بقلم ذ عبد الهادي الشاوي
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
عبد الهادي الشاوي ممون بقطاع التربية الوطنية وباحث في صف الدكتوراه بكلية الحقوق بفاس
من سمات الحياة الاجتماعية المعاصرة خروج المرأة المغربية إلى ميدان العمل وقيامها بنفس الوظائف التي يقوم بها الرجل،
ونظرا لطبيعة تكوين المرأة الفيزيولوجي ومدى قدرتها على التحمل عملت أغلب التشريعات ومن بينها التشريع المغربي على تحصين المرأة بنظام متميز يتلاءم مع وضعيتها كامرأة وأم ومرضعة. وهذا بالفعل ما نلمسه سواء على مستوى (مدونة الشغل المغربية (المطلب الأول) أو على مستوى قانون الضمان الاجتماعي المغربي (المطلب الثاني
المطلب الأول: حقوق المرأة في قانون الشغل المغربي
يتزايد اهتمام المجتمع الدولي يوما بعد يوم بالطبقة العاملة نظرا للدور الهام الذي تضطلع به في تحريك دواليب الاقتصاد. ويبدو هذا الاهتمام جليا من خلال مجموعة من النصوص القانونية والاتفاقيات الدولية الصادرة في هذا المجال لاسيما ما يتعلق منها بالمرأة العاملة (الفقرة الأولى) وقد عمل المشرع المغربي بدوره على غرار ما قامت به باقي التشريعات المقارنة (الفقرة الثانية) على إصدار مجموعة من النصوص القانونية تروم بالأساس حماية حقوق (المرأة العاملة وهذا بالفعل ما نلاحظه من خلال استقراء مجموع نصوص مدونة الشغل المغربية (الفقرة الثالثة
الفقرة الأولى: حقوق المرأة العاملة في ظل الاتفاقيات الدولية
لقد شكلت قضية المرأة العاملة محور اهتمام المجتمع الدولي وموضوعا لعدة دراسات ولقاءات، وقد جاء ذلك بعد اقتناع المجتمع الدولي بدورها الفعال في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وهذا بالفعل ما نلمسه من خلال مجموعة من : الاتفاقيات الدولية الرامية إلى حماية حقوق المرأة العاملة، ومن بين هذه الاتفاقيات نذكر على سبيل المثال
أ/ اتفاقية منع العمل الليلي على النساء
لقد كان العمل الليلي من أولويات الاهتمامات التي ركز عليها مؤتمر برن المنعقد سنة 1906. وفي سنة 1919 وفي أول مؤتمر دولي للشغل موضوع الاتفاقية رقم (04) تم تحريم عمل المرأة في الليل في المجال الصناعي، وتم تنقيح هذه الاتفاقية بالاتفاقية رقم (44) سنة 1934 والتي أكدت بدورها على المنع المطلق لتشغيل النساء ليلا، وقد استبعدت من مجال تطبيقها النساء اللواتي يشتغلن في مناصب إدارية ويتحملن المسؤولية واللواتي لا يقمن بأي عمل يدوي ، نفس المقتضى تبنته اتفاقيات وتوصيات منظمة العمل العربية
: ب/اتفاقية حظر الأعمال الشاقة والخطيرة وغير الصحية
لا يجادل احد في كون بعض الأعمال تتطلب من الجهد بطبيعتها ما يفوق طاقة وقوة النساء. كما أن بعض الأعمال قد تؤثر سلبا على صحة العاملات، الشيء الذي دفع بمؤتمر العمل الدولي إلى تبني اتفاقية تحمل رقم 45 سنة 1935 والتي تمنع تشغيل النساء تحت الأرض. وقد سارت الاتفاقية العربية رقم 5/1976 في نفس التوجه أيضا
ج/ اتفاقية حماية الأمومة
لقد كانت مسألة حماية الأمومة موضوع اتفاقية تحمل رقم 03 والمتبناة من طرف المؤتمر الدولي للشغل في دورته الأولى سنة 1919. وهذا النص تم تنقيحه ومراجعته باتفاقية تحمل رقم 103 هذه الأخيرة عرفت بدورها مراجعة خلال السنوات الأخيرة من خلال تعديل الدورة 88 لسنة 2000 والتوصية رقم 95 من نفس السنة. وقد نصت هذه الاتفاقية بشكل صريح على وجوب تمتيع المرأة العاملة بإجازة الأمومة. لا تقل مدتها عن اثني عشر أسبوعا بالإضافة إلى عدم تسريحها نتيجة الحمل أو الإرضاع
د/ اتفاقية حماية المرأة ذات المسؤولية الأسرية
مما لاشك فيه أن وظيفة الأمومة تتأثر إلى حد بعيد بالثنائية التي تطبع حياة المرأة العاملة، ووعيا بذلك جاءت توصية 1951 المتممة للاتفاقية 100 مؤكدة على ضرورة خلق بعض المصالح الاجتماعية تلبية لرغبات العاملات خاصة اللواتي لهن مسؤولية عائلية. وضمان ولوج المرأة سوق الشغل ولوجا كاملا وفي هذا السياق صدرت التوصية رقم 123 لسنة 1965 التي نصت على وجوب قيام الحكومات بتشجيع وتسهيل أو تأمين مؤسسة الخدمات التي تمكن النساء من القيام بمختلف مسؤولياتهن العائلية والمهنية
الفقرة الثانية: حقوق المرأة العاملة في بعض القوانين المقارنة
كان للاهتمام الدولي بموضوع حقوق المرأة العاملة تأثير كبير على مجموعة من التشريعات الداخلية، ومن بين هذه التشريعات نجد القانون الفرنسي الذي كان له السبق في تبني مجموعة من المقتضيات الخاصة بحقوق الطبقة العاملة بصفة عامة والمرأة العاملة بصفة خاصة ومن بين هذه القوانين الحمائية نذكر على سبيل المثال القانون الصادر بتاريخ 2 نونبر 1892 الذي منع تشغيل النساء ليلا كما نص على وجوب المحافظة على الأخلاق الحميدة والآداب العامة بالإضافة إلى منع النساء والأطفال من الاشتغال في صناعة المخطوطات والملصقات والصور وغيرها من الأشياء المخلة بالأخلاق الحميدة والآداب. ووعيا منه بالوظيفة الاجتماعية للأمومة منع المشرع الفرنسي اشتغال المرأة الحامل في بعض الأعمال المرهقة ومنحها إجازة اختيارية قبل الوضع مع منحها الحق في إرجائها وإضافتها لإجازة ما بعد الوضع، كما تم منع فسخ عقد العمل بسبب الحمل، وفي حالة مخالفة المؤاجر لهذه المقتضيات يكون مطالبا بتعويض المرأة الحامل بالإضافة إلى تعرضه إلى عقوبات جنائية وذلك بموجب القانون رقم 30-122 أما بخصوص التشريعات العربية فلم تكن بدورها معزولة عما يحدث داخل الوسط الدولي من تطورات مستمرة بل حاولت أن تواكب هذه التحولات والتطورات وذلك عن طريق التزامها بما تضمنته الاتفاقيات الدولية الصادرة عن المكتب الدولي وعن منظمة العمل العربية من مبادئ تتعلق بتأطير الوضع الحقوقي للنساء العاملات. ففي مصر مثلا نجد دستور 1971 ينص في مادته العاشرة على “ضرورة أن تكفل الدولة التوفيق بين واجبات المرأة نحو الأسرة وعملها في المجتمع…”. ومن جهة أخرى فقد نصت المادة 153 من قانون العمل المصري على أنه لا يجوز تشغيل النساء في الأعمال الضارة بهن أخلاقيا وكذا في الأعمال الشاقة والأعمال الليلية. كما تم منح المرأة العاملة إجازة الوضع وتخصيص فترات للإرضاع، نفس التوجه سار فيه التشريع العراقي ذلك أن المادة 97 من قانون العمل العراقي تنص بدورها على “أنه لا يجوز تشغيل النساء في الأعمال ذات الظروف المرهقة والضارة” ونصت المادة 83 من نفس القانون على وجوب توفير وسائل الراحة للنساء العاملات ولاسيما مقاعد الجلوس. بالإضافة إلى منع وتحريم تشغيل النساء في الصناعات الليلية كما نصت المادة 81 من نفس القانون على منع استخدام المرأة الحامل في عمل شاق، مع تمتيعها بفترات كافية لإرضاع طفلها. وعموما فإن هذه المقتضيات وغيرها لا تختلف كثيرا عما هو منصوص عليه في قانون الشغل المغربي
الفقرة الثالثة: حقوق المرأة العاملة في قانون الشغل المغربي
إن المتأمل في قانون الشغل المغربي يجد ترسانة قانونية يصعب حصرها تروم حماية حقوق الطبقة العاملة بصفة عامة وحقوق المرأة العاملة بصفة خاصة. والملاحظ أن مختلف هذه المقتضيات تنسجم وتتناغم مع ما جاءت به المواثيق والاتفاقيات الدولية في هذا المجال لاسيما ما يخص منها تكريس مبدأ المساواة (أولا) وحماية الأمومة(ثانيا) وحضر (الأعمال الليلية (ثالثا) والحماية الأخلاقية للأجيرة (رابعا
أولا: تكريس مبدأ المساواة
عملت مدونة الشغل المغربية على تكريس مبدأ المساواة بين الجنسين وإزالة الفوارق القائمة على النوع أو الانتماء واللون والعقيدة… وهكذا جاءت المادة 9 من مدونة الشغل لتفرض هذا المبدأ وتمنع كل تمييز بين الأجراء من حيث السلالة أو اللون أو الجنس أو الإعاقة أو الحالة الزوجية أو العقيدة أو الرأي السياسي أو الانتماء النقابي أو الأصل الوطني أو الأصل الاجتماعي ونصت المادة 346 على منع كل تمييز في الأجر بين الرجل والمرأة. وهكذا يتضح مما سبق على أن موقف المشرع المغربي ينسجم إلى حد بعيد مع مقتضيات الاتفاقيات الدولية التي تم التوقيع عليها كالاتفاقية رقم 111 بشأن تحريم التمييز في التشغيل والاتفاقية رقم 100 حول المساواة في الأجر بين الأجيرة والأجير
لكن بالرجوع إلى الواقع المعاش نسجل هوة شاسعة بين ما تدعو إليه مدونة الشغل وبين ما تعيشه المرأة الأجيرة والسبب في نضرنا المتواضع يرجع بالأساس إلى ضعف الجانب الزجري، فالعقوبة في مدونة الشغل لا تخرج عن كونها عقوبات مالية ضئيلة بالنظر إلى الغنى الفاحش الذي يعرفه أرباب العمل. مما يدفع بهؤلاء إلى استغلال اليد العاملة النسوية بأجور زهيدة في ظل انعدام تفتيش حقيقي وانتشار واسع للبطالة
ثانيا: حماية الأمومة
من النادر أن تكون المرأة مجرد عاملة ذلك أنها تختزل أدوارا تمثل العمود الفقري للمجتمع باعتبارها أما وزوجة وربة بيت وربما اجتمعت فيها هذه الصفات جميعا. مما يحتم في حقيقة الأمر أن تحظى قانونيا بوضعية تشريعية متميزة، تؤهلها للاستمرار بالقيام بوظائفها الفطرية النبيلة
وبناء على هذه الاعتبارات المهمة لم يكن المشرع المغربي ليتجاهل هذا الدور الوظيفي الهام للمرأة العاملة كأم، مما حذا به إلى سن مجموعة من النصوص والمقتضيات الخاصة بأحكام الأمومة. ومن بين هذه النصوص والمقتضيات :نذكر على سبيل المثال
تمتيع الأجيرة التي يثبت حملها بشهادة طبية بإجازة ولادة مدتها أربعة عشر أسبوعا ما لم تكن هناك مقتضيات أفيد في عقد الشغل أو اتفاقية للشغل الجماعية أو النظام الداخلي
-منع تشغيل الأجيرات أثناء فترة الأسابيع السبعة المتصلة التي تلي الوضع. وتخفيف الأشغال عنها أثناء الفترات الأخيرة من الحمل
-إعطاء الأم الأجيرة الحق في عدم استئناف شغلها بعد انصرام مدة إجازة الولادة وذلك لأجل تربية مولودها، شريطة إشعار مشغلها بذلك داخل اجل أقصاه خمسة عشر يوما من انتهاء إجازة الأمومة على ألا تتجاوز مدة التوقف تسعين يوما، كما يمكنها لنفس الغرض أن تتفق مع مشغلها على عطلة غير مؤدى عنها لمدة سنة، وبما أن ممارسة المرأة لحقها في الأمومة قد يؤدي بها إلى الفصل التعسفي فقد نص المشرع المغربي في الفصل 159 من مدونة الشغل على انه لا يمكن للمشغل إنهاء عقد شغل الأجيرة التي ثبت حملها بشهادة طبية سواء أثناء الحمل أو بعد الوضع بأربعة عشر أسبوعا كما لا يمكن إنهاء عقد شغل الأجيرة أثناء فترة توقفها عن الشغل بسبب نشوء حالة مرضية ناتجة عن الحمل أو النفاس، مثبتة بشهادة طبية
-حق الأم الأجيرة في التمتع يوميا وعلى مدى 12 شهرا من تاريخ استئنافها الشغل من استراحة خاصة لرضاعة مولودها يؤدى عنها الأجر باعتبارها وقتا من أوقات الشغل مدتها نصف ساعة صباحا ونصف ساعة مساء أي ساعة واحدة في اليوم، وفي نفس الإطار نص المشرع على وجوب توفير قاعة خاصة للرضاعة داخل كل مقاولة يتجاوز عدد الأجيرات فيها 50 أجيرة. لكن هذا المقتضى في نضرنا قد ينعكس سلبا على وضعية المرأة المرضع في الحالة التي لا يصل فيها عدد الأجيرات إلى 50 أجيرة، لذا كان من الأفضل أن يجتنب المشرع هذا التحديد ويكتفي بفرض وإلزام المؤاجرين بإنشاء قاعات وغرف خاصة بالإرضاع بغض النظر عن عدد الأجيرات العاملات بالمقاولة
:ثالثا: حضر التشغيل الليلي
تم التنصيص على منع عمل المرأة الليلي بموجب ظهير 2 يوليوز 1947 فهذا الظهير كان صريحا بهذا الخصوص حيث جعل من منع العمل الليلي أصلا وليس استثناء، لكن وللأسف جاءت مدونة الشغل لتقلب الأوضاع رأسا على عقب فبعدما كان تشغيل النساء ليلا هو الأصل أصبح بموجب مدونة الشغل استثناء وهذا ما نلمسه من خلال مقتضيات المادة 172 التي أجازت تشغيل النساء ليلا مع إيراد بعض الاستثناءات كمنع تشغيل النساء ليلا في المؤسسات التي تحتم الضرورة أن يكون النشاط فيها متواصلا أو موسميا، وكذا الحالات التي يكون فيها الشغل منصبا على مواد أولية أو مواد في طور الإعداد أو استخدام محاصيل فلاحية سريعة التلف، لكن رغم جعل قاعدة تشغيل النساء، استثناءا وليست أصلا إلا انه ومع ذلك أحاط المشرع تشغيل النساء ليلا بمجموعة من الضمانات كالزيادة في التعويض عن العمل الليلي وتوفير النقل ومنحهن فترة راحة لا تقل عن إحدى عشر ساعة متوالية عن كل يومين من الشغل الليلي
رابعا: الحماية الأخلاقية للأجيرة
يعتبر التحرش الجنسي من الوسائل التي استغلها رجال الأعمال لتسريح العاملات ودفعهن لفسخ عقد الشغل من جانبهن، فنتيجة للمضايقات الجنسية المستمرة فإن المرأة تضطر إلى ترك عملها لتقبل أعمالا أقل من مستواها وكفاءتها وأقل مما كانت تتقاضاه في عملها السابق، وعلى الرغم من خطورة الظاهرة فإن المشرع ومن خلال مقتضيات مدونة الشغل تحدث عن الظاهرة باحتشام شديد وذلك من خلال المادة 40 التي جعلت هذا الفعل في زمرة الأخطاء الجسيمة المرتكبة ضد الأجيرة من طرف المشغل أو رئيس المقاولة
مع وضع إمكانية التقاضي بيد المتضرر في حالة إثبات الخطأ والمطالبة بالتعويض، مع العلم أن إمكانية إثبات التحرش الجنسي تبقى من باب المستحيل لأنه لا يمارس في العلن، لذا كان من الأجدى بالمشرع المغربي أن يخص هذا الفعل الشنيع بفصول خاصة مع وضع عقوبات زجرية يكون لها أثر فعال في الضرب على أيدي هؤلاء المعتدين بدل إدراجه ضمن مجموعة من الأخطاء الجسيمة
المطلب الثاني: حقوق المرأة في قانون الضمان الاجتماعي
عمل قانون الضمان الاجتماعي المغربي على منح تعويضات نقدية وفق شروط محددة لكل العاملات اللواتي يتواجدن في فترة أمومة أو ولادة سواء خلال الحمل أو الوضع أو النفاس (الفقرة الثالثة) وقد جاء ذلك تكريسا لمقتضيات المواثيق والاتفاقيات الدولية (الفقرة الأولى) التي التزم المغرب في دستوره باحترام مقتضياتها، وحتى تتضح الرؤى أكثر نوثر تسليط الضوء حول بعض القوانين المقارنة من أجل استجلاء العناصر الأساسية التي يشترك فيها كل من (التشريعين الدولي والوطني (الفقرة الثانية
الفقرة الأولى: الاهتمام الدولي بتعويضات الولادة
يعرف العالم تطورات وتحولات جد هامة ومن بين هذه التطورات في وقتنا الحاضر ظهور الرغبة في نشر السلام والأمن والرفاهية بين الناس بصفة عامة والمرأة بصفة خاصة وذلك عن طريق تحقيق فكرة مشروع الضمان الاجتماعي بشكله الحديث، وقد برزت مظاهر هذا الاهتمام الدولي على هذا المستوى منذ الحرب العالمية الثانية في الميثاق الأطلسي لعام 1941 ومن ثم في إعلان حقوق الإنسان لعام 1948، ولم يكن الميثاق الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لسنة 1966 ليتجاهل الدور الحيوي الذي تلعبه مؤسسة الضمان الاجتماعي في حياة المرأة العاملة الأم، لذا نجده قد خصص المادة 10 لهذا الموضوع، هذه الأخيرة تنص في فقرتها الثانية “على وجوب منح الأمهات حماية خاصة خلال فترة معقولة قبل الولادة وبعدها، وفي خلال هذه الفترة يجب منح الأمهات العاملات إجازة مدفوعة أو إجازة مقرونة بمنافع مناسبة من الضمان الاجتماعي
وانتقل نفس الاهتمام إلى منظمة العمل الدولية، هذه الأخيرة لم تتوانى في إنتاج أوفاق وتوصيات تؤكد على ضرورة تمتع المرأة العاملة بكامل أجرها أثناء توقفها عن الشغل بسبب العجز عن أداء العمل نتيجة لواقعة الولادة، وذلك عبر دفع تعويضات إما من طرف هيآت التأمين وإما بواسطة نظام المساعدة الاجتماعية، كما نصت على حق المرأة العاملة في الاستفادة أثناء فترة الولادة من الخدمات الصحية والعلاجات الطبية، وقد كانت هذه المبادئ موضوع الاتفاقية الدولية لحماية الأمومة لسنة 2000 حيث نصت المادة الخامسة من هذه الاتفاقية على أنه: تقدم إعانات طبية ونقدية للنساء المتغيبات عن عملهن في إجازة أمومة أو في إجازة إضافية وتضيف أنه على هذه الإعانات أن تشكل حدا يسمح للمرأة العاملة بإعالة نفسها وطفلها في ظروف صحية مناسبة ووفقا لمستوى معيشة لائق”، كما تشير الفقرة الرابعة من نفس المادة أنه “حيثما لا تستوفي المرأة الشروط المؤهلة للإعانات النقدية يكون من حقها الحصول على إعانات مناسبة من صناديق المساعدة الاجتماعية” وتعكس الفقرة الخامسة من نفس المادة الرغبة الدولية لشمول هذه الإعانات مختلف فئات العاملات حيث نصت على أنه “ينبغي لكل دولة عضو أن تضمن أن الشروط المؤهلة للحصول على الإعانات النقدية قابلة لأن تستوعبها أغلبية كبرى من النساء اللواتي تنطبق عليهن هذه الاتفاقية”، كما تؤكد نفس الاتفاقية في مادتها الثالثة على أن معدل الإعانات النقدية يجب ألا يقل عن ثلثي كسب المرأة العاملة وارتباطا مع نفس المسألة أوصت التوصية 95 لسنة 2000 على ألا تقل هذه الإعانات عن كامل أجر المرأة السابق أو كامل المبلغ الذي يؤخذ في الاعتبار لحساب الإعانات
هذه المبادئ تتطابق مع ما جاءت به الاتفاقية رقم 183 الخاصة بحماية الأمومة المعتمدة من طرف المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية في 5 يونيو 2000 التي أكدت من جانبها أنه في حالة إذا لم يكن لدولة ما نظام اجتماعي متطور بسبب الوضع الاقتصادي فإن الدولة المعنية مع ذلك تبقى ملتزمة بمقتضيات هذه الاتفاقية. كما طالبت الاتفاقية الدول المصادقة بتقديم تقارير تبين من خلالها المعدل الذي تقدم الإعانات النقدية على أساسه كما يتعين في تقاريرها اللاحقة أن تصف التدابير المتخذة بغية زيادة معدل الإعانات تدريجيا
وفي نفس السياق نجد أن منظمة العمل الدولية قد أصدرت الاتفاقية 102 لسنة 1952 المتعلقة بالاتفاق الدولي على الحد الأدنى للضمان الاجتماعي وأوجب هذا الاتفاق على الدول المصادقة عليه، أن تضمن لجميع أو لبعض رعاياها بحسب إمكانياتها الاقتصادية والعلمية تقديم جميع الإعانات لغرض تأمين معاشهم وراحتهم في حالات المرض والحمل والولادة والرضاعة وتربية الأولاد
نفس التوجه سارت فيه منظمة العمل العربية التي نصت في المادة العاشرة من الاتفاقية رقم 5/1976 على أن “للمرأة العاملة الحق في الحصول على إجازة بأجر كامل قبل وبعد الوضع لمدة لا تقل عن عشرة أسابيع
هذا باختصار كل ما يمكن أن يقال في نظرنا عن الإستراتيجية الدولية من حيث استحضارها للبعد الوظيفي للأمومة، فماذا عن حضور هذه المقتضيات في منظومة التشريعات المقارنة خاصة العربية منها؟
الفقرة الثانية: اهتمام القانون المقارن بتعويضات الولادة
من أهم القوانين المقارنة التي كرست حماية المرأة العاملة نجد القانون الفرنسي الذي تدخل مشرعه في ميدان العمل لوضع نصوص تروم تنظيم المقتضيات المتعلقة بالحماية الاجتماعية في مجال الضمان الاجتماعي وذلك منذ أواخر القرن الثامن عشر، ومنذ ذلك التاريخ وهذه النصوص في تطور مستمر، ونتيجة لهذه التغيرات والتطورات أدرك المشرع الفرنسي أهمية الإعانات التي يقدمها الضمان الاجتماعي للمرأة، على اعتبار أن حياة الجنين وضمان نموه بصورة طبيعية يتوقفان على مدى مراعاة المبادئ الصحية، وعلى هذا الأساس أسست فرنسا سنة1899، أول بيت رسمي للأمومة تحت تأثير ثورة 1789 لتوليد النساء الفقيرات والاعتناء بهن، ثم أخذت هذه الخدمات والإعانات تزداد شيئا فشيئا، وتأسست في أواخر القرن التاسع عشر جمعيات أخرى تعمل على توفير خدمات طبية وتقديم منح ومكافآت للنساء العاملات في حالة الولادة. وكان لتلك الجمعيات أثر كبير في تخفيض نسبة وفيات الأطفال وفي زيادة نسبة الولادات ونتيجة لكل ذلك صدر سنة 1913 قانون يمنح الأمهات العاملات إعانة نقدية خلال أربعة أسابيع قبل الوضع وأربعة أسابيع بعده، ثم امتد سريان هذه الإعانات عام 1917 إلى جميع العاملات وغير العاملات من الأمهات ذوات الموارد الضئيلة
وهكذا صدر سنة 1928 تشريع التأمين الاجتماعي العام في فرنسا ضد المرض والشيخوخة والعجز، وحالة الأمومة وغيرها وفي سنة 1945 باتت الإعانات العائلية ومنها إعانات الأمومة تطبق على جميع السكان، وأصبح بإمكان المرأة العاملة الاستفادة خلال فترة الولادة من تعويضات لمدة ستة أسابيع قبل الولادة وثمانية أسابيع بعد الولادة
كما تجدر الإشارة أيضا إلى أن أغلب التشريعات العربية التزمت بما تضمنته المعاهدات والأوفاق الدولية الصادرة عن المكتب الدولي للشغل وعن منظمة العمل العربية من توجهات ومبادئ بخصوص حماية أمومة المرأة العاملة في فترات الحمل والوضع وما يتصل بهما من عجز عن أداء العمل بسبب المرض وكذا في الفترات المخصصة للرضاعة وما يتبعها من ضرورة توفير الحاجيات النقدية والطبية خلال هذه المرحلة الحرجة. وهكذا نجد المشرع الليبي يمنح للمرأة العاملة في حالة الولادة تعويضات تصل إلى 100% من الدخل ولمدة ثلاثة أشهر لما قبل الوضع وما بعدها كما مدد المشرع الليبي الإعانات حتى في مرحلة الحمل فالمادة 27 من قانون الضمان الاجتماعي الليبي تنص بشكل صريح على أن تصرف للمشترك منح الولادة وإعانة الحمل المستحقة ابتداء من الشهر الرابع للحمل حتى تمام الوضع، والهدف من هذه الإعانات مساعدة العاملة على تحمل أعباء النفقات التي قد ترتفع بسبب الحمل والولادة. ومن جهة أخرى تتمتع الأجيرة في قانون الضمان الاجتماعي التونسي بتعويضات طيلة 30 يوما ابتداء من تاريخ الوضع يمكن تمديدها إلى 15 يوما أخرى إذا وقع تبرير ذلك بشهادة طبية، أما في مصر فيشترط الضمان الاجتماعي للاستحقاق المرأة العاملة إعانة الإجازة بسبب الولادة أن تكون قد أتمت خدمة سبعة أشهر قبل الانقطاع عن العمل بسبب الوضع، وتتمثل هذه الإعانات في نصف الأجر، ويعتبر ضمان الأمومة في لبنان من أوسع فروع الضمان الاجتماعي نطاقا، وأبعدها أثر بالنظر لكثرة الخاضعين لأحكامها. فالمتأمل للتشريع اللبناني يجده يزخر بالمقتضيات الحمائية للمرأة العاملة خاصة في حالة المرض أو الأمومة، وفي هذا السياق نصت المادة 13 من قانون الضمان الاجتماعي اللبناني على المخاطر المشمولة بالتغطية، هذه المخاطر تشمل كل مرض غير ناتج عن طارئ أو غير معتبر مرض مهني بالإضافة إلى الأمومة الحمل والولادة وما يتبعها والعجز المؤقت عن العمل الناتج عن مرض أو بسبب الأمومة، كما نصت المادة 26 من نفس القانون على أن التعويض عن الأمومة والمرض يشمل ثلثي متوسط الأجر اليومي هذه النسبة ترتفع إلى 100% بعد الأيام الثلاثين الأولى، أي ابتداء من اليوم الحادي والثلاثون يرتفع مقدار التعويض ليصبح 100%. أما في سوريا فيشترط لاستحقاق إعانات الولادة ضرورة مضي ثلاث سنوات من الخدمة على الأقل للاستفادة من الأجر كاملا أو لمدة سنة لاستفادة من نصف الأجر
الفقرة الثالثة: تعويضات الولادة في قانون الضمان الاجتماعي المغربي
عالج المشرع المغربي أحكام الأمومة في الفصول 37 و 38 و 39 من ظهير 1972 المتعلق بنظام الضمان الاجتماعي وقد عرفت هذه النصوص تطورات تبعا لتغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي عرفها المغرب. ففي سنة 1961 كانت التعويضات اليومية عن الولادة تخول الأجيرة المقيمة بالمغرب الحق في 50% من الأجر السنوي المتوسط خلال عشر أسابيع ستة منها على الأقل قبل الوضع وثمانية بعد الوضع، وبعد صدور ظهير 1972 شرع صندوق الضمان الاجتماعي بأداء تعويض يومي عن الولادة خلال العشر أسابيع الموالية لإجازة المرأة العاملة واشترط الصندوق لاستفادة الأجيرة من هذه التعويضات أربعة شروط حددها الفصل 37 من ظهير 1972 والذي جاء فيه ما : يلي
إذا توفرت للمؤمن لها أربعة وخمسون يوما متواصلة أو غير متواصلة مدفوع عنها الاشتراك خلال الأشهر العشرة السابقة لتاريخ اضطرارها للتوقف عن العمل بسبب قرب وضع حملها، يكون لها الحق في التمتع بتعويضات يومية طوال اثني عشرة أسبوعا ستة منها على الأقل بعد الوضع وذلك بشرط أن تنقطع عن مزاولة كل عمل أثناء تمتيعها بالتعويض وأن تكون مستوطنة بالمغرب. وبالإضافة إلى الشروط السالفة الذكر فإنه يجب على المرأة العاملة أن تقوم بإخبار الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بحالتها ووضعيتها وذلك تطبيقا لمقتضيات الفصل 39 من هذا الظهير
يتضح مما سبق أن المشرع منع المرأة الأجيرة المؤمن عليها من مزاولة أي شغل أثناء فترة استفادتها من تعويضاتها عن الولادة والحكمة من وضع هذا الشرط هو تمكين المرأة من التمتع بأكبر قدر ممكن من الراحة أثناء فترة النفاس، حتى تتسنى لها الفرصة للعناية بحالتها الصحية ورعاية مولودها، وتكريسا لهذه الحماية اعتبر المشرع اشتغال الأجيرة في هذه الفترة خطأ جسيما، يجوز معه فصلها عن العمل. أما بخصوص إشعار الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي فإنه يتعين على المرأة العاملة في هذه الحالة أن تقوم بهذا الإشعار خلال 15 يوما الموالية لتوقفها عن العمل، ويجب أن يكون الإشعار معززا بتوقيع الطبيب ويكتسي هذا الإشعار أهمية خاصة، ذلك أن عدم احترامه يؤدي إلى فقدان المرأة لحقها في الاستفادة من التعويض وذلك تطبيقا للفصل 33 من ظهير 1972 المحال عليه بموجب الفصل 39 من نفس الظهير. لكن هذا المقتضى لا يخدم في نظرنا مصلحة الأجيرة التي تكون أثناء الحمل وما بعد الحمل في حالة صحية ضعيفة لا تسمح لها في بعض الأحيان بالقيام بمثل هذه الإجراءات وبالتالي كان على المشرع أن يكتفي بالتنصيص على أن الإجراء يكون صحيحا إذا قام به أي شخص من أفراد عائلة الأجيرة أو حتى مندوب العمال
وتوفيرا للمزيد من الضمانات للأجيرة نص ظهير 9 نونبر 1992 على أن المؤمن عليها أصبح بإمكانها الاستفادة من تعويضات تصل نسبتها إلى 100% من الأجر اليومي المتوسط خلال اثني عشر أسبوعا، ستة منها على الأقل بعد الوضع، كما منح المشرع للمرأة العاملة إمكانية تمديد هذه الفترة بشرط أن تطلب من مؤاجرها إعفاءها لتتمكن من تربية مولودها بدون أجرة
وعلى هذا الأساس يتضح على أن هذه المقتضيات وغيرها قد استحضرت أهمية وظيفة الأمومة كأنبل وظيفة اجتماعية وهذا ما نلمسه بجلاء من خلال الزيادة في نسبة التعويضات حيث أصبحت الأجيرة تتمتع بكامل الأجر لا نصفه، ومع ذلك تبقى هذه التعويضات غير كافية ولا ترقى إلى مستوى تلبية الحاجيات المادية للمرأة العاملة خلال هذه الفترة
وتجدر الإشارة في الأخير إلى أن التعويض الذي ينص عليه قانون الضمان الاجتماعي المغربي هو تعويض عن الولادة وليس تعويضا عن الأمومة على اعتبار أن التعويض عن الأمومة لكي يكون تعويضا حقيقيا يجب أن يشمل تعويض المرأة العاملة عن جميع مصاريف الولادة بما فيها مصاريف الإقامة في المصحة ومصاريف التحليلات الطبية السابقة عن الولادة ومصاريف العلاج سواء لفائدة الأم أو لفائدة المولود أثناء الفترة التالية للولادة
بقلم ذ عبد الهادي الشاوي
عبد الهادي الشاوي ممون بقطاع التربية الوطنية وباحث في صف الدكتوراه بكلية الحقوق بفاس
اترك تعليقاً