بقلم ذ عبد الرحمان حمزاوي
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
باحث في قانون الأعمال
تعتبر المقاولة وحدة الإنتاج، أي وجدت لخلق ثروات ومناصب للشغل، فلا يمكن تحقيق تطورات اقتصادية ملموسة في ظل غياب بناء مقاولاتي منتظم ومتكامل بالشكل الذي يسمح له بالانفتاح على فرص ومجالات اقتصادية كانت إلى عهد قريب حكرا على الشركات الكبرى.
ومن هنا ينبغي التأكيد أن المقاولة تمثل القاعدة الأساس لاقتصاد أي دولة، وعلى سبيل المثال فالنسيج الاقتصادي المغربي يعتمد بشكل كبير على عنصر المقاولة وخاصة الصغرى والمتوسطة التي تشكل 95 من داخله بالرغم من وجود صعوبات وإكراهات تحد من فعاليتها ومن قيامها بدورها التنموي، سواء على مستوى التمويل المالي، أو على مستوى التسويق، أو من خلال البحث عن كفاءات هامة في سوق الشغل.
وباعتبار المقاولة نظام فهي توجد دائما في تفاعل مع نظام أوسع وهو المجتمع، فبقدر ما تزداد حاجيات المجتمع، بقدر ما تتوسع المقاولة وتتطور هياكلها الداخلية، وتتنوع مجالات استثمارها، لذلك نجد أن عدد المقاولات تضاعف في السنوات الأخيرة وأصبحت تشغل كل القطاعات بشكل فرض تقسيمها إلى أصناف حسب معايير معينة.
المقاولة قانونا:
يعد مفهوم المقاولة من المفاهيم الأكثر غموضا في المجال القانوني على اعتبار أن هذا المفهوم خاضع لمقاربة اقتصادية أكثر مما هي قانونية، وما يجب التأكيد عليه هو أن المشرع المغربي لم يعرف المقاولة لكنه أسس لها من خلال قانون الالتزامات والعقود في إطار تعريفه لعقد الصنعة وعقد الشركة.
وبالتالي فمفهوم المقاولة المحدد في قانون الالتزامات والعقود المغربي في الفصل 723 هي: ” عقد بمقتضاه يلتزم أحد الطرفين بصنع شيء معين في مقابل أجر يلتزم الطرف الآخر بدفعه له”.
أما الشركة فقد عرفها المشرع المغربي في الفصل 982 من ق.ل.ع بقوله “عقد بمقتضاه يضع شخصان أو أكثر أموالهم أو عملهم أو هما معا لتكون مشتركة بينهم بقصد تقسيم الربح الذي ينشأ عنها”.
ويتبين من خلال هذين التعريفين أنهما بعيدين كل البعد في الإحاطة بجوانب ومجموع المقاولة كبناء وكنظام بشري ومالي وتقني منفتح على محيط متعدد الأطراف، الشيء الذي يدفعنا إلى الاعتماد على التعريف الذي سار عليه غالبية الفقه المغربي والذي حدد مفهوم المقاولة في التعاطي للعمل التجاري من خلال إطار منظم يقوم على تكرار القيام به على وجه الاحتراف استنادا على تنظيم يتأسس على وسائل مادية وبشرية مجمعة ومنتظمة كاتخاذ مقر واستخدام يد عاملة وتوافر مستهلكين وتوظيف رأسمال، واستعمال معدات مع الاعتماد على شروط التدبير والإشهار والنزاهة التي يفرضها القانون والسوق وبصفة عامة النظام العام الاقتصادي.
المقاولة اقتصاديا:
تعد المقاولة من الناحية الاقتصادية لبنة أساسية في اقتصاد أي دولة الشيء الذي يتطلب توفير الإمكانيات المالية والخبرات الإدارية لتطويرها وتوسيعها، فهي جهاز منفتح على عدة شركاء وأطراف (ممونون، زبناء، مؤسسات مالية….)، فهي إذا كيان اقتصادي ونظام تقني يستند على عناصر بشرية ومالية ومادية غايتها إنتاج منافع وخدمات وذلك بغية تلبية حاجيات المستهلك بهدف تحقيق أكبر قدر ممكن من الربح.
يتضح مما سبق أن المقاولة خطة اقتصادية قائمة على وجه الاحتراف والاعتياد بناء على تصميم وتنظيم وإدارة بشرية وتجهيزات ورأسمال ويد عاملة ووسائل مالية ومعنوية أخرى بغرض تحقيق الأرباح.
المقاولة “النسقية”:
لقد ظهرت العديد من المحاولات لتعريف النسق وهي محاولات تفاوتت في دقتها ووضوحها، ومن أبرز التعاريف التي يمكن الأخذ بها في هذا المجال هو ذلك الذي وضعاه السوسيولوجيان الأمريكيان هارتمان ولاريد (HARTMAN & LARID) فقد اعتبرا النسق هو: “ذلك الكل والذي يتكون من أجزاء متداخلة فيما بينها ومعتمدة على بعضها البعض”، أو بتعبير أوضح هو مجموعة من الأجزاء أو العناصر التي تعمل معا لانجاز وظيفة محددة، والنسق قد يكون بسيطا وقد يكون معقدا، كما قد يكون مفتوحا أو مغلقا، وأهم شيء يميز المدرسة النسقية التي أسسها BERTHALONFFY صاحب النظرية العامة للأنساق في خمسينيات القرن الماضي، هو قيامها بمجموعة من الفرضيات فهي تفترض بأن الأنساق الحية أو المفتوحة وغير الحية أو المغلقة يمكن النظر إليها والتعامل معها على أساس أنها أنساق لها مواصفتها الخاصة، ودراستها للنسق تتوقف على دراسة أجزاء هذا الأخير، إذ حسب هذه المدرسة فإن كل جزء في النسق يعمل بشكل متبادل مع بقية أجزائه هذا التبادل الذي يولد تكاملا في الأدوار لانجاز وظيفة واحدة.
إذا يبقى أن نتساءل كيف نظرت المدرسة النسقية إلى المقاولة كمجموعة أنساق؟
فيما يخص هذا الطرح أجابت المدرسة كالتالي:
الإدارة في المقاولة كأنساق:
الإدارة في المقاولة هي عبارة عن مجموعة أنساق، غير أنها أنساق من طبيعة خاصة أو كما وصفتها المدرسة النسقية هي أنساق حاكمة أو هي أنساق مراقبة ذلك أنها لا تتعامل مع المحيط الخارجي للمقاولة بل عمل أجزائها ينحصر في الإدارة نفسها، أي في طريقة أو منهجية العمل بين رؤساء والمرؤوسين التي تتوحد في نهاية المطاف لانجاز وظيفة واحدة هي تسيير وإدارة المقاولة، وبذلك توصف الإدارة في المقاولة على أنها أنساق مغلقة فكيف نظرت المدرسة النسقية إلى ورش العمل في المقاولة؟
ورش العمل في المقاولة كأنساق.
ورش العمل أو الأنساق المحكومة أو الأنساق الإجرائية كما وصفتها المدرسة النسقية هي أنساق محكومة بردود أفعال نتيجة التدخلات بينها وبين الأنساق الحاكمة، أو بتعبير أدق أن ورش العمل يخضع لتوجيهات الإدارة، غير أن ما يميز ورش العمل هو انفتاحه على محيط المقاولة إذ يأخذ المواد الأولية من خارج المقاولة ليحولها إلى منافع ثم يصدرها إلى خارج المقاولة، ما حدا بالمدرسة النسقية إلى وصف ورش العمل في المقاولة على أنه نسق مفتوح.
غير أن النقاش المفتوح على مستوى هذه المدرسة هو ما هو الجزء الذي يمكن أن يوصف بتنظيم نسقي هل هو النسق الحاكم أم المحكوم، بهذا الخصوص أجابت المدرسة إلى أنه يجب أن ينظر إلى المقاولة على أنها نسق مفتوح متجاهلة بذالك التنظيم الإداري للعمل والتنظيم العلمي للعمل والبيروقراطية الإدارية التي تميز الأنساق الحاكمة.
غير أنه مع تطور نظرية الأنساق المفتوحة نحو توجهها النهائي ظهرت المقاربة السوسيوتقنية للتنظيمات إلى الوجود والتي اعتبرت المقاولة كنسق سوسيوتقني مفتوح على محيطها، على اعتبار أن المقاولة في تبادل مستمر مع الخارج وأن التدبير لا يجب أن يهتم فقط بالعلاقات الداخلية للمقاولة ولكن تدبير علاقات المحيط للحفاظ على التوازن الدينامكي وأن المدبرين والموجهين داخل المقاولة يجب أن يكونوا في نفس الآن متخصصين في العلوم الاجتماعية.
فالمقاولة بهذا المعنى تضطلع بعدة وظائف، تنصهر جميعها في وظيفة أساسية هي الإنتاج وهي عملية تمر بمراحل متعددة بحيث تكون فيها المقاولة مفتوحة على الأطراف الممونة التي تمد المقاولة بالمواد الأولية، ليتم تصنيعها اعتمادا على ألآت ومعدات تحت إشراف يد عاملة متمرسة ومتوفرة على التكوين التقني أللازم لضبط عملية التصنيع، وفي مرحلة ثالثة يتم تصريف المنتوج المصنع والنصف مصنع، على الأسواق اعتمادا على الإدارة والخبرة التسويقية، ويتبين من خلال ذلك أن المقاولة تعيش دورة ثلاثية تبدأ بالتموين وتمر بمرحلة التصنيع ثم التسويق في آخر المطاف.
إثباتا لذلك وجب على المشرع المغربي التدخل من أجل هيكلة وتقنين مفهوم المقاولة حتى يتسنى لهذا الكيان الاقتصادي المجهول قانونيا الاضطلاع بدوره على أكمل وجه، من ذلك كبح المشاكل التي يتخبط فيها المجتمع من بطالة وفقر وتهميش وهشاشة من جهة، والنهوض بالاقتصاد “الشعبي” من جهة ثانية من خلال النهوض بالاقتصاد غير المهيكل ومحاربة تجارة الرصيف التي تسيء لجمالية غالبية مدننا، وهو التدخل الذي سينقلنا من الاقتصاد غير المهيكل إلى الاقتصاد المصنف والمندمج حيث ستلعب المقاولة دورا هاما في تعبئة الرأسمال وحل مشاكل التسويق والتموين بالإضافة إلى حل معظم المشاكل الاجتماعية وفتح أفاق جديدة أمام المقاولين الشباب كالانخراط في الضمان الاجتماعي والدخول في تنظيمات مهنية.
لائحة المراجع:
معلال (فؤاد) شرح القانون التجاري الجزء الأول والثاني مطبعة الأمنية الرباط الطبعة الثالثة 2009.
لقلالش (محمد) مبادئ الحسبة العامة (وفق المخطط المحاسبي المغربي) الجزء الأول المطبعة والوراقة الوطنية مراكش الطبعة الأولى 2005.
بقلم ذ عبد الرحمان حمزاوي
باحث في قانون الأعمال
اترك تعليقاً