بقلم ذ عمر أمزاوري
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
طالب باحث بماستر المهن القانونية والقضائية، الفوج الثالث بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بتطوان.
يمكن تعريف التحرش الجنسي بكونه تلك المُضايقة ذات الطبيعة الجنسية، والتي قد تتدرج من أفعال أو أقوال أو إشارات أو غير ذلك مما يعد ضمن الانتهاكات البسيطة إلى المضايقات التي تكاد تبلغ مبلغ المحاولة في الاغتصاب أو هتك العرض، ويقع التحرش الجنسي على الضحية كيفما كانت ذكرا أو أنثى،
وغالبا مايقع على الإناث حتى ارتبط التحرش الجنسي ضمن الأفعال التي تدخل ضمن العنف ضد المرأة.
ويذكر أن أول استخدام لاصطلاح التحرش الجنسي تم في عام 1973 في تقرير إلى رئيس ومستشار معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا آنذاك عن أشكال مختلفة من قضايا المساواة بين الجنسين، ومنه أخذ ينتقل للأدبيات الإدارية والقانونية، ويعتبر التحرش الجنسي من الجرائم التى ظهرت بشدة في المجتمع المغربي مؤخرا وانتشرت أخبارها في الوسائط المكتوبة والمرئية والمسموعة، ويمكن القول أنه جريمة قديمة لكن لم يكن الضوء مسلطا عليها من طرف الإعلام.
و كان المشرع المغربي قد جرم التحرش الجنسي من ذوي السلطة على المتحرش به ( 503ـ 1 ق.ج)، تساوقا مع مقتضيات المادة 40 من مدونة الشغل التي اعتبرت التحرش الجنسي من الأخطاء الجسيمة المرتكبة ضد الأجير من طرف المشغل، لكن وبمناسبة التعديلات الجديدة التي ينص عليها مشروع القانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء والتي يمكن اعتباراها بمثابة تأطير عام لجريمة التحرش الجنسي في القانون المغربي.
والسؤال المطروح هنا هل توفق مشروع القانون المذكور في توفير حماية قانونية ضد التحرش الجنسي ؟
ولفهم التحرش الجنسي كجريمة لابد من الإحاطة به كشكل من أشكال الاعتداء الجنسي أسوة بالاغتصاب وهتك العرض، وعليه سأتناول هنا جريمة التحرش الجنسي من منظور علم الإجرام والأخلاق (المطلب الأول) ، ومن منظور قانوني (المطلب الثاني).
المحور الأول : جريمة التحرش الجنسي من منظور علم الإجرام والأخلاق . من خلال دراسة الدوافع المؤدية إلى فعل الاعتداء الجنسي نستطيع فهم التحرش الجنسي وبالتالي انتهاج سياسة وقائية وزجرية تمكن المجتمع من تجاوز مخاطر هذه الجريمة (الفقرة الأولى)، كما أن التقييم الأخلاقي لها سواء من منظور الأخلاق الدينية أو الإنسانية بشكل عام (الفقرة الثانية) يساعد كثيرا في التوعية الأخلاقية الاستباقية بخطورتها أيضا.
