شاهد ملك
القاضي ناصر عمران
تُحدث المصطلحات والمسميات الجنائية المتداولة وقعاً خاصاً لدى المتلقي العادي فضلا عن الباحث القانوني وللذائقة الاجتماعية منظومة زاخرة بمتابعة المثير والمتميز من الحدث الاجتماعي_ باعتبار الجريمة ظاهرة اجتماعية _ سواء الواقعي منه المتداول اليومي او ذلك الحدث الافتراضي الذي تشكله الاعمال الفنية والادبية واهمها الاعمال الروائية فلم يكن المجتمع العراقي بمنأى عن الاحداث التي تتناول ارتكاب الجريمة والبحث عن مرتكبيها ومراحل التحقيق فيها وصولا الى حقيقتها سواء اكان ذلك واقعيا ام افتراضياً ناهيك عن الاحداث التي شهدها العراق ما بعد التغيير في عام 2003.
وبالتأكيد ان هذه المتابعة أنتجت ثقافة لا بأس بها في ادراك المعاني والمصطلحات الجنائية فصار هناك فرق بالفهم الاجتماعي العادي بين المتهم والمجرم وبين المشتكي والمخبر وبين شاهد الاثبات وشاهد النفي وكشف الدلالة والكشف على محل الحادث إضافة الى نوع الجريمة مخالفة او جنحة او جناية ولعل مصطلح (شاهد ملك) هو احد المفاهيم والمصطلحات الجنائية التي طرقت ذاكرة المتلقي تارةً بغرائبية التسمية والربط بين مفردتي الشاهد والملك وتارة بالفهم الفني عبر التأثير المباشر للأعمال الدرامية او السينمائية التي حظيت بالاهتمام والمتابعة الأمر والتي اوجدت اسقاطاتها الاجتماعية على المشاهد وبالتالي على الرأي العام وكان للدراما المصرية الاثر الكبير في التعريف بمصطلح (شاهد ملك ) والذي يستعمل للدلالة على الشخص الذى يُعفى من جريمة اشترك فيها بالعلم أو بالفعل مقابل تقديم شهادته والاعتراف بالجريمة والإبلاغ عن باقي الجناة.
وفي علم الجريمة و ملفات القضاء يطلق عليه الشاهد الملك، ويعني : الذي يكون داخلاً بالجريمة أصلاً، ولكنه يشهد على زملائه المشاركين معه بالجريمة، مقابل امتيازات خاصة، هذه الامتيازات يُتفق معه عليها، خاصة عندما تكون الجريمة كبيرة جداً، كجرائم القتل والسطو والاعمال الارهابية ، أو الجرائم السياسية كجرائم تغيير الأنظمة بالقوة، وحياكة المؤامرات وما إلى ذلك او ان تكون الجريمة غامضة او الحيلولة دون وقوع الجريمة مثاله الاعفاء من العقاب في جريمة الاتفاق الجنائي وفق المادة (58) من قانون العقوبات العراقي والذي نص على الكثير من حالات الاعفاء من العقوبة للمتهم المشترك في ارتكاب الجريمة كما تضمنت قوانين عقابية نصوصا مماثلة مثل قانون مكافحة الارهاب رقم 13 لسنة 2015 وقانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم 50 لسنة 2017 .
وترجع جذور هذا المصطلح الى النظم الانجليزية (الانجلوسكسونية ) ومنها نظام الولايات المتحدة الأمريكية الذى يعفى الشاهد من العقوبة على جريمة كشف عنها وإن اشترك فيها، “شاهد ملك” اقترف جزءاً من الجريمة لكن تيقظ ضميره فاعترف بها وشهد على باقي المجرمين وهو فى هذه الحالة يعلم كل أسرار الجريمة. يقع على عاتقه ثقل كبير أثناء المحاكمة، فهو مع كل متهم لابد أن يكون موجوداً، كما يجب أن لا تتناقض أقواله لأن كل شك يفسر لصالح المتهم ويشترط في “شاهد ملك ان لا يكون هو المتورط الرئيس في اي قضية، او متهم رئيس بالقتل هو فقط شخص مشتبه له علاقة بالقضية متورط فيها، لكنه ليس المتورط الرئيس
وقد تناولت الكثير من القوانين العقابية وقوانين الاجراءات الجنائية موضوع شاهد الملك واسست اجراءاتها واحكامها على ضوء ذلك ومنها قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم 23 لسنة 1971 وان لم يذكر المصطلح بالنص وانما جاء ضمن مفهوم (عرض العفو على المتهم) فقد نصت المادة (129/ أ ) الاصولية على ان ( لقاضي التحقيق عرض العفو بموافقة محكمة الجنايات لأسباب يدونها في المحضر على أي متهم بجناية بقصد الحصول على شهادته ضد مرتكبيها الآخرين بشرط ان يقدم المتهم بياناً صحيحاً كاملاً عنها، فإذا قبل هذا العرض تسمع شهادته وتبقى صفته متهماً حتى يصدر القرار في الدعوى ونصت الفقرة (ج) من المادة المذكور ان البيان الذي ادلى به المتهم الذي عرض العفو عليه صحيح كامل فتقرر وقف الاجراءات القانونية ضده نهائياً واخلاء سبيله اما اذا لم يقدم المتهم البيان الصحيح الكامل سواء كان ذلك بإخفائه عمداً أي امر ذي اهمية او بإدلائه بأقوال كاذبة فان الفقرة (ب) من المادة نصت على اسقاط حق العفو عنه بقرار من محكمة الجنايات وتتخذ ضده الاجراءات عن الجريمة التي عرض عليه العفو عنها او اية جريمة اخرى مرتبطة بها.
وتعتبر اقواله التي ابداها دليلاً ضده اي انها تعتبر بحكم الاقرار الصادر منه في الدعوى نفسها بصفته متهما مع التأكيد على ان صفة المتهم بالنسبة لشاهد ملك باقية حتى نتيجة القرار بالتحقيق الابتدائي وعلى ضوء ما تقرره محكمة الجنايات.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً