الاعارة :
الإعارة من أعمال البر التي تقتضيها الإنسانية، لأن الناس لا غنى لهم عن الاستعانة ببعضهم بعضًا، فهي مندوبة بحسب ذاتها، وقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلي الله عليه وسلم، استعار فرسًا من أبي طلحة فركبه، واستعار درعًا من صفوان بن أمية يوم حنين، فقال له صفوان: أغصب يا محمد أو عارية، فقال له بل عارية مضمونة، وقد أجمع المسلمون على مشروعيتها باعتبارها داخله في قوله تعالي ((وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)) فسد حاجات الناس من أنواع البر التي تتوثق بها الروابط وتنمو بها الألفة وتتأكد المودة، وذلك ممدوح في نظر الإسلام.
وقد وضع المشروع الإعارة إلى جانب الإيجار، باعتبارها من العقود التي ترد على المنفعة، أما المجلة فقد وضعتها إلى جانب اللقطة والإيداع، وجمعت بينهم في كتاب واحد وهو الكتاب السادس المتعلق بالأمانات، وهو ما فعله أيضًا ابن نجيم في أشباهه.
والمشروع يتفق مع المجلة في غالبية الأحكام التي أوردها، ولكنه يختلف عنها في بعض آخر، فالإعارة فيه عقد رضائي – كما يقول المالكية – ومن ثم يكون التسليم التزامًا في ذمة المعير لا ركنًا في العقد، على عكس المجلة التي تنص على أن القبض شرط في العارية.
والإعارة في المشروع عقد لازم، على خلاف المجلة التي تجعله عقدًا غير لازم، وهي لا تخول المستعير أن يعير العارية مطلقًا، إلا بإذن المعير، كما أنها لا تنتهي بموت هذا الأخير ولكنها تنتهي فقط بموت المستعير، وعلى هذا الأساس عرف المشروع الإعارة في المادة (649) منه بأنها عقد يلتزم به المعير أن يسلم المستعير شيئًا غير قابل للاستهلاك ليستعمله بنفسه من غير عوض لمدة معينة أو في غرض معين على أن يرده بعد الاستعمال، والخصائص التي يمكن استخلاصها من هذا التعريف، أن الإعارة عقد رضائي وليس بعقد عيني، وهو كذلك عند المالكية على عكس المجلة التي تنص على أن القبض شرط في العارية (م 810). وهي أيضًا عقد ملزم للجانبين ودائمًا من عقود التبرع، وتخول المستعير أن يستعمل العارية بنفسه وليس له أن يستغلها، ويفهم من التعريف أيضًا، أن العارية يجب أن تكون شيئًا غير قابل للاستهلاك، وذلك لأن المستعير يأخذ الشيء ليستعمله وليرده بعينه، فإذا كان قابلاً للاستهلاك واستعمله المستعير فإنه يستهلكه بالاستعمال ولا يستطيع أن يرده بعينه، وكما يعبر الفقه الإسلامي يجب أن يكون قابلاً للانتفاع به مع بقاء عينه أو ذاته، فلا تصح العارية فيما لا ينتفع به إلا باستهلاك عينه.
أولاً: آثار الإعارة:
1 – التزامات المعير:
تعرض المواد (650 – 652) لالتزامات المعير، فهو يلتزم بأن يسلم العارية للمستعير، وبأن يرد له ما أنفقه من مصروفات لحفظ العارية من الهلاك وبأن يضمن له الاستحقاق والعيوب في حدود معينة:
( أ ) فالمعير طبقًا لنص المادة (650) يلتزم أن يسلم المستعير العارية بالحالة التي تكون عليها وقت انعقاد العقد. فالتسليم التزام في ذمة المعير ما دامت الإعارة عقدًا رضائيًا، وتسري على هذا الالتزام قواعد التسليم بوجه عام، وهي نفس القواعد المقررة في التزام البائع بتسليم المبيع للمشتري وفي التزام المقرض بتسليم القرض للمقترض وفي التزام المؤجر بتسليم المأجور للمستأجر.
وإذا كان من مقتضى هذه القواعد أن تكون مصروفات التسليم على المعير لأنه هو المدين بالتسليم، غير أن المشروع يقضي بأن تكون مصروفات التسليم على المستعير (م 655) لأنه لا يدفع أجرًا، وهو ما فعله التقنين العراقي في المادة (856) منه (وانظر أيضًا المادة 745 لبناني) ويتم تسليم العارية بالحالة التي تكون عليها وقت انعقاد الإعارة – على خلاف الإيجار – لأن الإعارة عقد تبرع لا يدفع فيه المستعير مقابلاً للانتفاع بالعارية.
(ب) ولما كانت ملكية العارية وثمارها للمعير، فإنه هو الذي يتحمل النفقات الضرورية للمحافظة عليها من الهلاك، فإذا اضطر المستعير إلى القيام بهذه النفقات كي يحفظ العارية إلى أن يردها وجب على المعير أن يرد إليه هذه النفقات (مادة 651 من المشروع) بل إنه يلتزم بردها حتى لو هلكت العارية دون خطأ من المستعير.
وغني عن البيان أن هذه المصروفات هي غير المصروفات التي يقتضيها استعمال العارية الاستعمال المعتاد، وكذلك مصروفات صيانة العارية الصيانة المعتادة، وهذه كلها يتحملها المستعير وفقًا للمادة (655) من المشروع.
(جـ) أما ضمان الاستحقاق والعيوب، فالإعارة في ذلك كالهبة – وكلاهما من عقود التبرع – فكما أن الواهب لا يضمن الاستحقاق ولا العيوب، إلا إذا وجد اتفاق على الضمان، أو تعمد الواهب إخفاء سبب الاستحقاق أو إخفاء العيب، أو كانت الهبة مقترنة بتكليف فكذلك ضيق المشروع في المادة (652) من التزام المعير بهذا الضمان فجعل الأصل هو عدم ضمانه لاستحقاق العارية وعدم ضمانه لما يوجد فيها من عيوب، إلا إذا كان هناك اتفاق على الضمان، أو كان قد تعمد إخفاء سبب الاستحقاق أو تعمد إخفاء العيب، وعبء الإثبات يقع على المستعير، فعليه أن يثبت أن المعير قد تعمد إخفاء سبب الاستحقاق أو تعمد إخفاء العيب، ومتى أثبت ذلك رجع على المعير بالتعويض، ولكن في ضمان العيوب لا يلزم المعير بتعويض المستعير إلا عن الضرر الذي يسببه العيب، فلا يعوض المستعير إذن عن العيب ذاته، أي عن نقص الانتفاع بالعارية بسبب العيب وإنما يعوضه فقط عما سببه من العيب من أضرار.
2 – التزامات المستعير:
وتعرض نصوص المواد من (653 – 657) لالتزامات المستعير، فهو يلتزم بأن يستعمل العارية وفقًا للعقد، وأن يحافظ عليها في أثناء الإعارة وأن يردها بعد انتهائها.
( أ ) فإذا قيد المعير الإعارة بزمان أو مكان أو بنوع معين من أنواع الاستعمال لم يكن للمستعير أن يستعمل العارية في غير الزمان والمكان المعينين، أو أن يخالف الاستعمال المأذون به إلى ما يتجاوزه ضررًا (المادة 653/ 1) ولكن يكون له أن يخالفه باستعمال العارية بما هو مساوٍ لنوع الاستعمال الذي قيدت به أو بنوع أخف منه.
أما إذا كانت الإعارة غير مقيدة بأي قيد، فإنه يجوز للمستعير أن يستعمل العارية في أي زمان أو مكان وبأي استعمال أراد، بشرط ألا يجاوز المألوف في استعمالها (653/ 2) فلا يستعمل العارية إلا فيما تقبله طبيعتها أو يحدده العرف في ذلك (قارن المواد 816 – 818 من المجلة)، وفي الحالين، لا يكون المستعير مسؤولاً عما يلحق العارية من تغيير أو تلف أو نقصان (استهلاك تدريجي) بسبب الاستعمال، ما دام لم يخرج في استعمالها عن الحدود المتقدمة (653/ 3) لأن ذلك يُعتبر ملازمًا لطبيعة الإعارة وعلى المعير أن يتوقعه.
ولما كان حق المستعير مقصورًا على استعمال العارية دون استغلالها فإنه لا يجوز له أن يؤجرها إلى الغير أو أن يعيرها إلا إذا أثبت أن المعير قد أذن له في ذلك صراحةً أو ضمنًا (654). وفي هذا يتفق المشروع مع المجلة والفقه الحنفي، فيما عدا أنهم يفرقون في الإعارة بين ما يختلف باختلاف المستعمل، وهذا ليس للمستعير أن يعيره إن عين المعير مستعملاً، وبين ما لا يختلف باختلاف المستعمل وهذا يكون للمستعير أن يعيره سواء عين المعير مستعملاً أو لم يعين (قارن المواد 819 – 823 من المجلة).
فإذا كان الاستعمال، وكذلك الإعداد له، يقتضي نفقة، فإن المستعير هو الذي يتحمل بها، كما يتحمل نفقات الصيانة المعتادة التي يقتضيها هذا الاستعمال (المادة 655 من المشروع).
(ب) ويلتزم المستعير أن يبذل من العناية في المحافظة على العارية ما يبذله في المحافظة على ماله دون أن ينزل في ذلك عن عناية الشخص العادي (م 656 من المشروع). ولكن هذا الحكم لا يتعلق بالنظام العام، فيجوز الاتفاق على ما يخالفه سواء بتشديد مسؤولية المستعير أو بالتخفيف منها.
(جـ) وأخيرًا على المستعير أن يرد العارية عند انتهاء الإعارة وتسري في ذلك القواعد العامة. فيجب أن يرد العارية بذاتها لا شيئًا غيرها ولو ماثلها، وأن يرد معها ملحقاتها وتوابعها وزيادتها متحملاً في ذلك كله مصرفات الرد لأنه هو المدين في هذا الالتزام.
وترد العارية بالحالة التي تكون عليها وقت الرد، دون إخلال بمسؤولية المستعير عما يكون قد أصابها من هلاك أو تلف أو تعيب (مادة 657/ 1)، إلا إذا أثبت أنه قد بذل العناية المطلوبة منه، أو أثبت أن الهلاك أو التلف أو التعييب كان بسبب أجنبي. فإذا كان المستعير قد أساء استعمال العارية أو استخدمها في غير ما أعدت له، أو في غير الزمان والمكان المعينين، أو أهمل في صيانتها أو في حفظها أو تصرف فيها دون إذن المعير أو عهد في حفظها إلى شخص آخر دون ضرورة تدعو لذلك، كان هذا تقصيرًا منه يستوجب مسؤوليته. ويتم الرد في المكان الذي يكون المستعير قد تسليم فيه العارية، ما لم يتفق على غير ذلك (مادة 657/ 2).
وغني عن البيان أن مؤونة رد العارية تكون على المستعير لأنه المدين في هذا الالتزام.
ثانيًا: انتهاء الإعارة:
ويعرض المشروع في المواد (658 – 660) لانتهاء الإعارة:
1 – فهي تنتهي أولاً بانقضاء المدة بالمتفق عليها (سواء انتهى الاستعمال بالذي أُعيرت من أجله العارية أو لم ينتهِ)، كما تنتهي أيضًا بتمام استعمال العارية فيما أُعيرت من أجله، إذا لم يتفق على مدة (مادة 658/ 1).
فإذا لم يكن هناك سبيل لتعيين مدة الإعارة، جاز للمعير أن يطلب إنهاءها في أي وقت (مادة 658/ 2). وفي كل حال يجوز للمستعير أن يرد العارية قبل انتهاء الإعارة، غير أنه إذا كان هذا الرد يضر المعير فلا يُرغم على قبوله (مادة 658/ 3).
2 – وقد تنتهي الإعارة أيضًا قبل انقضاء مدتها، إذا عرضت للمعير حاجة للعارية، أو إذا مات المستعير، فعلى الرغم من أن الإعارة تلزم المعير، غير أن المشروع قدر أنه قد تعرض للمعير حاجه ضرورية للعارية لم تكن متوقعة، وبذلك يكون أولى من المستعير بالانتفاع بماله، فأجاز له عندئذٍ إنهاء الإعارة قبل انقضاء أجلها واسترداد العارية، بشرط أن تكون الحاجة التي تعرض له ضرورية وغير متوقعة، وهو أمر يترك تقديره لقاضي الموضوع بغير معقب عليه في ذلك (مادة 659).
وقد يموت المستعير قبل انقضاء مدة الإعارة، فتنتهي بموته لأن شخصيته محل اعتبار في العقد، وقد قصد المعير أن يعيره هو فلا تنتقل العارية إلى ورثته إلا إذا وجد اتفاق على غير ذلك (مادة 660)، والالتزامات التي تكون قد نشأت في ذمة المستعير بسبب الإعارة كالتزامه بالرد والتزامه بتعويض المعير فيما لو كان قد قصر في المحافظة على العارية أو في استعمالها، كل هذه الالتزامات تبقى في تركة المستعير وللمعير أن يطالب بها.
أما موت المعير فلا ينهي الإعارة (عكس ذلك الفقه الحنفي والمادة 807 من المجلة)، وتنتقل حقوق المعير إلى ورثته وكذلك تنتقل التزاماته في حدود تركته.
وغني عن البيان أن الإعارة كعقد ملزم للجانبين، يجوز أن تنتهي بالفسخ، فإذا أخل المستعير بالتزامه وأساء استعمال العارية أو قصر في الاحتياط الواجب للمحافظة عليها، كان للمعير أن يطلب الفسخ وفقًا للقواعد العامة.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً