هل يحتاج الطلاب المبتعثون إلى محامين؟
ناصر الحجيلان
إن السؤال عن أهمية وجود محام ترجع إليه عند الحاجة يعد سؤالا مشروعًا في بلادنا؛ ذلك أن فكرة المحاماة في ثقافتنا ونظمنا ليست راسخة بدرجة كافية وربما ليس لها أهمية كبيرة في تعاملاتنا. فالشخص في الغالب هو الذي يتولى رفع القضية وهو الذي يدافع عن نفسه؛ ولو شعر بالضعف فإنه يوكّل وكيلا ينوب عنه، وهذا الوكيل قد يكون قريبه أو أحد معارفه الذي يذهب للترافع نيابة عنه ليس لأن هذه وظيفته وإنما لشعوره أن موكله ربما “يفلج قدّام الرجاجيل”، ويسوؤه انهزام قريبه.
ولكن هذا السؤال يبدو غريبًا في بعض الثقافات الأخرى بسبب وجود نظام ثابت يتعلق بضرورة وجود محام يتولى رفع القضايا أو الدفاع عن المتهم. ولأن عددًا من الطلاب والطالبات الجدد قد ابتعثوا للدراسات في عدد من الدول الغربية ومنها أمريكا، فلعله مناسبًا الحديث عن أهمية المحامي وربما ضرورة وجود محام لكل طالب سعودي في مدينة إقامته.
إن وجود محام لايعني الحصانة للشخص، ولكن وجوده يساعد في التعرف على النظام المعمول به في البلد وأخذ الحقوق بالطرق الصحيحة. ويمكن التوضيح أن بلدًا كبيرًا كأمريكا يعتمد على الأنظمة الفيدرالية الموحدة بين الولايات في بعض القضايا، ويعتمد كذلك على الأنظمة الخاصة بكل جهة أو ولاية وخاصة في قضايا مثل السكن وقيادة السيارة والشراء والبيع والعلاج وأنظمة التأمين والضرائب وغير ذلك من التعاملات؛ فكل مدينة وكل مقاطعة وكل ولاية لها في الغالب أنظمة محددة للتعاملات وقد لا تتفق مع أنظمة غيرها.
وأهم عنصر يتطلب وجود المحامي هو الجانب الأمني في التعامل مع رجال الشرطة ورجال المباحث (FBI) ورجال المخابرات (CIA) حينما يصبح الشخص مضطرًا للتعامل معهم لأي سبب كان. ومن الصواب أن يمتنع الشخص عن الرد عن أي سؤال للشرطة إلا بوجود محاميه، وفي هذه الحال فإن الشرطة وفقًا للقانون سوف تمتنع عن مساءلته. ومما ينبغي توضيحه أن الامتناع عن الكلام أو رفض الإجابة لا يعني وفق المنظور الأمريكي أنك شخص مجرم أو مشبوه أو متهم، كما قد يظن البعض استنادًا على ثقافتهم. فقد يبادر الشخص للرد والتجاوب مع الشرطة اعتقادًا منه أن ذلك سيبيّن أنه واثق من نفسه وليس عنده أي شيء يخفيه؛ ولكنه سيقع في إجابة قد تجلب له المتاعب دون أن يدري ولا يسعه بعد ذلك أن يسحب أقواله. فعلى سبيل المثال، حينما يسأل رجل الشرطة شخصًا عن جاره، فيبدأ هذا الشخص يتذكر أنه رآه أمس أو قبل أمس وأنه كان يرتدي قميصًا لونه أحمر مثلا ورأى معه فتاة مثلا، ويذهب يسرد بعض التفاصيل سيصبح هذا الشخص جزءًا من القضية سواء بكونه شاهدًا أو ربما يتورط في القضية لو كان فيها قتل أو اعتداء.
ولأن ظهور الشرطة في الغالب هو ظهور مفاجئ وأسئلتهم غير متوقعة فمن الأجدر أن يتولى ذلك المحامي الذي يعرف الحدود القانونية التي يجب أن تدور حولها الأسئلة وأنها لا تتضمن التغرير بالشخص أو تسعى إلى إيقاعه في كمين ربما لا يفهمه كونه من خارج الثقافة.
ومما يمكن ذكره هنا أن وجود الشرطة ومتابعتهم لشخص معين يجب أن يكون وفق تصريح من المحكمة، وفي حال وجود تصريح من المحكمة فهذا يعني وجود تهمة مبنيّة مبدئيًا على معطيات تسمى “قرائن” لا ترقى أن تكون “دليلا”. والشرطة أو المحققون يسعون إلى تحويل تلك القرائن لكي تصبح أدلة تقتضي السجن. وحينما يحضر رجال الشرطة بلباسهم الرسمي أو المحقق بلباسه المدني بدون تصريح المحكمة، فيجب حضور المحامي بأي حال من الأحوال، لأن الشرطة أو المحققين ربما يجدون مخالفات أخرى ليست موضع القضية التي جاءوا من أجلها. ومن ذلك على سبيل المثال، لو جاء رجال الشرطة يريدون السؤال عن سبب وفاة كلب الجيران، ووجدوا في منزل الشخص بقايا طعام حيوان، أو قطرات حمراء تشبه الدم أو سلاحاً، فهذه قرائن تدين الشخص بالجريمة. وقد يجدون تذكرة سفر أو دليل هاتف فيه أرقام فهذه الموجودات قد تدعوهم للسؤال الاتهامي، وقد يجدون أثناء بحثهم CD أو شريط أغان أو فيديو منسوخًا وفي هذه الحال يحق لهم إدانة الشخص وفقًا للقانون الفيدرالي الذي يحمي حقوق الملكية الفكرية.
ومن هنا فإن السماح للشرطة بدخول البيت أو تفتيشه أو تفتيش السيارة ليس من صالح الشخص مهما بلغت ثقته في نفسه؛ فالسعوديون في الغالب لا يعرفون القانون الأمريكي معرفة دقيقة وتفصيلية ولا يعرف أحدهم عن أي شيء يبحث الباحثون؛ لهذا فإن الامتناع عن توقيع أي ورقة أو التفتيش إلا بحضور المحامي هو التصرف السليم الذي يحمي الشخص ويحفظ حقوقه.
ويرتبط بالأمن كذلك السكن وشروط العقد، فاطلاع المحامي على عقد السكن والخلاف مع صاحب السكن سوف يجعل الشخص يسلك الطرق القانونية في الحصول على حقه وفي فهم نظام السكن. ومن أبرز النقاط التي قد يغفل عنها السعوديون بناء على ثقافتهم هو مسارعتهم إلى تغيير الأقفال “الكوالين”، فهذه جريمة في عدد من الولايات الأمريكية، ولايحق للمستأجر تغيير قفل الباب إلا بطلب من صاحب السكن الذي يتولى هو تغيير القفل مع الاحتفاظ بنسخة من المفاتيح عنده؛ ويحق للمالك دخول الشقة وقتما يريد إما للتأكد من سلامتها الصحية أو لإجراء تعديلات فيها وذلك بعد أن يترك تنبيهًا للمستأجر يحدد له وقت الحضور.
والحاجة للمحامي قائمة في عدد آخر من القضايا؛ ومن المستحسن أن يحصل كل طالب على قائمة المحامين الجيدين في مدينته من سفارة خادم الحرمين الشريفين في واشنطن ويحرص على اختيار المحامي المتفهم لوضع العرب في أمريكا، ويزوده بصور من أوراقه الرسمية وعناوينه وأرقام هواتف أهله في السعودية لكي يسهل الاتصال بهم عند الحاجة.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً