بقلم ذ عمر بحبو
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
باحث في قانون الأعمال بكلية الحقوق بتطوان
لقد شكل إصدار المشرع المغربي للقانون رقم 14-03 المتعلق بالتعويض عن فقدان الشغل قفزة نوعية وإستباق ناجع في سبيل إكمال مسلسل الإصلاحات الإجتماعية التي أطلق لها العنان دستور 2011، ومواكبة منه للتطورات التي تعرفها قوانين الضمان الإجتماعي باستمرار، ذلك أن رجال الفقه والقضاء قد انتقدوا بشدة المؤسسة التشريعية منذ صدور مدونة الشغل وذلك
بوجوب التأسيس لقانون تنظيمي يسطر لشروط الإستفادة من التعويض عن فقدان الشغل الذي يصرف لبعض الفئات من الأجراء خاصة من وجدوا أنفسهم خارج أسوار المقاولة لسبب لادخل لإرادتهم فيه، من قبيل حالة الفصل التعسفي غير المبني على مبرر قانوني سليم والفصل بناءا على أسباب تكنولوجية أو هيكلية أو اقتصادية
وبالرجوع إلى قانون الضمان الإجتماعي المؤرخ في 27 يوليوز 1972 في بابه المعنون بالتعويض عن فقدان الشغل نجده يتضمن الإشارة لمجموعة من الضمانات القانونية التي يستفيد منها الأجراء المستوفين لكل الشروط والمعايير المتطلبة، كمنحهم تعويض لمدة 6 أشهر كاملة في حدود 70 في المائة من الأجر الشهري المتوسط مع إمكانية الإستفادة من التعويض من جديد بدون أي قيد عند عدم حظو المؤمن له – أي الأجير حسب لفظ القانون – على شغل معين، ضف على ذلك صلاحية تمديد التعويض لذوي حقوق الأجير في حالة وفاة هذا الأخير
غير أن إستخلاص كل هذه الضمانات رهين بإحترام الأجير لمجموعة من الشروط والمعايير التي وضعها القانون 14-03 حتى يستفيد من هذا الإستحقاق الاجتماعي، إذ أن ظاهر النص يوحي بكون هذه الشروط تعجيزية وإقصائية إلى حد بعيد مما يتوجب معه دراسة هذه الشروط مليا و البحث عن مظاهر إختلالها وأهم السبل التي من شأنها التلطيف من حدة السياسة الإقصائية لقانون التعويض عن فقدان الشغل إزاء أجراء القطاع الخاص
أولا: وجوب توفر الأجير على مدة للتأمين بالصندوق الوطني للضمان الإجتماعي
يشترط الفصل 46 مكرر 1 من قانون الضمان الإجتماعي حتى يستفيد الأجير من التعويض عن فقدان الشغل أن يودع طلبا بذلك لدى الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي داخل أجل لا يتعدى 60 يوما من تاريخ وقوع الحادثة موضوع فقدان الشغل إلا في حالتي الحدث الفجائي والقوة القاهرة، فهي من الأعذار القانونية والملتمسات المعفية من إحترام الأجال والمواعيد والكل مع تقديم ما يثبت ذلك
كما أن الطلب الذي يتقدم به الأجير يجب أن يضمن فيه ما يفيد خضوعه لتأمين بنظام الضمان الإجتماعي لمدة لا تقل عن 780 يوم داخل الثلاث سنوات السابقة لواقعة فقدان الشغل، والأدهى من ذلك أن القانون يلزم الأجراء بإثبات توفرهم على تأمين مدته 260 يوم من الإثني عشر شهرا الأخيرة قبل حدوث واقعة فقدان الشغل
فما الغاية من إشتراط إثبات تأمين لمدة 260 يوم داخل الإثني عشر شهرا الأخيرة المنصرمة من أصل 780 يوما السابقة، أوليس التجزيء الثلاثي لـ 780 هو 260 يوم، و 260 يوم ضرب ثلاثة تنتهي في 780، فأين توجهت نية المشرع عند تأكيده لهذا المقتضى، ألا يكفي شرط التسجيل المسبق بالصندوق الوطني للضمان الإجتماعي لإقصاء هؤلاء الأجراء أم أن الأمر يقتضي تعزيز ضمان هذه النتيجة بفرض معيار يصعب تخطيه كلية، ناهيك عن الأجراء غير المسجلين في نظام الضمان الإجتماعي، والحال أن ق.ض.إ.ج في فصله 12 يخول الأجراء حق التصريح بأنفسهم لدى الصندوق المذكور كلما تقاعس رب المؤسسة عن ذلك وهو ما يعكس قصور قانون التعويض عن فقدان الشغل رقم 14-03
ثانيا: ضرورة التسجيل المسبق لدى الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات (ANAPEC)
لا تقف مظاهر محدودية قانون التعويض عن فقدان الشغل عند حد تقيد الأجراء بتوفرهم على فترة للتأمين بنظام الضمان الإجتماعي، بل تتجلى كذلك في شرط التسجيل المسبق لدى الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات والمعروفة اختصارا بوكالة الأنابيك، فقد يوفق الأجير في إستيفائه لمدة التأمين القانونية غير أنه قد لا يكون مسجلا كطالب للشغل لدى هذه الوكالة، علما أنه ليس كل الأجراء والعمال يشتغلون عبر وساطة وكالة التشغيل وإنعاش الكفاءات بل هو إجراء من حيث واقعيته إختياري غير إلزامي، والشاهد على ذلك أن العديد من الأجراء يرتبطون بعقود عمل مباشرة مع مؤسستهم دون طرقهم لباب شركات الوساطة في التشغيل، بل يسلكون الطريقة التقليدية متمثلة في تقديم سيرتهم الذاتية إلى المقاولة التي يريدون الإشتغال لديها، فكيف يسوغ لهذا المعيار التعجيزي وتحت أي وصف؟ وهل سيتفيد الأجراء المسجلون لدى الوكالة وحدهم دون غيرهم ممن توفرت فيهم باقي المعايير لكنهم لم يدأبوا على اتباع هذا الإجراء البسيط؟
هذا، وما يثير جادة الإستغراب من طبيعة هذا الشرط هي العبارة التي أتى على إستعمالها المشرع المغربي في القانون 14-03 وهي كالتالي (أن يكون مسجلا) ما يفيد بالارتكاز على مفهوم المخالفة للنص بعدم جدوى أي تسجيل لاحق ولو أجري في اليوم الموالي لوقوع الحادثة المؤدية لفقدان الشغل، فأين تجليات الحماية الإجتماعية للأجراء من هذا النص
ربما نفسر غاية المشرع من وراء إقراره لهذا الشرط في رغبته اللامباشرة بتنمية مداخيل هذه المؤسسة وذلك بالنظر إلى طلبات الشغل التي ستتراكم عليها مستقبلا بفعل صرامة هذا المعيار وعدم تفريده لأي إستثناء في هذا السياق
ثالثا: صرف التعويض عن فقدان الشغل رهين بمدى قدرة الأجير على العمل
يبقى للأجير الذي إستطاع إثبات توفره على مدة التأمين المحددة في 780 يوم بنظام الضمان الإجتماعي خلال الثلاث سنوات السابقة لتاريخ حدوث الواقعة المؤدية لفقدان العمل، وتسجيله قبل ذلك لدى الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات شرط واحد ليتسنى له الإستفادة من التعويض أشارت إليه المادة 2 من قانون التعويض عن فقدان الشغل، والأمر يتعلق بقدرة الأجير على العمل، فإن بدا أن هذا الأخير قادر على إتمام شغله بدون عائق أو حائل صحي حينئذ سيستفيد مباشرة من التعويض، أما إذا ظهر أنه لا يستطيع الإشتغال لعلة ما كإصابته بمرض أودى به إلى لزوم فراشه أو بسبب حالة إجتماعية غير متوقعة صرفت عنه القدرة عن الإشتغال وغيرها من أسباب عدم القدرة على العمل بوجه عام، إذاك لا محل للحديث عن التعويض عن فقدان الشغل
وتجدر الملاحظة أنه حتى بالنسبة للتعويض عن العجز المؤقت فهو لا يصرف إلا أثناء قيام رابطة التبعية وينتهي عند استئناف الأجير لشغله أو امتناعه من تلقي العلاجات الضرورية أو عند حلول التاريخ المحدد في الشهادة الطبية المثبت لبرء الجرح، مما يستفاد معه أن الأجير الفاقد لشغله وغير القادر على العمل لا يحظى بأدنى تعويض على ضوء الفرضيتين المشار إليهما أعلاه. بناءا عليه، نستشف أن شرط القدرة على الإشتغال هو شرط غير ذي فائدة بل هو يزيد من ضآلة فرصة إستفادة الأجراء من التعويض، والحال أننا أمام قانون التعويض عن فقدان الشغل وليس قانون التعويض عن القدرة على العمل، فالمقاربة الصارمة لواقعة فقدان الشغل تقتضي منح هذا التعويض للأجراء أكانوا قادرين على الإشتغال أم لا، ذلك أن الهدف الأساس من وراء صرف هذا التعويض تكمن في تغطية الأثار السيئة المترتبة عن فقدان العمل من إحتياج وإفتقار وضعف مادي يجر إلى تدهور الحالة النفسية للمعني بالأمر وغيرها من الأثار غير المرغوب فيها والتي تؤثر بلا ريب على الأجير و أفراد أسرته والمجتمع على السواء
وفي الختام نستنتج أن القانون رقم 14-03 المتعلق بالتعويض عن فقدان الشغل والمتمم لقانون الضمان الإجتماعي تعتريه مظاهر القصور والمحدودية في كثير من جوانبه الإجرائية خاصة في صلب الشروط المسطرة للإستفادة من هذا التعويض، وإن كانت الضمانات التي يخولها للأجراء ممن إستجمعوا تلكم الشروط ترقى إلى حدود المستوى المطلوب، ولعل تجليات حدود هذا القانون مرده إلى حداثته إذ لم يمر على تطبيقه لحد الأن أكثر من سنتين وهذا لا يشفع دون التدخل بتعديل بنوده والتلطيف منها بجعل شروطه أكثر مرونة ولا تقف كحائل أمام الأجراء الذين فقدوا شغلهم لسبب لا دخل لإرادتهم فيه
بقلم ذ عمر بحبو
باحث في قانون الأعمال بكلية الحقوق بتطوان
اترك تعليقاً