الفعل الضار:
العمل غير المشروع الذي ينجم عنه ضرر للغير، يتمثل في الفكر القانوني المعاصر، مصدرًا هامًا وأساسيًا لنشأة الالتزام، بل هو أهم مصادر الالتزام جميعًا بعد العقد. وقد أشار قانون التجارة الكويتي الحالي إلى العمل غير المشروع، باعتباره مصدرًا للالتزام، دون أن يبين أحكامه، مقتصرًا، في المادة (179) منه، على القول بأنه (ينظم قانون خاص أحكام العمل غير المشروع وما يترتب عليه من المسؤولية والتعويض). وقد صدر هذا القانون الخاص بالفعل، وهو القانون رقم (6) لسنة 1961، بتنظيم الالتزامات الناشئة عن العمل غير المشروع، والذي عدل، فيما بعد، بمقتضى القانون رقم (42) لسنة 1967، ثم بمقتضى المرسوم بقانون رقم (73) لسنة 1976.
والمشروع في تنظيمه نتائج الفعل الضار، لم يشأ أن يبتعد كل البعد عن الأحكام التي يقضي بها القانون الكويتي الحالي، وإن عمد إلى أن يجري فيها الشيء الكثير من الضبط والتنسيق وإكمال النقص. فقد أظهرت أحكام قانون العمل غير المشروع الحالي نجاحًا ملحوظًا، وأدت مهمتها على وجه مرضٍ، وهي من بعد أحكام تكون نظامًا قانونيًا متكاملاً، يقوم على جمع موفق بين آخر ما وصل إليه الفكر القانوني المعاصر، من ناحية وما حرص عليه الفقه الإسلامي الحرص كله من عدم ضياع دم الناس هدرًا، من ناحية أخرى.
ويتركز تنظيم المشروع للنتائج المترتبة على الفعل الضار في أمرين أساسيين استمد أولهما من الفكر القانوني المعاصر، وثانيهما من الفقه الإسلامي، وقوام الأول تقرير مسؤولية كاملة شاملة، ترجع في أساسها إلى فكرة الخطأ بوجه عام، وإن لم يلتزم المشروع هذه الفقرة دومًا على نحو ما كانت عليه من صرامة عند السابقين، وتستهدف هذه المسؤولية تعويض الضرر في جميع مظاهره وبالنسبة إلى كل عناصره المادية منها والأدبية على حد سواء، أما الأمر الثاني، فقوامه ضمان أذى النفس، دون أذى المال، في حدود ضيقة مقصورة على الدية الإسلامية، عندما يستغلق على المصاب أو ذويه من بعد الطريق إلى جبر الضرر الناجم لهم جبرًا كاملاً شاملاً على أساس المسؤولية التقصيرية.
وقد حرص المشروع على أن يميز الأمرين السابقين، حتى لا يقع الخلط بينهما. وقد حدا به إلى ذلك الاختلاف الجذري بينهما من حيث النشأة والشروط والأثر، سيما وقد توسع كثيرًا في نظام الدية عن الدم المهدر مستهديًا بفقه المسلمين.
والمشروع، إذ يميز بين الحالة التي تقوم أساسًا على الخطأ التقصيري والتي يثبت فيها الالتزام بتعويض الضرر تعويضًا كاملاً، وبين الحالة التي تستحق فيها الدية وحدها كليةً أم جزئيةً، يقصر اصطلاح المسؤولية على الحالة الأولى، مضفيًا على الحالة الثانية اصطلاح (الضمان).
وهذه التسمية بشطريها يقتضيها المنطق ويستلزمها في صناعة التشريع، فهي من وجه أول، تساير المنشأ، وهي من وجه ثانٍ، تتوافق مع الواقع، فالشخص منا لا يسأل إلا إذا وقع منه ما يستوجب مساءلته عن خطأ أو ما يدانيه، فإن تحمل بالالتزام عن ضرر يحدث لغيره، من غير خطأ يكون قد ارتكبه أو ما يدانيه، فهو إلى ضمان هذا الضرر أقرب من تحمله بالمسؤولية عنه.
الفرع الأول – المسؤولية عن العمل غير المشروع:
المواد (227 – 254):
أولاً: حالات المسؤولية عن العمل غير المشروع:
عمد المشروع، في تحديده حالات المسؤولية عن العمل غير المشروع، إلى أن يساير القانون الكويتي الحالي وغيره من القوانين العصرية الأخرى. فهو يبدأ بتقرير المسؤولية عن الأعمال الشخصية. ثم يقرر في حالات خاصة يحددها، مسؤولية الشخص عن أعمال غيره، ومن الضرر الناجم بفعل الأشياء.
1 – المسؤولية عن الأعمال الشخصية:
ومسؤولية الشخص عن أعمال نفسه تتمثل الأصل العام في المسؤولية عن العمل غير المشروع، وهي تقوم في كل حالة تتوافر فيها أركانها، دون تحديد مسبق لتلك الحالات، وفي ذلك تتخالف المسؤولية عن أعمال النفس مع المسؤولية عن فعل الغير، ومع المسؤولية عن الضرر الناجم بفعل الأشياء، فهاتان المسؤوليتان الأخيرتان استثنائيتان، وبحكم كونهما كذلك فإنهما لا تقومان إلى في الأحوال الخاصة التي يقررها القانون. وتجيء المادة (227) لترسي في فقرتها الأولى، الأركان التي تقوم عليها المسؤولية عن الأعمال الشخصية، وهي الخطأ والضرر ورابطة السببية.
( أ ) الخطأ:
وإذا كانت أهمية الخطأ، كأساس للمسؤولية عن العمل غير المشروع، أخذت تتناقص على مر الزمن، إلا أن المشروع قد أثر أن يُبقى عليه في مجال المسؤولية عن عمل النفس، وحسبه أن يقنع بالمسؤولية الموضوعية في مجال الضرر الناجم بفعل الغير وبفعل الأشياء. وقد حرص المشروع على أن يصرح بوجوب توافر الخطأ لقيام المسؤولية عن عمل النفس، سواء أجاء إحداث الضرر بطريق المباشرة أو التسبب، بمفهوم الفقه الإسلامي لكل من هذين الاصطلاحين. ذلك لأن المجال هنا هو مجال المسؤولية عن الضرر، وليس مجال ضمانه، والخطأ هنا واجب الإثبات، فعلى من يدعيه أن يقيم الدليل عليه وفقًا للقواعد العامة.
وقد اكتفى المشروع، في الفقرة الأولى من المادة (227) بإرساء المبدأ العام، مقررًا أن كل من يخطئ فيحدث بخطئه ضررًا بغيره يلتزم بتعويضه، وهو قد تجنب بذلك وضع أحكام تشريعية خاصة للحالات النوعية من الضرر، سواء تعلقت بإيذاء النفس أو إتلاف المال أو غصبه، اعتبارًا منه بأن المبدأ العام الذي يقرره يغطي الحالات الخاصة كلها، طالما توافرت فيها متطلبات القانون.
والمشروع، إذ ينهج هذا النهج، يساير الفن السليم في صناعة التشريع، وإن خالف قانون الالتزامات الناشئة عن العمل غير المشروع الكويتي الحالي، والذي جاء، على غرار القانون العراقي، يورد نصوصًا عديدة تتضمن أحكامًا تشريعية لنوعيات خاصة من الضرر، هي إيذاء النفس وإتلاف المال وغصب المال، وإن لم تختلف تلك الأحكام في أساسها، ثم إن ذكر أحكام النوعيات الخاصة من الضرر يعيبه عدم الشمول الذي يؤدي إليه تقرير المبدأ العام. وهو أمر لم يفت قانون العمل غير المشروع الكويتي الحالي أن يواجهه. فبعد أن قرر وجوب التعويض في النوعيات الخاصة التي ذكرها من الضرر، جاء يتحرز ويقرر وجوب التعويض في حالات الضرر الأخرى التي لم يذكرها (المادة 11). وهو حكم كان يمكن أن يجتزئ به وحده.
ولم يشأ المشروع أن يحدد المقصود بالخطأ كركن لقيام المسؤولية، تاركًا أمره لاجتهاد الفكر القانوني، وذلك بغية أن يضفي عليه ما ينبغي له من مرونة وانطلاق. وتقرر المدة (227) في فقرتها الثانية، حكمًا أساسيًا مؤداه أن عدم الإدراك أو التمييز لا يحول دون مسؤولية صاحبه عن تعويض الضرر الذي يأتيه بفعله الخاطئ، وتضع بذلك حدًا لخلاف كبير ثار في الفقه القانوني الكويتي حول ما إذا كان الإدراك لازمًا أو غير لازم لقيام المسؤولية التقصيرية.
واستلزام الإدراك أو التمييز لقيام الخطأ الموجب للمسؤولية التقصيرية، في القانون الأوروبي، فكرة مستوحاة أصلاً من القانون الروماني، وهجرتها بعض القوانين العصرية الحديثة، وإن كانت أغلب هذه القوانين لم تهجرها إلا جزئيًا، حيث تركت للقاضي شيئًا من حرية التقدير، وفقًا لمقتضيات العدالة، وهذا هو، على وجه الخصوص، شأن القانون الألماني (المادة 829)، ومدونة الالتزامات السويسرية (المادة 54) والقانون البلجيكي (المادة 1386 مكرر) وقد ساير القانون المصري هذا الاتجاه بدوره (المادة 164). وأخيرًا جاء المشرع الفرنسي نفسه يقرر المسؤولية التقصيرية كاملة على من يحدث الضرر بغيره، حالة كونه تحت تأثير اختلال عقلي (قانون 3 يناير 1968 الذي عدل المادة 489 – 2 من مدونة نابليون).
والحكم الذي يقرره المشروع في الفقرة الثانية من المادة (227)، فضلاً عن اتساقه مع منطق القانون ومصلحة الناس ومسايرته للاتجاه الحديث في الفكر القانوني المعاصر، يتجاوب مع رأي الجمهور في الفقه الإسلامي، حيث لا يتطلب الإدراك أو التمييز لقيام الضمان عن الإتلاف، وقد جاء في قول بعض الفقهاء، لإظهار هذا الحكم، أن الوليد، لو أنه انقلب حال ولادته، على شيء فأتلفه، لزمه الضمان من ماله، وقد أخذ بهذا الحكم الحنفية والشافعية والحنابلة، أما المالكية، فثمة خلاف بينهم. فمنهم من قال إنه لا ضمان على الصبي الذي لا يعقل فيما أتلفه من نفس أو مال، لعدم تكليفه بتوجيه الخطاب إليه. فهو بمثابة العجماء، ولكن الرأي الراجح في المذهب، والذي يقول به جمهوره، يبشر بأن الضمان يلزم عديم التمييز اعتبارًا بأن أساس الضمان هو جبر الضرر، لا الجزاء والعقوبة، ولعموم قول الرسول الكريم: ” لا ضرر ولا ضرار “.
والمجلة بدورها صريحة في عدم تطلب التمييز لثبوت الضمان (المادة 916 والمادة 960). وقد أخذ بنفس الحكم القانون العراقي (المادة 191) كما أخذ به القانون الأردني (المادة 278). ويعرض المشروع بالمادة (228) للحالة التي يحدث فيها الضرر نتيجة أخطاء متعددة وقعت من أشخاص كثيرين، بحيث يتمثل خطأ كل من هؤلاء سببًا مقتضيًا للضرر، وتقرر مسؤولية كل واحد منهم، في مواجهة المضرور، عن التعويض كاملاً. فالمسؤولون المتعددون يتحملون، في مواجهة المضرور، بالتعويض على سبيل التضامن، وبمعنى أدق على سبيل التضامم. أما في العلاقة بين المسؤولين المتعددين أنفسهم، فيتوزع غرم المسؤولية بينهم بقدر دور خطأ كل منهم في إحداث الضرر، فإن تعذر تحديد هذا الدور وزع عليهم غرم المسؤولية بالتساوي.
وقد حرص المشروع على أن يجعل أساس توزيع غرم المسؤولية على المسؤولين المتعددين فيما بينهم متمثلاً في دور خطأ كل منهم في إحداث الضرر، اعتبارًا منه بأنه أكثر اتساقًا مع فكرة السببية بين الخطأ والضرر من الأساس الذي يقول به قانون العمل غير المشروع الكويتي الحالي (المادة 30) والقائم على توزيع غرم المسؤولية بين من يتحملونها على أساس جسامة التعدي الذي وقع من كل منهم، وإن كان المشروع لم يغفل عن أن الخلاف بين الأساسين ضئيل من الناحية العملية، حيث يصعب، في واقع الحياة، تحديد دور خطأ كل من المسؤولين في إحداث الضرر، ثم إن هذا الدور يتناسب في الغالب مع جسامة الخطأ ذاتها.
وتعرض المادة (229) لحالة من حالات وقوع الضرر نتيجة أخطاء تقع من أشخاص متعددين، وهي تلك التي يحدث فيها الضرر من خطأ شخص معين، حالة كون خطئه هذا قد اقترن بأخطاء مؤثرة وقعت من آخرين، نتيجة التحريض أو المساعدة، وتقرر مسؤولية هؤلاء الأشخاص جميعًا، على نحو ما تقرره المادة (228) اعتبارًا بأن الضرر وقع بخطأ كل منهم. فالمسؤولية المدنية، كالمسؤولية الجنائية، لا تقتصر على الفاعل الأصلي، وإنما تمتد أيضًا إلى الشركاء. والنص مستوحى في عموم حكمه من المادة (36) من القانون البو
(ب) الضرر:
الضرر ركن أساسي في المسؤولية التقصيرية، إلى جانب الخطأ ورابطة السببية، بل هو الركن الجوهري فيها. وأهميته تفوق أهمية الخطأ. فإذا أمكن في بعض الحالات، لهذه المسؤولية أن تقوم بغير خطأ – كما تقدم – فلا يتصور أبدًا وجودها بلا ضرر.
وقد أولى الفقه الإسلامي فكرة الضرر بالغ عنايته، عامدًا إلى درئه عن الناس، ومبتغيًا جبره لهم، إذا ألم بالفعل بهم، وليس هذا بغريب على رجاله، وهم يجتهدون في الظل الظليل لشريعة المسلمين، تلك الشريعة السمحة التي تأبى على الناس أن يؤذي بعضهم بعضًا. فمن الأسس التي قامت عليها هذه الشريعة الغراء أن: ” لا ضرر ولا ضرار “، كما قال الرسول، عليه أفضل صلوات الله، وهو الأمر الذي دعا فقهاؤها إلى القول بتلك القاعدة الفقهية وهي أن ” الضرر يزال “، ودعاهم بعد ذلك إلى أن يتحفظوا فيقولوا بقاعدة فقهية أخرى، مؤداها ” أن الضر لا يزال بمثله “. ولقد كان من شدة اهتمام الفقه الإسلامي بالضرر والعمل على جبره لضحيته، أن جعله وحده، كأصل عام، مناط الضمان، من غير ضرورة لأن يقترن بوقوع الخطأ ممن أوقعه. فيكفي لتحمل الشخص بالضمان، في الفقه الإسلامي، أن يؤدي فعله بذاته إلى إلحاق الأذى بغيره، من هنا كانت القاعدة الأساسية التي تسود نظرية الضمان في هذا الفقه الحنيف، ومؤداها أن: ” المباشر ضامن ولو لم يتعمد أو يتعدَ “، وإن كان ” المتسبب لا يضمن إلا بالتعمد أو التعدي “.
وتحدد المدة (230) الضرر الذي يلتزم المسؤول عن العمل غير المشروع بالتعويض عنه بالخسارة التي وقعت للمضرور والكسب الذي فاته، شريطة أن يكون هذا وتلك نتيجة طبيعية للعمل غير المشروع ذاته، بأن يكون قد نجم عنه مباشرةً، بحيث أنه لم يكن في المقدور تفاديه ببذل الجهد المعقول الذي تقتضيه ظروف الحال من الشخص العادي، وسواء بعد ذلك أن يكون الضرر قد وقع بالفعل أم أنه سوف يقع حتمًا في المستقبل، كما أنه يستوي أن يكون الضرر متوقعًا أو غير متوقع.
وحرص المشروع على أن ينص، في المادة (231) على أن التعويض الذي يلتزم المسؤول عن العمل غير المشروع يتناول الضرر، ولو كان أدبيًا. فالضرر المادي والضرر الأدبي يشفعان كلاهما للمسؤولية التقصيرية سببًا، ويستوجبان التعويض عنهما، شأن المسؤولية التقصيرية في ذلك شأن المسؤولية المدنية بوجه عام.
وقد تردد الفكر القانوني طويلاً، في خصوص التعويض عن الضرر الأدبي، ورأى البعض بالفعل عدم ملاءمة ذلك. وتتركز حجتهم في أن الغاية من التعويض هي جبر الضرر. وإذا أمكن جبر الضرر المادي، فيستحيل جبر الضرر الأدبي. ثم إنه على فرض إمكان جبر الضرر الأدبي عن طريق التعويض عنه، فإنه لا يوجد أساس منضبط لتقدير هذا التعويض.
ولم يسد الرأي المناهض للتعويض عن الضرر الأدبي. وما كان له أن يسود. فإذا تعذر جبر الضرر الأدبي، فلا أقل من أن يُمنح عنه بعض من المال، يترك تقديره لقاضي الموضوع. وفقًا لظروف الحال، ليكون فيه على الأقل، بعض السلوى والعزاء. وما لا يدرك كله لا يترك كله.
من أجل ذلك سارت القوانين المعاصرة، في البلاد المختلفة، على تقرير مبدأ التعويض عن الضرر الأدبي، إلى جانب الضرر المادي. وهو الأمر الذي تبناه المشروع، وحرص على التصريح به، في الفقرة الأولى من المادة (231) دفعًا لأية مظنة.
وقد جاءت المادة (231) في فقرتها الثانية، تذكر على سبيل التمثيل لا الحصر، بعض صنوف من الضرر الأدبي، اعتبارًا بأنها تتمثل أهم ما ينتاب الناس في واقع حياتهم. وقد حرصت على أن تذكر بين ما أوردته من أمثلة، ما يستشعره الشخص من الحزن والأسى واللوعة وما يفتقده من عاطفة الحب والحنان نتيجة موت عزيز عليه، حتى تدفع شكًا قد ثار حولها في القضاء الكويتي، خلال فترة من الزمن، نتيجة بعض من غموض اعترى نص المادة (23) من قانون العمل غير المشروع. وهو شك سرعان ما تبدد ليستقر القضاء الكويتي على التعويض عن الضرر الأدبي في شتى مظاهره.
وإذا كان المشروع قد أجاز التعويض عن الضرر الأدبي في شتى مظاهره، إلا أنه آثر أن يقصر التعويض عن الضرر الأدبي الناشئ عن الوفاة في نطاق الأزواج والأقارب إلى الدرجة الثانية، توخيًا للدقة والانضباط.
وتعرض المادة (232) لانتقال الحق في التعويض عن الضرر الأدبي من صاحبه إلى غيره، سواء حال الحياة، أو بعد الممات عن طريق الميراث أو الوصية، وتقرر عدم جواز هذا الانتقال، إلا إذا كان مقدار التعويض محددًا بمقتضى القانون، كما هو الشأن في التعويض عن ذات إصابة النفس حيث تستحق الدية، أو كان قد تحدد بمقتضى الاتفاق، أو كان المضرور قد طالب به أمام القضاء.
(جـ) رابطة السببية:
لا يكفي لقيام المسؤولية عن العمل غير المشروع، أن كان يقع الخطأ ويحدث الضرر، بل يلزم أن تتوافر رابطة السببية، بأن ينشأ الضرر عن الخطأ ولذلك تقرر المادة (233) عدم الالتزام بالتعويض إذا كان الضرر قد نشأ عن سبب أجنبي.
فإذا استطاع المدعى عليه في دعوى المسؤولية أن يثبت أنه، برغم وقوع الخطأ منه، إلا أن خطأه هذا ليس هو الذي أحدث الضرر، ولم يسهم في إحداثه على نحو معتبر قانونًا، وأن الضرر قد حدث لسبب أجنبي عنه يد لا له فيه، كقوة قاهرة أو حادث مفاجئ أو فعل المضرور نفسه أو فعل الغير، فإنه يكون بذلك قد أفلح في قطع رابطة السببية بين خطئه وبين الضرر، ولا يكون بالتالي ملتزمًا بالتعويض وذلك ما لم يقضِ القانون بخلافه.
وتعرض المادة (234) للحالة التي يسهم فيها خطأ المدعى عليه في دعوى المسؤولية مع خطأ المضرور نفسه في إحداث الضرر، كل منهما بنصيب معتبر قانونًا، ودون أن يستغرق أحدهما الآخر، وهي حالة جد شائعة في واقع حياة الناس.
وفي هذه الحالة تنشغل مسؤولية المدعى عليه، ولكنها لا تكون كاملة، فهي تتحدد بقدر يتناسب مع دور خطأ المدعى عليه في إحداث الضرر بالنسبة إلى دور خطأ المضرور نفسه في ذلك، فإن تعذر تحديد دور كل من الخطأين في إحداث الضرر. وزعت المسؤولية بنسبة جسامة كل منهما اعتبارًا بأنه في الأخطاء المشتركة يتناسب أثر كل منها عادة مع درجة جسامته، فإن تعذر تحديد درجة جسامة كل من الخطأين توزعت المسؤولية بالتساوي.
على أن توزيع المسؤولية نتيجة الاشتراك في الخطأ بين المسؤول والمضرور لا يسري على الدية، باعتبارها تعويضًا عن ذات إصابة النفس، فالدية، كلية كانت أو جزئية، تستحق للمضرور بمقدارها المحدد في القانون دون أي إنقاص فيها.
وقد استمد المشروع أحكامه في ذلك الشأن من قانون التجارة الكويتي (المادة 218) وقانون العمل غير المشروع الكويتي (المادة 25) ومن القوانين العربية الأخرى التي نقل عنها التشريع الكويتي.
وإذا كان الدفاع الشرعي حقًا، والمقرر أن من يستعمل حقه لا يخطئ، طالما أنه لم يتجاوز مداه ومضمونه، لأن الجواز ينافي الضمان، كما يقول فقهاء المسلمين، فإنه انطلاقًا من هذه الفكرة، تقرر المادة (235) أن من أحدث، وهو في حالة دفاع شرعي عن نفسه أو عرضه أو ماله أو عن نفس الغير أو ماله، ضررًا بمن كان يهدده بالأذى، لا يكون ملتزمًا بتعويض هذا الضرر، طالما بقي في حدود الدفاع الشرعي لم يتجاوزه، وهكذا فمن يحدث الأذى بغيره، وهو في حالة دفاع شرعي عن نفسه أو غيره، لا يُسأل مدنيًا، كما أنه لا يُسأل جنائيًا.
على أن المسؤولية لا ترتفع إلا إذا اقتصر الشخص على ما هو ضروري لدفع الأذى، من غير شطط أو إسراف، أو تجاوز إلى التشفي والانتقام، فإن تجاوز الشخص حدود الدفاع الشرعي، كان مخطئًا بقدر هذا التجاوز وحقت المسؤولية عليه.
وإذا كان الشخص الذي يتجاوز حدود الدفاع الشرعي يُعتبر مخطئًا، وتنشغل بالتالي مسؤوليته، إلا أنه معذور بعض الشيء عن خطئه. وقد أدخل المشروع ذلك في تقديره، فلم يلزم من يتجاوز حدود الدفاع الشرعي بالتعويض على نحو ما تقرره القواعد القانونية العامة، وخول للقاضي أن يحكم عليه بتعويض تُراعى فيه ظروف الحال ومقتضيات العدالة.
وقد أخذ المشروع بحكم المادة (235) عن القانون الكويتي (المادة 26 قانون العمل غير المشروع) والقوانين العربية التي سبقت إلى تقنينه، مع صياغة الحكم صياغة أدنى إلى الدقة والوضوح. وتعرض المادة (236) لحالة الضرورة، وهي الحالة التي يوجد فيها الشخص أمام خطر جسيم حال يتهدده أو يتهدد غيره سواء في النفس أو في العرض أو في المال، فيرى نفسه مضطرًا، في سبيل درئه، ومن غير أن يكون له طريق آخر أهون، إلى إتيان فعل يؤذي شخصًا ما، دون أن يكون لهذا الشخص يد في وقوع الخطر.
وقد رأى المشروع أن يجري بعض التعديلات في أحكام المسؤولية المدنية عن الضرر الذي يأتيه الشخص وهو في حالة الضرورة على نحو ما يقرره قانون العمل غير المشروع الكويتي الحالي بالمادة (27)، وتتركز هذه التعديلات في أمرين أساسيين:
الأول: قصر المشروع حالة الضرورة، باعتبارها سببًا للإعفاء أو للتخفيف من المسؤولية على حسب الأحوال، على حالة الضرر الذي يلحق المال، دون ذاك الذي يلحق النفس. وقد راعى المشروع في ذلك أن أنفس الناس مصونة، ولا يكفي للشخص منا أن يمس نفس غيره بالأذى، حتى لو كان ذلك اتقاءً لأذى يلحق نفسه هو أو نفس شخص آخر عزيز عليه، وإلا كان ذلك منه أنانية بغيضة يمقتها المجتمع ويعاديها. ثم إن أذى النفس قد يستوجب الدية، كلية كانت أو جزئية. والدية عندما تستحق، لا يعتريها نقصان. وفضلاً عن كل ذلك. فالحكم الذي أخذ به المشروع يتمشى مع الاتجاه الغالب في التشريعات المعاصرة، كالقانون البرتغالي (المادة 2396) والقانون الألماني (المادة 228) ومدونة الالتزامات السويسرية (المادة 52/ 2). وهو أكثر مسايرة للسائد في الفقه الإسلامي حيث يقتصر أثر الضرورة، أو الاضطرار إلى رفع القصاص أو المسؤولية الجنائية بوجه عام، دون أن يصل إلى أن يرفع الدية أو الضمان عن الإتلاف، وهذا ما أدى بالمجلة إلى أن تنص في المادة (33) منها على أن (الاضطرار لا يبطل حق الغير).
الثاني: علق المشروع مسؤولية محدث الضرر على شرط تعذر استيفاء المضرور ما يجبر له ضرره عن طريق دعوى الإثراء دون سبب على حساب الغير. ولهذا الحكم ما يبرره. إذ أنه يتعذر حقيقة أن ينسب الخطأ إلى من يحدث بغيره الضرر، وهو في حالة الضرورة بشروطها المتشددة. فإن أريد تحميله بالمسؤولية، فما ذلك إلا مراعاة للمضرور الذي يتمثل ضحية بريئة. فمسؤولية محدث الضرر لا تتفق مع القواعد العامة في المسؤولية عن العمل غير المشروع. فهي أقرب إلى أن تكون مسؤولية عدالة. وإذا كان ذلك كذلك، وجب ألا تقوم هذه المسؤولية إلا عندما يتعذر على المضرور أن يصل إلى جبر الضرر بسلوك الطريق الذي يتفق أكثر مع قواعد القانون، وهو ذاك المتمثل في دعوى الإثراء دون سبب على حساب الغير.
ومسؤولية من يحدث الضرر. تحت وطأة الضرورة، إذا قدر لها أن تقوم، باعتبار أنها مسؤولية عدالة، هي مسؤولية مخففة. فيثبت للقاضي إزاءها سلطة رحبة الحدود، حيث يترخص في تقدير التعويض الذي يراه مناسبًا وفقًا لظروف الحال ومقتضيات العدالة.
والأصل أن من يرتكب خطأ يتحمل مسؤوليته، حتى لو كان، في إتيانه، قد ائتمر بأمر من له عليه واجب الطاعة. ولكن المشرع شأنه في ذلك أن القانون الكويتي القائم (المادة 28 من قانون العمل غير المشروع) وغيره من قوانين بلاد عربية أخرى كثيرة، يملي استثناءً هامًا خاصًا بالموظف العام الذي ينفذ أمر القانون أو أمر رئيسه، مقررًا بالمادة (237) أنه لا يُسأل عن فعله، ولو كان في ذاته خاطئًا، طالما جاء إطاعة لأمر رئيسه حالة كونها واجبة عليه، أو أثبت أنه كانت لديه أسباب معقولة جعلته يعتقد أنها واجبة عليه، وأنه راعى في عمله جانب الحيطة والحذر. وحسب المضرور هنا أن يطلب ما يستحقه من تعويض من الرئيس الآمر، إذا كان من شأن القانون أن يشغل به مسؤوليته. والذي يحق له أن يعتصم وراء أمر رئيسه هو الموظف العام وحده، وحكمة انفراد الموظف العام بالحكم هو الرغبة في عدم تعطيل الوظيفة العامة، عن طريق تغطية مسؤولية المرؤوسين، حتى لا يحجموا عن تنفيذ أوامر رؤسائهم متى كانت في ظاهرها على الأقل صحيحة سليمة.
2 – المسؤولية عن عمل الغير:
عمد القانون المعاصر، وتبعه في ذلك قانون العمل غير المشروع الكويتي الحالي، بتأثير من القانون المصري، إلى تقرير مسؤولية الشخص في بعض الحالات، عن الضرر الناتج عن عمل غيره. وهو في ذلك يستهدف الوصول إلى نوع من العدل الاجتماعي.
ولا شك أن مسؤولية الشخص عن عمل غيره هي مسؤولية تتسم ببعض المخالفة للقواعد القانونية العامة. ومن ثم فهي لا تكون إلا في الحالات التي يحددها القانون، وهي حالات تعتبر واردة فيه على سبيل الحصر، اعتبارًا بأنها استثنائية. ولا يصح التوسع في تلك الحالات ولا القياس عليها.
وقد أورد المشروع، شأنه في ذلك شأن القانون الكويتي القائم، وشأن القانون المصري، حالتين أساسيتين لمسؤولية الشخص عن عمل الغير، وهما مسؤولية من تجب عليه الرقابة، أو المكلف بالرقابة، عن عمل الخاضع لرقابته، ومسؤولية المتبوع عن فعل التابع، وأضاف إليهما مسؤولية الشخص عما يُلقى أو يسقط من مكان يشغله، اعتبارًا بأنها قد تتمثل في بعض الأحيان مسؤولية عن فعل من يتواجدون في المكان.
والمشروع إذ يقرر المسؤولية عن فعل الغير في هذا الحالات الثلاث، استهدف إتاحة الفرصة للمضرور في أن يستوفي التعويض الذي يجبر له ضرره، في حالات يغلب أن يكون المسؤول الأصلي غير مقتدر على أدائه، وهو إذ يستهدف تحقيق هذا الغرض النبيل لا يبتعد كثيرًا عن المبدأ الذي يقول به الفقه الإسلامي، فهو إن جعل المكلف بالرقابة أو المتبوع مسؤولاً عن التعويض في مواجهة المضرور، إلا أنه يجعل الخاضع للرقابة أو التابع هو المسؤول الأصلي عنه، حتى إذا ما قام أحد الأولين بأدائه، كان له أن يرجع به كاملاً على خاضعه أو متبوعه، ويسري نفس الحكم في حالة المسؤولية عن إلقاء أو سقوط الأشياء من المسكن أو نحوه، إذا أمكن معرفة من ألقاها أو أسقطها، وهكذا فالمسؤولية عن فعل الغير لا تعدو أن تكون مسؤولية ضمان، لا أكثر.
وتعرض المادة (238) لمسؤولية المكلف بالرقابة عن عمل الخاضع لرقابته، وترسي فقرتها الأولى الأصل العام، مقررة أن كل من يجب عليه قانونًا أو بمقتضى الاتفاق رقابة شخص في حاجة إلى الرقابة، بسبب قصره أو بسبب حالته العقلية أو الجسمية، يكون ملزمًا، في مواجهة المضرور، بتعويض الضرر الذي يحدثه ذلك الشخص بعمله غير المشروع. وتقرر الفقرة الثانية أن القاصر يعتبر في حاجة للرقابة، طالما أنه لم يبلغ الخامسة عشرة من عمره، أو بلغها وكان يعيش في كنف القائم على تربيته، حيث يستمر في حاجة إلى الرقابة إلى أن يبلغ رشده. وتقرر الفقرة الثالثة أن الرقابة على القاصر تنتقل إلى المعلم في المدرسة أو المشرف في الحرفة.
وتعرض الفقرة الرابعة للزوجة القاصر، وتقرر أنها تكون خاضعة لرقابة زوجها الذي يُسأل بالتالي عن الضرر الناجم عن فعلها، وذلك إن كان الزوج رشيدًا عاقلاً. فإن لم يكن كذلك، ثبتت الرقابة على الزوجة القاصر لمن تكون له الرقابة على الزوج نفسه.
ومسؤولية المكلف بالرقابة عن عمل الخاضع لرقابته تقوم في أساسها على افتراض وقوع خطأ من الأول في تربية الثاني وتوجيهه ورقابته والإشراف عليه. وهي من بعد قرينة بسيطة، إذ يجوز للمكلف بالرقابة أن يدحضها بإثبات أنه قام بواجب الرقابة على نحو ما ينبغي. فإن أفلح في إقامة الدليل على ذلك أزاح المسؤولية عن كاهله، لانتفاء الخطأ عنه، ثم إن المكلف بالرقابة يستطيع كذلك أن يزيح عن نفسه المسؤولية بإقامته الدليل على أن الضرر كان لا بد واقعًا، حتى لو أنه قام بواجب الرقابة على نحو ما ينبغي، إذ أنه بذلك يصل إلى هدم رابطة السببية بين خطئه في الرقابة وبين الضرر. وقد استوحى المشروع نص المادة (238) من قانون العمل غير المشروع الكويتي (المادة 13)، ومن القانون المصري (المادة 173)، وإن كان قد أجرى بعد تعديلات في الصياغة، اقتضتها الملاءمة.
وتستحدث المادة (239) حكمًا جديدًا في القانون الكويتي، حيث تقضي بحلول مسؤولية الدولة أو أصحاب المدارس أو المعاهد غير التابعة لها، على حسب الأحوال، محل مسؤولية المعلم المقررة بمقتضى المادة (238)، والقائمة على افتراض وقوع خطأ منه في رقابة التلميذ وتوجيهه والإشراف عليه، وإن كان هذا الحكم قد سبق وتقرر من قبل، بالنسبة إلى معلمي الدولة في فرنسا. حيث صدر في 5 إبريل سنة 1937، قانون يقرر حلول مسؤولية الدولة محل مسؤولية المعلم الحكومي، في الحالة التي يثبت فيها عليه الخطأ في رقابة تلاميذه، وحرمت على المضرور مقاضاة المعلم، وقد حذا المشرع اللبناني (المادة 26) والمشرع المغربي (الفصل 85) حذو صنوهما الفرنسي.
وقد ارتأى المشروع أن يأخذ بمبدأ حلول الدولة وغيرها من أصحاب المدارس والمعاهد غير التابعة لها، محل مسؤولية المعلم. وقد راعى في ذلك عدم إبهاظ المعلمين بمسؤولية ثقيلة لا يتحملها غيرهم من باقي الموظفين. بل إن مسؤولية المعلم تتمثل، في واقع الأمر، أشد ثقلاً من مسؤولية غيرهم من المكلفين بالرقابة، حتى الآباء أنفسهم. ذلك أن أمام المعلم من التلاميذ عشرات وعشرات يجتمعون معًا، وهم من بعد في سن شديد الصعوبة.
على أن المشروع لم يساير القانون الفرنسي وغيره من القوانين التي سارت على نهجه في مبدأ الحلول محل مسؤولية المعلم على إطلاقه. فقد وسع فيه من وجه. وضيق فيه من وجه آخر. فقد وسع فيه من ناحية أنه جعله شاملاً المعلم الحكومي وغير الحكومي. إذ أن أنه لا يوجد مبرر للتفريق بينهما.
أما التضييق، فيتمثل في قصر الحلول محل مسؤولية المعلم على تلك المسؤولية القائمة على افتراض وقوع خطأ منه، باعتباره مكلفًا بالرقابة على نحو ما تقرره المادة (238). أما المسؤولية القائمة على خطأ ثابت وفق ما تقتضيه القواعد العامة، فتبقى مسؤولية المعلم قائمة، وإن تواجدت إلى جانبها مسؤولية الدولة أو غيرها من أصحاب المدارس والمعاهد غير التابعة لها، باعتبارها متبوعة تسأل عن تابعها.
ويعرض المشروع في المادة (240) لمسؤولية المتبوع عن الضرر الناجم عن فعل التابع، ويقرر قيام هذه المسؤولية لمصلحة المضرور، إذا كان فعل التابع يتمثل منه عملاً غير مشروع، من شأنه أن يشغل مسؤوليته هو، وبشرط أن يكون قد وقع منه في أداء وظيفته، أو بسبب هذه الوظيفة. وقد استوحى المشروع نص المادة (240) بفقرتيها من المادة (14) من قانون العمل غير المشروع الكويتي الحالي، الذي استمد بدوره حرفيًا من المادة (174) مصري ولكنه أدخل تعديلات هامة في الصياغة توخيًا للدقة والانضباط. فقد حرص المشروع، في الفقرة الأولى، على أن يصرح بأن مسؤولية المتبوع تقوم في مواجهة المضرور، دفعًا لمظنة المشاركة في الغرم النهائي للمسؤولية بين المتبوع والتابع.
وحرص المشروع كذلك على أن يتطلب، لقيام مسؤولية المتبوع أن يكون العمل غير المشروع قد وقع من التابع (في أداء وظيفته أو بسببها)، بدلاً من عبارة النص الحالي القائلة بوقوع ذلك العمل (حال تأدية الوظيفة أو بسببها)، فالعبرة ليست بزمن أداء الوظيفة في ذاته، وإنما هي في وجود علاقة ارتباط أو سببية بين وظيفة التابع وبين عمله غير المشروع، بحيث يكون العمل متصلاً بالوظيفة غير أجنبي عنها. ثم إن عبارة (حال تأدية الوظيفة) جاءت نتيجة ترجمة غير دقيقة للعبارة التي تقابلها في القانون الفرنسي، وانتقلت منه إلى قوانين البلاد العربية الأخرى التي استوحته ومن بينها قانون العمل غير المشروع الكويتي الحالي.
وقد حرص المشروع، في النهاية، على أن يذكر، في الفقرة الثانية أن رابطة التبعية تقوم (متى كان من شأن المهمة المكلف بها التابع أن تثبت للمتبوع سلطة فعلية في رقابته وتوجيهه) فليس من اللازم أن يكون للمتبوع سلطة فعلية يباشرها على تابعه في حاصل الأمر وواقع الحال متى كان من طبيعة التابع أو المهمة التي أنيطت به، أن تكون للمتبوع عليه هذه السلطة، باشرها بعد ذلك أم لم يباشرها، بل حتى لو كان، بسبب ظروف خاصة، غير قادر على أن يباشرها.
ومسؤولية المتبوع ترجع، في أساسها، إلى قيام المسؤولية على التابع. فكلما انشغلت مسؤولية التابع، باعتباره كذلك، نتيجة عمله غير المشروع، الذي وقع منه في أداء وظيفته أو بسببها قامت إلى جانب مسؤوليته هذه مسؤولية المتبوع.
ومسؤولية المكلف بالرقابة عن عمل الخاضع لرقابته ومسؤولية المتبوع عن فعل تابعه، إذا ما قامتا وفقًا لما تقضي به المادتان (238 و240) من المشروع، لا تجبان مسؤولية الخاضع للرقابة أو مسؤولية التابع فمسؤولية الشخص عن عمل غيره تأتي لتضاف إلى مسؤولية هذا الغير نفسه، دون أن تجبها أو تستغرقها أو تتمثل بديلة عنها، وهكذا يرى المضرور نفسه وقد انفتح له الخيار في أن يرجع بالتعويض كاملاً على المسؤول عن عمل غيره (المكلف بالرقابة أو المتبوع) وإما على هذا الغير نفسه (الخاضع للرقابة أو التابع) بشرط ألا يأخذ التعويض عن ذات الضرر إلا مرة واحدة بطبيعة الحال.
وقد جاءت المادة (241) لتقرر أنه إذا دفع المكلف بالرقابة أو المتبوع التعويض للمضرور حق له أن يرجع به كاملاً على الخاضع للرقابة أو التابع، وغني عن البيان أنه إذا كان الخاضع للرقابة أو التابع هو الذي أدى التعويض للمضرور فإنه لا يرجع بشيء ما على المكلف بالرقابة أو المتبوع اعتبارًا بأن مسؤولية هذا الأخير لا تعدو أن تكون مسؤولية ضمان وقد استوحى المشروع حكم المادة (241) من قانون العمل غير المشروع (المادة 15) ومصادره من القوانين العربية مع تعديل أحكم في الصياغة.
ويعرض المشروع في المادة (242) للمسؤولية عن نوع من الأضرار ينجم عن إلقاء أو سقوط الأشياء من المساكن أو غيرها من الأماكن المشغولة لأغراض أخرى من تجارة أو صناعة أو مباشرة مهنة أو حرفة أو نحو ذلك. وهو يحمل بهذه المسؤولية من يشغل المكان.
وليس يقصد بمن يشغل المكان من يتواجد فيه، ولكن يقصد به من يمكن اعتباره سيده، فرب الأسرة مثلاً، هو الذي يُسأل، في مواجهة المضرور، عما يحدث من ضرر نتيجة سقوط أو إلقاء الأشياء من المسكن، أما غيره ممن يقيمون معه في المنزل من زوجة أو ولد أو خدم أو غيرهم أو ممن يتواجدون فيه من زوار أو عمال أو نحوهم، لا يسألون إلا وفقًا للقواعد العامة في المسؤولية التي تقتضي قيام المضرور بإثبات وقوع الخطأ منهم.
والمسؤولية التي تقررها المادة (242) من المشروع تتميز بأنها قد تكون مسؤولية عن فعل الشخص نفسه أو عن فعل غيره ممن يتواجدون في المكان، فهي مسؤولية إما عن عمل النفس أو عن عمل الغير، فإن ثبت أنها عن عمل هذا الغير، فعندئذٍ تتمثل مسؤوليته مسؤولية ضمان، شأنها في ذلك شأن مسؤولية المكلف بالرقابة عن فعل خاضعه ومسؤولية المتبوع عن فعل تابعه.
وغني عن البيان أن المسؤولية التي تقررها المادة (242) لا تقوم إلا عن الضرر الناجم من الأشياء التي تُلقى أو تسقط من المسكن أو نحوه. فهي لا تقوم عن الضرر الناجم عن سقوط أجزاء البناء، كنوافذه أو أحجاره أو زجاجه.
وتقوم مسؤولية رب المكان عما يُلقى أو يسقط منه ما لم يثبت أن ذلك راجع لسبب أجنبي عنه لا يد له فيه من قوة قاهرة أو حادث مفاجئ أو فعل المضرور أو فعل الغير. وقد استوحى المشروع حكم المادة (242) من المادة (246) من مشروع تنقيح القانون المدني المصري، والمادة (18) من قانون العمل غير المشروع الكويتي الحالي، والمادة (230) مدني عراقي، والمادة (1910) إسباني، والمادة (150) من القانون البولوني، والمادة (1529) من القانون البرازيلي.
على أن المشروع أدخل على صياغة هذه النصوص تعديلات ثلاثة جوهرية. فمن ناحية أولى، خالف المشروع قانون العمل غير المشروع الكويتي الحالي والقانون العراقي، حيث يجعل سبيل خلاص رب المكان من المسؤولية هو السبب الأجنبي وحده، اعتبارًا بأن هذه المسؤولية لا ينبغي أن تقل عن تلك الناجمة عن الأشياء الخطرة المقررة بمقتضى المادة (243) من المشروع.
ومن ناحية ثانية، خالف المشروع القوانين السابقة كلها، حيث لم يقصر مثلها المسؤولية على ساكن المكان، وإنما عممها على كل من يشغله لأغراض أخرى، وهو بذلك يتفادى عيبًا لم يفت الفقه الكويتي أن يبرره. ومن ناحية ثالثة، صرح المشروع بإعطاء رب المكان الحق في الرجوع بما يدفعه للمضرور من تعويض على من يفلح في إثبات أن الشيء قد أُلقي أو وقع بخطئه.
3 – المسؤولية عن الضرر الناجم عن الأشياء:
يعالج قانون العمل غير المشروع المسؤولية عن الحيوان وعن النبات وعن الأشياء التي تتطلب حراستها عنايةً خاصةً كلاً منها على حدة ويخصها بحكم على استقلال (المواد 16 و17 و18) متأثرًا في ذلك بالقوانين العربية التي اتخذها مصدرًا له.
بيد أن المسؤولية عن ضرر الحيوان، في القانون المعاصر، تكاد أن تندمج تمامًا، في المسؤولية عن الضرر الناجم عن الأشياء بوجه عام، حتى باتت التفرقة في هذا المجال بين الأشياء الحية والأشياء غير الحية أي الجمادات، غير ذات موضوع.
أما المسؤولية عن انهدام البناء، فإن لم يكن الفكر القانوني في مجموعه قد وصل بها إلى حد الإدماج في المسؤولية عن الأشياء بوجه عام، بسبب وجود نصوص تشريعية تخصها بأحكام معينة، فقد ضيق من نطاقها إلى حد كبير، ليترك المجال للمسؤولية عن الأشياء لتؤدي دورها البالغ في إضفاء الحماية على المتضررين من البناء، بسبب آخر غير انهدامه، وعلى الأخص أولئك الذين ينالهم الضرر في حوادث المصاعد ونحوها، وهو أمر بات يتمثل مجافيًا مع المنطق، حيث أن المسؤولية عن الضرر الناجم بفعل المصعد، بل وعن كافة الأضرار الأخرى الناجمة عن البناء في غير ما نشأ منها عن انهياره وانهدامه، أصبحت أشد وقرًا من تلك الناجمة عن انهدام البناء ذاته، وإذا كان أصل هذا التجافي مع المنطق يرجع إلى نصوص في التشريع، وهي من بعد نصوص عتيقة تجاوزها الزمن، فقد آن له أن يُقتلع عن جذوره.
ولقد حرص المشروع على أن يساير آخر ما وصل إليه الفكر القانوني المعاصر، مزيلاً كل العقبات التشريعية التي تقف أمامه. وهذا ما دعاه إلى أن يركز المسؤولية عن الضرر الناجم بفعل الأشياء كلها في نص واحد، عقارات كانت أم منقولات، حيوانات كانت أم جمادات، بناءات كانت أم غير بناءات، وإن اشترط فيها جميعًا أن تكون من الأشياء التي يُخشى على الناس أذاها، والتي تتطلب لذلك عناية خاصة ممن يتولى أمرها ويسيطر عليها. فيعرض المشروع في المادة (243) للمسؤولية عن الضرر الناجم بفعل الأشياء الخطرة، وهي تلك التي تتطلب عناية خاصة لمنع وقوع الأذى منها للناس في أرواحهم أو أموالهم.
وهو في تقريره هذه المسؤولية، لا يفرق بين الأشياء حسب طبيعتها من الحركة أو من الثبات أو من الحياة أو من الموت. فحسب الشيء لكي تثبت المسؤولية عن الضرر الناجم عنه أن يكون نتيجة ذات طبيعته أو وضعه، مما يتميز بالخطورة، من حيث أنه يعرض الناس للخطر في أرواحهم أو في أموالهم، وسواء بعد ذلك أن يكون منقولاً أم عقارًا، حيًا أم جمادًا، بناءً أم غير بناء. وإذا كان المشروع قد جاء، في الفقرة الثانية من المادة (243) يخص بالذكر أشياء معينة على اعتبار أنها تتسم بالخطورة وتتطلب لذلك عناية خاصة لمنع وقوع الأذى منها، فما ذلك إلا على سبيل التمثيل لا الحصر، مراعاةً منه أن هذه الأشياء هي التي تحدث في واقع حياة الناس أكثر ما يلاقونه من صروف الأذى.
وقد ارتأى المشروع أن يركز المسؤولية عن الأضرار الناجمة عن الأشياء الخطرة في نص واحد، ليوحد الحكم فيها، دون اعتبار لطبيعتها أو لكيفية وقوع الضرر منها. وهو بهذه المثابة يسوي في الأثر بين الضرر الناجم بفعل الحيوان، وبين الضرر الناجم بفعل الآلات وغيرها من الجمادات، وبين الضرر الواقع بسبب البناء، من جراء سقوطه أو غير ذلك من بقية أخطاره. وقد حدا بالمشروع إلى ما فعله ما لاحظه من أن التفريق في الحكم بحسب ما إذا كان الضرر ناجمًا بفعل الحيوان أو البناء أو غير ذلك من كافة الأشياء الخطرة الأخرى، لا يرجع إلا لاعتبارات تاريخية فقدت اليوم المبرر والمسوغ، الأمر الذي دعا الفكر القانوني المعاصر إلى أن يعمد إلى نبذه.
وقد آثر المشروع أن يساير الفكر القانوني المعاصر، الذي سبق المشرع الكويتي أن التزمه في قانون العمل غير المشروع الحالي، فجعل المسؤولية عن الضرر الناجم بفعل الأشياء على حارسها. فالحراسة وليست الملكية، هي مناط المسؤولية، وإن كان يُفترض في مالك الشيء أنه حارسه، ما لم يقم الدليل على غيره. والمقصود بالحراسة على الشيء هو السيطرة الفعلية عليه التي تمكن صاحبها من الهيمنة والتسلط عليه لحساب نفسه، بحيث يكون زمامه في يديه، ولو لم تستند إلى أساس من القانون، وإنما قامت من حيث الأمر الواقع فحسب.
وتبقى الحراسة على الحيوان ثابتة لمن له السيطرة الفعلية عليه حتى لو ضل أو تسرب، وذلك حتى يتسلط عليه شخص آخر غيره، ويسيطر عليه لحساب نفسه. وتُلزم المسؤولية حارس الشيء عن الضرر الناجم عن فعله، ما لم يثبت أنه قد حدث بسبب أجنبي عنه لا يد له فيه، ولم يكن له من سبيل إلى تفاديه، من قوة قاهرة، أو حادث مفاجئ أو فعل المضرور أو فعل الغير.
ويعرض المشروع في المادة (244) للحالة التي يكون فيها الشخص مهددًا بضرر يأتيه من شيء معين يملكه أو يسيطر عليه غيره. وفي مثل هذه الحالة، يتعذر القول بقيام المسؤولية عن العمل غير المشروع، ومع ذلك فالخير يكون في درء هذا الضرر قبل وقوعه.
وفي سبيل درء الضرر الذي يتهدد الناس من شيء معين، يقرر المشروع لك شخص ممن يكونون تحت طائلة الخطر الحق في أن يطالب مالكه أو حارسه، باتخاذ ما يلزم من التدابير لمنع وقوع الأذى منه، اعتبارًا بأن كلاً من مالك الشيء أو حارسه يتحمل بالتزام يفرضه القانون عليه بعدم تعريض الناس للخطر في أرواحهم أو أموالهم من الأشياء التي يملكونها أو يسيطرون عليها لحساب أنفسهم. فإن لم يقم مالك الشيء أو حارسه، في وقت مناسب، باتخاذ ما يلزم من التدابير لدرء خطر الشيء، جاز لمن يتهدده أذاه، أن يحصل على ترخيص من القضاء في إجرائها بنفسه على حساب مالكه أو حارسه، على أن يتحملا بنفقتها متضامنين. ولا محل لإذن القاضي في حالة الاستعجال.
وقد استوحى المشروع حكم المادة (244) من القانون المصري (المادة 177/ 2) والقوانين العربية الأخرى التي سارت على نهجه ومن بينها قانون العمل غير المشروع الكويتي (المادة 17/ 2). وإذا كان المشروع في إيراده المادة (244) قد استوحى القوانين السابقة، إلا أنه أدخل في سبيلها تعديلات جوهرية، وذلك من حيث الصياغة والمضمون، وتتركز هذه التعديلات في نواحٍ ثلاث:
الأولى: عمم المشروع فكرة تمكين الناس من درء الخطر الذي يتهددهم من الأشياء، فلم يقصرها على البناء، كما هو الشأن في القانون الكويتي الحالي وغيره من كافة القوانين الأخرى، فليس لانفراد البناء بالحكم أي مبرر، إذ أنه يمكن لغيره من الأشياء، أيًا ما كان نوعها أو طبيعتها، أن تهدد بدورها الناس بالخطر، كشجرة مائلة تنذر بالوقوع، أو كلب شرس لم يحكم صاحبه طريق الوقاية من أذاه.
الثانية: لم يقف المشروع عند حد جعل الالتزام باتخاذ التدابير اللازمة لدرء ضرر الشيء على مالكه، وإنما جعله أيضًا على حارسه، في الأحوال التي يكون فيها الحارس غير المالك، فكون الالتزام يثقل المالك وحده لا يعدو أن يكون أثرًا لفكرة قديمة تجاوزها الزمن، مؤداها أن المسؤولية عن ضرر الشيء تقع على مالكه، في حين أنها أصبحت اليوم على حارسه. فطالما أن حارس الشيء أصبح هو الذي يتحمل بالمسؤولية عما ينجم عنه من ضرر، وجب أن يتحمل بالالتزام باتخاذ التدابير التي من شأنها أن تمنع حدوث هذا الضرر منه. ومع ذلك فقد ارتأى المشروع أن يثقل أيضًا بالالتزام كاهل المالك إلى جانب الحارس، وهو بعد ذلك وشأنه مع هذا الأخير، وقد دعاه إلى ذلك ما لاحظه من أنه قد تتعذر معرفة الشخص الذي تكون له حراسة الشيء، في وقت لا يحتمل الكثير من التأخير.
الثالثة: أعفى المشروع الشخص الذي يتهدده الخطر، في حالة الاستعجال، من الحصول على إذن القاضي في اتخاذ ما يلزم من التدابير اللازمة لدرئه على نفقة حارسه ومالكه، تحقيقًا للمصلحة من وجه، وتمشيًا مع القواعد العامة في التنفيذ العيني للالتزام من وجه آخر.
ثانيًا: تعويض الضرر عن العمل غير المشروع:
ترسي المادة (245) الأصل العام بالنسبة إلى من يتولى تحديد التعويض في طبيعته ومداه، وتُلقي هذه المهمة على القاضي، إذا لم يتفق صاحبا الشأن – وهما المضرور والمسؤول على تحديده بنفسيهما. فلا يوجد ثمة ما يمنع من أن يتفق المضرور والمسؤول على التعويض في طبيعته ومداه. فمثل هذا الاتفاق يقع صحيحًا، بشرط أن يجيء بعد قيام المسؤولية، لا قبله.
وتعرض المادة (246) لطبيعة التعويض الذي يحكم به القاضي، مقررة في الفقرة الأولى، أنه يكون بالنقد. على أن تقدير التعويض بالنقد لا يمنع القاضي من أن يستجيب لطلب المضرور في أن يكون التعويض عينيًا، كلما كان ذلك ممكنًا، فالتعويض العيني هو الأصل. وإن قام التعويض النقدي عنه بديلاً، فما ذلك إلا لأنه يقع متعذرًا في الغالب من الحالات. فإن تيسر وطالب المضرور به، جاز للقاضي أن يستجيب للمضرور، فيحكم له بأي أداء يكون من شأنه أن يصل به إليه، كأن يحكم له بإلزام المسؤول برد الشيء إلى أصله، أو أن يؤدي له عين ما غصبه منه أو شيئًا آخر يماثله أو أن ينشر في الصحف ما يكون من شأنه أن يعلم الناس بعدم صدق ما نسبه إليه، ردًا لاعتباره.
وتعرض المادة (247) لمدى التعويض الذي يحكم به القاضي وهي تقرر، في الفقرة الأولى، أن القاضي يقدر التعويض في مداه بالقدر الذي يراه جابرًا للضرر، وفق ما تحدده المادتان (230 و231). فمقدار التعويض يتحدد بقدر ما لحق المضرور من خسارة وما فاته من كسب، إذا كان ذلك نتيجة طبيعية للعمل غير المشروع، بأن لم يكن في المقدور تفاديهما ببذل الجهد المعقول الذي تقتضيه ظروف الحال من الشخص العادي، وسواء بعد ذلك أن يكون الضرر ماديًا أو أدبيًا. فإذا لم يتيسر للقاضي، عند الحكم، أن يحدد مدى الضرر بصفة نهائية، فإنه يجوز له، وفق ما تقضي به الفقرة الثانية، أن يحكم للمضرور بالتعويض عما تحقق بالفعل من عناصر الضرر، ويحتفظ له بالحق في أن يطالب مستقبلاً، في خلال مدة يحددها، بإعادة النظر في التقدير، ليشمل التعويض العناصر الأخرى التي يمكن لها أن تتحقق في تاريخ لاحق. ويعرض المشروع، في المواد (248 إلى 251) للتعويض عن ذات إصابة النفس، مما تستحق عنه الدية وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية.
وتأتي المادة (248) لتقضي بأن هذا التعويض يتحدد بمبلغ جزافي يقدره القاضي سلفًا، وهو ما يتمثل في الدية الشرعية نفسها. والمشروع إذ يفعل ذلك، يخالف الأصل العام المقرر في القانون المعاصر المتمثل في ترك تحديد مقدار التعويض للمحكمة، لينحو منحى الفقه الإسلامي القاضي بأن يكون التعويض بقدر الدية، كاملة كانت أم في جزء منها. وهو عين الحكم الذي يقرره قانون تنظيم الالتزامات الناشئة عن العمل غير المشروع الكويتي الحالي (المادة 21)، ولم يرَ المشروع إلا أن يلتزمه ويسايره.
والتعويض عن ذات إصابة النفس يتحدد بالدية طبقًا لأحكام الشريعة الإسلامية، وحاصل هذا، بادئ ذي بدء، أن ذاك التحديد لا يكون إلا حيثما تكون إصابة النفس مما يمكن أن تقوم عنها الدية أو الأرش، وفق ما تقضي به أحكام الشرع الإسلامي، وينص عليه جدول الديات الصادر بمرسوم، فإن التعويض عنها يكون وفق ما يقدره القاضي حسب ما يراه جابرًا للضرر، ويتفق هذا الحكم مع ما يقول به الفقه الإسلامي من أن في قطع الأعضاء والجراح التي تصيب الإنسان فتنقص من المنفعة أو الجمال، والتي لا يوجد فيها قصاص، وليس لها دية أو أرش مقدر شرعًا، تجب غرامة متروكة لتقدير القاضي، وتسمى حكومة العدل، مثال ذلك كسر غير السن من العظام وما كان بسيطًا من الخدوش والجراح وقد آثر المشروع أن ينحو نحو قانون تنظيم الالتزامات الناشئة عن العمل غير المشروع القائم، فلا يفرق في استحقاق الدية، باعتبارها تعويضًا عن ذات إصابة النفس، لجنس أو لسن أو لدين أو لجنسية أو لأي اعتبار آخر. فالناس كلهم في ذلك سواسية: المرأة كالرجل، والصغير كالكبير، والعظيم كالبسيط، والذمي كالمسلم، والعربي كغير العربي، والمشروع إذ يخالف في ذلك بعض ما ورد في أقوال فقهاء المسلمين، حين فرقوا في مقدار الدية بسبب الذكورة والأنوثة والدين والحرية، إلا أنه قد أدخل في اعتباره ما أخرجه البيهقي عن الزهري من أن دية النصراني واليهودي كانت مثل دية المسلم في زمن النبي وأبي بكر وعثمان، وأنها لم تنقص إلى النصف إلا في عهد معاوية، حيث أُخذ نصفها الآخر لبيت المال، ثم إنه قد روى عن ابن عليه وأبي بكر الأصم أنهما قالا: بخلاف رأي الجمهور، أن دية المرأة كدية الرجل مستندين إلى قول الرسول: (في النفس المؤمنة مائة من الإبل) دون تفرقة بين الرجل والمرأة.
والدية لا تتمثل تعويضًا إلا عن ذات إصابة النفس، وهي بهذه المثابة لا تمنع من التعويض، وفق ما يقدره القاضي، من كافة عناصر الضرر الأخرى، إن تواجدت كالضرر الناشئ عن القعود عن الكسب وفقد العائل ومصروفات العلاج والآلام حسية كانت أم نفسية، وغير ذلك كله من كافة صروف الأذى التي تلحق الناس في أنفسهم أو في أموالهم، وقد حرصت المادة (248) على أن تبرر هذا الحكم دفعًا لأية مظنة. وتقرر المادة (249) أن الدية لا تدخل في الضمان العام لدائني المستحق، ما بقيت مستحقة له على من يلتزم بأدائها، وقد راعى المشروع في ذلك أن الدية تستحق إما عن إزهاق الروح، وإما عن إصابة تلحق الجسد، وهي بهذه المثابة تستحق عن أمور محض شخصية، فلا ينبغي أن يُسمح للدائنين أن تمد يدهم إليها، ابتغاء استيفاء ديونهم منها، طالما أنها لم تدفع بعد إلى مستحقها، ويترتب على إخراج الدية من الضمان العام المقرر للدائنين، طالما بقيت مستحقة لم تدفع، أن هؤلاء لا يستطيعون الحجز عليها لدى الملتزم بها، ولا أن يطالبوه بها باسم مدينهم ونيابة عنه بمقتضى الدعوى غير المباشرة، أما إذا دفعت الدية بالفعل لمن يستحقها، فإنها تختلط بأمواله، وتدخل بذلك في الضمان العام لدائنيه.
وتظهر أهمية الحكم الذي تقرره المادة (249) على وجه الخصوص، في حالة استحقاق الدية عن إزهاق الروح، حيث تتمثل تركة يتقاسمها الورثة دون أن يكون لدائني المصاب أن يستوفوا منها ديونهم. وتقضي المادة (250) بأن الدية التي تستحق عن فقد النفس تعتبر تركة يتقاسمها الورثة وفقًا لأنصبائهم الشرعية، وهو الحكم الذي يقول به الفقه الإسلامي، اعتبارًا بأن الدية المستحقة للمتوفى عن وفاته تدخل في ماله، وقد سبق لقانون تنظيم الالتزامات الناشئة عن العمل غير المشروع أن ساير هذا الحكم (المادة الأولى)، ولم يشأ المشروع إلا أن يلتزمه.
ويأتي المشروع في المادة (251) ليعرض لمقدار الدية، محددًا إياه بعشرة آلاف دينار. وإذا كان الأصل في الدية أنها تتحدد وفق أحكام الشرع الإسلامي بمائة من الإبل، فليس يوجد في ظل هذا الشرع الأغر، ثمة ما يمنع أن يتحدد مقدارها بالنقود.
وقد أجاز المشروع تعديل مقدار الدية النقدي الذي حدده بغية إتاحة الفرصة في التمكين من جعله متمشيًا دومًا مع مستوى الأسعار. وتعديل مقدار الدية النقدي مبدأ مسلم في الفقه الإسلامي، ودليل ذلك ما روي من أن الدية كانت في عهد الرسول، عليه أفضل صلوات الله، ثمانمائة دينار أو ثمانية آلاف درهم، وأنها بقيت كذلك حتى استخلف عمر، فرأى أن أثمان الإبل قد ارتفعت، فزاد الدية إلى ألف دينار أو اثني عشر ألف درهم (المهذب ج 2 ص 210) وقد آثر المشروع أن يجعل تعديل مقدار الدية بمرسوم، توخيًا للسرعة واليسر في إجرائه.
وقد أجاز المشروع، في الفقرة الثانية من المادة (251) أن يصدر بمرسوم جدول للديات وفق أحكام الشرع الإسلامي، تتحدد بمقتضاه حالات استحقاق الدية كليًا أو جزئيًا. وقد آثر أن يسلك هذا السبيل لما لاحظه من أن الأمر يستدعي تفصيلات يضيق عنها القانون. وتعرض المادة (252) للصورة التي يمكن للقاضي أن يحكم بأن يؤدي المسؤول التعويض عليها. فإلى جانب الصورة العادية التي يجيء عليها أداء الحكم بالتعويض، والمتمثلة في إلزام المسؤول بأدائه فورًا ومنجزًا، فإنه يسوغ للقاضي أن يحكم بأداء التعويض على أقساط معينة يحددها. كما أن له أن يحكم بأداء التعويض على هيئة إيراد يرتب للمضرور لمدة معلومة أو لمدى الحياة.
وإذا حكم القاضي بأن يكون أداء التعويض على أقساط أو في صورة إيراد مرتب، فإنه يجوز له، إذا رأى لذلك مقتضيًا، أن يحكم بإلزام المسؤول بتقديم تأمين كافٍ يضمن للمضرور استيفاء ما أجل من التعويض. وتواجه المادة (253) المدة التي ينبغي أن ترفع خلالها دعوى المسؤولية عن العمل غير المشروع، وهي ترسي، في الفقرة الأولى، الأصل العام المتمثل في وجوب رفع تلك الدعوى خلال ثلاث سنوات تبدأ من وقت علم المضرور بالضرر الحاصل له وبمن يجعله القانون مسؤولاً عن تعويضه، أو خلال الخمس عشرة سنة التالية لوقوع العمل الضار، أي المدتين أقصر. فإذا لم تُرفع الدعوى خلال أي من هاتين المدتين الأقصر وبعبارة أخرى أي من هاتين المدتين تنقضي أولاً، فإنها تسقط إذا تمسك بذلك المسؤول بطبيعة الحال.
وتورد المادة (253) في فقرتها الثانية، استثناء على الأصل العام الذي تقرره في فقرتها الأولى في صدد دعوى المسؤولية عن العمل غير المشروع الذي يتمثل في نفس الوقت جريمة جنائية، قاضية بارتباط المسؤولية المدنية بالمسؤولية الجنائية في هذه الحالة، بحيث تبقى الأولى ما بقيت الثانية قائمة، حتى لو انقضت المدة المحددة لها بحسب الأصل. والحكم الذي يقرره المشروع، في المادة (253) يتفق في مجموعه مع ما تقضي به المادة (32) من قانون الالتزامات الناشئة عن العمل غير المشروع الحالي، وإن كان المشروع قد أدخل عليها بعض التعديلات في الصياغة والمضمون اقتضتها الملاءمة.
ويعرض المشروع في المادة (254) لاتفاقات الإعفاء من المسؤولية عن العمل غير المشروع، مقررًا بطلانها، سواء أكان الإعفاء كليًا أم جزئيًا، كلما كان الاتفاق حاصلاً قبل قيام المسؤولية ذاتها، وهو في ذلك ينحو منحى القانون المصري (المادة 217/ 3) وغيره من قوانين البلاد العربية الأخرى التي سارت على نهجه، ومن بينها قانون التجارة الكويتي (المادة 219/ 3).
على أن الذي يبطل هو الاتفاق الذي يُعفى كليًا أو جزئيًا من المسؤولية عن العمل غير المشروع والذي يبرم قبل قيامها. فإن جاء الاتفاق بعد قيام المسؤولية بالفعل، فإنه يقع صحيحًا لأنه، في مثل هذه الحالة، لا يعدو أن يكون نزولاً من المضرور كليًا أو جزئيًا عن حقه في التعويض بعد وجوده، والنزول عن الحق بعد قيامه يقع صحيحًا، طالما توافرت فيه الشروط التي تقتضيها القواعد القانونية العامة.
الفرع الثاني – ضمان أذى النفس:
المواد (255 – 261):
يستهدف المشروع بالأحكام التي يوردها في باب ضمان أذى النفس، الحفاظ على الدم المسفوك من أن يضيع هدرًا، بحيث يضمن للمصاب دمه، في الأحوال التي تقعد فيها أحكام المسؤولية عن العمل غير المشروع عن التعويض عنه، وذلك ما لم يكن المصاب قد عمد إلى إهدار دمه بنفسه أو صدر منه ما يتدنى إلى مرتبته، وما لم يكن الشخص قد أحدث بغيره الضرر حالة كونه يدافع شرعًا عن نفسه أو ماله أو عن نفس الغير أو ماله. والمشروع إذ يستهدف تلك الغاية، يروم أن يتجاوب مع أحكام الشريعة الإسلامية الغراء، فيما تضمنته من مبدأ أساسي هام، تركز في القول المأثور عن على بن أبي طالب كرم الله وجهه (لا يطل دم في الإسلام).
وإذا كانت القواعد التقليدية في ظل القانون المعاصر، والتي ما فتئت قوانين أكثر بلادنا العربية تلتزمها، تقف في تقرير المسؤولية عن الدم المسفوك عند الحالة العادية التي تكون نتيجة خطأ يقع من شخص معلوم أو ما هو في حكم الخطأ، فإن المشروع تعدى ذلك ليعرض لحالة أخرى شائعة في واقع الحياة وهي التي يُسفك فيها الدم بفعل شخص معلوم، ولكن من غير أن يقع منه خطأ أو ما هو في حكمه، مقررًا الجزاء على من يكون قد باشر سفك الدم، لمجرد أنه باشره، على أن المشروع هنا، إذ يقرر تحميل المباشر بغرم الدم المسفوك، فهو يقصر حكمه على من يكون قد باشر الضرر بشيء مما يتطلب لخطورته على الناس عناية خاصة كالسيارات ونحوها من المركبات بل وغير ذلك من كل شيء خطر آخر، كما يقصر الجزاء على ما يكون للضرر الناشئ عن الإصابة في النفس ذاتها، وقد أراد بذلك أن يبقى مسايرًا لقانون العمل غير المشروع الكويتي الحالي، وكذلك فإنه يتمشى في هذا الخصوص، مع القاعدة الأصيلة التي تسود نظام الضمان في الفقه الإسلامي، ومؤداها أن المباشر ضامن ولو لم يتعمد أو يتعدَ، وإن لم يطابقها.
ولم يرد المشروع أن يقف عند الخطوة التي خطاها القانون الكويتي الحالي، على جليل خطرها وعظيم نفعها، بل آثر أن يسير في طريق ضمان الدم المسفوك خطوة أخرى لا تقل عن الخطوة التي سبقتها أهمية ولا نفعًا، وتتركز هذه الخطوة الجديدة في وجوب ضمان الدم المسفوك في الحالة التي يبقى فيها المسؤول أو الضامن مجهولاً، ويتعذر بذلك على صاحبه الوصول إلى جبره تعويضًا أو ضمانًا، وهي حالة من المؤسف أن تكون شائعة الوقوع في دولة الكويت، شأنها في هذا شأن غيرها من بلاد الدنيا قاطبة، والإحصاءات الرسمية على ذلك خير شهيد.
والمشروع، إذ يعمد إلى ضمان الدم المسفوك، عندما يتعذر على صاحبه الوصول إلى جبره تعويضًا أو ضمانًا، بسبب عدم الوصول إلى معرفة المسؤول أو الضامن، فهو لا يفعل أكثر من أن يساير التشريع الإسلامي الأغر فيما يقضي به من التزام بيت المال بدفع دية من يتعذر معرفة المسؤول عن دمه قصاصًا أو دية. وإذا كان من الممكن أن تقوم الدولة بالتعويض عما يصيب الناس من أضرار، إذا تعذر الوصول إلى معرفة المسؤول عنه، سواء ألحقت هذه الأضرار النفس أم المال، إلا أن المشروع آثر مع ذلك أن يقنع اليوم، شأنه في ذلك شأن غيره من كثير من القوانين الحديثة في أوروبا وأمريكا وأستراليا، بالوقوف عند الضرر الذي يلحق النفس، وهو الأخطر والأهم، حتى إذا ما استقر المبدأ واستوعبته حضارة الجيل، أمكن بعد ذلك النظر في تعميمه.
وتبسط المادة (255) القاعدة العامة في ضمان أذى النفس، مما يستوجب الدية وفقًا لأحكام الشرع الإسلامي وما يتضمنه جدول الديات، ملقية غرمه على من يكون قد باشره، وهي في ذلك عمدت إلى أن تساير الفقه الإسلامي، مستلهمة منه قاعدته الأساسية التي تسود نظام الضمان فيه، ومؤادها أن المباشر ضامن ولو لم يتعمد أو يتعدَ. وإذا كانت المادة (255) قد لجأت إلى الفقه الإسلامي تغرف من معينه الفياض قاعدة أن المباشر ضامن ولو لم يتعمد أو يتعدَ، إلا أنها لم تعمل هذه القاعدة على إطلاقها، فقد قصرتها على أذى النفس دون تلف المال بل على ما تجب فيه الدية من أذى النفس دون غيره مما عداه من صروفه. ثم أنها تطلبت لإعمالها أن يكون الضرر قد بُوشر بشيء من الأشياء التي تتطلب لخطورتها عناية خاصة ممن يتولى أمرها، كسيارة ونحوها. وفضلاً عن هذا الأمر وذاك، فإن المشروع، في المادة (258) قد قيد تطبيق القاعدة الإسلامية العريقة، شأنها في ذلك شأن حالات ضمان أذى النفس الأخرى، بعدم وقوع الضرر نتيجة تعمد المصاب إلحاق الأذى بنفسه، أو نتيجة سوء سلوك فاحش ومقصود من جانبه. والمشروع، إذ يجعل إعمال قاعدة أن المباشر ضامن ولو لم يتعمد تحت ظله، في حدود هذه القيود الثلاثة السابقة، لم يفعل إلا أن يساير قانون تنظيم الالتزامات الناشئة عن العمل غير المشروع الحالي، فيما قضت به المادة (19) مكرر منه.
وإلى جانب تلك القيود الثلاثة، صرح المشروع بقيد آخر، فتطلب لثبوت الضمان، ألا يكون مباشر الضرر قد آتاه وهو ملتزم حدود الدفاع الشرعي عن نفسه أو ماله أو عن نفس الغير أو ماله. وقد حدت به إلى التصريح بهذا القيد رغبته في أن يتمشى مع تلك القاعدة الإسلامية العريقة القاضية بأن الجواز ينافي الضمان. وإذا كان من شأن إعمال المادة (255) أن يتقرر ضمان أذى النفس على المباشر، وكان مؤدى هذا الضمان، وفقًا لما تقرره المادة (258) من المشروع، أن يقتصر الجزاء على الدية وحدها، كاملة كانت أم في جزء منها، فإن المضرور قد يرى مصلحته في الرجوع بدعوى المسؤولية عن العمل غير المشروع، إذا توافرت في شأنه مقوماتها، وبهذه المثابة تتمثل دعوى ضمان أذى النفس المنصوص عليها في المادة (255) مجرد دعوى احتياطية تسعف المضرور، في نطاقها الضيق المحدود، حيث تقصر أحكام المسؤولية عن العمل غير المشروع عن أن تصل به إلى التعويض الكامل الشامل. ولكن الاحتياط هنا من جانب المشروع. وليس يوجد ما يمنع المضرور من أن يلجأ إلى دعوى الضمان عن أذى النفس على أساس المباشرة، حتى لو كان في مكنته الرجوع بدعوى المسؤولية عن العمل غير المشروع، إذا ارتأى هو ذلك. فمن يملك الأكثر يملك الأقل. وهذا ما حدا بالمشروع إلى أن يبعد، من صياغة نص المادة (255) العبارة التي تضمنتها المادة (19) مكرر من قانون العمل غير المشروع الحالي، والتي مؤداها أن حكمها لا يطبق إلا إذا لم تتوافر شروط المسؤولية التقصيرية بعد أن أثارت بعض اللبس في أحكام القضاء الكويتي.
وأساس إعمال حكم المادة (255) هو مباشرة الضرر، وقد حرص المشروع على ألا يعرض لتعريف المباشر، حتى يترك باب الاجتهاد في خصوصه مفتوحًا على مصراعيه، من غير قيد أو توجيه. وإنما ينبغي هنا أن يكون الاجتهاد في إطار الفقه الإسلامي، اعتبارًا بأنه المصدر التاريخي فإنه مما يعرض للزلل أن يفسَّر حكم استُقِي من الفقه الإسلامي على ضوء قواعد أو نظريات ترتد إلى القانون المعاصر وهو عنها غريب.
ويعرض المشروع، في المادة (256) للحالة التي يقع فيها الضرر على النفس، مما يستوجب الدية وفقًا لأحكام الشرع الإسلامي وما يتضمنه جدول الديات المنصوص عليه في المادة (251) ويتعذر فيها على المضرور الرجوع بالمسؤولية أو بالضمان، لعدم معرفة المسؤول أو الضامن، ليلقي فيها غرم الضمان على الدولة، ما لم يثبت أن المصاب أو أحدًا من ورثته قد أدى بخطئه إلى عدم معرفة المسؤول أو الضامن على حسب الأحوال، وبهذا الحكم تتمثل الدولة الملاذ النهائي لضمان الدم المسفوك، وهو من بعد حكم يتمشى مع ما يقضي به الشرع الإسلامي من أن بيت المال يضمن، حيث لا يُعرف من يتحمل بالقصاص أو الدية، اعتبارًا بأنه لا يطل دم في الإسلام.
وتقرر المادة (256) في فقرتها الثانية، سقوط دعوى الضمان التي ترفع على الدولة بمرور ثلاث سنوات من وقت وقوع الحادث.
وتضع المادة (257) قيدًا عامًا على جميع حالات ضمان أذى النفس، مؤداه أن هذا الضمان لا يُستحق، إذا أثبت المدعى عليه أن المضرور قد تعمد إصابة نفسه، أو أن الإصابة قد لحقته نتيجة سوء سلوك فاحش ومقصود من جانبه. ولهذا القيد مسوغه، فالشخص الذي يتعمد أن يلحق بنفسه الأذى يُعتبر أنه أهدر دمه بنفسه، فلا يتوجب الرجوع على غيره بضمانه. ويأخذ حكم العمد سوء السلوك الفاحش المقصود، وهو خطأ يتدنى إلى حد يجعله غير مُغتفر. وتعرض المادة (285) للجزاء المترتب على ضمان أذى النفس في جميع حالات وجوبه، قاصرة إياه على الدية كاملة كانت أم في جزء منها، على حسب الأحوال، ووفقًا لأحكام الشرع الإسلامي، وما يتضمنه جدول الديات، ومع مراعاة تحديد مقدار الدية الكاملة على نحو ما تقضي به المادة (251).
وتحفظ المادة (259) للمضرور حقه في الرجوع بدعوى المسؤولية عن العمل غير المشروع، إذا توافرت شروطها، ليستوفي التعويض عن عناصر الضرر الأخرى غير إصابة النفس التي يكون قد أخذ الدية عنها، وذلك ما لم يثبت أنه، باقتصاره على طلب الدية، قد نزل عن حقه في الرجوع بالتعويض عن غير إصابة النفس من صروف الضرر. وتظهر فائدة الحكم الذي تتضمنه المادة (259) على وجه الخصوص، في الحالة التي يقنع فيها المضرور مؤقتًا بدعوى الضمان، بسبب تعذر معرفة من يتحمل بالتعويض الكامل إعمالاً لأحكام المسؤولية عن العمل غير المشروع، ثم يتوصل إلى معرفته. ففي مثل هذه الحالة، يستطيع المضرور أن يرجع بدعوى المسؤولية، طالبًا جبر كل صروف الضرر، باستثناء إصابة النفس التي أخذ الدية عنها، حيث يحل من أداها له محله فيها، وفقًا لحكم المادة (260).
وتعرض المادة (260) للحالة التي تقوم فيها الدولة بدفع الدية للمضرور إعمالاً لحكم المادة (256) معطية إياها حق الحلول القانوني محل المضرور في استيفائها ممن يلتزم بها. وتمنح المادة (260) في فقرتها الثانية حق امتياز الخزانة العامة للمبلغ الذي ترجع به الدولة على المسؤول، في مقابل الدية التي تكون قد دفعتها للمضرور، وذلك مراعاة للمصلحة العامة. ويُخضع المشروع في المادة (261) ضمان أذى النفس لأحكام المسؤولية عن العمل غير المشروع التي أوردها في المواد من (227 إلى 254) فيما لا يتعارض مع الأحكام التي خصها هو به
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً