كثيرة جداً تلك الحالات التي يقدم فيها المتهم للقضاء بناءً على تحريات خاطئة، أو إجراءات باطلة، والنتيجة تكون تبرئة هذا المتهم، بعد مروره بمشوار طويل من الإجراءات القانونية والحبس الاحتياطي وتشويه السمعة.
فمن يعوّض المتهم، بعد أن تثبت براءته عن الأيام التي قضاها في الحبس، نتيجة تحريات خاطئة؟ ومن يعوّضه عن سمعته التي أهدرت، بسبب عدم دقة رجال التحريات؟ ومَن يعوّضه عن الإنهاك النفسي والجسدي، الذي تعرَّض له أثناء التحقيقات والمحاكمات، وغيرها من الإجراءات المجهدة؟
يضع القانون قيوداً على مسألة التعويض، أهمها كيدية البلاغ المقدَّم، وأن تكون الأحكام الصادرة بالبراءة تنتهي إلى عدم وجود جريمة, وهو ما يُعد تشدداً في التقييد.
إن حريات الناس مقدَّمة على إفلات المجرمين من العقاب، وهو ما انتهت إليه محكمة التمييز في حكمها، بأنه لا يضير العدالة إفلات مجرم من العقاب، بقدر ما يضيرها الافتئات على حقوق الناس وحرياتهم, وهو نفسه الغاية من وجود قانون للإجراءات الجزائية، الذي يضمن للأفراد حقوقهم، وما إن تكون أحد هذه الإجراءات باطلة تبطل على أساسها كل القضية، فيبرأ المتهم، لأن الإجراءات الجزائية ما وضعت إلا للحد من قوة وبطش من بيده سلطة، حتى لا يحيد عن الحق، فيكون باباً للافتئات على الأفراد أو انتهاك حقوقهم وحرياتهم.
إن تقديم المتهمين للمحاكمة بناءً على أدلة ملفقة وتحريات غير صحيحة، بهدف إغلاق القضايا والتخلص من حملها، أو لأي هدف آخر، يجب ألا يكون أمراً يسهل تجاوزه، وهناك سوابق في بعض دول العالم، يُعوض فيها المتهم، معنوياً أو مادياً، عما أصابه من ضرر، من جراء الخطأ.
«الطليعة» التقت مجموعة من المتخصصين، واستطلعت آراءهم حول هذه القضية، وفي ما يلي التفاصيل:كتبت شيخة البهاويد:
تقول المحامية عبير الحداد: «للأسف، ليس هناك أي قانون ينص على تعويض المتهم بعد صدور حُكم ببراءته، إذا ما كان محبوساً على ذمة القضية»، أما في ما يخص التعويض، فتفرّق الحداد بين حالتين، وتقول: «إذا كان المُبلغ شخصاً غير رجل الأمن، وصدر حُكم ببراءة المتهم، لعدم قيام المتهم بالفعل المجرَّم، يحق للمتهم مقاضاة الشخص، وطلب التعويض.. أما إذا كان الحكم قد صدر بالبراءة، لعدم كفاية الأدلة، أو لتشكك المحكمة، هنا لا يحق للمتهم طلب التعويض».
وحول فكرة اللجوء لمعاقبة رجال الأمن، الذين يقدمون تحريات خاطئة مطروحة، لدى مَن يناقش هذا الموضوع، أوضحت الحداد أنه «لا يوجد نص في القانون الكويتي ينص على معاقبة رجل الأمن، الذي يقدم تحريات قد تكون خاطئة ومخالفة للواقع، ورجل الأمن يقوم بعمله لحماية المجتمع، لذلك يجب ألا يتم تقييده بعقوبات تحد من حريته في القيام بعمله».
وتضيف الحداد حول مسألة التعويض: «أقترح أن نقتدي بالقانون الفرنسي، الذي ينص على تعويض المتهم الذي يتم الحكم ببراءته عن كل يوم حبس».
المادة 9 من العهد الدولي
الناشطة الحقوقية، والمدافعة عن حقوق الإنسان، هيا المقرون، قالت: «أتفق مع ضرورة تعويض المتهم، الذي ثبتت براءته لاحقاً، نظراً لما تتركه عقوبة السجن من أضرار مادية ومعنوية، استناداً إلى نص المادة 9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي صادقت عليه الكويت عام 1996، أن لكل شخص كان ضحية توقيف أو اعتقال غير قانوني حقاً في الحصول على تعويض».
وأضافت: «نصَّت المادة 14 من العهد نفسه، أنه حين يصدر حكم على شخص ما، حكم نهائي يدينه بجريمة، ثم أُبطل هذا الحكم أو صدر عفو خاص عنه على أساس واقعة جديدة أو واقعة حديثة الاكتشاف تحمل الدليل القاطع على وقوع خطأ قضائي، يتوجب تعويض الشخص الذي أنزل به العقاب، نتيجة تلك الإدانة، وفقاً للقانون، ما لم يثبت أنه يتحمَّل، كلياً أو جزئياً، المسؤولية عن عدم إفشاء الواقعة المجهولة في الوقت المناسب».
ولفتت المقرون إلى أن هناك دولاً اتجهت إلى وجوب تعويض المتهم المحبوس عند ظهور براءته عن عامة الأضرار التي لحقت به، سواء كانت مادية أم معنوية، ومن هذه الدول: بلجيكا، سويسرا، الولايات المتحدة وفرنسا، كما صدرت أحكام قضائية في بعض البلدان العربية، منها: المملكة العربية السعودية والكويت فيها تعويض متهمين ـ كانوا قد حبسوا ـ عن أضرار معنوية لحقت بهم، وتعد هذه المواقف خطوات إيجابية في الطريق الصحيح».
وحول ما يتعلق بالضرر المعنوي، قالت: «زيادة على ما سبق، رأت بعض الدول وجوب إعلان براءة المتهم في الصحافة ووسائل الإعلام الأخرى، وذلك من أجل العمل على رد الاعتبار الأدبي والاجتماعي إليه، وتصحيح وضعه وصورته في أذهان الناس».
الحبس ضرر يوجب التعويض
من جانبه، قال المحامي مهند الساير إن كثيراً ممن يحبسون احتياطياً يكون ذلك الحبس سبباً في ضياع مستقبلهم الوظيفي، بعد أن يحكم لهم بالبراءة، وهو أمر غير مقبول شرعاً، ولا قانوناً, لذلك ذهبت بعض الدول إلى الأخذ بمبدأ التعويض في حال حبس المتهم وحكم له بالبراءة، وبتبعية يكون الحبس سبب له ضرراً من دون مبرر, وكم أتمنى أن يكون لنا ذات المبدأ القانوني والمنطق في التعويض والتشريع، خصوصا لكثرة حالات البراءة لدينا بعد حبسهم احتياطياً. ويقيس الساير المسألة على واقع الحبس الاحتياطي، بقوله: «الواقع إن الحبس الاحتياطي عقوبة، وليس كما أراد المشرّع إجراء احترازياً، وعندما تكون كثير من حالات البراءة الواضحة حكماً قد مارست معها سلطة التحقيق إجراء الحبس، وكذلك عندما تدمر أسرة شخص فقد وظيفته ومستقبله، بسبب هذا الإجراء، فضلا عما هو أهم من هذا وذاك، ما يمارس عليه من إهانات ومعاملة سيئة من دون مراعاة نص المادة الدستورية بأنه بريء، حتى تثبت إدانته، وهو بحد ذاته كفيل بأن يجعل عنصر الضرر المعنوي يقع وبقوة». ويضيف: «يجب على المشرّع أن يُوجب تعويض كل شخص تم حبسه احتياطياً، وبرَّأته المحكمة، أن يتم تعويضه عن حبسه، حتى تكون مبادئ العدالة مطبَّقة على أرض الواقع».
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً