هل يجوز تصوير الأشخاص في حوادث السيارات ونشر الصور

مدى جواز تصوير الأشخاص في حوادث السيارات وما شابهها ونشر صورهم

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

إن لكل إنسان حياة خاصة ..وحقوق لصيقة بشخصيته وحياته *قررت لها الشرائع *والقوانين *احتراما وحماية وسورا منيعا من الانتهاك والانتقاص.
*

وإذا تمعنا في الأسس الأخلاقية للمجتمعات ، نجد أنها قائمة على *تقدير الشخصية الإنسانية ، فحين يعد الكذب والسخرية ، والنفاق ، والسب * ، والتجسس ، والغيبة ، وبذيء الكلام * من مساوئ الأخلاق *لدى كل الشعوب *فإنما مرجع ذلك هو *القيمة العليا *التي تعطى للذات الإنسانية ، وما يتصل بها من *احترام *وتقدير ووضعها في محلها اللائق.
*

وليس ببعيد عنا تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف *ومبادئه السامية فيما قرره *للشخصية الإنسانية *من كرامة *وما احاطها به من أسوار تصون كرامتها ، وتمنع من المساس بها *في الحياة وبعد الممات . لقوله تعالى ( ولقد كرمنا بني آدم ) *وقوله تعالى ( ولاتجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا *. أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه)
*

فسمى الله الكلام السيئ في حق الشخص الميت ( أكل للحمه)….وهذا فيه دلالة عظيمة على حرمة الشخصية الإنسانية. فكيف بنشر كل ما هو سيء عنها.
*

ثم نجد في الشريعة تحريم *للتعرض لشخص الإنسان بغير وحه حق ، وأمر بالستر عليه حتى عما نعلمه عنه من قبائح ، وفي ذلك نسمع وصية الرسول (هلا سترته بثوبك ) *وقوله (من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والاخرة)، (ونهية عن تتبع عورات المسلمين ) أي كل ما لا يرغبون بنشره بين الملأ ويحرصون على ستره ، * وهذا فيه دعوة دينية *لحفظ خصوصيات الناس *والحرص على *عدم نشر ما نعلمه ونراه * مما لا يحبون ان يراه الناس عنهم او يسمعوه .( طبعا هذا لغير المكلفين بحفظ الأمن وتطبيق القانون والقبض على المخالفين للقوانين ونظام المجتمع ).
*

وانطلاقا من هذه المبادئ العليا *نجد ان القوانين في دولة الامارات العربية المتحدة *تدعو وتحث على احترام خصوصيات الناس ، وتمنع وتعاقب على *الاعتداء عليها …..فكل انسان له حق في ان يعيش حياة خاصة هادئة *أمنه *لا ينغصها *تطفل المتطفلين ، او ازعاج *الفارغين الذين لاهم لهم الا تتبع عورات الناس *والبحث عن *مكنون حياتهم *وخاصة امورهم … ولذلك نجد مفهوم قانوني يتكررفي القوانين الاوهو مبدأ (حماية النظام العام والآداب ) *وحين نبحث عن تفسيره لدى فقهاء القانون نجد انه يعني ( حفظ الامن العام ، والصحة العامة ، والسكينة العامة) ، وإن حماية خصوصية الناس تدخل ضمن مفهوم حماية السكينة العامة.*
*

وفي مجال حماية هذه الخصوصية لشخصية الإنسان وكرامته وسمعته * نجد *نصوصا *كثيرة مبثوثة *في عدة قوانين *إماراتيه *كل بحسب *اختصاصه وما يتناوله من جوانب الحياة *.. مثل قانون المعاملات المدنية …وقانون العقوبات الاتحادي…وقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات ، وقانون حقوق المؤلف والحقوق المجاورة ، وقانون المطبوعات والنشر *،وقانون المهن الطبية ، وغيرها *من القوانين .
*

أما فيما يتعلق بالمسألة المطروحة *في عنوان البحث *حول مدى قانونية تصوير الحوادث *ونشر صور المصابين وجثث المتوفين ؟
*

أولا : أرى انه من *منطلق الالتزام بالمبادئ الأخلاقية *والدينية التي أشرت إليها في *بداية حديثي *فانه ينبغي *عدم *التعرض لهم بالتصوير التلفزيوني او الفوتوغرافي *والحرص على نشر صور المصابين *والمتوفين في الحوادث *والتركيز عليهم بإبراز معاناتهم وبشاعة *ما حاق بهم من إصابات ، *لأننا لو قدرنا ان هذا المصاب او المتوفى حي ،او في كامل قواه وإدراكه ، *هل كان سيسمح *ان تنشر صورته و وهو في حالة مزرية بشعة؟ *…

الواحد منا اذا أراد الخروج من بيته وقف أمام المرآة دقا ئق معدودة يحسن من هندامه *ويتأكد من كمال هيئته ونظافة *منظره ، *فكيف سيرضى ان يصور وهو أشعث الرأس مقطع الثياب *بل ربما ظهرت أجزاء مما يحرص على ستره *، وخاصة النساء والفتيات . انني ارى ان تصوير مصابي الحوادث هو نوع من الاعتداء على ضعيف *مصاب مكروب ، *الواجب الديني والأخلاقي يفرض عليك ان *تنجده وتسعفه ، لا أن تحرص على التشهير بحاله .
*

ثانيا :بالنسبة لمسألة *مدى قانونية نشر الصور الشخصية للأفراد *وماهو المحظور و ماهو المباح في ذلك ؟*
*

لقد عالجت هذه المسألة *مادة في قانون حقوق المؤلف والحقوق المجاورة *الإماراتي *واجد لها نص شبيه في القانون الكويتي .
*

حيث نصت المادة (43) من القانون الاتحادي رقم 7 لسنة 2002 في شأن حقوق المؤلف والحقوق المجاورة على انه *(لا يحق لمن قام بعمل صورة لآخر ،بأي طريقة كانت ،ان يحتفظ او يعرض او ينشر او يوزع أصلها او نسخا منها دون اذن الشخص الذي قام بتصويره مالم يتفق على خلاف ذلك ،مالم يكن نشر الصورة قد تم بمناسبة حوادث عامة وقعت علنا او كانت تتعلق بأشخاص ذوي صفة رسمية *او عامة او يتمتعون بشهرة ،او كان النشر قد سمحت به السلطات العامة خدمة للصالح العام ،وبشرط الايترتب على عرض الصورة أو تداولها مساس بمكانة الشخص الذي تمثله .
*

ويجوز للشخص الذي تمثله الصورة ان يأذن بنشرها في الصحف وغيرها من وسائل النشر ،ولو لم يسمح بذلك المصور ،مالم يتفق على غير *ذلك) *.
*

هذا النص *جاء في هذا القانون ليعالج مسألة قانونية اسمها (الحق في الصورة) *وبالتمعن في عبارات هذا النص نجد ما يلي
*

*1_ *الأصل هو *ان الصورة حق *لصاحبها . لا لمن قام بتصويرها.

*2_ ان نشر الصورة الشخصية بأي طريق من طرق النشر او التوزيع لايجوز بغير إذن صاحب الصورة ،او بالاتفاق معه .

3_ ان نشر الصورة هو حق لصاحبها ولو لم يسمح بذلك النشر من قام بتصويرها،مالم يكن هناك اتفاق على غير ذلك *. وهذا يعزز قولنا ان الاصل ان الصورة هي حق لصاحبها لا لمصورها.

4_ هناك استثناء من الامور التي سردناها في (1،2،3) وهو جواز نشر الصورة في حالات ثلاث بشرط الا يكون هناك ضرر يتمثل في المس بمكانة الشخص الذي تمثله وهي :
*

أ‌. اذا نشرت الصورة بمناسبة حوادث عامة وقعت علنا . (كالحروب ،وحوادث الطرق ، والكوارث)
*

ب‌. اذا كانت تتعلق بأشخاص ذوي صفة رسمية او عامة او يتمتعون بشهرة .(مثل رؤساء الدول ،الممثلون ، الرياضيون ، الوزراء وغيرهم) .*
*

ت‌. اذا كان النشر قد سمحت به السلطات العامة خدمة للصالح العام .(مثل نشر صور المطلوبين للعدالة ،او المجرمين الخطرين ، او المفقودين ) .*

ولكن هل تصوير الحادث العام (كحادث السيارة او انهيار عمارة او حريق ) يقتضي ان نظهر الشخص المصاب ومالحق به من جراح وتشويه وكشف لعوراته ؟
*

ما هو موقف المصور اذا تمسك المصاب بحقه الذي قررته المادة وهو ان إظهاره بهذه الصورة قد مس بمكانته وكرامته وشخصه .؟
*

ان نص هذه المادة * والقواعد العامة في المسؤولية عن الضرر المقررة في القانون المدني تجيز للشخص صاحب الصورة أن يرفع دعوى *بوقف نشر الصورة والحصول على التعويض عن الضرر الذي اصابه وحاق بسمعته او بمكانته جراء نشر صورته في حادث عام وتداولها .
*

قد يتذرع متذرع بأن نشر صور المصابين في الحوادث هو نوع من إشاعة العظة وتحذير الناس من الوقوع *في الحوادث ، بعدم التزامهم بقواعد السير والمرور.
*

اقول إن القاعدة الشرعية تقول *(إن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ) وبالتالي فإن حق الشخص وحفظ كرامته مقدم على *الفائدة التي سيعم نفعها *المجتمع *من *نشر صورة *حادث المرور ….وإن رؤية منظر السيارة ذاتها وما لحق بها من دمار كفيل بأن يؤدي الغرض إن كان لمن رآها قلب او القى *السمع وهو شهيد، دون *الحاجة لنشر صورة المصابين والموتى .
*

بقي سؤال وهو ماهي العقوبات المقررة في القوانين لكل مامن شانه المساس بخصوصية الإنسان وصورته الشخصية ؟
*

أولا : في قانون حقوق المؤلف فإن العقوبة المنطبقة على *مخالفة احكام المادة (43) التي اشرنا إليها *هوماورد *بنص المادة (41) *وهي عقوبة الحبس الذي لايزيد على ستة اشهر وبالغرامة *او بإحدى هاتين العقوبتين .
*

ثانيا : في قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات *رقم 2_لسنة 2006 ….نص المادة (16) *يجرم نشر الصور والأخبار المتعلقة بحرمة الحياة الخاصة او العائلية للأفراد _ولو كانت صحيحة _ عن طريق الشبكة المعلوماتية او إحدى وسائل تقنية المعلومات ، وكانت العقوبة الحبس مدة لاتقل عن سنة وبالغرامة التي لاتقل عن خمسين ألف درهم او بإحدى هاتين العقوبتين .*
*

وهذا نص قوي في حماية الحياة الخاصة للأفراد واضح فيه التشديد في العقوبة وذلك لما يمثله النشر عبر شبكة المعلومات وغيرها من الوسائل الالكترونية (وسائل تقنية المعلومات ) *من سرعة في النشر وعلى نطاق واسع يتعدى حدود الدول والقارات .
*

وبالتالي اذا اثبت المتضرر او صاحب الصورة ان الصورة تتعلق بحياته الخاصة او العائلية فإن الجريمة تقع وتحركها النيابة كجريمة جنائية بحكم هذا النص الجنائي. ثم بعد ذلك يصبح من حق المضرور ان يرفع دعوى مدنية للتعويض عن الضرر الذي حاق به والحصول على التعويض المالي المناسب. *
*

*ثالثا : ورد في قانون المطبوعات والنشر *رقم 15لسنة 1980 نص يتعلق بحماية اسرار الحياة الخاصة او العائلية للأفراد ولو كانت صحيحة *حيث نصت المادة (79) منه على ( لايجوز نشر الاخبار او الصور او التعليقات التي تتصل بأسرار الحياة الخاصة او العائلية للأفراد ولوكانت صحيحة *اذا كان من شأن نشرها الاساءة الي من تناوله النشر …..الخ .
*

ثم تبقى مسألة اخرى وهي حق الأخرين من ذوي المصاب *او المتوفى في الحادث *أليس لهم الحق في المطالبه بعدم نشر صورة قريبهم *لما تمثله لهم رؤيته او رؤية جثته من ألام *وخاصة زوجته وأطفاله أو والديه ؟؟
*

لنتصور ان هذا الشخص وقع له حادث في الطريق *وتم تصويره *وهو مقطع الأوصال *او هو جريح ينزف ، او وهو جثة هامدة *متعفرة بالتراب …ثم نشرت الصورة وتم تداولها عبر مواقع شبكة الانترنت؟
*

اليس من المحتمل أن يراها ذووه وأطفاله * ولو بعد شهور او سنين من موته بهذه الصورة البشعة ؟؟
*

فلنا ان نتصور كم ستعيد لهم من الام *وما قد تحييه فيهم من كآبة وربما تنكأ *حالات نفسية قد شفيت *وأنستها الأيام فداحة المصاب ؟؟

إنني أدعو إلي تعديل النصوص القانونية في مسألة نشر صور الحوادث وان يتم النص صراحة على عدم نشر صور الجرحى وجثث الموتى وخاصة بصورة واضحة تبين شخصياتهم من خلال ابراز الشخص او ما يدل على هويته.*
*
وذلك من سند أن منطق النصوص القانونية والقواعد العامة تدعو إلي ذلك .
*

ثانيا لما يمثله تصوير هذا الإنسان بهذه الصورة *في الحوادث من اعتداء على شخص ضعيف الإرادة مسلوب الاختيار بسبب ما الم به من جرا ح وبسبب هول الحدث ، *بل ربما معدمها بسبب الوفاة .
*

ثالثا : ان قواعد الدين تدعو لاحترام جثة الميت *كاحترامه وهو حي يرزق . بل نحن مأمورون أن نظهر محاسن موتانا…. والغاسل الذي يغسل الميت ويكفنه *منهي عن التحدث بما يراه من أحوال *الميت حين يغسله .
*

فما بالنا بمن ينشر صورة الميت على الملأ وهو مشوه جريح في ابشع الصور التي تتعب الغريب قبل القريب.

شارك المقالة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.