: الفقرة الأولى: السلوك الإجرامي للمتحرش الجنسي من منظور علم الإجرام
مما لاشك فيه أن جرائم الاعتداء الجنسي من أقدم الجرائم التي حصلت في التاريخ، وذلك قبل نشوء المجتمع المنظم وقبل ظهور البنى الأولى لمفهوم القانون كما نعرفه اليوم، فتصورنا عن الإنسان البدائي وأشباه البشر يرتبط بعدوانية الإنسان البدائي وتصويره ببنية جبارة يجبر المرأة على الجنس رغما عنها، على الرغم من كون علماء الحيوان والبيولوجيا ومن خلال ملاحظة سلوك القردة العليا فندوا فكرة كون الاغتصاب الجنسي كان هو الوسيلة الأساسية للتناسل في الطبيعة، فممارسة الجنس عند الحيوان ورغم ما فيها من فطرية إلا أن مرتبطة ارتباطا وثيقا بالتوافق بين الذكر والأنثى قصد التزاوج. لكن على الرغم هذا التفنيد فإن الدراسات تتحدث عن وجود الإجبار الجنسي عند عديد من الحيوانات كالبط والدلافين، والقردة العليا على الخصوص كالشيمبانزي والأورانغوتان وبالطبع مجموعة أشباه البشر كما يصنفها العلماء، ورغم ما قد يوجه من انتقاد لهذه الدراسات لما فيه من تأصيل لفكرة شرانية السلوك البشري وتبريرها له من منظور بيولوجي، إلا أن هذا ليس مبررا لاستبعادها في الحقيقة، ومن جانب بيولوجي محض فالحيوان الجائع والمكبوت غالبا ماسبحث عن طرق لتلبية غريزة الجوع الجنسي عنده إما من خلال ضروب السلوك الجنسي الأخرى من استمناء و علاقات جنسية مع نفس الجنس، أو من خلال الاغتصاب و الاعتداء الجنسي بالجبر والقهر، فنتوصل إلى نتيجة مفادها أن عدم تحقق الاشباع الجنسي وعدم وجود طرق للإعلاء كالعمل الفكري والبدني أو كوابح أخرى تعمل كمثبطات للسلوك الجنسي من خلال تليينه كالممارسة الدينية أو الالتزام الاجتماعي بفكرة ما تؤدي إلى ارتداد الإنسان من حالة الإنسان العاقل إلى حيوان يريد تلبية رغبته الجنسية بقوة الغريزة والجوع الجنسي، وطبعا هذا يستدعي التأشير على أن التربية الجنسية للإنسان هي الكفيلة بتعليم الإنسان كيفية التعامل ومع التحولات التي يعرفها جسده في فترة البلوغ وكيفية ضبط غريزته الجنسية وتصريفها بطرق لا تضر الآخر ولا تتخذ سبيل الاعتداء والجبر لإروائها.
وللإشارة فإن هذا لا ينفي الجريمة الجنسية النفسية والتي غالبا ما تكون نتيجة التنشئة الاجتماعية الخاطئة للطفل، من خلال الاعتداء عليه في طفولته أو إرغامه على مشاهدة سلوك جنسي منحرف أو التحرش به جنسيا وما شاكل ذلك، لكن مايهم هنا أيضلهو فهم الدوافع المؤدية التي تجهعل من فرد ما متحرشا جنسيا مادام التحرش الجنسي صورة من صور الاعتداء الجنسي أيضا..
ويربط الباحثون بين التحرش الجنسي والاضطراب النفسي، ومنهم من ذهب إلى اعتبار المتحرش الجنسي يعاني نقصا في تقدير الذات أو انعداما له، وربط عوامل التحرش الجنسي بدوافع كثيرة منها ما يعود للتكوين النفسي للمحترش ومنها مايعود لأفكاره حول الجنس أيضا، أي ثقافته الجنسية أيضا.
وهناك من ذهب إلى أن المتحرش ليس مريضًا نفسيًّا، بل هو شخص مدرك لأفعاله ولكنه يعاني خللًا يجعله يتصرف بعنف تجاه الآخرين. وأن الاعتداء الجنسي هو نوع من أنواع العنف والعدوان الذي يمارسه البعض كرد فعل لعدة أسباب: منها البيولوجية مثل ارتفاع معدلات التلوث البيئي، ما يسبب ميلًا إلى العنف. كما توجد أسباب نفسية واجتماعية وسياسية، مثل التفكك الأسري والزحام والقمع أو الحرمان من الاحتياجات الأساسية، ومع إضافة غياب للضمير والمبادئ والتربية الصحيحة، يصبح سلوك الشخص مائلًا لكل أشكال العنف بشكل عام، ومنها التحرش الجنسي، ويشعر المتحرش خلال ممارسة هذا الفعل بلذة وقتية، ليس فقط من لمس جسد أنثى أو مغازلتها بكلمات ذات إيحاءات جنسية، بل من فكرة التعدي والقمع والشعور بالتفوق على مَن لا حيلة له، فكلما انزعجت الضحية وأظهرت امتعاضها وتأذيها من هذا الفعل شعر هو بمتعة أكبر.
: الفقرة الثانية: السلوك الإجرامي للمتحرش الجنسي من منظورالأخلاق
إن تقييم السلوك من منظور الأخلاق أمر سابق على فكرة تجريم السلوك ذاته، فظاهرة التحريم ارتبطت في أول الأمر مع العرف والشريعة الدينية، لكن التجريم ارتبط بالقانون، وبالفعل منذ منتصف القرن الثامن عشر شهدت الدراسات الثقافية والأخلاقية كتابات حول الانحرافات الجنسية خاصة التي كانت ترتكب من طرف أعضاء الجمعيات السرية تارة، أو التي كان يقوم بها النبلاء من ذوي النفوذ والنسب الذي يحصنهم من المتابعة أمام القضاة في المحاكم، لكن ما يهمنا هو تقييم الاعتداء الجنسي من منظور أخلاقي من خلال الأخلاق الدينية، والأخلاقيات الفلسفية أيضا .
فمن منظور الأخلاقيات الدينية يعتبر السلوك الجنسي خارج الإطار الذي حدده الدين إخلالا خطيرا بالالتزام الديني للفرد المؤمن اتجاه الدين الذي يتبعه، فعلى سبيل المثال نجد أن الدين الإسلامي حرم السلوك الجنسي المحرم الذي يتم بالإكراه من خلال رفع العقاب عن المكره أو التي أكرهت على ذلك، وهكذا نجد أن الفقهاء المسلمين قرروا أن لا حد على المكره على المعصية، وسموا المغتصبة بالمكرهة على الزنا، أي استحضروا عنصر الإرادة وهذا في الحقيقة إدراك عميق جدا لمحرك السلوك بشكل عام من كونه إراديا أو غير إرادي.
وانتقالا إلى الأخلاقيات الفلسفية أيضا، نجد أن فكرة الإرادة والتراضي تحتل مكانة كبيرة في العلاقات الإنسانية، وخاصة أخلاقيات السلوك الجنسي ، فقد أجمعت النظم الأخلاقية في العالم على عنصر الرضا كضرورة لاتفاق الطرفين على ممارسة النشاط الجنسي، والحقيقة أن عنصري الرضا والإرادة ينبعان من صميم الفقه والقانون فبعض الفئات، غير قادرة على إبداء حق الموافقة كالأطفال أو القاصرين، والمصابون بالإعاقة الذهنية أو العته، والمرضى عقليا بشكل عام والحيوانات، والأشخاص الراشدين لكن فقدوا عنصر الإرادة بشكل مؤقت تحت تأثير المخدرات والمسكرات المغيبة للعقل، والموتى، وفي كل الأحوال فمن منظور أخلاقي محض فإن عدم الرضا والإكراه على السلوك الجنسي يعتبر عنصرا أساسيا في تقييم الفعل أو النشاط الجنسي غير الأخلاقي واعتباره في منزلة الاعتداء الجنسي. وعليه فإن التحرش الجنسي كفعل من أفعال المضايقة وكشكل من أشكال الاعتداء الجنسي يعتبر لا أخلاقيا، لأنه يقوم على فكرة إجبار شخص على سماع كلام غير لائق والإضرار به أدبيا وأخلاقيا ، واستفحاله في المجتمع يؤشر على أزمة قيم أخلاقية في المجتمع ، ويمكن اعتباره مؤشرا من مؤشرات الانحلال الأخلاقي والإنساني للفرد الذي يقوم به، وهذا بالطبع لا يتطلب الشجب الأخلاقي بل لا بد من مقاربة قانونية لمواجهة التحرش الجنسي وجرائم الاعتداء الجنسي بشكل عام.
المحور الثاني: جريمة التحرش الجنسي من منظور قانوني :
يدخل التحرش الجنسي بشكل عام ضمن مفهوم أشمل وهو الاعتداء الجنسي ويتم تعريف الاعتداء الجنسي بذلك الفعل الذي يقوم فيه الشخص بالاتصال الجنسي بشخص آخر دون موافقته، أو يكره هذا الأخير أو يجبره جسديًا على الانخراط في عمل جنسي ضد إرادته. هو شكل من أشكال العنف الجنسي الذي يشمل الاغتصاب (الاختراق القسري المهبلي أو الشرجي أو الفموي أوتحت تأثير المخدرات) ، أو التحرش الجنسي ، أو الاعتداء الجنسي على الأطفال أو تعذيب الشخص بطريقة جنسية. وعادة ما تختلف التشريعات الجنائية حول تعريف أنواع الإعتداء الجنسي حسب الثقافة السائدة في البلد ومدى التمدن الذي وصله، وعموما فإن المشرع المغربي في مجال جرائم الاعتداء الجنسية والتي يدخلها ضمن الأفعال الماسة بالآداب في الفرعين السادس والسابع من الكتاب الثالث من مجموعة القانون الجنائي (ظهير 20 نوفمبر 1962)، وهكذا نجد الأفعال التي تدخل ضمن التعريف المعتمد حول الاعتداء الجنسي هي كالتالي:
ـ هتك العرض لم يعرفه المشرع لكن يستفاد من الفصلين 484-485 ق.ج أنه ذلك الفعل المخالف للآداب أو الاعتداء الجنسي على جسم الضحية سواء كانت ذكرا أو أنثى.
.(ـ الاغتصاب : مواقعة رجل لامرأة بدون رضاها حسب منطوق (الفصل 486 ق.ج
ـ التحرش الجنسي من ذوي السلطة على المتحرش به ( 503ـ 1 ق.ج) وكذلك المستجدات من خلال مشروع القانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء.
وهكذا لا بد من التمييز القانوني بين هتك العرض والاغتصاب كجريمتين مختفتين عن التحرش الجنسي، مادام الأمر هنا هو التوطئة فقط لدراسة موضوع التحرش الجنسي بشكل موسع (الفقرة الأولى) ومفهوم التحرش الجنسي من منظور القانون (الفقرة الثانية).
. الفقرة الأولى :لمحة عن الاغتصاب وهتك العرض وتمييزها عن التحرش الجنسي
يلاحظ في الأدبيات العامة في الصحافة والإعلام وتأثرا بالقانون المقارن الخلط بين الاغتصاب وهتك العرض، في حين أن القانون المغربي والتشريعات العربية المقارنة تميز بينهما وهكذا نجد نفس التمييزعند المشرع المصري والتمييز بين جريمتي الاغتصاب والفحشاء عند المشرع السوري، وهتك العرض (يقصد به الاغتصاب هنا) والفعل المخل بالحياء (ويقابلها هتك العرض عند المشرع المغربي) عند المشرع الجزائري وفي تونس سميت جريمة هتك العرض بجريمة الاعتداء بالفاحشة وتم تمييزها عن الاغتصاب أيضا، وعموما فإن التحوط واجب في التمييز بين الجريمتين.
وقد عرف المشرع المغربي الاغتصاب بكونه مواقعة الرجل للمرأة بدون رضاها، والمواقعة هنا تعني إيلاج عضوه الجنسي في عضوها الجنسي بالجبر والإكراه، أما إذا أولجه في مكان آخر غير مكمن الأنوثة كالدبر وغير ذلك فإنه يعتبر هتك عرض، ويدخل أيضا في مفهوم هتك العرض إيلاج الرجل لأداة جنسية أو إصبع أو قلم أو أي شيء أو عضو غير عضو التذكير في فرج المرأة.
أما هتك العرض فهو على خلاف ذلك لايقع من خلال مواقعة رجل لأنثى بالإكراه، وأنما يحصل من خلال إجبار الضحية سواء كان ذكرا أو أنثى على ممارسة الجنس أو انتهاك حرمة جسده بأفعال خادشة للحياء ، وهكذا فالاغتصاب ممارسة الرجل الجنس على المرأة من فرجها وإيلاجه عنوة رغما عنها، أما هتك العرض فهو على خلافه لأنه يتحقق بمجرد المساس بالشرف الجنسي للضحية ولا يشترط فيه الاتصال الجنسي الكامل.
وفي كل الأحوال فإن تجريم هاتين الجريمتين لم يكن كافيا لردع من يحوم حول الحمى كما يقال، فالتحرش الجنسي هو بوابة للاغتصاب وهتك العرض، وعدم تجريمه كان سببا في التمهيد لكثير من المتحرشين ليحققوا خطواتهم التالية كمغتصبين .
: الفقرة الثانية: جريمة التحرش الجنسي في التعديلات الجديدة للقانون المغربي
كان المشرع المغربي يجرم ضربا واحدا من ضروب التحرش الجنسي وهو التحرش الجنسي من طرف ذوي السلطة والمنصوص عليه في الفصل 503ـ1 من القانون الجنائي، لكن هذا النص لايمكن العمل به في جميع النوازل التي ترد على التحرش الجنسي، بل فقط حالة واحدة وهي حالة التحرش الجنسي الصادر من شخص ذي سلطة على الضحية كتحرش مشغل بأجيرة مثلا. لهذا يمكن اعتبار التعديلات الجديدة والتي أدخلها مشروع القانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء بمثابة تأطير عام لجريمة التحرش الجنسي في القانون المغربي وذلك من خلال النصين الآتيين :
(الفصل 1 – 1 – 503 :-.يعتبر مرتكبا لجريمة التحرش الجنسي ويعاقب بالحبس من شهر واحد إلى ستة أشهر وغرامة من 2000 إلى 10000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من أمعن في مضايقة الغير في الحالات التالية:
: 1 .في الفضاءات العمومية أو غيرها، بأفعال أو أقوال أو إشارات ذات طبيعة جنسية أو لأغراض جنسية؛
2 .بواسطة رسائل مكتوبة أو هاتفية أو إلكترونية أو تسجيلات أو صور ذات طبيعة جنسية أو لأغراض جنسية.
. تضاعف العقوبة إذا كان مرتكب الفعل زميلا في العمل أو من الأشخاص المكلفين بحفظ النظام والأمن في الفضاءات العمومية أو غيرها).
(الفصل 2 – 1–503 : -. يعاقب بالحبس من ثالث إلى خمس سنوات وغرامة من5000 إلى 50000درهم، إذا ارتكب التحرش الجنسي من طرف أحد الأصول أو المحارم أومن له ولاية أو سلطة على الضحية أو مكلفا برعايته أو كافلا له، أو إذا كان الضحية قاصرا ).
والملاحظ من قراءة متن الفصلين أن جريمة التحرش الجنسي لا تتعلق فقط بتحرش الرجل ضد المرأة بل بالعكس أيضا، فرغم ورود التعديلات ضمن مشروع قانون مكافحة العنف ضد النساء إلا أنه يصح اعتماده إذا كان الضحية رجلا أيضا، وعليه فلا يهم جنس المتحرش ولا جنس الضحية هنا وبالتالي يصح اعتماده في كثير من الحالات المتعلقة بالتحرش الجنسي، وعليه سأتناول أركان جريمة التحرش الجنسي ثم العقوبات التي تتعلق بها.
:ـ أولا: الركن المادي والركن المعنوي جريمة التحرش الجنسي
الركن المادي :
لا يتحقق الركن المادي قس جريمة التحرش الجنسي إلا إذا أمعن أحدهم في مضايقة الغيرفالمشرع هنا اشترط توافر عنصر الإمعان وهذا طبعا سيخلق جدلا كبيرا في ميدان إثباته، وقد حصرالركن المادي للتحرش الجنسي في الحالات التالية:
ـ الحالة الأولى : وهي المضايقة في الفضاءات العمومية والمقصود بالفضاء العام كل الأماكن العامة التي يتطلع فيها الجمهور لبعضهم البعض من ساحات وطرق ومرافق عامة ويدخل في مفهوم الفضاء العام وسائل النقل العمومي أيضا ، أو غيرها (وهنا طبعا أدخل المشرع الفضاء الخاص أيضا كمقر العمل والمكتب والمنزل ) ، وذلك من خلال الإتيان بأفعال كلمس الضحية في مواضع حساسة أو بطريقة مستفزة دالة على طلب جنسي، أوأقوال كالتي يتبادلها الرجل مع زوجته أو الغزل المبالغ فيه والفاحش أو إتيان إشارات ذات طبيعة جنسية أو لأغراض جنسية، ويدخل في باب الإشارات الغمز وإخراج اللسان وحركات الأيدي البذيئة وما نحو ذلك مما يقوم به المتحرشون.
ـ الحالة الثانية: من خلال إرسال رسائل مكتوبة تتضمن تحرشا جنسيا أو من خلال الاتصال الهاتفي والمضايقة الهاتفية منتشرة جدا أو عبر التواصل الإلكتروني كمواقع التواصل الاجتماعي مثلا أو بعث تسجيلات أو صور ذات طبيعة جنسية أو لأغراض جنسية إلى الضحية قصد المضايقة.
: الركن المعنوي
يتحقق الركن المعنوي للتحرش الجنسي من خلال تحقق القصد الجنائي لدى الفاعل، وذلك بعلمه أنه يقوم بالتحرش بالغير من دون رضا هذا الأخير، وطبعا الركن المعنوي يتحقق بسهولة في جرائم التحرش الجنسي لأنه ليس هناك من معنى أن يتحجج المتحرش بمعرفته بالضحية أو كونه يمزح معه أو معها، وهو يعلم أنه يأتي فعلا أو قولا ذا طبيعة جنسية، زيادة على أن رضى الضحية من الأمور التي تستنتج من واقع الحال كهروبها منه أو صراخها والإستنجاد بالغير قصد رد عدوان المتحرش أو تأففها من الرد على تحرشاته أو إنذارها له قبل تحقق عنصر الإمعان.
ـ ثانيا : عقوبة جريمة التحرش الجنسي :
بخصوص الفصل 1 – 1 – 503 فقد عاقب المشرع مرتكب جريمة التحرش الجنسي بالحبس من شهر واحد إلى ستة أشهر وغرامة من 2000 إلى 10000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين، إلا أنه ضاعف العقوبة إذا كان مرتكب الفعل زميلا في العمل أو من الأشخاص المكلفين بحفظ النظام والأمن في الفضاءات العمومية أو غيرها، وحسنا فعل المشرع حين ضاعف العقوبة في هذه الحالات لأنه ليس من المروءة أن يتحرش المرء بشخص يشاركه مكان العمل ويتقاسم معه طلب رغيف العيش، وكذلك فإنه تغليظ المشرع للعقوبة في حالة شخص مكلف بحفظ النظام والأمن من شأنه تعزيز ضمانات حقوق الإنسان وتعزيز الأمن القانوني أمام النافذين وذوي السطوة.
وقد أحسن المشرع في الفصل 2 – 1–503 حين عاقب بالحبس من ثلاث إلى خمس سنوات وغرامة من 5000 إلى 50000درهم، إذا ارتكب التحرش الجنسي من طرف أحد الأصول كالأب والجد والأم والجدة أو المحارم كالأخ والأخت والأبن والبنت وزوج الأخت وزوجة الأخ ومانحو ذلك أومن له ولاية كالوصي والولي ومن عينه القاضي أو سلطة على الضحية كالأستاذ والمدرب أو مكلفا برعايته أو كافلا له، أو إذا كان الضحية قاصرا ، والقاصر هو الذي لم يبلغ سن 18 سنة شمسية كاملة ويستوي في ذلك الذكر والأنثى، حسب مفهوم المخالفة لمنطوق المادة 209 من مدونة الأسرة التي قضت أن “سن الرشد القانوني هو18 سنة شمسية كاملة”، وقد أحسن المشرع في ذلك لأن القاصرلا يتوفر على القدرة على الاختيار وهو في موقف ضعف مضاعف وكان الأجدى لو أن المشرع توسع وأدخل الذين هم في حالة الجنون والعته والسفه أيضا .
وبعد تناول الموضوع قدر الإستطاعة لا يبقى سوى التنويه أن هناك خيطا رفيعا بين الغزل والتحرش الجنسي، وأنه درءا للشبهات واتقاء لها ، لابد للمرء أن يحتاط في إطار المقتضيات الجديدة، كما أنه يثير كموضوع لغطا كبيرا نظرا لاختلاف وجهات النظر التي تتناوله، فكل يراه من زاويته الإيديولوجية أو الجندرية، وهو موضوع مهم جدا نظرا لخطورة تفشيه على الاستقرار الاجتماعي وعلى الحريات الفردية والجماعية، والملاحظ أن المتحرش لا يميز في تحرشه بين امرأة سافرة الرأس أو محجبة أو منقبة .. وهذا إنما يدل على ضرورة إيلاء دراسات علمية للتحرش الجنسي والتشدد في عقابه، ولا ننسى أن استفحال هذه الجريمة الخطيرة وغيرها من جرائم الاعتداء الجنسي بشكل عام يؤشر على خطورة كبيرة وأزمة تهدد المجتمع وتقض مضاجع الناس وذوي الفطرة السليمة .
بقلم ذ عمر أمزاوري
طالب باحث بماستر المهن القانونية والقضائية، الفوج الثالث بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بتطوان.
19 يناير، 2020 at 10:03 م
ممكن اعرف مراجع هذا المقال (مقال قانوني حول جريمة التحرش الجنسي) كي أعتمد عليها في بحث الاجازة
جزاك الله كل خير