الشركات الأجنبية..الواقع والمأمول
د. عبد اللطيف القرني
ما زال النظام الجديد للشركات في المملكة العربية السعودية يدرس حتى الآن في مجلس الشورى ليحل محل النظام القديم الصادر في عام 1385هـ، ومن أهم النقاط التي شملها النظام الجديد بشيء من التفصيل ما يتعلق بأحكام الشركات الأجنبية ليعالج أهم المسائل المتعلقة بتنظيم رؤوس الأموال الأجنبية والاتفاقيات الخاصة بها في ظل انضمام المملكة العربية السعودية إلى منظمة التجارة العالمية والتي وقعت على اتفاقياتها وأبرمت المعاهدات الثنائية اللازمة للانضمام إليها، وقامت بتحديث غالب الأنظمة وأجرت التعديلات اللازمة عليها بما يتوافق مع شروط الانضمام لتلك المنظمة، وتم الانضمام المبدئي لها اعتباراً من يوم الجمعة 9 شوال 1426هـ،
والحقيقة أن تنظيم الشركات الأجنبية بصورة فاعلة يعطي الأمان للاستثمار الأجنبي في جميع الأنشطة الاقتصادية المسموح بها، مما يخلق بيئات عمل لكثير من الشباب العاطل لدينا أيضاً تعزز تلك الشركات من اقتصادية الدولة، وتسهم في توفير سبل أفضل لرغد العيش في النواحي الخدمية أيضاً تحسين المستوى العام لدخل الفرد، وهذا مجرب في كثير من الدول التي وضعت تشريعات تنظيمية متوازنة لرؤوس الأموال الأجنبية، وأوجدت تلك التنظيمات بيئة استثمارية خصبة حتى عدت من أفضل الدول كمستوى حضاري للعيش برفاهية لأفرادها ولشعوبها.
والشركة الأجنبية هي الشخص الاعتباري الذي لا يتمتع الشركاء فيها بالجنسية العربية السعودية وفقاً للمادة الأولى من نظام الاستثمار الأجنبي، وفي حالة رغبة الشركة الأجنبية التسجيل رسمياً فإن عليها التقدم إلى الهيئة العامة للاستثمار لتقديم المستندات المقبولة ومن ثم توثيق عقد الشركة لدى كاتب العدل في مركز الخدمة الشاملة في الهيئة العامة للاستثمار، وبعد ذلك يرسل الطلب إلى الإدارة العامة للشركات في وزارة التجارة بعد الحصول على الترخيص الصادر من الهيئة، وعلى أثر ذلك يتم قيد الشركة في السجل التجاري والحصول على شهادة السجل ويكون بذلك الكيان القانوني للشركة الأجنبية قد نهض رسمياً في المملكة العربية السعودية، وتبقى بعض الإجراءات المساندة ويمكن القول إن الشركات ذات الطابع الأجنبي من حيث جنسيتها وطبيعة النشاط الذي تمارسه على ثلاثة أنواع:
أولاً: الشركات الأجنبية المتعاقدة مع جهات حكومية في المملكة لتنفيذ مشروعات لصالح الدولة، حيث ترتبط تلك الشركات بعقود تم توقيعها بعد اتباع طرق التعاقد في القانون الإداري السعودي ومنها المناقصة العامة المفتوحة أو المناقصة المحدودة، حيث يتم توجيه الدعوة إلى شركات عالمية لتنفيذ بعض المشاريع التي تتطلب كفاءة مالية وفنية.
ثانياً: الشركات المهنية الأجنبية: وهي شركات مدنية وليست تجارية تخضع في الترخيص لها بالعمل في المملكة لنظام الشركات المهنية ولائحته التنفيذية ويتولى نظاماً الترخيص لها وزارة التجارة والصناعة بحكم مسؤوليتها عن المهن الحرة لانعدام الصفة التجارية لهذه المهنة واختصاص الهيئة العامة للاستثمار بالأنشطة الاستثمارية فقد تم إسناد الترخيص للشركات المهنية الأجنبية إلى وزارة التجارة والصناعة.
ثالثاً: الشركات الخليجية: وهي شركات تم تأسيسها في إحدى دول مجلس التعاون الخليجي، حيث تعامل تلك الشركات معاملة الشركات السعودية، ويعامل الشركاء فيها معاملة السعودي طبقاً لاتفاقية الاقتصاد المبرمة بين دول المجلس. ومن المهم في تسجيل الشركة الأجنبية الحرص على جلب الشركات ذات الكفاءة العالية لتقوم بدورها المطلوب منها في المجتمع سواء على المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي أو المعرفي، ولذلك نجد أن اللائحة التنفيذية لنظام الشركات المهنية اشترطت للمهنيين السعوديين الذين يرغبون في مشاركة شركات مهنية أجنبية متخصصة شروطا وفق النحو التالي:
1ـ أن تكون الشركة الأجنبية ذات سمعة متميزة في مجال المهنة.
2ـ أن يكون قد مضى على تأسيس الشركة الأجنبية مدة عشر سنوات مارست خلالها أعمالها بدون انقطاع.
3ـ أن تسهم الشركة في نقل الخبرة والتقنية الفنية وتدريب السعوديين.
4ـ أن يكون للشركة ممثل دائم على الأقل في المملكة لا تقل مدة إقامته عن تسعة أشهر في السنة.
إن الظروف المحلية حتمت علينا الحرص على رؤوس الأموال الأجنبية واستقطابها لرفع المستوى العام للاقتصاد المحلي ولكن لابد من وضع التشريعات الواضحة للشركات الأجنبية حتى يرتفع مستوى الائتمان الاستثماري وفي المقابل يجب على القضاء التجاري مواكبة هذه التطورات السريعة والبحث عن أفضل الطرق المساعدة للفصل في النزاعات التجارية بطريقة عادلة ومريحة سواء كان النزاع التجاري داخل الشركة الأجنبية ذاتها أو مع شركة أخرى أجنبية أو وطنية، بحيث يكون القضاء التجاري عامل أمان قوي في حال النزاعات الاستثمارية التي غالباً ما تدوم طويلاً لأمور تمت مناقشتها كثيراً، وبالتالي فلن تتردد الشركات الأجنبية في العمل في المملكة العربية السعودية ما دام أن كافة الظروف الاقتصادية والتشريعية والقضائية متوائمة مع عجلة التطور الاستثماري العالمي والإقليمي والمحلي.
إن تنمية البلدان لم تعد أسلوباً محلياً للاقتصاد المحلي القاصر وإنما باتت ارتباطاً إقليمياً ودولياً في منظومة متكاملة وإن إهمالها وعدم الاهتمام بها سيجعل الوضع الاقتصادي أكثر تعقيداً على مستوى الفرد أو المجتمع، لذا ينبغي علينا تفهم هذه الملامح وتفعيلها على كافة الأصعدة وألا نقف موقف المتفرج حتى لا يتخطانا قطار التنمية إلى غيرنا في وقت كنا لا نتصور تلك البلدان تتفوق علينا. ومعلوم أن قطار التنمية جزء من التاريخ فهو لا يعرف إلا أصحاب النظرة الاستشرافية التي تعمل في وقت الناس فيه نيام. وفق الله الجميع لكل خير وأتمنى لكم شتاءً ممتعاً يعود علينا وعليكم بالخير والسعادة.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً