التسجيل العيني للعقار .. عوائق وحلول
عبدالله بن ثامر القديمي
مستشار قانوني
من المعلومِ ابتداءً أنَّ نظام التسجيل العيني للعقار الصادر بالمرسوم الملكي رقم (6) بتاريخ 11/2/1423ه يقضي بإنشاء سجل عقاري لكل أرض يتضمَّن جميع أوصاف العقار موقعهُ، وحالتهُ النظامية، وما لهُ من حقوق وما عليه من التزامات، بالإضافة إلى التعديلات التي تطرأُ عليه تباعاً، مما يعني تعيينُ السجل العقاري لإحداثيات الأرض على وجه الدقَّة الأمر الذي يقضي على تداخُلات الأراضي أو ازدواجيَّة الصُّكوك على ذات الأرض.
ومن أبرزِ الآثار الإيجابية لوجود السجل العقاري القطعُ بصحَّة صك الملكيَّة بما لهُ من قوة إثبات مطلقة مما يقلل من تدفُّق النزاعات العقارية أمام جهات التقاضي، لذا؛ لا شكَّ أن تفعيل التسجيل العيني للعقار يُساهم بشكل واضح وفعال في زرع الثقة في السوق العقاري، وحماية الملكية العقارية وما يلحقها من حقوق والتزامات، وحفظ حقوق الأفراد، وتخفيف العبء على أجهزة الدَّولة المختصَّة بخدمات تطوير وبناء الأراضي، أو تلك التي تقوم بتوثيق ما يتعلق بالأنشطة العقارية ونقل الملكية، بالإضافةِ إلى الحد من التهرُّب الضريبي فيما يتعلَّقُ بالأنشطة العقاريَّة .
ومن أبرزِ العوائق التي قد تُواجِهُ تفعيل التسجيل العيني للعقار بُطء إجراءات تطبيق النظام حيثُ لم يُطبق النظام منذُ صدوره إلا على مناطق عقارية محدودة كان آخرهُا القرار الذي أصدرهُ معالي وزير العدل بتاريخ 18/11/1438ه على منطقتين عقاريتين في محافظة جدَّة، ومن العوائق كذلك عدمُ وعي الكثير من ملاك الأراضي بأهمية التسجيل العيني للعقار، بالإضافةِ إلى نُدرة قواعد البيانات لدى أجهزة الإدارة الحكومية المختصَّة، بل واختلافها أحياناً، ومن ذلك حُجج الاستحكام أو الصكوك التي نُص بها على حدودِ أرضٍ في فترة زمنية ما تغيَّر بعدها أوصاف حدود العقار الموصوفة في صكّ الملكية .
ومن المعلومِ أن الاطلاع على تجارب وأنظمة الدول المماثلة مهمٌّ لتفعيل التسجيل العيني للعقار ودراسة العوائق التي تحول دون تفعيله، ولربُّما الأهمُّ من ذلك إقامة ورش العمل مع أهل الاختصاص العقاري والقانوني والهندسي من كافَّة مناطق المملكة -لاختلاف طُرق تملك العقار بها-، بالإضافةِ إلى الاستئناسِ بآراءِ كُتَّاب العدل، وقضاة المحاكم العامَّة، ومن اشتغلَ في تنفيذ النظامِ سابقاً من أجهزةِ الإدارة الحكومية .
ومن الحلول لتفعيل النظام تسجيلُ الصكوكِ المقطوعِ بصحتها وصحة حدودها أولاً، ومن ثمَّ حصرُ وجمعُ كافّةِ البيانات المتعلقة بالعقارات من جميعِ أجهزة الإدارة الحكومية أو القضائية ذات الاختصاص أو العلاقة بالعقار والأنشطة العقارية لدراستها، ومن أهم هذه الأجهزة أمانات المناطق، وكتابات العدل، ومصلحة أملاك الدولة، وإمارات المناطق، وجهات التقاضي، ومن المُهمِّ كذلك الإعلانُ للكافَّةِ المُسجل باسمهم وثيقة إثبات الملكية أياً كان نوعُها رسمياً أو غير رسمي للتقدُّمِ بالوثائق والبيانات المُثبتة لتملُّك العقار خلال مدّةٍ معيَّنة بحيث يُعدُّ مخالفاً من لا يلتزمُ بهذا التسجيل .
لذا؛ يبدو أن الجهاز المختصّ بتنفيذ نظام التسجيل العيني للعقار في حاجةٍ إلى إعادة دراسة نظام التسجيل العيني للعقار بما يُساهم في تفعيله، ومن ذلك النصُّ على صفة الإلزام لتقدُّمِ ملاك الأراضي بالبيانات والوثائق المثبتة لتملك العقار، والنصُّ على إنشاء -جهة تنفيذ النظام- قاعدة بيانات تتضمن البيانات المتعلقة بالسجل العقاري بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة، بالإضافةِ إلى النص على إنشاءِ محكمةٍ عقارية متخصصة تتضمّنُ دائرةً مختصة بالسجل العقاري ترتبطُ بخبراء مختصين في الجوانب الفنية والهندسية والعقارية، والنصُّ في النظام –كذلك- على جميع الوثائق الواجب تسجيلها، وإجراءات تسجيلها، والرسومُ المتعلقة بالتسجيل، والغراماتُ والجزاءاتُ على مخالفة أحكام النظام وغير ذلك مما لا محلَّ لهُ هنا .
ومن اليقينِ أنَّ أتمتة جميع الإجراءات المتعلقة بالسجلّ العقاري، والربط الإلكتروني مع جميع الجهات ذات العلاقة يساهمُ في تيسير تطبيق النِّظام وتفعيله بحيث يكون السجل العقاري كالهوية الوطنية بالنسبة للأرض .
أخيراً؛ لا شكَّ أن تفعيل نظام التسجيل العيني للعقار يستأصلُ شأفة النزاعات العقارية لدى جهات التقاضي من أصلها، ويضمنُ استقرار الملكيات، ويمنعُ التعدِّيات، ويحفظُ الحقوق، وييسِّرُ ويسرعُ جميع الإجراءات المتعلقة بتطوير الأراضي، أو نقل ملكياتها بما يحقق الصالح العامّ للمجتمع .
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً