفة العامة يحكم المؤسسات الإدارية ذات الطابع الإداري. وقد تم فعلا إعداد مشروع وعرض في جانفي 1966 على مختلف الإدارات والوزارات وتمت مناقشة على مستوى مجلس الثورة ثم صدر في جوان 1966.
ولقد تميزت هذه المرحلة بالتباين والاختلاف المحسوس بين الأنظمة المطبقة على المؤسسات الإدارية والاقتصادية سواء في مجال الأجور أو الترقية أو الحماية الاجتماعية أو التقاعد وغيرها. الأمر الذي نتج عنه حالة من عدم الاستقرار الوظيفي وانتقال اليد العاملة من القطاع الإداري للقطاع الإقتصادي بحثا عن أجر أرفع وامتياز أفضل.
وقد سبب هذا الوضع ضررا بالنسبة للدولة. وهذا ما يتضح جليا من الفقرة الواردة في بيان الأسباب لقانون الوظيفة العامة حيث جاء فيها:
“… وبناء عليه فان وضعية الموظفين تتميز حاليا بمظهر مزدوج نتيجة عدم الاستقرار الحقوقي وعدم الاستقرار في الوظيفة من جهة أخرى فالموظفون يبحثون دائما عن الوضعية التي تدرأ عليهم بأكثر من الفوائد…”. وجاء في فقرة أخرى:
” وتثبت التجربة مدى الضرر الذي يلحق سلطة الدولة وفي نفس الوقت بالأموال العمومية من جراء ترك تباين محسوس قائم بين النظم الخاصة بالقوانين الأساسية والمرتبات والتقاعد والفوائد الاجتماعية للموظفين التابعين لطبقتين من المصالح العمومية وان إعلان المزايدات بشأن الفوائد المالية التي تجري حاليا ضد الإدارات هي التي سببت في أكبر جزء من عدم الاستقرار الحقوقي وعدم الاستقرار الوظيفي اللذين تعانيهما الوظيفة العمومية منذ الاستقلال…”.
وكان لابد لهذا الوضع من تغيير خاصة أمام تطور وظيفة الدولة لتمس المجالين الإداري والإقتصادي وتزايد عدد العاملين بالقطاع العام مما فرض ضرورة إعادة النظر في النسق القانوني المطبق في كل من المؤسسات الإدارية والاقتصادية.
ب- مرحلة صدور القانون الأساسي للوظيفة العامة 1966: لقد صدر القانون الأساسي للوظيفة العامة في 2 جوان 1966 وجاء ليحد من ظاهرة التباين المحسوس في عالم الشغل بين طبقتين من مصالح العمومية (القطاع الإداري والقطاع الإقتصادي). والشيء الجدير بالذكر بخصوص هذا النص أنه لم يستبعد العاملين بالمؤسسات الصناعية والتجارية من مجال تطبيقه إذ ورد في بيان الأسباب ما يلي: ” إذا ظهر أن إخضاع رجال القضاء وأفراد الجيش الوطني الشعبي للقانون الأساسي للوظيفة العامة غير مرغوب فيه للاعتبارات المتقدمة فأن الأمر لا يكون كذلك بالنسبة للمؤسسات والهيئات العمومية…” ومن الفقرة المذكورة نستنتج مدى روح التوحيد الذي يهدف إليه هذا الأمر. ثم جاءت أحكام المرسوم رقم 66- 134 لتقرر توسيع سريان قانون الوظيفة العامة على المؤسسات الصناعية والتجارية ضمن شروط تحدد بمرسوم بعد أخذ رأي لجنة كانت تتكون وقتها من الوزير المكلف بالوظيفة العامة ووزير المالية ووزير الوزارة الوصية أو ممثلين عنهم. غير أن المرسوم الموعود به لم يصدر. وبالتالي لا يمكن اعتبار العاملين بالمؤسسات الصناعية والتجارية موظفين لأن توسيع تطبيق قانون الوظيفة العامة علق على مرسوم لم يصدر وهذا معناه ببساطة استمرارية وجود تفرقة في القواعد المطبقة داخل المؤسسات الإدارية والمؤسسات الاقتصادية.
ويمكن إرجاع أسباب فشل نظام الوحدة بين القطاعين إلى مايلي:
أ- إن محاولة التوحيد كانت مبينة على تراث استعماري لا يلائم في طبيعته وقواعده فلسفة الدولة المستقلة ذات التوجه الاشتراكي.
ب- إن محاولة التوحيد هذه لقيت انتقادا من جانب النقابيين.
ج- إن المرسوم الموعود به لم يصدر وهو ما ترك التباين واضحا بين القطاعين ازدادت حدته يوما بعد يوم.
– مرحلة التسيير الاشتراكي و العامل المسير 1971:
في السادس عشر من شهر نوفمبر 1971 صدر الأمر رقم 71-74 المتعلق بالتسيير الاشتراكي للمؤسسات وليصبح بعد صدوره العامل منتجا وميسرا وقررت مادته الثامنة إضفاء صفة العامل على كل من يعيش من حاصل عمله اليدوي أو الفكري. وأقرت نصوص أخرى مبدأ المساواة بين العمال فيما يتعلق بالحقوق والواجبات سيما في مجال الأجور والامتيازات. ويتضح ذلك جليا من ديباجة الأمر المذكور والتي جاء فيها ” ومن الضروري أن تطبق هذه الحقوق على مجموع العمال بدون تمييز كما أنه من اللازم أن تلغى الأوضاع الممتازة في أي فرع من الفروع وتزول القطاعات غير المحظوظة ” وجاء في فقرة أخرى ما يلي”….وثمة جدول سلمي للأجور سيتم وضعه ليطبق على مجموع التراب الوطني… وذلك لكي تصبح الأجور المدفوعة عن نفس العمل ونفس الاختصاص منسجمة في مجموع التراب الوطني…”.
وإذا وقفنا قليلا عند المادة الثامنة أعلاه نجد أن مفهومها جاء واسعا ليشمل عمال المؤسسات الإدارية طالما أنهم يعيشون من حاصل عملهم أيضا. وبالتالي حق لنا القول أن هناك نظام واحد يسري على كل العاملين لدى الدولة أيا كان قطاع النشاط. غير أننا ما نلبث أن نغير رأينا وذلك بمجرد قراءة عابرة للمادة الأولى من أحكام الأمر المذكور والتي رسمت حدود ومجالات تطبيقه فذكرت المؤسسات ذات الطابع الإقتصادي وأهملت المؤسسات ذات الطابع الإداري.
وهذا ببساطة معناه الرجوع الى فكرة التمييز بين الموظف والأجير التي أقامها النظام الفرنسي والحكم باستمراريتها والا فبماذا يمكن تفسير عدم سريان الأمر أعلاه على المؤسسات الإدارية. وغني عن البيان أن أحكام الأمر المذكور جاءت لترسخ مبدأ أساسي ألا وهو اضفاء صفة المسير على العامل.ودمج العمال في مختلف أوجه نشاط المؤسسة وذلك عبر هيكل عمالي جديد أطلق عليه ” مجلس العمال” والذي أصبح يشارك ادارة المؤسسة في اصدار سائر القرارات سواء ذات الطابع الإداري أو المالي.
وصار للعمال يد في التوظيف والتكوين عن طريق لجنة الموظفين والتكوين. ويد في الشؤون المالية والإقتصادية عن طريق لجنة الإقتصاد والمالية. ويد في الشؤون الإجتماعية عن طريق لجنة الشؤون الإجتماعية ويد في رسم سياسة الصحة والأمن والأخرى في اصدار سائر القرارات عن طريق لجنة التأديب.
– مرحلة تجميد بعض العلاوات ورفع أجور بعض الطزائف من 1973:
حينما تفاقم الخطر وازداد التباين بين طبقة العمال والموظفين في كل من القطاع الإداري والإقتصادي كان لا بد من التدخل لإجراء التقارب على الأقل بين لقطاعين سيما في المجال الأجور وللقضاء على الفروق التي كانت موجودة في ذلك الوقت. وفي 30 جانفي 1974 أنشئت لجنة وطنية كلفت بدراسة الوضع والتنسيق بين الأنظمة القانونية والتعويضات التي تمنح لعمال المؤسسات الإدارية والاقتصاد وكلفت بوضع الخطوط العريضة لسياسة وطنية للأجور.
غير أن هذه الجهود باءت بالفشل ويعود سر ذلك إلى استمرار الازدواجية في التنظيم المتبع والتي ترتب عليها هروب العاملين من القطاع الإداري إلى القطاع الإقتصادي. واذا كانت الازدواجية في عالم الشغل من حيث النظام القانوني مقبولة في نظام تقوم فيه الدولة بالنشاط الإقتصادي (تجاري وصناعي) استثناء، فان الأمر يختلف من حيث المبدأ في دولة اشتراكية امتدت يدها لتمارس نشاطات اقتصادية ويتضاعف فيها عدد المؤسسات سنة بعد سنة، وكذلك عدد العاملين لحسابها.
وبالتالي ينبغي على الدولة من حيث الأصل ألا تميز بين قطاع وآخر لأن جميع العاملين في هذه المؤسسات يعتبرون عمالا لديها ويجب إخضاعهم لنظام موحد. وإن كان ذلك لا يمنع من مراعاة بعض الخصوصيات بسبب اختلاف ظروف العمل والإنتاج في مؤسسات مختلفة وهذا طبعا من مطلق اشتراكي.
وبالمقابل صدرت نصوص عديدة استهدفت إيجاد نوع من الانسجام بين القطاعين المذكورين كان موضوعها زيادة أجور بعض الطوائف من الموظفين (موضفي وزارة التربية والتكوين المهني والأمن والحماية المدنية والمالية) ولكن كل هذه التدخلات لم تقضي على الهوة الموجودة بين القطاعين لأن التركيز على المؤسسات الإدارية بدفع أجور العاملين بها قابله إجراء آخر تمثل في الإستمرار في دفع كثير من العلاوات في القطاع الإقتصادي مما نجم عنه استمرار حالة التباين في نظام الأجور.
– مرحلة القانون الأساسي العام 1978:
لقد صدر هذا النص في ظل مرحلة من التباين بين قطاع الوظيفة العامة والقطاع الإقتصادي وحاول وضع الأسس والقواعد العامة التي يقوم عليها عالم الشغل بهدف توحيد أهم معالم وأبعاد النظام القانوني الذي يحكم جميع العاملين بغض النظر عن القطاع الذي ينتمون اليه.
وهذا ما يفهم صراحة من تسمية هذا القانون “القانون الأساسي العام للعامل”. ومن المادة الأولى منه والتي حددت مجال تطبيقه بشكل واسع وشامل بقولها “يحدد هذا القانون حقوق العامل والواجبات التي يخضع لها مقابل تلك الحقوق مهما كان القطاع الذي ينتمي اليه…”. وبالرغم من مسعاه التوحيدي فان القوانين الأساسية النموذجية المطبقة على مختلف قطاعات النشاط لم تتخلص من النظرة التقليدية القائمة أساسا على التمييز بين قطاع الوظيفة العامة والقطاع العام الإقتصادي. وهو ما أبقى على العديد من مظاهر الاختلاف والتباين بين العاملين في القطاع العام مما نجم عنه اضطرابات عديدة في مجال العمل. وما عزر مثل هذا التباين أن قواعد هذا القانون لم تشر صراحة إلى إلغاء ما سبقها من أوامر ومراسيم صدرت لتخص قطاع الوظيف العمومي دون سواه. وعلى رأسها الأمر 66- 133 المذكور.
– مرحلة 1985 القانون الأساسي النموذجي لعمال المؤسسات والإدارات العامة:
إن أبرز ما جاء به هذا المرسوم المذكور هو محاولته وضع تصنيف موحد في عالم الشغل يسري على أغلب القطاعات. غير أنه وبعد صدور هذا المرسوم ظلت المؤسسات الاقتصادية تعيش وضعا ونظاما متميزا خاصة في مجال الأجور وذلك بسبب خضوع علاقة العمل في هذا القطاع إلى الاتفاقيات الجماعية للعمل. وبذلك عانت المرافق الإقتصادية وضعا غير ثابت قابل للتعديل في ضوء مطالب الإتحادات النقابية وادارة العمل. وهو ما لا نجده في علاقات العمل في القطاع الإداري التي تتسم عادة بالجمود وصعوبة التغيير (صعوبة التعديل). ومن هنا لم يستطع القانون الأساسي النموذجي بدوره القضاء على ظاهرة الازدواجية في عام الشغل حيث ظل التباين واضح بين القطاعين.
ومن هذا العرض التاريخي نستنتج أن المشرع الجزائري أخضع كل من المرافق الإدارية والمرافق الإقتصادية لنظام خاص. واذا كانت الوحدة بين القطاعين هدف المشرع من خلال سن بعض النصوص، الا أنها لم تتجسد في الواقع العملي فاستمر التمييز بين القطاعين واضحا.
– قانون الوظيفة العامة الجديد ومرحلة 2006:
واخيرا صدر الأمر 06-03 المؤرخ في 15 جويلية 2006 المتضمن القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية ورجوعا للمادة الثانية من القانون الأساسي للوظيفة العامة الجديد نجدها قد أوردت على سبيل الحصر والتحديد مجال تطبيق هذا القانون فحددته ضمن دائرة المؤسسات العمومية والإدارات المركزية في الدولة والمصالح غير ممركزة التابعة لها (أي المديريات التنفيذية على المستوى المحلي، والمصالح الإدارية المركزية على المستوى المحلي) والمؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري والمؤسسات الإدارية ذات الطابع العلمي والثقافي والمهني والمؤسسات العمومية ذات الطابع التكنولوجي.
وهكذا استبعد النص بعدم الذكر المؤسسات العمومية الاقتصادية والتي ظلت مشمولة الى اليوم بأحكام القانون التجاري وقانون العمل. وإذا كان المشرع الجزائري قد عجز على تحقيق الوحدة بين القطاعين في مرحلة الاشتراكية. فلا يمكن أن يحققها في ظل الحرية الاقتصادية وتراجع وجود الدولة في المجال الإقتصادي و توسع تطبيق إجراءات الخوصصة.
2/من حيث الجهة المختصة في الفصل في النزاع:
إن قراءة عابرة لنص المادة السابعة من قانون الإجراءات المدنية القديم تجعلنا أمام حقيقة لا يرقى اليها شك كون المشرع ميز في مجال المنازعات بين المؤسسات الإدارية والمؤسسات الإقتصادية. فكل منازعة تكون الدولة أو الولاية أو البلدية أو المؤسسة العمومية ذات الطابع الإداري طرفا فيها يتولى النظر فيها القاضي الإداري ممثلا في الغرف الإدارية. وهذا خلافا لمنازعات المؤسسات الإقتصادية التي حضر المشرع فيها في مرحلة معينة عرضها على المحاكم حيث جاء في المادة الأولى من الأمر رقم 75-44 المؤرخ في 17 جوان 1975 والمتعلق بالتحكيم الإجباري لبعض الهيئات ” لا تعرض أبدا على المحاكم بل يجب أن تقدم للتحكيم في الظروف والأشكال الآتي تحديدها جميع النزاعات المتعلقة بالحقوق المالية أو الحقوق الناجمة عن تنفيذ عقود التوريدات أو الأشغال أو الخدمات والتي يمكن أن تحدث تعارضا في العلاقات بين المؤسسات الإشتراكية والوحدات المسيرة ذاتيا ذات الطابع الزراعي أو الصناعي وتعاونيات قدماء المجاهدين وتعاونيات الثورة الزراعية وكذلك الشركات ذات الاقتصاد ” المختلط”.
وغنى عن البيان أن الإعتراف لهيئات التحكيم بالنظر والفصل في منازعات المؤسسات الإقتصادية يعني أن هذه المنازعات ستخضع إجرائيا لنصوص خاصة كشف عنها الأمر المذكور. ولا تخضع في الغالب لقانون الإجراءات المدنية (القواعد العامة). فلو أخذنا على سبيل المثال لا الحصر إجراء الطعن لو وجدنا أن القرارات التحكيمية واستنادا للمادة 20 من الأمر المذكور غير قابلة للطعن بالاستئناف بل تقبل الطعن بالتماس إعادة النظر. وبصدور القانون رقم 04.88 المؤرخ في 12 جانفي 1988 المعدل والمتمم للقانون التجاري أصبحت المؤسسات العمومية الإقتصادية تخضع للقانون التجاري وهذا ما يوسع من مجال اختصاص الأقسام التجارية. وبصدور القانون العضوي 98- 01 المتعلق بمجلس الدولة والمشار اليه سابقا. وكذلك القانون 98-02 المتعلق بالمحاكم الإدارية صار التمييز اليوم في الجزائر بين المرافق الإدارية والمرافق الإقتصادية من الفائدة بمكان فيما يتعلق بقواعد الإختصاص القضائي:
ففي ظل مرحلة الإزدواجية التي عرفتها البلاد منذ 1996، أصبح القاضي الإداري على مستوى المحكمة االإدارية أو مجلس الدولة لا ينظر الا في منازعات المرافق الإدارية دون المرافق الإقتصادية التي تخضع لجهة القضاء العادي ممثلا في المحاكم الإبتدائية والمجالس القضائية والمحكمة العليا. وهو ما تكرس في القانون 08/09 المذكور.
3/ المرافق المهنية:
وقد ظهر هذا النوع من المرافق عقب الحرب العالمية الثانية. وهو يرمي الى تنظيم بعض المهن في الدولة عن طريق أبناء المهنة أنفسهم. والسمة البارزة في المرافق المهنية أن انضمام أفراد المهنة اليها ليس أمرا اختياريا وانما هو أمر اجباري مما يجعلها نوعا من الجماعات الجبرية. وتدار هذه المرافق من قبل مجموعة من المنخرطين فيها. وتتخذ شكل التنظيم النقابي يشرف على إدارته مجلس منتخب.
ومثال هذه النقابات في الجزائر منظمة المحامين التي يحكمها القانون رقم 91-04 المؤرخ في 8 جانفي 91. ورجوعا للمادة 7 من هذا القانون نجدها قد فرضت التسجيل بالنسبة للمحامين في جدول المنظمة بقولها: ” لا يجوز لأي كان أن يتخذ لنفسه لقب محام ان لم يكن مسجلا في جدول منظمة المحامين وذلك تحت طائلة العقوبات المنصوص عليها في المادة 243 من قانون العقوبات”.
ولقد أخضع المشرع الجزائري بعض المرافق المهنية كالمنظمة الوطنية للمحامين فيما يتعلق بمنازعاتها لجهة القضاء الإداري سواء فيما يشمل المنازعات الناتجة عن التسجيل في المهنة . أو أي منازعة أخرى تطبيقا للمادة 20 من قانون المحاماة. ولا ينبغي أن يفهم من أن إخضاع المرافق المهنية لاختصاص القضاء الإداري يعني تغيير طبيعتها أو اعتبارا هياكل التسيير على مستوى المنظمة هي الأخرى مرافق إدارية اذ يظل المرفق مهنيا ولوخضع لاختصاص القضاء الإداري داخل الدولة.
1- المرافق الاجتماعية:
وهي المرافق التي تستهدف تحقيق خدمات اجتماعية للجمهور مثل المرافق المخصصة لتقديم إعانات للجمهور ومراكز الضمان الإجتماعي والتقاعد ومراكز الراحة. ويحكم هذا النوع من المرافق مزيج من قواعد القانون العام والخاص كما تمثل منازعتها أمام القضاء الإداري وأحيانا أخرى أمام القضاء العادي. ولقد اعتبر القضاء الفرنسي في بداية الأمر منازعات المرافق الإجتماعية المكلفة بتقديم المساعدات العامة منازعات ادارية. غير أن تطور النظرة لمؤسسات الضمان الإجتماعي وبروز فكرة الإقساط التي يلزم بدفعها المنتفعين من خدمات المرفق، جعلت القضاء الإداري يتردد في كثير من الأحيان من أن يتولى الفصل في منازعات هذا النوع من المرافق. وامتد هذا التمييز أيضا للنظام القانوني الجزائري حيث أنه ورجوعا للقانون رقم 83-15 المؤرخ في 02 جويلية 1983 المتعلق بالمنازعات في مجال الضمان الإجتماعي نجد المشرع قد وزع الإختصاص بين القضاء العادي وبين المحاكم الإدارية.
ثانيا: تقسيم المرافق من حيث أداة الإنشاء.
تقسم المرافق من هذه الزاوية الى مرافق تنشأ بنص تشريعي ومرافق تنشأ بنص تنظيمي.
أ- المرافق التي تنشأ بنص تشريعي:
وهي عادة مجموع المرافق ذات الأهمية الوطنية القصوى التي يفرض المشرع أمر إنشائها بموجب نص تشريعي ليمكن أعضاء السلطة التشريعية من الإطلاع على نشاط المرفق وضرورته وقواعده.
والحقيقة أن أهمية المرفق واحتلاله لهذه المكانة مسألة يتحكم فيها طبيعة النظام السياسي السائد في الدولة. ففي الدولة الاشتراكية مثلا تحتل المرافق الاقتصادية مكانة متميزة، بينما في النظم اللبرالية لا ترقى أهميتها للدرجة التي ذكرناها بل إنها تعادل المشروعات الخاصة.
ب- مرافق تنشأ بنص تنظيمي:
عادة ما يخول التشريع في الدولة للسلطة التنفيذية صلاحية إنشاء المرافق العامة وهذا ما سنتولى توضيحه عند دراسة إنشاء المرافق العامة.
ثالثا: تقسيم المرافق من حيث امتدادها الإقليمي.
تقسم المرافق من هذه الزاوية الى مرافق وطنية وأخرى محلية.
أ- المرافق الوطنية:
وهي مجموع المرافق التي يمتد نشاطها ليشمل جميع إقليم الدولة. ومثالها مرافق الدفاع والأمن والبريد والقضاء ونظرا لأهمية هذا النوع من المرافق فان إدارتها تلحق بالدولة ونفعها يكون واسعا يشمل كل الأقاليم.
ب- المرافق الإقليمية:
وهي المرافق التي يقتصر نشاطها في جزء من إقليم الدولة كالولاية والبلدية. وينتفع من خدمات هذا المرفق سكان الإقليم. وتتولى السلطات المحلية أمر تسييره والإشراف عليه لأنها أقدر من الدولة. وأكثر منها اطلاعا ومعرفة لشؤون الإقليم كما عرفنا ذلك سابقا. فهذه المادة 136 من قانون البلدية تعترف للبلدية بحق انشاء مؤسسات عمومية مشتركة تتمتع أيضا بالشخصية المعنوية.
وجاءت قواعد قانون الولاية أكثر وضوحا عندما أجازت هي الأخرى للولاية احداث مؤسسات عمومية ذات طابع اداري أو صناعي أو تجاري (المادة 126 الى 129).وتجدر الإشارة أن المرافق الوطنية والمرافق المحلية ليست منفصلة انفصالا تاما، بل كثيرا ما يحدث بينهما التعامل بما توجيه مقتضيات المصلحة العامة وبما يحقق النفع لجمهور المنتفعين.
المطلب الخامس: النظام القانوني للمرافق العامة.
ابتداء ينبغي الإشارة أنه من الصعب سن قانون واحد يحكم المرافق، وأن ما صلح من القواعد والآليات لمرفق قد لا يصلح لمرفق آخر. فمرفق القضاء مثلا طبيعة نشاطه تفرض عليه أن يكون محايدا، عادلا، وهو ما يفرض بالتبعية أن يؤدي المرفق عمله في كنف الإستقلال التام دون خضوع لأي جهة أيا كان موقعها وقوة نفوذها.
وهذا خلافا لمرافق أخرى تقتضي طبيعة نشاطها أن لا تستقل في أداء عملها بذات الصورة التي ألفناها في عمل مرفق القضاء، بما ينجم عن ذلك خطورة تعود نتائجها على المجتمع بأكمله. فمرفق الدفاع مثلا طبيعة عمله تفرض توحيد مصدر قيادته وأوامره وربطه أكثر بجهات قيادية معينة. وما قيل عن مرفق القضاء والأمن يقال عن سائر المرافق الأخرى كمرفق التعليم والبريد والصحة.
لذلك عمدت غالبية الأنظمة المعاصرة الى تخصيص قواعد تحكم كل نشاط لوحده. وهو ما عمل به المشرع الجزائري حيث خص كل قطاع بقانونه الأساسي، فللجامعة قانونها الخاص وللقضاء قانونه أيضا وللبريد والجمارك والصحة والدفاع وهكذا… حتى أنه نجم عن صدور قانون الوظيفة العامة الجديد صدور أكثر من 80 مرسوما منظما لقطاعات مختلفة. وإذا كان الأصل هو عدم إمكانية وضع قانون واحد جامع مانع يحكم سائر المرافق وكل النشاطات والقطاعات، الا أن ذلك لا يمنع أن تتحد المرافق جميعها في قواعد أساسية وأحكام عامة تجد تطبيقها في شتى ميادين النشاط.
ومن هنا جاز لنا القول أنه إذا كان يتعذر سن قانون عام يحكم كل المرافق، فانه بالإمكان سن قانون مصغر تسري قواعده على جميع المرافق وهذا ما اصطلح عليه فقها بقانون المرافق المتمثل في المبادئ الأساسية التي تحكم المرافق العامة. وتقتضي دراسة النظام القانوني للمرافق التطرق لقواعد إنشاء المرافق والمبادئ الأساسية التي تحكمها وكذا طرق وقواعد سيرها. نفصل ذلك فيما يلي:
أولا: إنشاء وإلغاء المرافق العامة.
سبق البيان أن أهمية المرافق وتعددها مسألة تخضع معالجتها للنظام السياسي السائد في الدولة. فنطاق تدخل الدولة وقيامها بممارسة بعض النشاطات وسيطرتها على ميادين محددة دون غيرها، أمر لا يمكن التطرق اليه بعيدا عن فلسفة الدولة وخطتها ونهجها السياسي. فللمرافق الاقتصادية مكانة بارزة في ظل الفكر والنظام الإشتراكي. ولا تحتل ذات الموقع في ظل الفلسفة اللبرالية. ولما اختلف الموقع والأهمية وجب أن تختلف قواعد انشاء المرفق.
وثمة مسائل أخرى تتحكم في قواعد الإنشاء و الإلغاء وهي العلاقة داخل الدولة بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية ومجال تدخل ونشاط كل منهما.
فاذا كان دستور الدولة قد قطع بأن انشاء مرافق ما، بالنظر لأهميتها يعود للسلطة التشريعية، فان هذا النوع من المرفق ينشأ بنص تشريعي. واذا كان الدستور عند استعراضه لصلاحيات السلطة التنفيذية قد حكم بأنه يعود اليها انشاء بعض المرافق فان قاعدة انشاء المرفق تكون بموجب نص تنظيمي.
ورجوعا للأمر 71-74 المشار اليه و تحديدا لنص المادة 5 منه نجدها قد جاءت بالشكل التالي ” تحدث المؤسسة الإشتراكية بموجب مرسوم باستثناء المؤسسات التي لها أهمية وطنية والتي تحدث بموجب قانون”.
من هذا النص يتضح أن المشرع ربط بين أداة الإنشاء (نص تشريعي أو نص تنظيمي) وبين أهمية المرفق فان كان يحتل مكانة بارزة ونشاطه سيعود بالنفع العام على مجموع الإقليم دون أن يخص جزءا معينا منه، فان إحداثه يتم بموجب نص تشريعي، وان ثبت خلاف ذلك تعين احداثه بموجب نص تنظيمي.
ولو وقفنا عند دستور 1976 وتحديدا عن نص مادته 151 والتي نضمت صلاحية المجلس الشعبي الوطني لوجدناها تخلو من الإشارة الى صلاحيات المجلس في انشاء المؤسسات العامة. وهو ذات النص تقريبا نجده في دستور 1989
(المادة 115 منه) مما يفهم منه أن الأصل في إنشاء المؤسسات يعود للسلطة التنفيذية.
ثانيا: المبادئ الأساسية التي تحكم المرافق العامة.
سبق القول أن سن قانون واحد يحكم المرافق جميعا بات أمر من المحال تجسيده في الواقع العملي بسبب اختلاف طبيعة نشاط كل مرفق. غير أن ذلك لا يمنع من إخضاع لكل المرافق الى مبادئ معينة اتفق الفقه والقضاء بشأنها وأضحت اليوم من المسلمات في نظرية المرافق. وتتمثل هذه المبادئ في:
– مبدأ مساواة المنتفعين أمام المرفق.
– مبدأ سير المرفق العام بانتظام واطراد.
– مبدأ قابلية المرفق للتغيير والتبديل.
1- مبدأ المساواة المنتفعين أمام المرفق:
إن مبدأ المساواة أمام المرافق العامة هو امتداد للمبدأ العام هو مساواة الأفراد أمام القانون. والذي بات يمثل اليوم حقا من حقوق الإنسان وحقا دستويا أعلنت عنه مختلف الدساتير.
ويترتب على هذا القول نتائج تتمثل في مبادئ فرعية هي المساواة المنتفعين من خدمات المرفق والمساواة في الالتحاق بالوظائف العامة.
أ- مساواة المنتفعين من خدمات المرفق:
يقتضي هذا المبدأ وجوب معاملة المرفق لكل المنتفعين معاملة واحدة دون تفضيل البعض على البعض الأخر لأسباب تتعلق بالجنس أو اللون أو الدين أو الحالة المالية وغيرها. ويعود سر الزام المرفق بالحياد بعلاقته بالمنتفعين الى أن المرفق تم احداثه بأموال عامة بغرض أداء حاجة عامة. ومن هنا تعين عليه أن لا يفاضل في مجال الإنتفاع بين شخص وشخص وفئة وأخرى ممن يلبون شروط الإنتفاع من خدمات المرفق. ولا يتنافى هذا المبدأ مع سلطة المرفق في فرض بعض الشروط التي تستوجبها القوانين والتنظيمات كالشروط المتعلقة بدفع الرسوم او اتباع بعض الإجراءات أو تقديم بعض الوثائق. وعلى ذلك لا يعد انتهاكا للمبدأ المذكور أن تشترط مؤسسة سونلغاز على المنتفع وثيقة تتعلق بالعقار موضوع الخدمة لتتأكد من توافر الشروط التقنية (البناء الغير فوضوي).كما لا يعد مبدأ لإنتهاكا لمبدأ المساواة أن تفرض إدارة الخدمات الجامعية على الطلبة الراغبين في الحصول على غرفة بالأحياء الجامعية أن يقدم هؤلاء ما يثبون به إقامتهم العائلية على بعد مسافة حددها التنظيم. ولا يعد انتهاكا للمبدأ أن تفرض مبالغ مالية معينة لقاء الانتفاع بالخدمات.
ب- المساواة في الالتحاق بالوظائف العامة:
يترتب على المبدأ العام وهو المساواة امام القانون حق الأفراد بالإلتحاق بالوظائف العامة. ولا يجوز من حيث الأصل فرض شروط تتعلق بالجنس أو اللون أو العقيدة للاستفادة من وظيفة معينة. فالإلتحاق بالوظائف العامة بات اليوم يشكل حق دستوريا يتمتع به الأفراد. غير أن التمتع بهذا الحق لا يمنع المشرع من أن يضبط الإلتحاق بالوظائف بشروط محددة تتعلق بالحالة السياسية (الجنسية) والسن وحسن السيرة السلوك وغيرها. كما يضبطه أيضا بإجراءات معينة كإجراء الدخول في مسابقة.
ولايعد مساسا بهذا المبدأ أن يحرم المشرع بعض الطوائف من تولي الوظائف العامة كحرمانه لأولئك الذين ثبت سلوكهم المشين تجاه الثورة.
مكانة المبدأ في النصوص الرسمية الجزائرية: احتل مبدأ المساواة أمام القانون عموما في التشريع الجزائري مكانة بارزة دلت عليها النصوص على اختلاف قوتها القانونية وهذا بيان الأسباب للقانون الأساسي للوظيفة العامة يجسد المبدأ العام من زاوية التساوي في الالتحاق بالوظيفة العامة بقوله ” يسود النظام الحقوقي للوظيفة العمومية مبدأ هام وهو مساواة دخول جميع الجزائريين اليها وهو ما تأكد في المادة الخامسة من نفس القانون. وجاء الأمر 71-74 المذكور ليجسد ولو بشكل عام هو الآخر مبدأ المساواة في عالم الشغل في مجال الحقوق و الواجبات بين العمال. وتجسد في المادة 7 من القانون الأساسي العام للعامل لسنة1978. وجاء دستور 1976 بموجب المادة 39 منه ليؤكد هو الآخر أن المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات. وليفصل أكثر في هذا الشأن بأنه لا يعترف بأي تمييز قائم على الجنس أو العرق أو الحرفة. وأكدت المادة 44 منه بأن وظائف الدولة متاحة لجميع المواطنين دون تمييز ماعدا شروط الاستحقاق والأهلية. ولم يحد دستور 1989 عن غيره من النصوص الرسمية في اقرار المبدأ بل تناوله بطريقة أكثر تفصيلا وهذا مادلت عليه المادة 28 بقولها: ” كل المواطنين سواسية أمام القانون ولا يمكن أن يتذرع بأي تمييز يعود سببه الى المولد أو العرق أو الجنس أو الرأي أو أي شرط أو أي ظرف آخر شخصي أو اجتماعي”.
وأكدت المادة 48 منه مبدأ التساوي في الالتحاق بالوظائف العامة. وذات المبدأ تم ترسيخة وتأكيده في دستور 1996 بموجب المادة 29 و51 منه. وقد حمل هذا الدستور أيضا مبدأ جديدا له علاقة مباشرة بمبدأ المساواة أمام القانون وهو مبدأ حياد الإدارة المعلن عنه بمقتضى المادة 23 منه و الذي يعني الزام الإدارة بأداء عملها بطريقة واحدة وأسلوب واحد للجمهور دون تمييز في مجال الجنس أو الرأي أو الإتجاه السياسي وغير ذلك من ضروب التمييز. وخارج إطار المبادئ الدستورية وقوانين الوظيفة العامة نجد المشرع كثيرا ما يعلن صراحة عن عدم فرضه أي قيد بشأن الجنس ويقر التساوي بين المرأة والرجل.
فهذه المادة 33 من قانون الحالة المدنية وهي تضع أحكام الشهادة نجدها تعلن صراحة على عدم التمييز بين المرأة والرجل في مجال الشهادة الخاصة بعقود الحالة المدنية. وحتى وظيفة القضاء والتي كثر من شأنها الجدل بخصوص حق المرأة في توليها في كثير من الدول العربية والإسلامية، وجدنا المشرع الجزائري لم يقصرها على الرجال دون النساء و هو ما يتضح في نص المادة 27 من القانون رقم 89- 21 المؤرخ في 12 ديسمبر 1989 المتضمن القانون الأساسي للقضاء والتي اكتفت بشروط الحالة السياسية للمترشح لوظيفة القضاء وشروط أخرى تتعلق بالمؤهل. والأمر نفسه تأكد في القانون العضوي 11.04 المؤرخ في 6 سبتمبر 2004 المتضمن القانون الأساسي للقضاء وجاءت المادة 47 منه مكرسة مبدأ المساواة في الالتحاق بالوظائف العامة.
جزاء الإخلال بمبدأ المساواة: سبق البيان والتأكيد أن مبدأ المساواة أمام القانون وما تفرع عنه من نتائج تم تجسيده على مستوى المنظومة القانونية الجزائرية. وهو ما يعني أن هناك جزاءات مترتبة على مخالفة هذه القواعد القانونية.
فعندما تقرر الدساتير والقوانين المختلفة حق المنتفع من خدمات المرفق، وأن يعامل وبقية الأشخاص الذين تجمعهم به وحدة الشروط معاملة واحدة تخلو من كل صور التمييز وأشكاله، فانه يترتب على ذلك الاعتراف له بحق المتابعة القضائية اذا ثبت خلاف ما تم تقريره والإعلان عنه. والا أضحى مبدأ المساواة أمام القانون عديم الجدوى ومجرد أحرف ميتة.
وتأسيسا على ما تقدم تعين الإعتراف لكل فرد بحق رفع دعوى ضد مرفق عام اذا ثبت أن هذا الأخير انتهك مبدأ المساواة بأن تحيز لأحد المنتفعين دون الآخرين وخصه بخدمة متميزة مثلا. أو صد الإنتفاع في وجه شخص أو أشخاص دون الآخرين و هكذا. والدعوى المقصودة هي اما دعوى الإلغاء أو التعويض. فاذا أصدر المرفق مثلا قرارا يقصر فيه الخدمة على فئة معينة من المنتفعين دون البقية جاز لهؤلاء رفع دعوى الغاء بسبب تمييز واضح في الخدمة. وان اتضح للقاضي الإداري صحة الإدعاء قضى بالغاء القرار.
وإن أثبت رافع الدعوى أن حرمانه من الانتفاع من خدمات المرفق سبب له ضرر حق له المطالبة بالتعويض. فهذه المادة 5 من المرسوم 88 – 131 المؤرخ في 4 جويلية 1988 المنظم لعلاقة الإدارة بالمواطن اعترفت بأنه يترتب على كل تعسف في ممارسة السلطة تعويضا وفقا للتشريع المعمول به دون المساس بالعقوبات الجزائية والتأديبية التي يتعرض لها المتعسف. كما اعترفت المادة 39 من نفس المرسوم لضحية العمل التعسفي بتعويض.
ولا يعني ما قلناه أن المنتفع في مركز تعاقدي تجاه المرفق، بل هو في مركز لائحي وتنظيمي تحكمه القوانين والتنظيمات. فلا يستطيع أن يتمسك بحق الانتفاع وبمبدأ المساواة خارج إطار النصوص.
2- مبدأ سير المرفق العام بانتظام واطراد:
تؤدي المرافق العامة دورا كبيرا داخل المجتمع أيا كان موضوع نشاطها. وهذا يفرض أن تقدم خدماتها للجمهور بشكل مستمر ومتواصل. فلا يمكن أن نتصور مثلا توقف جهاز القضاء عن الفصل في الخصومات. أو توقف جهاز الأمن عن أداء مهامه أو مرفق الدفاع. إن توقف أحد هذه الأجهزة وغيرها سينجم عنه لا شك إلحاق بالغ الضرر بالمصلحة العامة وبحقوق الأفراد. لذا تعين على المشرع وبغرض تحقيق المقصد العام وهو استمرارية نشاط المرفق وقيامه بالخدمات المنوطة به أن يعد من الآليات القانونية ما يضمن أداء الخدمة وتواترها وانتظامها وعدم انقطاعها. .
فمن حق المنتفع الاستفادة من خدمات المرفق في المكان والزمان والمخصص لذلك، واذا تعرض المرفق لعوائق تقنية مثلا تحول دون تحقيق عنصر الانتفاع وجب أن يعلم الجمهور بذلك. فإذا أرادت مثلا مؤسسة سونلغاز القيام بأشغال معينة وقطع التيار الكهربائي لمدة معينة وجب أن تعلن الجمهور بذلك وكذا الحال بالنسبة لمؤسسة توزيع المياه.
ويعتبر مبدأ الاستمرارية أكثر المبادئ وزنا لأن القضاء الإداري كثيرا ما اعتمد عليه. ولأن معظم أحكام ومبادئ القانون الإداري تخص هذا المبدأ ومتفرعة عنه كما سنوضح ذلك لاحقا.
ويقتضي مبدأ الإستمرارية توافر جملة من الضمانات تعمل جميعا على تجسيده في أرض الواقع. ومن هذه الضمانات ماوضعه المشرع ومنها ما رسخه القضاء الإداري. وتتجلى هذه الضمانات في تنظيم ممارسة حق الإضراب، وتنظيم ممارسة حق الإستقالة وسن قواعد خاصة لحماية أموال المرفق. وهي جميعا تمثل ضمانات تشريعية أي من صنع المشرع. وهناك ضمانات أخرى كنظرية الموظف الفعلي ونظرية الظروف الطارئة وهي من صنع القضاء نفصل هذه الضمانات فيما يلي:
أ- الضمانات التشريعية:
– تنظيم ممارسة حق الإضراب:
يمكن تعريف الإضراب على أنه توقيف إرادي جماعي عن العمل لمدة محددة أو غير محددة بغرض تحقيق مطالب مهنية معينة أو اجتماعية. وعليه فان ممارسة حق الإضراب يتعارض أو يصطدم مع مبدأ الاستمرارية لأن الموظفين يدركون قيمة وأهمية العمل الذي يقوم به المرفق ونفعه وحاجة الأفراد إليه.1 ومن ثم يسارعون إلى ممارسة الضغط على ادارة المرفق من هذه الزاوية. من أجل ذلك كان القضاء الفرنسي في غاية من التشدد بشأن المحافظة على مبدأ الاستمرارية وأبطل كل محاولة تهدف الى المساس به واعتبر الإضراب ولو كان المرفق يدار بطريق الامتياز عملا غير مشروع ولايعد خطأ شخصيا بل خروجا عن القوانين والأنظمة ونقضا للعقد العام الذي يربط الموظفين بالدولة مما يبرر فصلهم في الحال دون إتباع الضمانات.
– حق الإضراب في التشريع الجزائري:
جاء في المادة 20 من دستور 1963 بأن حق الإضراب معترف به ويمارس في إطار القانون وعندما صدر القانون الأساسي للوظيفة العامة في الثاني من شهر جوان 1966 لم يشر بيان أسبابه ولا أحكامه الى حق الإضراب. وذات المسلك نراه في الأمر رقم 71-74 المتعلق بالتسيير الاشتراكي للمؤسسات الذي اكتفى بالإعلان عن مجموعة من الحقوق كالحق في الأجر ووحق المشاركة في التسيير والحق في الأرباح والتكوين والراحة دون اشارة لحق الإضراب. وهذا أمر طبيعي فرضته طبيعة المرحلة فلا يمكن أن نتصور أن العمال في ظل الفلسفة الإشتراكية هم من جهة رواد التنمية الإقتصادية، ومن جهة وأخرى يعترف لهم المشرع بحق الإضراب.
وجاء دستور 1976 و لم يفصح المؤسس فيه عن موقفه من حق الإضراب في القطاع العام عموما، سواء اداري، أو الإقتصادي، واكتفت المادة 61 منه بالاعتراف بحق الإضراب في القطاع الخاص.
ولم تحد قواعد القانون الأساسي العام للعامل عن المبدأ العام فلم تجز صراحة ممارسة حق الإضراب في القطاع العام الإقتصادي، بل أجازته وبصريح العبارة فقط في قطاع خاص (المادة 21) تجسيدا للمبدأ الدستوري.
وحمل دستور 1989 ولأول مرة شيئا جديدا بخصوص حق الإضراب تمثل في الاعتراف بممارسته في جميع القطاعات إلا ما استثنى بنص فنصت المادة 54 منه على أن الحق في الإضراب معترف به ويمارس في إطار القانون ويمكن أن يمنع القانون ممارسة هذا الحق أو أن يجعل حدودا لممارسته في ميادين الدفاع الوطني أو الأمن أو في جميع الخدمات أو الأعمال العمومية ذات المنفعة الحوية للمجتمع
وصدر بعده القانون رقم 90-02 المؤرخ في 06 فبراير 1990 المتعلق بالوقاية من النزاعات الجماعية في العمل وتسويتها وممارسة حق الإضراب المعدل والمتمم بالقانون رقم 91-27 المؤرخ في 21 ديسمبر 1991، وتضمنت قواعده كيفية ممارسة حق الإضراب وإجراءاته وآثاره. وأخيرا صدر الأمر 03.06 المؤرخ في 15 جويلية 2006 المتضمن القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية واعترفت المادة 36 منه للموظف بممارسة حق الإضراب في ظل التشريع المعمول به أي في ظل القانون 90-02 المعدل والمتمم.
– القيود الواردة على ممارسة حق الإضراب:
سبقت الإشارة أن الإضراب ينجم عنه عواقب وخيمة تعود بالسوء على المنتفع بالدرجة الأولى، لذا وجب أن يسعى المشرع إلى ضبط ممارسة حق الإضراب بقيود إجرائية تحول دون تعسف الجهة القائمة به. كما أنه بإمكان المشرع ولأسباب موضوعية أن يمنع ممارسة هذا الحق في قطاعات معينة. ورغم أن هذه القيود والإجراءات كثيرة ويطول شرحها، إلا أنه يمكن إجمال أهمها فيما يلي:
1- عقد اجتماعات دورية: درءا للخلافات الجماعية التي قد تسود داخل الإدارات العمومية أوجب المشرع بمقتضى المادة 15 من القانون 90 – 02 المذكور إجراء اجتماعات دورية بين ممثلي العمال وممثلي الإدارة المستخدمة. بهدف عرض الإشكالات المطروحة ومحاولة إيجاد حل لها كآليات الوقاية من المنازعات الجماعية.
2- رفع الخلافات إلى جهات الوصاية: إذا اختلف الطرفان في كل المسائل المدروسة أو بعضها يرفع ممثلو العمال أهم المسائل المختلف بشأنها إلى السلطات الإدارية المختصة على مستوى الولاية. وإذا كان الخلاف يكتسي طابعا جهويا أو وطنيا يرفع الأمر إلى الوزير أو من يمثله. وتتولى هذه السلطات إجراء المصالحة بحضور ممثلي السلطة المكلفة بالوظيفة العامة ومفتشية العمل المختصة إقليميا وتعد محضرا تضمنه المسائل المتفق بشأنها والمسائل المتنازع حولها .
(1)- جاء في المادة 43 من القانون 90- 02 بأن الإضراب يمنع على: القضاة، الموظفين المعينين. بمرسوم – أعوان مصالح الأمن – الأعوان الميدانيين العاملين في مصالح الحماية المدنية- أعوان مصالح استغلال شبكات الإشارة الوطنية في وزارتي الداخلية والشؤون الخارجية- الأعوان الميدانيين العاملين في الجمارك عمال المصالح الخارجية لإدارة السجون.
3- إحالة الخلاف على مجلس الوظيفة العمومية المتساوي الأعضاء: أعلنت المادة 21 من القانون 90.02 عن ميلاد مجلس متساوي الأعضاء يتكون من الإدارة وممثلي العمال.يوضح تحت السلطة المكلفة بالوظيفة العامة وهو عبارة عن جهاز مصالحة في مجال منازعات العمل.
4- موافقة جماعة العمل: اذا كان الإضراب حقا دستوريا فان ممارسته تخضع لجملة من الظوابط يأتي على رأسها موافقة جماعة العمل على اللجوء للإضراب. وهذا لا يتم إلا بعقد جمعية عامة في مواقع العمل المعتاد تضم نصف عدد العمال على الأقل ويبت في هذا الأمر باعتماد أسلوب الاقتراع السري.
5- الإشعار المسبق: ويتمثل في أجل محدد لا يقل عن ثمانية أيام يتم الاتفاق عليه مفاوضة بين أطراف الخلاف وينجم عن انتهاءه الدخول في الإضراب. وقد أوجب القانون إيداع الإشعار بالإضراب لدى المستخدم مع إعلام مفتشيه العمل.
6- اتخاذ إجراءات المحا فظة على الممتلكات: ان اللجوء للإضراب لا يعني هجر الإدارة المستخدمة ومواقع العمل هجرا جماعيا، بل يلزم العمل باتخاذ التدابير اللازمة للمحافظة على ممتلكات الإدارة المستخدمة. وهذا من باب تطبيق مبدأ الاستمرارية.
7- ضمان الحد الأدنى للخدمة: إذا كان الإضراب يمس المرافق العمومية الأساسية تعين على العمال وفقا للمادة 37 وما بعدها من القانون المذكور ضمان حد أدنى من الخدمة تجسيدا لمبدأ سير المرفق بانتظام واطرد. وعليه يلزم عمال البريد والصحة والمواصلات والطاقة وعمال الشحن والتفريغ ومصالح الدفن ومصالح المياه والمؤسسات المالية وغيرها بضمان حد أدنى من الخدمة تقدره الاتفاقيات والعقود الجماعية وهذا أيضا من باب تطبيق مبدأ الاستمرارية.
8- إمكانية اللجوء للتسخير: يمكن أن يؤمر بتسخير العمال المضربين في الهيئات أو الإدارات العمومية أو المؤسسات بغرض أداء أعمال ضرورية لضمان استمرار بعض الحاجيات الضرورية ويعد عدم الإمتثال لإجراء التسخير خطأ جسيما.
– تنظيم ممارسة حق الاستقالة:
بغرض المحافظة على حسن سير المرفق العام واستمرارية نشاطه أرسى القانون الأساسي للوظيفة العامة الأول الصادر بموجب الأمر 66-133 المؤرخ في جوان 1966 مبدأ عاما مفاده أن الانقطاع عن العمل لا يتم بمجرد تقديم الإستقالة كتابيا والتعبير عن الإرادة في التخلي عن القيام بأعباء الوظيفة، وانما بقبول وموافقة الجهة التي لها سلطة التعيين وهذا مانصت عليه المادة 63 من القانون المذكور بقولها: ” لا يمكن أن يكون للاستقالة مفعولا الا بطلب خطي يقدمه المعني ويعبر فيه عن إرادته بلا غموض وقطع الصلة التي تربطه بالإدارة…ويرسل الموظف طلبه عن طريق السلم الإداري الى السلطة التي تمارس حق التعيين ويبقى مكلفا بالقيام بالالتزامات المرتبطة بوظيفته الى أن تتخذ السلطة المذكورة قراراها “. وعليه فان ترك منصب عمله وتخلى عن القيام بواجبات الوظيفة دون انتظار قبول الجهة التي لها سلطة التعيين يعرض مقدم طلب الإستقالة الى العزل ويحرمه التمتع ببعض حقوقه وهذا ما نصت عليه المادة 67 من ذات القانون.
غير أن المشرع ومنعا لأي تعسف قد يحدث من جانب الإدارة أجاز للموظف المعني في حالة رفض الطلب بعد انتهاء ثلاثة أشهر أن يرفع أمره إلى اللجنة المتساوية الأعضاء التي تصدر رأيا ثم تسلمه الى الجهة التي لها صلاحية التعيين.
وأحسن المشرع في نصوص لاحقة عندما اعتبر الاستقالة حقا وهذا ما نصت عليه المادة 93 من القانون الأساسي العام للعامل وأكدته المواد من 133 وما بعدها من القانون الأساسي النموذجي لعمال المؤسسات والإدارات العامة لسنة 1985. وتبدو الحكمة في الاعتراف بالاستقالة كحق، أن إلزام الموظف بالعمل لحساب المؤسسة المستخدمة رغم إرادته يشكل صورة من صور المساس بحرية العمل والتي بات معترف بها في سائر التشريعات الحديثة. ومن جميع ما تقدم نستنج أن حرص المشرع على أن يكون طلب الاستقالة مكتوبا ومسببا ثم إلزام الموظف بالعمل بعد تقديم الطلب لمدة محددة هي مدة الإشعار. وإلزامه بالعمل أيضا بعد فوات هذه المدة مع الاعتراف له بحق رفع طلب جديد للجنة المتساوية الأعضاء وغيرها من الإجراءات انما الهدف منها ضمان استمرارية أداء النشاط والخدمة من جانب المرفق.
ولقد أحسن المشرع عندما فرض الكتابة كأداة لإفصاح الموظف رغبته في التخلي عن الوظيفة لما في ذلك من فرصة أمام الموظف ليدرك من ذلك خطورة التصرف الذي يقدم عليه. فلو ترك المشرع للموظفين سبيلا مفتوحا للتخلي عن مهامهم بمجرد تقديم طلب الاستقالة لنجم عن ذلك المساس بمبدأ سير المرفق العام بانتظام واطراد.
ورجوعا للأمر 06-03 المذكور والمتضمن قانون الوظيفة العمومية الجديد نجده لم يورد الاستقالة تحت عنوان حقوق الموظف وانما ورد ذكرها في الباب العاشر تحت عنوان إنهاء الخدمة وان كانت المادة 217 من الأمر المذكور قد اعترفت بصريح العبارة أن الاستقالة حق للموظف يمارسه ضمن إطار القانون. وأكدت المادة 218 و 219 على وجوب تقديم طلب كتابي يعبر فيه الموظف عن رغبته في قطع العلاقة الوظيفية يرسل عن طريق السلم الإداري للسلطة المخولة بصلاحية التعيين ويلزم بالاستمرار في أداء عمله الى غاية صدور القرار. ومتى قبلت الإستقالة فلا مجال للتراجع فيها.
وألزمت المادة 220 من ذات القانون السلطة المكلفة بالتعيين باتخاذ قرارها خلال شهرين ابتداءا من تاريخ إيداع الطلب. ويجوز لها في حالة الضرورة القصوى للمصلحة أن تؤجل الموافقة لمدة شهرين بعد انتهاء الأجل الأول (أي الشهرين الأولين) وبانقضاءها تصبح الاستقالة نافذة وفعلية.
– عدم جواز الحجز على أموال المرفق:
يحتاج كل مرفق للقيام بنشاطه إلى أموال كالعقارات والمنقولات. ولو خضع المرفق في مجال الحجز للقواعد العامة لأدى ذلك إلى مباشرة إجراءات الحجز على ممتلكاته وهو ما يترتب عليه الحاق بالغ الضرر بالمنتفعين من خدمات المرفق.
لذا وإعمالا لمبدأ حسن سير المرفق العام بانتظام واطراد وجب أن تخضع أموال المرفق إلى نظام قانوني متميز يهدف إلى المحافظة عليها تحقيقا للمقصد العام وهو تمكين المرفق من أداء خدمة للجمهور. وإذا كان المرفق يسير عن طريق الإدارة مباشرة فليس هناك أي إشكال يطرح لأن نص المادة 689 من القانون المدني واضحة صريحة فلم تجز التصرف في أموال الدولة أو الحجز عليها أو تملكها بالتقادم، فهي إذن محصنة من الناحية المدنية.
ولكن الإشكال طرح وبعمق في الفقه بخصوص الحماية المدنية للمال في حالة إدارة المرفق بأسلوب الامتياز. ورغم أن الأفراد طالبوا في هذه الحالة بحقهم في الحجز على ممتلكات المرفق بغرض الحصول على ديونهم الا أن القضاء العادي المقارن رفض تمكينهم من هذا الحق محافظة على مبدأ سير المرفق بانتظام واطراد. وهو مسلك نؤيده ويدل على تطور المبادئ الإدارية.
ولقد خرج المشرع الجزائري عن المبدأ العام الذي يكفل حماية مدنية للمال توجب عدم الحجز عليه، وذلك في القانون التوجيهي للمؤسسات الاقتصادية الصادر تحت رقم 88- 01 المؤرخ في 12 جانفي 1988. وأورد قيدا مفاده قابلية المال العام للتصرف وللحجز عليه في حدود معينة، حيث جاء في المادة 20 منه: تكون الممتلكات التابعة لذمة المؤسسة العمومية الاقتصادية قابلة للتنازل والتصرف فيها وحجزها حسب القواعد المعمول بها في التجارة ماعدا الجزء من الأصول الصافية التي تساوي مقابل قيمته رأس المال التأسيسي”.
ب-الضمانات القضائية (من صنع القضاء):
لقد ساهم القضاء الإداري في فرنسا مساهمة كبيرة في اظهار النظريات التي تخدم مبدأ حسن سير المرفق بانتظام واطراد ويتجلى ذلك خاصة من خلال نظرية الظروف الطارئة ونظرية الموظف الفعلي.
1- نظرية الظروف الطارئة:
الأصل في مجال التعاقد أن العقد شريعة المتعاقدين. ولا يعفى المتعاقد من التزاماته الا في حالة القوة القاهرة. وهي الحادث غير المتوقع الذي لا يمكن دفعه، وهذه القاعدة لا يمكن العمل بها على اطلاقها في مجال العقود الإدارية لذا أنشأ القاضي الفرنسي نظرية سميت بنظرية الظروف الطارئة دعت اليها ظروف موضوعية نسوقها نظرا لأهميتها.
عقب الحرب العالمية الأولى ارتفعت أسعار الفحم ارتفاعا كبيرا الى درجة أن شركة الإضاءة في بوردو وجدت أن الرسوم التي تتقاضاها لا تغطي نفقات الإدارة ولهذا طلبت من السلطة رفع السعر ولكن السلطة رفضت وتمسكت بتنفيذ عقد الإلتزام. وبلغ الأمر مجلس الدولة فاذا به يقرر مبدأ جديدا استمده من دوام سير المرفق العام بانتظام واطراد مفاده أنه إذا وجدت ظروف لم تكن في الحسبان وقت التعاقد وكان من شأنها زيادة الأعباء المالية الملقاة على عاتق الملتزم إلى حد الإخلال بتوازن العقد إخلالا جسيما فللملتزم الحق في أن يطلب من الإدارة ولو مؤقتا المساهمة في الخسائر.
2- نظرية الموظف الواقعي:
ضمانا لمبدأ استمرارية الخدمة العامة صاغ القضاء الفرنسي نظرية الموظف الفعلي وهذا لتحقيق ذات المقصد بالنسبة لنظرية الظروف الطارئة. والموظف الفعلي شخص يمارس اختصاصا إداريا معينا رغم وجود عيب جسيم في قرار تعيين شغله لهذه الوظيفة أو لعدم صدور قرار التعيين.
وتقتضي مبادئ القانون إلغاء جميع تصرفاته لأنها صادرة عن غير ذي مختص. غير أن القضاء وسعيا منه عدم ارتباك أداء الخدمات العامة بانتظام واطراد أضفى مشروعية على هذه الأعمال رغم العيب المذكور وميز بشأن تأصيل هذا القرار بين حالتين حالة الظروف العادية وحالة الظروف الإستشنائية.
أ- في الظروف العادية: نجح القضاء الفرنسي في تأسيس قراراته بالاعتراف ببعض الأعمال الصادرة عن ما اصطلح على تسميتهم بالموظفين الواقعيين ولقد برر ما ذهب إليه بفكرة العمل الظاهر. فإذا صدر قرار بترقية شخص معين ونجم عن الترقية تغييرا في المهام وتبين فيما بعد أن أحد أسس الترقيه غير متوفرة فإن أعماله تظل صحيحة منتجة لآثارها القانونية. وذات الآثار تنطبق في حالة تفويض الرئيس الإداري لمرؤوسيه إذا تبين وجود خطأ في التفويض.
ب- الظروف الاستثنائية: تقتضي نظرية الظروف الاستثنائية أنه إذا بادر شخص أو مجموعة أشخاص في حالات استثنائية كالحروب و الكوارث بالقيام بأعمال تنتج آثارها القانونية رغم أنها صادرة عن شخص أو أشخاص لا يكتسبون صفة الموظف القانوني. فاذا حلت بالبلدية ظروف استثنائية كالحرب مثلا وتخلى عن أداء الوظيفة أعضاء من المجلس البلدي وحل محلهم مواطنون فقاموا بعمل تحت عنوان السلطة، فإن عملهم ينتج آثاره القانونية. وهو ما أكده القضاء الفرنسي والتأسيس القانوني لإضفاء الطابع الرسمي على هذه الأعمال هو فكرة الموظف الواقعي وتبقى أن النظرية اجتهادا قضائيا فرنسيا قد لا يلقى التأييد في دول أخرى.
3- مبدأ قابلية المرفق العام للتغيير:
سبق القول أن المرافق العامة تخضع لقوانين وتنظيمات وهذه القوانين والتنظيمات منها ما يحكم المرفق العام من حيث تنظيمه وهيكلته. ولا يقتصر التغيير على القواعد المنظمة للمرفق، بل يمتد أيضا لأسلوب إدارته فيجوز تغير أسلوب الإدارة من الإدارة المباشرة الى المؤسسة العامة. او من المؤسسة العامة إلى الشركة المختلطة. وللمرفق أيضا أن يفرض رسوما لقاء الخدمات التي يقدمها أو أن يخفض من هذه الرسوم اذا رأى في ذلك مصلحة. ولا يجوز لأي كان الإحتجاج على هذا التغيير. ولقد أكد القضاء الإداري في مصر هذا المبدأ بقوله: ” من المسلم قانونا أن للجهة الإدارية سلطة وضع الأنظمة التي تتولاها سيرا منتظما ومنتجا وكذلك لها تعديل هذه الأنظمة بما تراه متفقا مع الصالح العام دون أن يكون لأحد من الناس الإدعاء بقيام حق مكتسب في استمرار نظام معين.”
وبناءا على هذا المبدأ إذا غيرت الإدارة في نظام المرفق من أسلوب الى آخر فليس للموظفين التمسك بالنظام القديم الذي كان يحكمهم. كما أنه ليس من حق المنتفعين التمسك بمجانية الخدمة خاصة اذا غيرت الإدارة الأسلوب من طريقة الإستغلال المباشرة الى أسلوب المؤسسة.
وترتيبا على ذات المبدأ ليس من حق المتعاقد مع الإدارة في عقد الإلتزام أن يحول دون ممارسة حقها في تغيير بعض بنود العقد بما يتماشى ومصلحة المنتفعين مع الإحتفاظ بحقه في التوازن المالي على نحو سبق شرحه. وهذا الحق الذي تتمتع به لها أن تمارسه وان خلا العقد من الإشارة لذلك.
المطلب السادس: طرق إدارة المرافق العامة.
سبق القول أن المرافق العامة أنواع، ولهذا كان من الطبيعي أن تتباين طرق إدارتها فما صلح لمرفق لا يصلح بالضرورة لآخر. كما أن المرافق تختلف من حيث صلة نشاطها بالجانب السيادي للدولة فطبيعة مرفق الأمن وكذلك الدفاع والقضاء والضرائب تفرض أن تسير من قبل الدولة مباشرة فلا نتصور أن تعهد به إلى أشخاص القانون الخاص لإدارته لما في ذلك من خطورة كبيرة قد تهز كيان الدولة. وهذا خلافا لمرافق أخرى فلا مضرة من أن تعهد إدارتها للأفراد أو الشركات مثلما هو الحال بالنسبة لاستغلال آبار البترول أو استغلال الكهرباء والغاز أو استغلال الموانئ وغيرها، شريطة أن يتم ذلك بالكيفية والحدود التي يبينها القانون.
وتأسيسا على ما تقدم فان المرافق تختلف من حيث وضع يد الدولة عليها، فأحيانا نجد الدولة هي من تحتكر النشاط وهي من تنفق الأموال وتعين الموظفين وتراقب سير المرافق ونشاطه وغيرها. وهو ما اصطلح عليه بطريقة الاستغلال المباشر، وأحيانا أخرى نجد الدولة تكلف وفي إطار القانون أحد أشخاص القانون الخاص للقيام بأداة المرفق على نفقته وأن يتكفل بتوفير اليد العاملة وكل ما يلزم لقيام المرفق بالخدمة للجمهور على أن يتقاضى رسوما من هؤلاء. وهذا ما أطلق عليه بطريقة الامتياز. وبين الطريقة الأولى والثانية هناك طرق أخرى.
وتجدر الإشارة أن اختلاف طرق إدارة وتسيير المرفق العام يدل على اتساع مجال الخدمة العامة. فلو كان نشاط الدولة مقتصرا على جانب الأمن والقضاء والدفاع فقط كما كان من قبل، لتولت الدولة بنفسها إدارة هذه المرافق بصفة مباشرة وتركت بقية المجالات للأفراد، ولترتب على ذلك وجود طريقة واحدة لإدارة المرافق العامة هي طريقة الإستغلال المباشر.
غير أن تنوع وظيفة الدولة وتدخلها في الميدان الإقتصادي والإجتماعي والثقافي وسع من نطاق الخدمة وفرض التفكير في طرق جديدة لإدارة المرافق العامة. ولعب الجانب المالي أيضا دورا في هذا المجال، فعادة ما تفرض الحالة المالية للدولة التفكير في نقل بعض النشاطات للأفراد لإدارتها بأموالهم وتكتفي الدولة بمراقبة هذا النشاط.
وانطلاقا مما قلناه يمكن تقسيم طرق ادارة المرافق العامة الى قسمين. فاما أن يدار المرفق بواسطة جهاز حكومي أو أن يدار بواسطة شخص من أشخاص القانون الخاص، وفيما يلي تفصيل ذلك.
أولا: إدارة المرفق العام بواسطة جهاز حكومي.
وهذه الطريقة بدورها يمكن تقسيمها الى قسمين ادارة المرفق بطريقة الإستغلال المباشر وادارة المرفق عن طريق مؤسسة عامة.
1- الإستغلال المباشر (Regie):
ويقصد به أن تقوم الدولة أو هيئاتها بادارة المرفق بنفسها مستعملة في ذلك أموالها وموظفيها ومستخدمة وسائل القانون العام. وهذه الطريقة هي أقدم طرق ادارة المرافق اطلاقا. وقد لازمت الدولة منذ ظهورها. وتدار بها الآن جميع المرافق الإدارية. لأن نشاطها لا يستهوي الأفراد وعادة ما يعزفون ويمتنعون عن القيام به لأنه لا يدر عليهم ربحا خلافا لنشاط المرافق الإقتصادية.
ولا تقتصر طريقة الإستغلال المباشر على المرافق الإدارية، بل تمتد أحيانا للمرافق التجارية والصناعية فالنقل بالسكك الحديدية يعد نشاطا تجاريا ورغم ذلك قد تقوم به الدولة بمفردها خاصة وقد ثبت عجز الأفراد على القيام بهذا النوع من المشروعات حتى في الدول الليبيرالية ويترتب على طريقة الإستغلال المباشر خضوع المرفق للرقابة المباشرة للدولة أو أحد هيئاتهاو يخضع لقواعد المحاسبة العمومية ويستفيد من ميزانية سنويا، كما يخضع للقانون العام خاصة اذا كان المرفق إداريا.
– الإستغلال المباشر في القانون الجزائري:
أجاز المشرع للبلدية بموجب المادة 134 من قانون البلدية استغلال مصالح عمومية بصفة مباشرة على أن تقيد الإيرادات والنفقات المتعلقة بهذا الإستغلال ضمن ميزانية البلدية. طبقا لقواعد المحاسبة العمومية، ونفس الرخصة نجدها في قانون الولاية وهو ما أعلنت عنه المادة 122 وما بعدها اذ مكنت الولاية أن تستغل أحد المصالح العمومية استغلالا مباشرا تسجل ايراداته و نفقاته في ميزانية الولاية.
وتجدر الإشارة أن الإستغلال المباشر لا يتمتع بوجود قانوني متميز ومستقل. ولا يكتسب الشخصية المعنوية. وليس بامكانه التعاقد. ولا يملك حق التقاضي. فهو عبارة على تنظيم داخلي لا غير، يخضع في نظامه القانوني لما يخضع له الشخص العام الدولة الولاية البلدية….).
– أسلوب المؤسسة العامة (Etablissement Public):
يعتبرأسلوب المؤسسة العامة وسيلة من وسائل ادارة المرفق العام وأكثرها شيوعا وانتشارا وتتميز عن الأسلوب الأول أن المؤسسة العمومية تتمتع بالشخصية المعنوية والإستقلال المالي،وتعتبر قراراتها قرارات ادارية وعمالها موظفون عموميون لا أجراء وأموالها أموال عامة. وقد أطلق الفقه عليها باللامركزية المرفقية كمقابل للامركزية الإقليمية. ويترتب على استقلالية المؤسسة عن الدولة ما يلي:
– أن تكون لها ذمة مالية مستقلة عن الدولة.
– أن يكون لها حق قبول الهبات و الوصايا.
– أن يكون لها حق التعاقد دون الحصول على رخصة.
– أن يكون لها حق التقاضي.
– أن تتحمل نتائج أعمالها وتسأل عن الأفعال الضارة التي تلحق بالغير.
وقد ضبط هذا الإستغلال بقيدين هما قيد التخصص وقيد خضوع المؤسسة لنظام الوصاية الإدارية.
– قيد التخصص: ويقصد به أن كل مؤسسة عمومية يناط بها القيام بأعمال محددة في نص انشائها هي ملزمة بأن لا تحيد عنها وتمارس نشاطا آخر غير النشاط المذكور تشريعا أو تنظيما، فالجامعة مؤسسة عامة عهدت اليها السلطة العامة مهمة التكوين في مجال التعليم العالي وليس لها أن تخرج عن هذا الإطار وكذلك الحال بالنسبة لمؤسسة التكوين المهني أو المؤسسات الصحية.
– خضوع المؤسسة لنظام الوصاية:
إذا كانت المؤسسة العامة تشكل صورة من اللامركزية في جانبها المرفقي فان ذلك لا يعني قطع كل علاقة بينها و بين سلطة الوصاية. بل تظل المؤسسة خاضعة لنظام الوصاية. فمن حق الإدارة العامة المركزية أن تراقب نشاطها بهدف التأكد من عدم خروجها عن المجال المحدد لها. وهذا أمر تفرضه مقتضيات المصلحة العامة اذ القول بخلاف ذلك يعني ببساطة اطلاق يد المرفق في القيام بكل الأعمال وهو مايؤدي في النهاية الى إساءة استعمال هذه الحرية. ونظرية لأهمية أسلوب المؤسسة العامة فقد لقيت إهتمام رجال الفقه في كل الدول. فهذا المؤتمر العربي الثاني للعلوم الإدارية الذي عقد في الرباط في الفترة بين 31 جانفي الى 4 فبراير 1960 اعترف بالفوائد المترتبة على انشاء المؤسسات العامة والتخفيف من الأعباء عن الإدارة المركزية خاصة وأن نشاط الدولة في ازدياد وتطور واتفق المؤتمرون أن استقلال المؤسسة هو الأصل والوصاية هي الإستثناء كما اتفقوا على ضرورة مراعاة طبيعة نشاط المؤسسة عند صياغة نشاطها القانوني.
– أنواع المؤسسات العامة:
إن تنوع نشاط الدولة يفرض وجود أنواع كثيرة للمؤسسات تحدثها الدولة بغرض مساعدتها في القيام بواجب توفير الخدمات للجمهور. ولا تتخذ المؤسسات العمومية شكلا واحد بل يختلف شكلها عما اذا كانت مؤسسة ادارية أو مؤسسة صناعية وتجارية.
والدارس للتشريع الجزائري خاصة ابتدءا من 1988 يلاحظ مدى التطور الكبير الذي عرفه أسلوب المؤسسات والتصنيفات التي طرأت عليها والتي يمكن ارجاعها الى أربعة أصناف أساسية هي كما يلي:
– المؤسسة العامة الإدارية (ذات الطابع الإداري).
– المؤسسة العامة ذات الطابع الصناعي والتجاري.
– المؤسسة العمومية ذات الطابع العلمي والتكنولوجي.
– المؤسسة العمومية ذات الطابع العلمي الثقافي والمهني.
وهو التقسيم المكرس في المادة 2 من المرسوم الرئاسي 02-250 المتعلق بتنظيم الصفقات العمومية. ومكرس أيضا بموجب المادة 2 من الأمر 06-03 المذكور المتعلق بالقانون الأساسي للوظيفة العمومية.
1- المؤسسة العمومية ذات الطابع الإداري:
وهي التي تمارس نشاطا اداريا. وتسمى بالمؤسسة العامة التقليدية. وتخضع هذه المؤسسة لقيد التخصص ولنظام المحاسبة العمومية وتخضع للقانون العام. كما تعرض منازعاتها على القضاء الإداري ويعتبر عمالها موظفون عموميون وقراراتها قرارات ادارية وتخضع في عقودها لقانون الصفقات العمومية وتعتبر أموالها أموالا عامة تتمتع بالحماية القانونية التي فرضها التشريع. وقد استعملت منذ الإستقلال وبشكل واسع جدا من اجل ضمان الخدمات العامة للجمهور. والأصل في عمل هذه المؤسسات هو مبدأ المجانية ما لم تقرر النصوص الخاصة خلاف ذلك. ومن أمثلة هذا النوع من المؤسسات:
– الوكالة الوطنية لحماية البيئة المنشأة بموجب المرسوم رقم 83-457 المؤرخ 23 جويلية 83.
– المدرسة الوطنية للإدارة المنظمة بموجب المرسوم التنفيذي رقم 06- 416 المؤرخ في 222 نوفمبر 2006.
وقد تتخذ هذه المؤسسات طابع المؤسسة العمومية الوطنية أو المحلية.
2- المؤسسات العمومية ذات الطابع الصناعي و التجاري:
ما يميز هذا النوع من المؤسسات العمومية انها حديثة النشأة نسبيا. وقد عرفت في الجزائر خاصة أيام المرحلة الإشتراكية انتشارا واسعا بحكم تدخل الدولة في الميدان الصناعي والتجاري. ولقد عرف المشرع الجزائري في المادة 44 من القانون 88- 01 هذه المؤسسة بأنها ” المؤسسة العمومية التي تتمكن من تمويل أعبائها الإستغلالية جزئيا أو كليا عن طريق عائد بيع انتاج تجاري يحقق طبقا لتعريفه معدة مسبقا ولدفتر الشروط العامة الذي يحدد الأعباء والتقييدات وكذا عند الإقتضاء حقوق وواجبات المستعملين”.
ولا يمكن اعتبار العاملين في هذه المؤسسات موظفين عموميين ينطبق عليهم تشريع الوظيفة العامة. كما لا يمكن اعتبار قراراتها بالقرارات الإدارية وتلزم بمسك محاسبة على الشكل التجاري.
وتطبيقا لذلك ذهب مجلس الدولة الجزائري في قرار له صدر بتاريخ 22-01 -2001 الغرفة الثالثة قضية ب.أ ضد الوكالة العقارية ما بين البلديات (غير منشور) الى الإعتراف بعدم اختصاصه للفصل في منازعات هذه المؤسسات.
وتتميز هذه المؤسسات أيضا أن علاقتها بالدولة خاضعة للقانون العام أما علاقتها هي بالأفراد والمتعاملين تخضع للقانون الخاص. ومن أمثلة ذلك الشركة الوطنية للكهرباء والغاز ومؤسسة الجزائرية للمياه المنشأة بموجب المرسوم التنفيذي 91-147 المؤرخ في 12 ماي1991) ومؤسسة التلفزيون.
3- المؤسسة العمومية ذات الطابع العلمي و التكنولوجي:
لقد نجم عن التطور الإقتصادي والإجتماعي بل وحتى السياسي تغير أنماط التسيير والنظرة لتصنيف المؤسسات العمومية. فبعد المصادقة على القانون التوجيهي والبرنامج الخماسي حول البحث العلمي والتكنولوجي 1998 – 2002 صدر مباشرة المرسوم التنفيذي 99- 256 المؤرخ في 16 نوفمبر 1999. مبينا كيفيات انشاء المؤسسة العمومية ذات الطابع العلمي والتكنولوجي وتنظيمها وسيرها.
وبينت المادة 17 من القانون 98 – 11 المتضمن القانون التوجيهي والبرنامج الخماسي حول البحث العلمي والتطور التكنولوجي أعلاه بأن هذه المؤسسة تتمتع بالشخصية المعنوية والإستقلال المالي وأن الغرض من انشائها تحقيق نشاطات البحث العلمي والتكنولوجي من خلال تنفيذ برامج البحث العلمي والتطوير التكنولوجي. اما عن أداة الإنشاء فنصت المادة 2 – و 4 من المرسوم التنفيذي 99- 256 المذكولا أنها تتم بمرسوم تنفيذي وتحل بذات الشكل.
ولقد نص القانون 98 -11 على خضوع هذا النوع من المؤسسات لنظام الرقابة المالية البعدية كخطوة تميز هذه المؤسسة عن غيرها خاصة ذات الطابع الإداري وهذا بهدف بعث نوع من المرونة على نشاطها العلمي وأدائها.
4- المؤسسة العمومية ذات الطابع العلمي و الثقافي و المهني:
وهي مؤسسة حديثة العهد في الجزائر من حيث التصنيف وقد ورد تعريفها في المادة 32- من القانون 99- 05 المؤرخ في 4 أفريل 1999 المتضمن القانون التوجيهي للتعليم العالي بالصيغة التالية:
” المؤسسة العمومية ذات الطابع العلمي والثقافي والمهني هي مؤسسة وطنية للتعليم تتمتع بالشخصية المعنوية والإستقلال المالي”. وبينت المادة 38 من القانون المذكور اشكالها: الجامعة، المركز الجامعي، المدارس والمعاهد.
ومن المفيد الإشارة أن الفقه والقضاء وجدا صعوبة كبيرة في تحديد الطبيعة القانونية للمرفق العام خاصة عندما يكتفي المشرع باحداث المرفق دون ذكر لطبيعته. وللخروج من هذه الإشكالية تبنى القضاء الإداري فكرة النشاط الغالب. فاذا كانت المؤسسة تغلب عليها مظاهر القانون العام فهي تعتبر ذات صيغة ادارية اما اذا كانت تغلب عليها مظاهر القانون الخاص فان المؤسسة تعتبر ذات صيغة تجارية أو صناعية.
ولم يقتنع الفقه في بعض الحالات بالوصف الذي قد يضفيه المشرع على مرفق ما يخالف حقيقته وطبيعته كأن يعتبر المشرع مؤسسة ما بأنها ذات صبغة تجارية أو صناعية في حين أن نشاطها في واقع الأمر اداري.
أسلوب الإمتياز أو عقد الإلتزام:
– تعريف الإمتياز:
يقصد بالإمتياز ان تعهد الإدارة ممثلة في الدولة أو الولاية أو البلدية الى أحد الأفراد أو أشخاص القانون الخاص بادارة مرفق اقتصادي واستغلاله لمدة محدودة وذلك عن طريق عمال وأموال يقدمها الملتزم وعلى مسؤليته وفي مقابل ذلك يتقاضى رسوما يدفعها كل من انتفع بخدمات المرفق.
ومثال ذلك أن تعهد الدولة لأحد الأفراد استغلال خدمات توزيع المياه أو الكهرباء أو الغاز أو استغلال البترول أو المرجان أو استغلال ميناء أو منطقة حرة.
ولقد اعتبر القضاء الإداري عقد الإمتياز بأنه عقد اداري من نوع خاص موضوعه ادارة مرفق عام يتعهد بمقتضاه الملتزم وعلى نفقته وتحت مسؤوليته وبتكليف من الدولة أو أحد هيئاتها بالقيام بنشاط معين وخدمة محددة والحصول على مقابل من المنتفعين.
ولقد عرف القانون 83- 17 المؤرخ في 16 جوان 1983 والمتضمن قانون المياه المعدل بموجب الأمر 96- 13 المؤرخ في 15 جوان 1996 وتحديدا المادة 4 منه عقد الإمتياز بأنه عقد من عقود القانون العام تكلف الإدارة بموجبه شخصا اعتباريا عاما أو خاصا قصد ضمان أداء ذات منفعة عمومية.
ومن التعريف أعلاه يتجلى لنا الفرق بين أسلوب الإمتياز وغيره كالإستغلال مباشر وأسلوب المؤسسة على الوجه الآتي تفصيله.
أ- من حيث أداء الدولة للنشاط: في أسلوب الإمتياز لا تتولى الدولة بنفسها ادارة المرفق بل تعهد به لأحد أشخاص القانون الخاص. خلافا لأسلوب الإستغلال المباشر حيث تتولى هي مباشرة القيام بالنشاط بأموالها وموظفيها وقد تعهد بذلك لمؤسسة عامة مع تمتعها الشخصية المعنوية كما رأينا.
ب- من حيث التمويل: يتكفل الملتزم بالتغطية المالية للمشروع وما يحتاجه من عقارات ومنقولات على اختلاف أنواعها بحسب ما يقتضيه نشاط المرفق بينما تتكفل الدولة ماليا في حالة الإستغلال المباشر.
ج- من حيث اضفاء صفة الموظف: لا يتمتع الأجراء العاملون لحساب الملتزم بصفة الموظفين العموميين بل عمالا يحكمهم تشريع العمل لا تشريع الوظيفة العامة خلافا للعاملين في مشروع الإستغلال المباشر.
– الطبيعة القانونية للإلتزام:
ذهب بعض الفقهاء الى القول ان الإلتزام عمل انفرادي من جانب السلطة بمقتضاه ترخص للملتزم القيام بنشاط معين بعد قبوله للشروط التي تحددها الإدارة.
ولقد عاب البعض على هذا الرأي كونه يؤدي تقريبا الى تجاهل ارادة الملتزم ومركزه القانوني لأنه سلط الضوء أكثر على الإدارة ومكنها من حق وضع الشروط أو تعديلها أو انهاء الرابطة التعاقدية وغيرها.
وذهب أتجاه آخر في الفقه الى اعتبار عقد الإمتياز من العقود المدنية ويخضع لأحكامها، ويترتب على هذا القول تجريد الإدارة من بعض السلطات التي قد تستعملها تجاه الملتزم من ذلك مثلا سلطة التعديل وهذا نتيجة اعمال المبدأ العام في العقود المدنية العقد شريعة المتعاقدين.
وخلافا لذلك ذهب العميد ديجي الى القول أن عقد الإمتياز عمل مركب فهو من جهة يتضمن أحكاما تعاقدية لا تعني سوى أطراف العقد دون سواهم كالأحكام المتعلقة بحقوق أطراف العقد والتزاماتهم. ومن جهة أخرى يتضمن العقد أحكاما تخص المنتفعين كأحكام المالية المتعلقة بالرسوم التي يتقاضاها الملتزم من الجمهور مباشرة، وهو الرأي الراجح على حد قول كثير من رجال الفقه.
ولم يحد الفقه الإداري في بعض الدول عن هذا الرأي فهذا القضاء الإداري المصري قد تبناه بصريح العبارة بقوله ” ان الدولة وهي المكلفة أصلا بادارة المرافق العامة فانها اذا ما عهدت الى غيرها أمر القيام بها لم يخرج الملتزم في ادارته الى أن يكون معاونا لها، ونائبا عنها في أمر هو من أخص خصائصها، وهذا النوع من الإنابة أو بعبارة أخرى هذه الطريقة غير المباشرة لإدارة المرفق العام لا تعتبر تنازلا أو تخليا من الدولة عن المرفق العام، بل تظل ضامنة ومسؤولة قبل أفراد الشعب عن اداراته واستغلاله في هذا السبيل والقيام بهذا الواجب تتدخل في شؤون المرفق العام كلما اقتضت المصلحة العامة ذات التدخل…….ولذلك فان عقد الإلتزام ينشء في أهم شقية مركزا لائحيا يتضمن تخويل الملتزم حقوقا مستمدة من السلطة العامة يقتضيها قيام المرفق واستغلاله…. أما المركز التعاقدي فيعتبر تابعا وليس من شأنه أن يحول دون صدور نصوص لائحية جديدة تمس الإلتزام…
– أركان الإلتزام (الإمتياز):
يتمتع عقد الإلتزام بأركان خاصة تميزه عن غيره من العقود الأخرى هي كما يلي:
1- الأطراف: يتمثل أطراف عقد الإلتزام في ادارة مرفق عام عادة ما يكون اقتصاديا فلا يتصور أن تعهد الإدارة كما قلنا لأحد الأفراد أو الشركات من جهة أخرى.
2- المحل: ينصب عقد الإلتزام على ادارة مرفق عام عادة مايكون اقتصاديا فلا يتصور أن تعهد الإدارة كما قلنا لأحد الأفراد أو الشركات بادارة مرفق اداري لما في ذلك من خطوة تمتد آثارها لفئة المنتفعين.
3- الشكل: ان نقل ادارة المرفق لأحد الأفراد أو الشركات يتم بموجب وثيقة رسمية تتضمن جميع الأحكام المتعلقة بالمرفق والتي وضعتها الإدارة بارادتها المنفردة و يجب على الملتزم التقيد بها اذا رضي التعاقد مع الدولة أو الولاية أو البلدية.
وعليه فلا الزام الا بموجب دفتر للشروط تحدد فيه الإدارة سلفا سائر الأحكام المتعلقة بارادة المرفق بما في ذلك الأحكام التي تمتد أثارها لفئة المنتفعين.
– آثار الإلتزام:
يرتب عقد الإلتزام كسائر العقود الأخرى حقوقا والتزامات بالنسبة لأطرافه. ولعله من المفيد التذكير بأن هذه الآثار تمتد لفئة المنتفعين كما رأينا غير أننا سنقتصر على دراسة آثار العقد بالنسبة لأطرافه.
* آثار العقد بالنسبة للملتزم:
– من حيث الإلتزامات: يلزم المتعاقد مع الإدارة بما يلي:
1. التنفيذ الشخصي للإلتزام: يلزم المتعاقد مع الإدارة بأن يعمل شخصيا على تنفيذ ما تعهد به. وفي حالة اخلاله بالتزاماته تقع عليه المسؤولية كاملة. وهذا القيد يمنع الملتزم من أن يعهد للغير القيام ببعض المهام المتعلقة بموضوع العقد.
2. ضمان استمرارية سير المرفق: يلتزم المتعاقد مع الإدارة بأن يقدم الخدمة للمنتفعين على سبيل الإستمرارية والتواصل وأن يوفر من الإمكانات المادية والبشرية لضمان توافر هذا المبدأ.
– من حيث الحقوق:
1. الحصول على مساعدات من جانب الإدارة: لما كان نشاط الملتزم على علاقة مباشرة بجمهور المنتفعين تعين على جهة الإدارة أن تقدم بعض الوسائل لتمكينه من أداء هذا النشاط من ذلك مثلا بعض المساعدات المادية. فاذا كان نشاط المرفق يعتمد على الخشب و الإسمنت وفقدت هذه المادة في السوق فعلى الإدارة تقديم يد المساعدة للملتزم بمالها من سلطة بهدف مساعدته على توفير الخدمة للجمهور.
وتحقيقا لنفس الغرض وهو توفير الخدمة للجمهور اعترف القضاء الإداري للملتزم بالإستفادة من بعض قواعد القانون العام كقاعدة عدم جواز الحجز على أموال الملتزم ذات العلاقة بالنشاط موضوع التعاقد. وأكثر من ذلك اعترف له بالإستفادة بنزع الملكية للمنفعة العامة على يد الإدارة .
2. الحصول على المقابل المالي: لما كان الملتزم تكفل بالتغطية المالية للمشروع فان من حقه الحصول على عائدات مالية مباشرة من المنتفع لقاء ما قدمه من خدمة. فالملتزم تعاقد مع جهة الإدارة بغرض الحصول على ربح يتقاضاه من المنتفعين.
* آثار العقد بالنسبة للإدارة:
استعرضنا فيما سبق جزءا من آثار العقد بالنسبة لجهة الإدارة (الوجه المتعلق بالإلتزامات) وبقي أن نبين حقوقها أو ما يفضل البعض تسميته بسلطات الإدارة وتتمثل في:
1. حق الرقابة والإشراف: ان ادارة المرفق عن طريق أشخاص القانون الخاص (فرد أو شركة) لا يحجب حق الرقابة والإشراف على الإدارة فلها أن تمارسها بالكيفية والشكل الذي حدده القانون. وهذا بهدف رعاية مصلحة العامة وللتأكد من أن أداء الخدمة للجمهور تم كما هو متفق عليه. وغنى عن البيان أن سلطة الرقابة هذه لا وجود لها في العقود المدنية وهذا ما يؤكد الطبيعة الخاصة لعقد الإلتزام.
2. حق التعديل: لما كان عقد الإلتزام عقدا اداريا جاز للإدارة أن تمارس بمقتضاه حق تعديل بعض أحكام العقد اذا كانت موجبات المصلحة العامة تفرض ذلك. وهذا أمر طبيعي طالما تمتعت الإدارة أصلا بوضع أحكام العقد أو شروط التعاقد بادارتها المنفردة. وهذه ميزة لا نراها في العقود المدنية التي تفرض أن يحتل طرفا العقد مركزا واحد ولا وجود للتعديل المنفرد. ومثال حق التعديل أن تعهد الإدارة للملتزم القيام بتوفير خدمات في مجال النقل وبموجب خطوط تم الإتفاق عليها غير انه وبعد مدة نتج عنها تطور العمران وزيادة السكان يجوز للإدارة اضافة خطوط جديدة يلزم المتعاقد معها بتوفيرها وأن تغير في مواقيت النقل. ولا يجوز للمتعاقد أن يحتج على الإدارة بسبب ممارستها لهذا الحق.
ولقد أكد القضاء الإداري في مصر هذه السلطة أو الحق في كثير من أحكامه من ذلك حكمه الصادر في 15 ديسمبر 1957 والذي جاء فيه; ” ومن حيث أنه استقرت الأحكام بأن المتعاقد مع السلطة الإدارية في ادارة مرفق عام يجب أن يضع نصب عينيه وجوب ضمان سير المرفق العام بانتظام واطراد مع وجوب تفضيل المصلحة العامة على المصلحة الخاصة. ولو اقتضى الدخول الى ذلك تعديل نصوص العقد الإداري… وحق الإدارة في تعديل شروط العقد أو انهائه يرتكز على سلطتها بالنسبة للعقود الإدارية “.
3. حق استرداد المرفق قبل نهاية المدة: قد تفرض مقتضيات المصلحة العامة على جهة الإدارة استرداد المرفق قبل انتهاء المدة المتفق عليها في العقد شريطة أن تعوض الملتزم كل الإضرار التي لحقت به، وليس للملتزم أن يتمسك بفكرة الحق المكتسب أو القوة الملزمة للعقد وهذا ما أكده الفقه والقضاء.
4. حق أو سلطة توقيع الجزاء: إذا أخل الملتزم بأحد الشروط المتعاقد عليها جاز للإدارة وبارادتها المنفردة أن توقع عليه بعض الجزاءات منها الجزاء المالي المتمثل في الغرامات التأخيرية أو فسخ العقد.
– نهاية الالتزام:
ينتهي الالتزام بعدة طرق يمكن تصنيفها الى طرق عادية أو طبيعية وطرق غير طبيعية.
فالطريقة الطبيعية لنهاية الإمتياز تتمثل في انتهاء المدة المنصوص عليها في العقد، اما الطرق غير العادية فتتمثل صورها مثلا في صدور حكم قضائي موضوعه حرمان الملتزم من الإمتياز بسبب ارتكابه لخطأ جسيم، أو انهاء الإمتياز من جانب الإدارة لأسباب فرضتها مقتضيات المصلحة العامة.
– أسلوب الإمتياز في التشريع الجزائري:
قد يمنح الإمتياز في التشريع الجزائري من جانب السلطة المركزية باعتبارها ممثلة للدولة أو من جانب الإدارة المحلية (الولاية البلدية).
أ- امتياز من جانب السلطة المركزية:
رجوعا للمرسوم التنفيذي 02-40 المؤرخ في 14 جانفي 2002 المتضمن المصادقة على اتفاقية امتياز استغلال الخدمات النقل الجوي الممنوعة لشركة الطيران الخليفة للطيران نجد المادة الأولى من هذا المرسوم قد ورد فيها صراحة عبارة تمنح الدولة بموجب هذه الإتفاقية شركة الخليفة للطيران التي تقبل امتياز استغلال خدمات جوية للنقل العمومي. وذكرت المادة 2 أن مدة الإمتياز حددت ب 10 سنوات من المصادقة على الإتفاقية و يمكن تجديدها. أما المادة 4 فحملت صاحب الإمتياز مسؤولية ادارة الإستغلال وهذا طبقا للمرسوم التنفيذي 2000 -43 المؤرخ في 26 فبراير 2000. وحملت المادة 8 صاحب الإمتياز أيضا مسؤولية تجاوز الأسعار المصادق عليها من قبل السلطة المكلفة بالطيران المدني. وأعطت المادة 16 من دفتر الشروط الخاص للدولة الحق المطلق بالشراء مقابل تعويض عادل و منصف و في حالة الخلاف على المبلغ ترفع الدعوى أمام القضاء المختص. واعتبرت المادة 17 من الإتفاقية تحويل الإمتياز للغير باطل ولا أثر له بما يؤكد على طابعه الشخصي وحدد الملحق الخطوط الداخلية و الخارجية.
وتضمن المرسوم التنفيذي رقم 02- 41 المؤرخ في 14 جانفي 2002 المصادقة على اتفاقية امتياز استغلال خدمات النقل الجوي الممنوحة لشركة الطيران أنتينيا للطيران وقد أبرمت هي الأخرى باسم الدولة كما ورد في المادة الأولى من المرسوم أعلاه. وحددت مدتها ب 10 سنوات (المادة الثانية) وضبط المرسوم مسؤولية صاحب الإمتياز (المادة4) والزامه خاصة باحترام الأسعار (المادة8) وحدد الملحق الخطوط الداخلية والخارجية.
ب- امتياز من جانب الإدارة المحلية:
نصت المادة 130 من قانون الولاية على أنه اذا تعذر استغلال المصالح العمومية الولائية بشكل استغلال مباشر أو مؤسسات يمكن للمجلس الشعبي الولائي أن يرخص باستعمالها عن طريق الإمتياز:
يصادق على العقود المبرمة في هذا الصدد بقرار من الوالي وينبغي أن تكون مطابقة لدفتر الشروط النموذجي المصادق عليه وفقا للقواعد والإجراءات المعمول بها ونصت المادة 138 من قانون البلدية على ما يلي: ” اذا لم يكن استغلال الممصالح العمومية البلدية استغلالا مباشرا دون أن ينجم عن ذلك ضرر جاز للبلديات منح الإمتياز يصادق الوالي على هذه الإتفاقيات التي حررت لهذا الغرض بموجب قرار اذا كانت مطابقة لنماذج الإتفاقيات المعمولة حسب قواعد الإجراءات السارية المفعول “.
ورجوعا لأحكام المرسوم رقم 323.95 المؤرخ في 21 أكتوبر 1995 المتعلق باستغلال الموارد المرجانية نجده قد وضع شروطا لإستغلال في هذا المجال من جنسية للملتزم وقائمة المستخدمين الوطنيين والأجانب وشروط تتعلق بامكانات التقنية والبشرية .
ومن النصين يتبين لنا أن أسلوب الإمتياز كطريقة لإدارة المرافق العامة معمول به في التشريع الجزائري حيث أن المشرع رخص صراحة لكل من البلدية والولاية اللجوء الى أسلوب الإمتياز. غير أنه أورد قيدا عاما على ذلك تمثل في عدم امكانية ادارة المرفق بأسلوب الإستغلال المباشر أو أسلوب المؤسسة، ومنه نستنتج أن المشرع وضع أولوية معينة تمثلت في محاولة ادارة المرفق عن طريق جهاز حكومي اما بصفة مباشرة أو غير مباشرة، فان تعذر ذلك جاز اللجوء الى أسلوب الإمتياز.
وما يمكن ملاحظته عند الجمع بين أحكام قانون الولاية وقانون البلدية أن جهة المصادقة على الإمتياز واحدة وهي والي الولاية، غير أن المشرع كان دقيقا بخصوص قانون الولاية وهذا ما يتضح من نص المادة 130 أعلاه حيث احترم المشرع سلم الأولويات فذكر الإستغلال المباشر ثم تبعه بأسلوب المؤسسة ثم وفي الرتبة الثالثة ذكر أسلوب الإمتياز. بينما المادة 138 من قانون البلدية أشارت للاستغلال المبلشر ثم أتبعته مباشرة بالامتياز دون اشارة لأسلوب المؤسسة، وكان المشرع دقيقا أيضا بخصوص قانون الولاية عندما بين اجراء منح الإمتياز وهو مداولة المجلس الشعبي الولائي بينما قانون البلدية اكتفى بذكر عبارة البلدية دون اشارة لهيئة المداولة.
موقف مجلس الدولة الجزائري:
اعترف مجلس الدولة في قراره الصادر بتاريخ 09. 03. 2004 الغرفة الثالثة الملف رقم 11950، قضية شركة نقل المسافرين ضد رئيس بلدية وهران باختصاصه بالنظر في الدعاوى الناتجة عن عقد الإمتياز.
وهذا قضاء صائب وسليم من جانبه كما اعترف مجلس الدولة في ذات القرار للإدارة بحق استرداد المرفق ان رغبت في ذلك ولا يجوز لصاحب الإمتياز التمسك بحق شخصي دائم تجاه الإدارة. وقد تعلق النزاع باستغلال محطة نقل المسافرين.
– ادارة المشروع من طرف شركة مختلطة (الإستغلال المختلط):
قد تقتضي متطلبات التنمية الوطنية توجيه الدعوة للقطاع الخاص الوطني أو الأجنبي للتعاون مع القطاع العام في اطار قانوني يتجسد في شركة مساهمة يكون رأس مالها مشتركا بين أحد أشخاص القانون الخاص وأحد الهيئات العامة، وغالبا ما يتعلق موضوع النشاط بالمجال التجاري أو الصناعي.
ويعتبر أسلوب الإستغلال المختلط حديث نسبيا، ولقد عمدت الى اتباعه كثير من الدول النامية في الفترة الأخيرة خاصة بعد ظهور عيوب أسلوب الإستغلال المباشر والمتمثلة أساسا في بطء وتعقيد اجراءاته وعدم ملائمتها لقواعد السوق وأحكام المنافسة. وحتى أسلوب الإمتياز لم يخلو هو الأخر من عيوب تمثلت في اهتمام الملتزم فقط بتحقيق الربح وعدم تقييده في الغالب بالشروط التي تحددها الإدارة.
لذا بات من اللازم أن لا تخلع الدولة يدها عن ادارة المرافق العامة كلية وتعهد بها الى أشخاص القانون الخاص من جهة، وأن لا تنفرد بادارتها من جهة أخرى، بل لا بد من حل وسط ولا يكون ذلك الا عن طريق أسلوب الشركات المختلطة.
ولقد ذهب كثير من الفقهاء الى القول أن حقوق الإدارة وسلطاتها لا تستمدها من القانون التجاري لوحده باعتبارها شريكا في شركة مساهمة، بل من موقعها القانوني الذي يعطيها حق توجيه أعمال الشركة على نحو يحقق النفع العام، كما أن نواب القطاع داخل الهيئات المسيرة للشركة لا يمثلون أنفسهم أو الشركة بل هم نواب عن الدولة .
ومثال هذا النوع من ادارة المرافق ما نصت عليه المادة الثانية من المرسوم التنفيذي رقم 96 -118 المؤرخ في 06 أفريل 1996 المعدل والمتمم للمرسوم 87- 159 والمتعلق بتدخل الشركات الأجنبية في مجال التنقيب حيث جاء فيها أن شكل الشراكة بين المؤسسة الوطنية والشريك أو الشركاء الأجانب يتخذ صورة شركة مساهمة وتخضع للقانون الجزائري.
المبحث الثاني:
الضـبـط الإداري.
لا مراء في أن الحقوق والحريات اليوم أضحت مسألة تخص جميع أعضاء المجتمع الدولي، ومن أجلها صدرت كثير من المواثيق الدولية وعقدت المؤتمرات وأنشأت الهيئات وعد لت دساتير كثيرة.
وإذا كان من حق الفرد اليوم أن ينعم ببعض الحريات، فان تمتعه بها لا يتم بصفة مطلقة ودون ضوابط. فأي حرية وأي حق إذا ما أطلق استعماله لصاحبه انقلب دون شك الى فوضى وأثر ذلك على حقوق وحريات الآخرين. فالتقيد بالنظام والالتزام بالضوابط التي تحدثها القوانين والأنظمة هي التي تميز الحرية عن الفوضى.كما أن الالتزام بالضوابط من جهة أخرى يعد سلوكا حضاريا ومظهرا من مظاهر التمدن. فلا يمكن التذرع بممارسة الحرية من أجل التهرب من الخضوع لكل ما يقيد هذه الحرية. فلا شيء في علم القانون عامة اسمه المطلق.
لذا تعين أن تضبط الحرية حتى لا يساء استعمالها. وهذا من قبل السلطة العامة وفقا للكيفية التي رسمها القانون وبالضامانات التي قررها وهذا ما يعرف بالضبط الإداري أو البوليس الإداري.
ولقد رأينا تقسيم هذا المبحث إلى ثمانية مطالب، خصصنا:
– المطلب الأول: التعريف بالضبط الإداري.
– المطلب الثاني: لخصائص الضبط.
– المطلب الثالث: لمجالات الضبط.
– المطلب الرابع: أنواع الضبط.
– المطلب الخامس: أغراض الضبط.
– المطلب السادس: هيئات الضبط.
– المطلب السابع: وسائل الضبط.
– المطلب الثامن: حدود سلطة الظبط.
المطلب الأول: تعريف الضبط الإداري وتمييزه عن غيره من صور الضبط الأخرى.
يمكن إعطاء تعريفات متنوعة للضبط الإداري من زوايا متعددة. غير أن الفقه ركز كثيرا عن معيارين للتعريف بالضبط هما المعيار العضوي والمعيار الموضوعي.
فتبعا للمعيار العضوي يمكن تعريف الضبط الإداري على أنه مجموع أجهزة والهيئات التي تتولى القيام بالتصرفات والإجراءات التي تهدف إلى المحافظة على النظام العام.
ومن منطلق المعيار الموضوعي يمكن تعريف الضبط الإداري على أنه مجموعة الإجراءات والتدابير التي تقوم بها الهيئات العامة حفاظا على النظام العام. أو النشاط الذي تقوم به السلطات العامة من أجل المحافظة على النظام العام. والمعنى الثاني للضبط هو الراجح فقها . والضبط الإداري ظاهرة قانونية قديمة جدا التصق وجوده بالدولة في حد ذاتها فلا يتصور وجود دولة قائمة تمارس سيادتها على إقليمها وتتحكم في سلوكات أفرادها اذا لم تلجأ إلى استعمال وإجراءات وسائل الضبط لفرض نظام معين ولضمان حد أدنى من الاستقرار. فالضبط الإداري على هذا مظهر من مظاهر وجود الدولة وغيابه كفيل بزوالها.
وجدير بالملاحظة أن الضبط الإداري وظيفة قائمة في كل الدول على اختلاف طبيعة نظامها السياسي وتركيبة أفرادها. فكل دولة تسعى بصورة أو بأخرى إلى المحافظة على نظامها العام لبعث عرى الإستقرار فيها. ومهما تعددت تعريفات الضبط لدى الفقهاء، الا أن الضبط يظل مفهومه واحدا، فهو عبارة عن قيود وضوابط تفرضها السلطة العامة على نشاط الفرد أو الأفراد خدمة لمقتضيات النظام العام.فاذا كان الفرد يتمتع بحرية التنقل، فله أن يستعملها متى شاء، أن يتنقل داخل الوطن وخارجه، وأن يتنقل داخل الوطن ليلا ونهارا. غير أن السلطة العامة وبهدف المحافظة على النظام العام قد تحد بعض الشيء من حرية الفرد فلتلزمه بعدم التنقل لمكان معين إلا بموجب رخصة تسلمها هيئة محددة أو أن تلزمه بعدم التنقل ليلا لاعتبارات أمنية. أو تلزمه بعدم استعمال طريق أو جسر معين منعا للحوادث وهكذا… فلا يتصور وفي كل الحالات أن تبادر السلطة الى فرض قيود وضوابط على الحريات العامة دون أن تقصد هدفا معينا بذاته.
ويقتضي التعريف بالضبط الإداري تمييزه عن صور الضبط الأخرى كالضبط التشريعي والضبط القضائي.
أ- الضبط الإداري و الضبط التشريعي:
يقصد بالضبط التشريعي مجموع القوانين الصادرة عن السلطة التشريعية والتي يكون موضوعها الحد من نطاق مباشرة بعض الحريات الفردية فمصدر المنع أو القيد أو الضبط هو السلطة التشريعية. وعليه وعند مقابلة تعريف الضبط الإداري بالضبط التشريعي يتبين لنا أن الهدف في النوعين واحد هو المحافظة على النظام العام. والاختلاف بينهما يكمن في أن الضبط الإداري تباشره وتشرف عليه سلطة إدارية، والضبط التشريعي مصدره السلطة التشريعية.
وقد يحدث التداخل بينهما عندما تبادر السلطة التشريعية إلى سن تشريعات ضبطية وتتولى السلطة التنفيذية ممثلة في الإدارة بتنفيذ هذه التشريعات وفرض قيود على حريات الأفراد بالكيفية المحددة في التشريع.
ب- الضبط الإداري والضبط القضائي:
سبق البيان أن الضبط الإداري يتضمن مراقبة نشاط الأفراد وتوجيهه على نحو يكفل المحافظة على النظام العام. فهو على ذلك إجراء وقائي. بينما الضبط القضائي يهدف الى البحث عن الجرائم ومعرفة مرتكبيها لتتولى أجهزة الضبط تقديمهم الى السلطة القضائية المختصة وفقا للإجراءات المحددة قانونا. فالضبط القضائي يتخذ ويباشر بعد وقوع الجريمة أو المخالفة وليس قبلها.
ويتولى مهام الضبط الإداري السلطة الإدارية ممثلة في رئيس الجمهورية الوزراء الولاة رؤساء المجالس الشعبية البلدية .بينما يباشر مهام الضبط القضائي فئة معينة منحها القانون صفة الضبطية القضائية وخولها مهمة القيام ببعض الإجراءات كضباط الدرك وضباط الشرطة ورؤساء المجالس الشعبية البليدة وغيرهم. والإطار القانوني الذي ينظم عمل هؤلاء هو قانون الإجراءات الجزائية.
ورغم سعة مجال التمييز بين الضبط الإداري والضبط القضائي، الا أن التقارب بينهما يتم في حالات محددة وذلك بالنظر الى أن جهات معينة تمارس وظيفتين سلطة للضبطية الإدارية وأخرى للضبطية القضائية في ذات الوقت. مثلما هوالحال بالنسبة لرئيس المجلس الشعبي البلدي، فصفته كرئيس للمجلس الشعبي البلدي (الصفة الإدارية) تفرض عليه اتخاذ كل إجراء وقائي يمس جانب الأمن العام أو الصحة العامة أو السكينة العامة، كأن يغلق طريقا أو أن يمنع ممارسة التجارة في بعض الشوارع.أو أن يمنع سير الحيوانات في المناطق العمرانية وغيرها. وصفة الضبطية القضائية تفرض عليه أن يتحرك وأن يتخذ كل الإجراءات القانونية عند وقوع الفعل أو حدوث الجريمة. وعون الشرطة مثلا يقوم كأصل عام بتنظيم حركة المرور وله أن يوقف الأفراد والسيارات. ولكن اذا لاحظ جريمة معينة بأن رأى سائقا في حالة سكر أو أن بحوزته بضاعة ممنوعة تعين عليه اتخاذ الإجراءات اللازمة.
ج- التمييز بين الضبط و المرفق العام:
غالبا ما نجد التمييز بين الضبط الإداري والمرفق العام قائما على أن الأول يقيد من حريات الأفراد والثاني يقدم لهم خدمات لذلك وصف الفقه الضبط على أنه نشاط سلبي والمرفق على أنه نشاط ايجابي. فالضبط يترتب عليه المساس بحرية الفرد أو الأفراد على النحو السابق الإشارة إليه خلافا للمرفق إذ يقف الفرد موقف المنتفع من خدماته مجانا أو برسوم يلزم بدفعها. وتختلف الجهة التي تتولى مباشرة إجراءات الضبط عن الجهة التي تتولى ضمان توفير الخدمة للمنتفعين، ففي الحالة الأولى نجد الجهة دائما سلطة عامة ممثلة في رئيس الجمهورية أو وزير معين أو والي أو رئيس مجلس شعبي بلدي، فهذه الهيئات هي من يعود لها الحق في أن تضرب على الحريات العامة قيدا أو قيودا لاعتبارات تمليها المصلحة العامة. وبالكيفية التي حددها القانون.
والأمر غير كذلك بالنسبة للمرفق العام حيث أن النشاط قد يعهد به إلى شركة أو إلى فرد وتقوم العلاقة مباشرة بين الشركة أو الفرد من جهة والمنتفع من جهة أخرى.
وبالنتيجة ننتهي أن طبيعة إجراءات الضبط من الخطورة حيث لا يمكن إسنادها إلى أشخاص القانون الخاص. خلافا للمرفق العام يمكن نقل نشاطه وإسناده إلى فرد أو شركة تتولى القيام به وفق ما بيناه سابقا.
المطلب الثاني: خصائص الضبط الإداري.
يتمتع الضبط الإداري بجملة خصائص تميزه عن غيره، من نشاطات الإدارة يمكن حصر هذه الخصائص فيما يلي:
1. الصفة الانفرادية:
إن الضبط الإداري في جميع الحالات إجراء تباشره السلطة الإدارية بمفردها وتستهدف من خلاله المحافظة على النظام العام.فلا يتصور أن تلعب إرادة الفرد أو الأفراد دورا حتى تنتج أعمال الضبط أثارها القانونية وتبعا لذلك فان موقف الفرد من الضبط هو موقف الخضوع والامتثال لجملة الإجراءات التي فرضتها الإدارة، وهذا طبعا وفق ما يحدده القانون وتحت رقابة السلطة القضائية. بينما يختلف الأمر أن كنا بصدد مرفق عام فان إرادة الفرد قد تبرز بشكل جلي كما لو تم الاتفاق على إدارة المرفق بطريق الامتياز فيتولى الملتزم ضمان النشاط وتوفير الخدمة للجمهور بأمواله وعماله وتحت مسؤوليته المباشرة.
2. الصفة الوقائية:
يتميز الضبط الإداري بالطابع الوقائي فهو يدرأ المخاطر على الأفراد. فعندما تبادر الإدارة إلى سحب رخصة الصيد أو رخصة السياقة من أحد الأفراد فلأنها قدرت أن هناك خطر يترتب على استمرارية احتفاظ المعني بهذه الرخصة. والإدارة حينما تغلق محلا أو تعاين بئرا معينا أو بضاعة معينة فإنها تقصد بعملها الإجرائي هذا وقاية الأفراد من كل خطر قد يداهمهم أي كان مصدره. والسلطة عندما تفرض تراخيص واعتماد لممارسة بعض الأنشطة التجارية (استغلال المناجم أو المحاجر) فان ذلك بغرض حماية أمن الأشخاص ووقايتهم من كل خطر قد يلحق بهم ويكون ناتجا عن هذا الاستغلال.
3. الصفة التقديرية:
ويقصد بها أن للإدارة سلطة تقديرية في ممارسة الإجراءات الضبطية فعندما تقدر أن عملا ما سينتج عنه خطر تعين عليها التدخل قبل وقوعه بغرض المحا فظة على النظام العام فهي إن قدرت عدم منح رخصة لتنظيم سياسي بغرض إقامة تظاهرة عامة أو اجتماع عام فإنها لاشك رأت ان هناك مخاطر نستنتج عن هذا النشاط الجماعي.
المطلب الثالث: مجالات الضبط الإداري.
إن مجال الضبط الإداري من السعة بمكان. فله مظاهر وأوجه كثيرة ومتنوعة تمس قطاعات مختلفة ولاغنى للأفراد عنها. فهناك ضبط يتعلق بالأمن الصناعي وحماية المنشآت الصناعية خاصة من حيث نقل المواد ذات الخطورة على الأفراد أو على البيئة. وهناك ضبط يتعلق بآثار وحماية المواقع التاريخية. وهناك ضبط يتعلق بالحدائق والميادين والشوارع العامة والقاعات الكبرى والملاعب. وضبط يتعلق بممارسة بعض الأنشطة التجارية كاستغلال المناجم والمحاجر. وضبط يتعلق بممارسة الأنشطة السياسية عقد الاجتماعات الحزبية العامة وإقامة المؤتمرات الحزبية والتظاهرات العامة. وضبط يتعلق بالمجال العقاري والمجال الصحي ومجال الصيد واستغلال قاعات الألعاب وغيرها من صور الضبط الكثيرة.
ولما كانت مجالات الضبط كثيرة ومتنوعة، وتمس قطاعات كثيرة من الضروري أن تتعدد هيئات الضبط فيتدخل رئيس الجمهورية ليمارس اجراءات الضبط ويتدخل رئيس الحكومة وبعض الوزراء والولاة ورؤساء المجالس الشعبية البلدية وبعض المديريات التنفيذية على مستوى الولاية كمديرية الصحة ومديرية التنظيم العام ومديرية المناجم ومديرية الشؤون الدينية وغيرها من الأجهزة الإدارية.
ومن الطبيعي القول أن سعة مجال الضبط يؤدي الى تعدد قوانين الضبط بين نص دستوري وقانوني ونص تنظيمي.
ومن أمثلة النص الدستوري ما سبق التعرض له عند تحليل المادة 91-92-93-94-95-96. من الدستور.
ومن أمثلة القوانين (قوانين الضبط):
1- القانون 89 -28 المؤرخ في 31 -12. 1989 المتعلق بالاجتماعات و المظاهرات العمومية المعدل بموجب.
2- القانون 91-19 بتاريخ 02. 12.91 القانون 90-29 المؤرخ في 01 -12 – 90 المتعلق بالتهيئة و التعمير.
3- القانون 90-29 المؤرخ في 19 -08- 98 يعدل ويتمم القانون 85 – 05 المؤرخ 16-02- 85 المتعلق بحماية الصحة و ترقيتها.
4- القانون 90-08 – المؤرخ في 7 أفريل المتضمن قانون البلدية.
5- القانون 90-09 المؤرخ في 7 أفريل المتضمن قانون الولاية.
ومن أمثلة النصوص التنظيمية:
1- المرسوم التنفيذي رقم 91-53 المؤرخ في 23. 02. 91 المتعلق بالشروط الصحية عند عرض الأغذية للاستهلاك.
2- المرسوم التنفيذي رقم 95- 363 المؤرخ في 11-12-95 المتضمن كيفيات التفتيش البيطري للحيوانات الحية و المنتوجات الآتية من أصل حيواني المخصصة للإستهلاك البشري.
3- المرسوم التنفيذي 96- 121 المؤرخ في 06-04-1996 المتعلق بشروط الصيد البحري.
4- المرسوم التنفيذي 96- 121 المؤرخ في 25. 04.98 المتعلق بشروط استغلال قاعة الألعاب.
ومن القرارات الوزارية:
– قرار 30-12-99 المتعلق بايداع أسلحة الصيد (وزارة الداخلية).
– قرار 12-12-1999 المتعلق بشرطة العمران وحماية البيئة.
المطلب الرابع: أنواع الضبط الإداري.
إذا كان الضبط الإداري يتمثل في مجموعة من الإجراءات التي تتخذها السلطة المختصة ويترتب عليها المساس بحرية الأفراد، فان هذه القيود تختلف من حيث مجال نطاقها فقد تخص مكانا محددا أو أشخاصا معينين أو موضوعا دون غيره، لذلك قسم الفقه الضبط إلى نوعين ضبط عام وآخر خاص.
الضبط العام:
ويقصد به النظام القانوني العام للبوليس الإداري أي مجموع السلطات الممنوحة لهيئات البوليس الإداري من أجل المحافظة على النظام العام بمختلف محاوره من أمن عام وصحة عامة وسكنية عامة.
الضبط الخاص:
ويقصد به السلطات التي منحها القانون للإدارة بقصد تقييد نشاطات وحريات الأفراد في مجال محدد ومعين. فهو على هذا النحو اما أن يخص مكانا بذاته أو نشاطا بذاته. ومثال النوع الأول ما تفرضه السلطة العامة من اجراءات في مجال تنقل الأشخاص كأن تفرض رخصا للتنقل في بعض المناطق أو أن تحظر تنقلهم في مواقيت محددة تعلن عنها وغير ذلك من الإجراءات.
ومثال النوع الثاني أن تفرض الإدارة قيودا لتنظيم حركة المرور كأن تغلق شارعا معينا أو أن تفرض إجراءات معينة لممارسة الأفراد حق الاجتماع العام أو مسيرة أو إقامة حفلات ليلا وهكذا. فكل حرية عامة تمس في ممارستها حرية الآخرين أو حقوقهم يجوز للإدارة تقييدها بالطرق التي حققها القانون. فليس من حق الفرد تحت عنوان الحريات العامة أن يبادر بمباشرة عمل الصيد بصفة مطلقة فمن حق السلطة العامة أن تفرض عليه قيودا تتعلق باستعمال سلاح الصيد أو أنواع الحيوانات المرخص لاصطيادها أو المكان المخصص لممارسة هذا العمل.
المطلب الخامس: أغراض الضبط الإداري.
ذكرنا سابقا أن الضبط الإداري كمجموعة قيود صادرة عن سلطة عامة إنما الهدف منه هو المحا فظة على النظام العام بعناصره الثلاثة الأمن العام الصحة العامة والسكينة العامة.
أولا: الأمن العام.
يقصد بالأمن العام استتباب الأمن والنظام في المدن والقرى والأحياء بما يحقق الاطمئنان لدى الجمهور على أنفسهم وأولادهم وأعراضهم وأموالهم من كل خطر قد يكونون عرضة له،ومن أخطار الكوارث العامة والطبيعية كالحرائق والفيضانات والزلازل وغيرها.
لذا تعين عن السلطة العامة توفير كافة الإمكانات و اتخاذ كل الإجراءات لضمان الأمن العام للأفراد في الظروف العادية و الظروف الاستثنائية.
ثانيا: الصحة العامة.
إلى جانب توفير الأمن العام للجمهور يقع على عاتق السلطة العامة اتخاذ الإجراءات اللازمة بغرض وقاية صحة الأفراد. أيا كان مصدر الخطر أو المرض سواء الحيوان أو المياه أو أي مادة أخرى. فإذا تبين للسلطة العامة أن مادة غذائية ما أصبحت تشكل خطرا على صحة الأفراد جاز لها أن تتخذ كل إجراء بغرض منع بيعها أو عرضها للجمهور ولو عن طريق القوة العمومية. وإذا تبين لها واستناد لتقارير طبية أن البقر في مكان محدد يعاني من أمراض تهدد المستهلك فالإدارة صلاحية منع بيعه في الأسواق في ذلك المكان وكذلك منع بيع اللحوم.
ولا تتدخل الإدارة فقط عند ظهور الخطر أو المرض، وإنما قبلة أيضا، وهو الأصل في إجراءات الضبط. فلها أن تراقب مجاري المياه ومعالجتها ومنع استعمالها. ولها أن تراقب الموارد المعروضة للبيع خاصة المواد ذات الاستهلاك الواسع وأن تفرض إجراءات لحمايتها. ولها أن تباشر كل إجراء يهدف لحماية الصحة العامة ولو بلغ الأمر حد غلق المحل أو المحلات التجارية.
ثالثا: السكينة العامة.
من حق الأفراد وفي كل مجتمع أن ينعموا بالهدوء والسكينة في الطرق و الأماكن العامة وأن لا يكونوا عرضة للفوضى والضوضاء، وعليه يقع على عاتق الإدارة القضاء على مصادر الإزعاج في الشوارع والطرقات العامة ومنع استخدام الوسائل المقلقة للراحة كمكبرات الأصوات مثلا أثناء الحفلات أو اللقاءات العامة سواء في النهار أو الليل.
وتحقيقا لهذا الهدف صدر المرسوم التنفيذي رقم 93-184 المنظم لإثارة الضجيج والذي صدر تطبيقا للمادة 121 من القانون 83 -03 المتعلق بحماية البيئة. وقد صنف هذا المرسوم مستويات الضجيج المسموح بها في أماكن متعددة العامة والخاصة…
غير أن فكرة النظام العام بنظر الكثير من الفقهاء طرأ عليه تغييرا كبيرا تمثل في عدم الاكتفاء بالعناصر الثلاثة المذكورة وإدخال مفهوم آخر أشمل وأوسع للنظام العام يتضمن مسائل اقتصادية واجتماعية، وأن كان هذا المفهوم يتحكم فيه طبيعة النظام السائد داخل الدولة (الليبرالي، الاشتراكي).
وتحت هذا المفهوم الجديد تستطيع الإدارة أن تفرض بعض القيود لتنظيم النشاط الصناعي والتجاري، كما أنه بإمكانها أن تفرض على الأفراد ترتيبات تقتضيها المصلحة العامة. ومثال ذلك أن يفرض رئيس المجلس الشعبي البلدي على التجار المتجولين عدم ممارسة التجارة على الأرصفة أو أن يمنع إقامة محلات تجارية أو مقاهي بجانب تجمعات معينة، وعموما يخول له اتخاذ كل إجراء من شأنه المحافظة على الطابع الجمالي للبلدية.
المطلب السادس: هيئات الضبط.
لعلة تبين لنا أن الضبط الإداري إجراء وان كان القصد منه المحافظة على النظام العام إلا أنه يحمل خطورة معينة بالنظر لصلته بالحريات العامة وتأثيره عليها. لذا وجب تحديد هيئات الضبط والتقليص منها حتى لايصبح التقييد هو الأصل والتمتع بالحريات العامة هو الاستثناء.
ثم أن تحديد هيئات الضبط ينتج عنه القضاء على ظاهرة تداخل الاختصاص فلو تعددت الهيئات لأدى ذلك إلى تنازع في مجال ممارسة هذا الاختصاص.
وعلى العموم يمكن تقسيم هيئات الضبط إلى قسمين، هيئات تمارس اختصاص الضبط على المستوى الوطني وهيئات تمارس اختصاص الضبط في حدود جغرافية وإقليمية محددة.
أولا: هيئات الضبط على المستوى الوطني.
إن هيئات الضبط على المستوى الوطني تكمن في رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والوزراء.
أ-رئيس الجمهورية: اعترفت مختلف الدساتير لرئيس الجمهورية بممارسة مهام الضبط فهو المكلف بالمحافظة على كيان الدولة وامنها وسلامتها من أجل ذلك خول له الدستور اقرار حالة الطوارئ والحصار واقرار الحالة الإستثنائية. والهدف الأساس من إقرار هذه التدابير هو حماية الأرواح والممتلكات، فقد تقتضي الظروف من رئيس الجمهورية أن يعمد إلى إتباع إجراء معين بغرض الحد من المخاطر التي تهدد الأفراد ومحاولة التقليل قدر الإمكان من الأضرار المترتبة عليها. ورئيس الحكومة والوزراء.
ب- رئيس الحكومة: لم تشر القواعد الدستورية صراحة إلى سلطات رئيس الحكومة في مجال الضبط، واكتفت بالاعتراف لريس الجمهورية بإقرار حالة الطوارئ والحصار والحالة الاستثنائية.
غير أن رئيس الحكومة كما سبقت الإشارة يستشار من قبل رئيس الجمهورية عندما يريد هذا الأخير اتخاذ أي اجراء يترتب عليه تقييد مجال الحريات العامة في مواضع محددة أو أماكن محددة. ثم أن رئيس الحكومة قد يكون مصدرا مباشرا للإجراءات الضبطبة فهو من يشرف على سير الإدارة العامة. وتخول هذه الصلاحية له ممارسة نظام الضبط بموجب مراسيم تنفيذية أو تعليمات يصدرها ويلزم تنفيذها الأجهزة المختصة.
ج- الوزراء: الأصل أنه ليس للوزراء حق ممارسة مهام الضبط الإداري العام، لأنها صلاحية معقودة لرئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، غير أن القانون قد يجيز لبعض الوزراء ممارسة بعض أنواع الضبط بحكم مركزهم وطبيعة القطاع الذين يشرفون عليه وهذا ما يمكن تسميته بالضبط الخاص. فوزير الداخلية مثلا هو أكثر الوزراء احتكاكا وممارسة لإجراءات الضبط على المستوى الوطني سواء في الحالات العادية أو الحالات الاستثنائية وهو مادلت عليه النصوص الكثيرة المنظمة لصلاحيات وزير الداخلية منها أحكام المرسوم التنفيذي رقم 91- 01 وتحديدا نص المادة الثامنة منه حيث جاء فيها:
يمارس وزير الداخلية الصلاحيات التالية:
– المحا فظة على النظام العام والأمن العموميين.
– المحا فظة على الحريات العامة.
– حالة الأشخاص والأملاك وحريات تنقلهم.
– حركة الجمعيات باختلاف أنواعها.
– الانتخابات.
– التظاهرات و الاجتماعات العامة…”
وفصلت مواد أخرى من ذات المرسوم بعض الصلاحيات فأناطت بوزير الداخلية السهر على احترام القانون وحماية الأشخاص والممتلكات وحماية المؤسسات ومراقبة المرور عبر الحدود وغيرها.
وتبعا لذلك يجوز لوزير الداخلية أن يصدر تعليماته للمدير العام للأمن و للولاة وغيرهم تمس جانبا من جوانب الضبطية بغرض السهر على تنفيذها كل فيما يتعلق باختصاصه.
وليس وزير الداخلية فقط هو من يباشر إجراءات الضبط بل وزراء آخرون كوزير الثقافة مثلا عندما يصدر قرارات لحماية الآثار والمتاحف ويترتب على تطبيقها تنظيم حريات الأفراد في مجال معين. ويباشر وزير الفلاحة أيضا إجراءات الضبط عندما يصدر إجراءات تمنع صيد نوع معين من الحوت أو تنظيم مواقيت الصيد ومكانه أيضا. كما يباشر وزير النقل إجراءات الضبط عندما يصدر قراراته بتنظيم حركة المرور ليلا. ويباشر وزير التجارة بعض الإجراءات الضبطية عندما يحظر بموجب قرار منه ممارسة التجارة على الأرصفة والشوارع العامة. وكذلك الحال بالنسبة لوزير السكن إذا بإمكانه أن يصدر من القرارات ما ينظم أشغال البناء والعمران.
والحقيقة التي لا يمكن إنكارها أن المفهوم الجديد لفكرة النظام العام وشموليته وإطلاقه نجم عنه التوسع في هيئات الضبط فيتولى كل وزير ممارسة إجراءات الضبط على مستوى قطاعه بما يحقق المقصد العام وهو المحافظة على النظام العام بالرؤية الجديدة والمفهوم الجديد الذي لا تقتصر عناصره على الأمن العام والسكينة العامة والصحة العامة إنما مجالات كثيرة أخرى كما سبق القول.
ثانيا: على المستوى المحلي.
يمارس مهام الضبط كل من والي الولاية ورئيس المجلس الشعبي.
a. الوالي: نصت المادة 96 من قانون الولاية على أن ” الوالي مسئول عن المحافظة على النظام والأمن والسلامة والسكينة العامة ” وبغرض مساعدته على القيام بمهامه في مجال الضبط وضع القانون مصالح الأمن تحت تصرفه وهذا ما نصت عليه المادة 97 من قانون الولاية. وتزداد صلاحية الوالي سعة في الحالات الاستثنائية إذ بإمكانه تسخير تشكيلات الشرطة والدرك لضمان سلامة الأشخاص والممتلكات.
ولقد أناط قانون الولاية بالوالي توفير كل تدابير الحماية خدمة للنظام العام بمختلف عناصره. واعترف قانون البلدية بموجب المادة 81 منه للوالي بممارسة سلطة الحلول بالنسبة لجميع بلديات الولاية أو جزء منها عندما لا تقوم السلطات البلدية بذلك. وتزداد ذات الصلاحية سعة إذ تعلق الأمر بالحالات الإستعجالية.ومن أحكام الحلول الواردة في قانون البلدية نستنتج أن المشرع خرج عن مبدأ الاختصاص في أداء العمل الإداري بغرض خدمة النظام العام. فلو طبقنا القواعد العامة لتعين على رئيس المجلس الشعبي وحده القيام بما يلزم من أجل المحافظة على الأمن العام داخل حدود البلدية. غير أنه إذا لم يبادر إلى ذلك واتبعت الإجراءات المحددة قانونا، تعين على الوالي أن يحل محله فيتخذ كل الإجراءات لضمان حماية الأشخاص والممتلكات.
ب- رئيس المجلس الشعبي البلدي: طبقا لقانون البلدية يمارس رئيس المجلس الشعبي البلدي باعتباره ممثلا للدولة جملة من الصلاحيات ذات العلاقة بنظام العام ورد تعدادها في المادة 75 منه إذ جاء فيها ” يتولى رئيس المجلس الشعبي البلدي في إطار أحكام المادة السابقة واحتراما لحقوق المواطنين وحرياتهم على الخصوص ما يأتي:
– المحافظة على النظام العام و سلامة الأشخاص والأملاك.
– المحافظة على حسن النظام في جميع الأماكن العمومية التي يجري فيها تجمع الأشخاص.
– المعاقبة على كل مساس بالراحة العمومية وكل الأعمال المخلة بها.
– السهر على نظافة العمارات وسهولة السير في الشوارع والساحات والطرق العمومية.
– اتخاذ الاحتياطات والتدابير الضرورية لمكافحة الأمراض المعدية والوقاية منها.
– القضاء على الحيوانات المؤذية والمضرة.
– السهر على النظافة للمواد الاستهلاكية المعروضة للبيع.
– السهر على احترام المقاييس والتعليمات في مجال التعمير.
ويقوم رئيس المجلس الشعبي البلدي بهذه الصلاحيات تحت سلطة الوالي وهذا مانصت عليه المادة 69 من قانون البلدية. ولقد مكن قانون البلدية رئيس المجلس الشعبي البلدي من الاستعانة بالشرطة البلدية بغرض أداء مهامه. ويمكنه طلب تدخل قوات الشرطة أو الدرك المختصة إقليميا للتحكم خاصة في المسائل الأمنية.
المطلب السابع: وسائل الضبط.
اذا كان الضبط يعني مجموعة قرارات صادرة عن السلطة العامة الهدف منها تقييد حريات الأفراد بما يحقق النظام العام داخل المجتمع فان فرض هذه القيود يحتاج الى وسائل مادية وبشرية وقانونية.
أ- الوسائل المادية:
ويقصد بها الإمكانات المادية المتاحة للإدارة بغرض ممارسة مهام الضبط كالسيارات والشاحنات وعلى العموم كل آلة أو عتاد تمكن الإدارة من ممارسة مهامها.
ب- الوسيلة البشرية:
وتتمثل في أعوان الضبط المكلفين بتنفيذ القوانين والتنظيمات كرجال الدرك والشرطة العامة والشرطة البلدية.
ج- الوسائل القانونية:
لا تتم ممارسة اجراء الضبط من جانب الإدارة إلا وفقا لما حدده القانون وبالكيفية التي رسمها وبالضمانات التي كفلها، فرئيس الجمهورية عندما يمارس بعض الإجراءات الضبطية إنما يستند في ممارسته لهذه الصلاحية على الدستور. وكذلك الحال بالنسبة لرئيس الحكومة. أما الوزراء فهم يستندون إلى النصوص التنظيمية التي تكفل لهم ممارسة بعض الإجراءات واتخاذ قرارات معينة. ويباشر الوالي إجراءات الضبط من منطلق قانون الولاية. ويباشر رئيس المجلس الشعبي البلدي ذات الإجراء من منطلق نصوص قانون البلدية على النحو السابق المشار إليه، ومهما تعددت هيئات الضبط إلا أن الوسائل القانونية يمكن حصرها فيما يلي:
1- إصدار القرارات أو لوائح الضبط: وهي عبارة عن قرارات تنظيمية تصدر عن الإدارة في شكل مراسيم أو قرارات يكون موضوعها ضبط ممارسة الحريات العامة وينجم عن مخالفتها جزاءات تحددها النصوص، وتتخذ القرارات بدورها أشكالا كثيرة منها:
الحظر أو المنع: وهو أعلى أشكال المساس بالحريات العامة تم اتخاذها من جانب الإدارة بهدف المحافظة على النظام العام، وعندما تفرض الإدارة على الأفراد نشاطا معينا فلا تمنع بمجرد المنع، وإنما لتحقيق مقصد عام يعود بالنفع على جميع أفراد المجتمع، فمنع المرور على جسر آئل للسقوط ومنع التجول ليلا في ظروف غير عادية إنما الهدف منه حماية الأرواح.
ورجوعا مثلا للمادة 31 من القانون 01/14 المؤرخ في 19 أوت 2001 المتعلق بتنظيم حركة المرور الطرق وسلامتها وأمنها نجدها نصت على أن ” يقتصر استعمال المنبهات الصوتية في حالات الضرورة لوجود خطر فوري غير أنه يمكن منع استعمالها بواسطة وضع إشارة ملائمة…” ويتعلق الأمر مثلا بمنع استعمال المنبه بالقرب من المستشفيات أو المدارس.
الترخيص: قد تشترط الإدارة وطبقا لنصوص القانون أو التنظيم على الأفراد ترخيصا معينا إن هم أرادوا ممارسة حرية معينة أو القيام بعمل معين كما لو أراد الأفراد ممارسة حق التجمع أو إقامة مسيرة فمن حق الإدارة أن تفرض عليهم الحصول على رخصة قبل القيام بالنشاط وإلا كان عملهم مشوبا بعيب في المشروعية. كما تستطيع الإدارة أن تفرض على حامل السلاح استصدار رخصة لذلك أو أن تفرض على من أراد الدخول لمنطقة معينة الحصول على إذن من جهة محددة وعادة ما يكون ذلك في الحالات الاستثنائية. ولقد وردت في قانون حماية البيئة المؤرخ في 20 جويلية 2003 تحت رقم القانون 03-10 أن المنشآت المصنفة تخضع للتراخيص حسب أهميتها ودرجة الضرر أو الخطر فقد يصدر الترخيص من الوزير أو الوالي أو رئيس المجلس الشعبي البلدي. ويسبق الترخيص تحقيق تباشره جهات معينة.
وتضمن المرسوم التنفيذي رقم 98- 339 بتاريخ 4 نوفمبر 1998 المتعلق بضبط التنظيم الذي يطبق على المنشآت المصنفة ويحدد قائمتها وأنواع المنشآت ووزع الاختصاص بين أشخاص ثلاث الوزير الوالي رئيس المجلس الشعبي البلدي.
2- استخدام القوة: الأصل هو امتثال الأفراد لقرارات الإدارة وخضوعهم إليها، غير أنه وفي حالات معينة يجوز استعمال القوة لمنع نشاط معين لم يخضع منظموه للقوانين والتنظيمات كما لو أراد الأفراد إقامة مسيرة معينة ولم يقدموا طلبا للإدارة بذلك أو أنهم قدموه ورفض من جانبها لسبب أو لآخر وتعتمد الإدارة في اللجوء للقوة على إمكاناتها المادية والبشرية لصد كل نشاط يؤدي إلى المساس بالنظام العام.
المطلب الثامن: حدود سلطة الضبط الإداري.
القاعدة العامة أن الأفراد يتمتعون بالحريات العامة التي كفلها لهم الدستور غير أنه في مواضع معينة ترد على هذه الحريات قيودا تفرضها مصلحة المجتمع. ولما كان الأصل هو التمتع بالحرية و الاستثناء هو القيد أو القيود، وجب أن تخضع هذه القيود إلى ضوابط تمنع أو تحد من التعسف في ممارستها، ويقضي الأمر عن الحديث عن حدود سلطة الضبط الإداري التمييز بين الحالة العادية والحالة الاستثنائية.
أ- الحالة العادية:
تخضع ممارسة الضبط من قبل الأجهزة التي ذكرناها إلى قيدين هما خضوع إجراءات الضبط لمبدأ المشروعية وثانيا خضوعها لرقابة القضاء:
1- خضوع إجراءات الضبط لمبدأ المشروعية: إن كل اجراء من اجراءات الضبط ينبغي أن يكون مشروعا وحتى يكون كذلك وجب أن يتخذ من النظام العام بجميع عناصره وأبعاده مقصدا له. فحين تفرض الإدارة على الأفراد عدم الخروج في مسيرة دون رخصة فان المقصد العام هو توفير الأمن العام حتى لا يبادر الأفراد وبطريقة فوضوية للخروج في الشوارع العامة بما في ذلك من خطر قد يهدد الأرواح والممتلكات. وحين تفرض عليهم عدم استعمال مكبرات الأصوات ليلا فان القصد هو توفير السكينة العامة. وحين تراقب الإدارة بعض المواد الاستهلاكية أو تمنع عرضها فذلك بغرض حماية الأفراد من مخاطر الأمراض.
وعليه فان القيد العام الذي يحكم الضبط الإداري هو أن كل إجراء يترتب عليه المساس بحريات الأفراد ينبغي تبريره وإلا كانت الإدارة في وضعية لتجاوز السلطة. كما أن هذه الضوابط التي تفرضها الإدارة على الأفراد ينبغي أن تكون واحدة بالنسبة للجميع وأن كل خروج عن مبدأ المساواة أمام القانون يعرض الإدارة للمسؤولية كما سبق القول فالقانون واحد أن يحمي أو يعاقب أو يكره كما جاء في المادة 29 من الدستور.
2- خضوع إجراءات الضبط للرقابة القضائية: الأصل أن جميع أعمال ونشاطات الإدارة تكون عرضة للرقابة القضائية إذا ثبت التجاوز أو الخرق، للقوانين والتنظيمات ولا يتعلق الأمر بإجراءات الضبط فقط بل وبأعمال أخرى كقرارات التأديب والترقية وغيرها.
فعندما يثبت للجهة القضائية أن الإدارة تجاوزت الحد وأن مقتضيات النظام العام غير متوفرة في القضية المعروضة عليها جاز لها إلغاء كل قرار في هذا المجال وإذا اقتضى الأمر تعويض الطرف المضرور. فالرقابة القضائية على هذا النحو هي ضمانة أخرى تضاف للقيد العام حتى لا تسيء الإدارة استعمال سلطتها.
ولقد عهد الدستور الجزائري لسنة 1996 للسلطة القضائية حماية الحريات العامة والحقوق الأساسية و هذا بموجب المادة 138 منه. كما اعترفت المادة 143 للقضاء بالنظر في قرارات السلطات الإدارية. ووعدت المادة 22 بمعاقبة القانون لكل متعسف في استعمال السلطة. ويمكن للمدعي رفع دعواه أمام القضاء المختص (الإداري) طالبا الإلغاء فقط أو الإلغاء مع التعويض أيا كانت الجهة المصدرة للقرار سواء جهة مركزية أو ادارة محلية.
وسبق لنا القول أن المادة 5 من المرسوم 88- 131 المذكور والمتعلق بعلاقة الإدارة مع المواطن نصت أنه يترتب على كل تعسف في ممارسة السلطة تعويض وفق التشريع المعمول به وهو ما تكرر في المادة 39 أيضا من نفس القانون.
ومن التطبيقات القضائية لإجراءات الضبط البلدي القرار الصادر عن الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى سابقا بتاريخ 20/11/1976 قضية السيد كماش وأكسوس ضد بلدية بودواو. وتتلخص وقائعها أنه على أثر مداولة المجلس الشعبي البلدي لبلدية بودواو أصدر رئيس المجلس قرار يحضر فيه بيع المشروبات الكحولية على مستوى تراب البلدية 30/09/1975. ومما جاء فيه في حيثيات هذا القرار ما يلي:
وحيث أن رئيس المجلس الشعبي البلدي مكلف تحت مراقبة المجلس الشعبي البلدي وإشراف السلطة العليا لممارسة سلطات الضبط المخولة له قانونيا. وان هدف الضبط الإداري البلدي يتمثل في حماية حسن النظام العام والأمن والصحة العامة. وبما أن رئيس المجلس الشعبي البلدي غير ملزم بتسبيب قراراته يجب أن تكون هذه الأخيرة قد اتخذت بناءا على أسباب كافية من جهة ولكن من جهة أخرى ومهما كانت الأسباب والدواعي، فان غلق بيع المشروبات الكحولية بصفة نهائية مثل ما أمرت به سلطات البلدية يشكل عقوبة لا يحق إلا للمحكمة اتخاذها. لهذا فان رئيس المجلس الشعبي البلدي غير مختص باتخاذ مثل هذا القرار. وبالنظر كذلك أن المداولة المؤرخة في 10/09/1975 والتي أرساها قرار المجلس الشعبي البلدي ب 17 صوت منع بيع واستهلاك المشروبات الكحولية على مستوى تراب البلدية باطلة بحكم القانون وبالنتيجة ألغى المجلس الأعلى القرار المطعون فيه ولقد صدر قرار عن نفس الغرفة مماثل يتعلق بقرار إداري ضبطي صادر عن بلدية عين البنيان يقضي هو الآخر بمنع استهلاك وبيع المشروبات الكحولية وتم تسبب القرار أن حالة السكر صارت تخل بالنظام العام وشكلت حالة من عدم الأمان لدى أفراد المنطقة. وبعد إحالة الدعوى إليها قررت الغرفة الإدارية إلغاء القرار الإداري المطعون فيه.
ولقد حمل القضاء الإداري في الجزائر الإدارة المسؤولية في حال إخلالها باتخاذ إجراءات الضبط ويتجلى ذلك من خلال القرار الصادر عن الغرفة الإدارية بتاريخ 06 أفريل 1973 قضية بن ميميش ضد رئيس المجلس الشعبي لبلدية الخروب. وتتلخص وقائع القضية أن المدعي تعرض مشغله الى حريق نتيجة الألعاب النارية المستعملة في عيد المولد النبوي. وقد اعترف القرار بمسؤولية الإدارة على أساس انتفاء تدابير الضبط البلدي المتعلق بالألعاب النارية. وهو ذات المنحى الذي ذهبت إليه ذات الغرفة في قرارها الصادر بتاريخ 24-12-1977 قضية والي قسنطينة ضد تناج فاطمة اذ صرحت الغرفة بالمسؤولية المشتركة والتضامنية لكل من البلدية والولاية عن الواقعة التي أدت بوفاة الضحية بولدراك أحسن رغم أن البلدية أخطرت الوالي بأن العمارة المتنازع عليها يجب أن تهجر وتغلق أبوابها، غير أن الولاية لم تبادر الى اتخاذ اجراءات الضبط لحماية الأشخاص من انهيار العمارة. وكانت النتيجة تحميلهما (البلدية والولاية) المسؤولية بدفع مبلغ التعويض. ومن تطبيقات مجلس الدولة الجزائري القرار الصادر عنه بتاريخ 23/09/2002 الغرفة الأولى ملف رقم 006195 قضية والي ولاية الجزائر ضد ب ف مصطفى اذ ذهب مجلس الدولة الى القول أنه يمكن للوالي الأمر بغلق اداري للمخمرة أو المطعم لمدة لا تتجاوز 6 أشهر على اثر مخالفة القوانين المتعلقة بهذه المؤسسات أو بغرض الحفاظ على نظام وصحة السكان وحفاظا على الإدارة العامة. وبالتالي فإن الغلق لإشعار آخر ودون تحديد المدة المذكورة فيه مخالفة للقانون. وبالنتيجة ألغى مجلس الدولة القرار المطعون في. .
واعترف مجلس الدولة الجزائري في قراره الصادر عن الغرفة الثالثة تحت رقم 11086 بتاريخ 22. 07.2003 قضية ب.ف ضد رئيس المجلس الشعبي البلدي وهران للبلدية بحق إقامة جدار في ملكية الغير بهدف المحافظة على أمن وسلامة المواطنين إذ ذهب المجلس إلى القول: ” إن البلدية كانت محقة لاتخاذ كل التدابير لحماية الأشخاص والأملاك وان بناء الجدار من طرف البلدية يعتبر تدبيرا مفيدا وضروريا لإعفائها من مسؤولية وقوع ضرر محتمل ومتوقع نظرا لقدم البناية…”.
وأقر المجلس بأن بناء الجدار المتنازع بشأنه لا يمثل خطأ من جانب البلدية يحملها المسؤولية. ورفض مجلس الدولة إصدار القرار بهدم الجدار لأن مثل هذا القرار يؤدي الى المساس بأمن المواطنين. وبتقديرنا يعد هذا القرار في بين القرارات التاريخية الصادرة عن مجلس الدولة الجزائري في مجال الضبط رغم حداثة نشأته.
ب- الحالة الاستثنائية:
قد يكون المجتمع عرضة لظروف استثنائية مثل الحرب والكوارث الطبيعية والأوبئة وغيرها مما يفرض الاعتراف لجهة الإدارة بسلطات أوسع للتحكم في الوسع الاستثنائي غير أن الإشكالية التي أثيرت بهذا الصدد هل ينبغي تقييد السلطة التنفيذية بقانون خاص يحكم نشاطها في الحالات الاستثنائية وتطبيق النصوص الخاصة؟
وتقتضي الطريقة الثانية أن تلجأ السلطة التنفيذية للبرلمان لاستصدار قانون خاص يحكم عملها ونشاطها في الظروف الاستثنائية. وقد عاب البعض أيضا على هذه الطريقة كون الظروف الاستثنائية قد تحل بصورة مفاجئة مما قد يعيق نشاط السلطة التنفيذية ويغل يدها عن مواجهة الوضع. كما أننا نرى أن عرض الأمر على البرلمان من شأنه أن يبعث بطئا في العملية التشريعية مما يجعل السلطة التنفيذية في دائرة الترقب إلى غاية صدور النص ثم تتحرك لمواجهة الوضع.
رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا البقرة 286.
اترك تعليقاً