نظام التأمين وعقد التأمين
يُقال أن التأمين لابد أن يُتناول كنظام وليس كعقد فحسب، فما المقصود بنظام التأمين وما الفرق بينه وبين عقد التأمين؟ ومَن يتوجّب عليهم النظر إلى التأمين على أنه (نظام) وليس عقداً فقط؟
في هذا المقال أتطرق إلى الحديث عن أمرين، أولهما المقصود بنظام التأمين وعقد التأمين. وثانيهما أهمية القانون الإنجليزي بالنسبة لتقنين التأمين السعودي.
أولاً: نظام التأمين هو عالمٌ صغير في حجمه كبير في تأثيره على اقتصاديات الدول وهو يضم جانبيّ التأمين الفني والقانوني. فالجانب الفني يحتوي على إدارة المخاطر والمقاصة بين بعضها البعض وفقاً لقوانين الإحصاء والأعداد الكبيرة، وتوزيع عبء تحمل المخاطر بين المؤمن لهم المعرضين لمخاطر متماثلة أو متشابهة.
كما يضم سوق التأمين وأنشطة التأمين وما تضمه من شركات التأمين ووسطاء التأمين.
أما الجانب القانوني فهو ما يتعلق بقوانين مزاولة التأمين ومراقبة شركات التأمين من قبل السلطات المختصة وما يتعلق بتنظيم سوق التأمين في بلد ما من جهة، وما يتعلق بتنظيم أسواق التأمين بإطار دِوَليّ من جهة أخرى.
كما أن نظام التأمين بجانبه القانوني يضم تنظيم العلاقات القانونية التي تنشأ بين أطراف العقد وحماية الطرف الضعيف فيه وهو المؤمن له. أما عقد التأمين فهو يعتبر عنصراً من عناصر نظام التأمين، وهو الاتفاق الذي يتم بين شركة تأمين من جهة وطالب تأمين من جهة أخرى ويضم حقوق والتزامات تجاه بعضهما البعض.
تجدر الإشارة بأن الشخص المتقدم لشركة تأمين لشراء بوليصة تأمين يعتبر في نظر القانون طالب تأمين وذلك في مرحلة ما قبل التعاقد، ويعتبر مؤمناً له بمجرد إبرام العقد بين الطرفين وإصدار بوليصة التأمين، وهذا التقسيم له أهميته في نظر القانون لتحديد حقوق وواجبات كل منهم. وبالإضافة إلى عقد التأمين هناك عقد إعادة التأمين الذي من خلاله تقوم شركة التأمين، وهي التي تقوم بدور المؤمن في عقد التأمين، بإعادة تأمين كل أو جزء من الخطر الواقع على عاتقها من جراء إبرام عقد التأمين سلفاً، مع شركة تأمين أخرى ويطلق على الطرف الأول بعقد إعادة التأمين، أي المؤمن، في هذه المرحلة بالمؤمن المباشر والطرف الثاني بالمؤمن المعيد.
وفي الواقع العملي، يكاد لا يكون هناك عقد تأمين إلا ويبرم بناءً عليه عقد (أو أكثر) إعادة تأمين، كما أن عقد إعادة التأمين ذو طابعٍ دولي في معظم الأحيان وذلك لأن نشاط إعادة التأمين يتطلب رؤوس أموال ضخمة، والمقصود هنا أن شركات التأمين المحلية تعيد تأمين مخاطرها لدى شركات إعادة تأمين أجنبية ويعد سوق لويدز للتأمين في لندن مركزاً لسوق إعادة التأمين في العالم. ولكن، من هم المعنيون بتناول التأمين كنظام وليس فقط كعلاقة قانونية قائمة على عقد بين شركة تأمين ومؤمن له؟
يمكن القول إن من أهم المعنيين هم:
1- المنظّم الذي يضع القواعد القانونية وهي قواعد عامة مجردة وملزمة والتي تنظم سلوك الأفراد في مجتمع والمقترنة بالجزاء. أحب أن أنوه هنا، أن من يقوم بسَنّ القوانين في بلد ما هي السلطة التشريعية ويطلق عليها أحياناً (المُشرِّع)، وأنا شخصياً أتحفظ على إطلاق كلمة (مُشرِّع) على واضع القوانين أو الأنظمة القانونية لاعتقادي أن هذا اللفظ هو عمل إلهي صِرف يختص به الله جبّار السموات والأرض عز وجل، وأحبذ إطلاق كلمة المنظّم بدلاً من (المُشرِّع). أقول، أن التنظيم القانوني الجيد لأي نشاط تجاري أو صناعي يعد من أهم مقومات نجاح ذلك النشاط وخصوصاً إذا كان مصحوباً بالتطبيق النزيه، وبالتالي فإن تنظيم صناعة التأمين كعنصر مهم من عناصر التقدم الاقتصادي في المملكة العربية السعودية لابد وأن يبدأ من حيث انتهى الآخرون من المتقدمين بصناعة التأمين. ويعتقد البعض أن ليس هناك نظام قانوني ينظم عقد التأمين في المملكة العربية السعودية، وفي الحقيقة أن النظام القانوني لعقد التأمين المتاح في وقتنا الحاضر والذي يمكن أن يُستشف منه أهم مبادئ عقد التأمين بوجه عام هو في الفصل الحادي عشر من نظام المحكمة التجارية الصادر عام 1350ه والذي يحتاج إلى تطوير وإعادة صياغة بما يتناسب مع تطور سوق التأمين اليوم.
2- القضاة والمحكّمون في منازعات التأمين ليتسنى لهم الحكم في قضية أو منازعة تعرض عليهم على بصيرة بما يحقق العدل بين أطراف النزاع. الجدير بالذكر أن منازعات التأمين في المملكة يتم الفصل فيها إما عن طريق التحكيم أو من قِبَل (لجنة الفصل في منازعات التأمين) والتي تم تشكيلها بتاريخ 16/3/1426ه – الموافق 25/4/2005م بناءً على المادة (عشرون) من نظام مراقبة شركات التأمين التعاوني الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/32 وتاريخ 2/6/1424ه. وتقوم اللجنة المذكورة بالفصل في المنازعات الناشئة بين شركات التأمين وعملائها، أو بين هذه الشركات وشركات تأمين أخرى في حال حلولها محل المؤمن له، كما تتولى أيضاً الفصل في مخالفة التعليمات الرقابية والإشرافية لشركات التأمين وإعادة التأمين المرخص لها. وتتولى الفصل فيما يتعلق بمخالفات مزاولي المهن الحرة والمتصلة بنشاط التأمين كما جاء في المادة (الثامنة عشرة) من ذلك النظام كوسطاء التأمين والمتخصصين بتسوية المطالبات التأمينية وغيرهم.
3- رجال القانون من المحامين والمستشارين القانونيين وخصوصاً الشرفاء منهم الذين يسعون إلى تبيان الحق ونصرة المظلوم والدفاع عن حقوق الآخرين، إذ لن يتمكن محام أو مستشار قانوني لأحد الخصوم في منازعة في التأمين من الدفاع عن حقوق موكّله ما لم يُلِم بنظام التأمين وهنا يتميز محامٍ عن آخر بقدر فهم وإلمام كل منهما لآلية وقواعد نظام التأمين.
4- وأهم من هذا وذاك ممن يتوجّب عليهم تناول التأمين كنظام هو العالم الشرعي المفتي الذي يتهافت إليه عباد الله لسؤاله فيما يتعلق بمعاملاتهم الدنيوية لمعرفة ما هو حلال فيقدمون عليه وما هو حرام فيبتعدون عنه. ففي فهم نظام التأمين من قِبل العالِم المفتي يتأتى له معرفة الخلل في التأمين إن وجد ومعالجته بطريقة تتفق مع قواعد الشريعة الإسلامية المنزّهة عن النقص والعيوب.
هذا ولا يتوجّب على عميل شركة تأمين عادي يرغب في شراء بوليصة تأمين منها معرفة آلية نظام التأمين أو معرفة ما يخص عقد إعادة التأمين، بل ما يهمّه هو معرفة حقوقه وواجباته التعاقدية للاستفادة من التأمين.
ثانياً: لابد من معرفة أن قانون التأمين الإنجليزي يعد مصدراً من مصادر تقنين التأمين السعودي. هذا القول يسنده حقيقة أن من مصادر اللائحة التنفيذية لنظام مراقبة شركات التأمين التعاوني السعودي الصادرة بالقرار الوزاري رقم 1/ 596 وتاريخ 1/3/1425ه، هو قانون الخدمات والأسواق المالية الإنجليزي الصادر عام 2000م أو (Financial Services and Markets Act 0002).
بالإضافة إلى ما ذكره لي شخصياً رئيس لجنة الفصل في منازعات التأمين بالسعودية الدكتور بندر الشمّري من أن قانون التأمين الإنجليزي (خصوصاً القانون البحري الصادر عام 1906م) يعد مصدر استئناس للحكم في منازعة تأمين قد تعرض على اللجنة للفصل فيها. وتكمن أهمية هذا الذكر في أن ما يحصل من تطور يخص قانون التأمين الإنجليزي يعد مهماً بالنسبة لتطوير تقنين التأمين السعودي وبالتالي فإن رصد حركة التطور المستمر لقانون التأمين الإنجليزي يعد حاجة ملحّة، إن لم يكن ضرورياً، للاستفادة من تجارب من سبقونا بمراحل متقدمة في هذا المجال والوصول لأفضل النتائج بما يحقق المصلحة العامة والرقيّ لهذا البلد المبجّل.
سؤال وجواب:
يسأل أحد القرّاء الكرام عن سبب ربط التأمين بالمقامرة والرهان كما ذُكر في الحلقة الأولى؟
أقول وبالله التوفيق، أن هذا الربط له أساس تاريخي وهو أن بعض المقامرين كانوا يؤمنون على أية سفينة قائمة برحلة بحرية أو التأمين على ما عليها من بضائع وبدون أن تكون هناك أية علاقة قانونية أو مصلحة مشروعة تربط المؤمن له بالسفينة أو البضاعة محل التأمين، بحيث عند وصول السفينة أو البضاعة سالمة لمحطة الوصول يخسر المؤمن له قسط التأمين الذي دفعه سلفاً للمؤمن ويكسب هذا الأخير القسط، وعند حصول الخطر المؤمن ضده وتحقق الضرر للعين محل التأمين فإن المؤمن له يكسب مبلغ التأمين وبالمقابل يخسر المؤمن قسط التأمين.
وذكرت أن هذه الممارسات أدت إلى الإضرار بالمصلحة العامة بإنجلترا وكان لابد من وضع معيار يميز التأمين عن المقامرة والرهان وكان ذلك المعيار هو المصلحة التأمينية وذكرت أنها تعني أن تكون هناك علاقة قانونية أو قائمة على عقد بين المؤمن له والخطر المؤمن ضده أو العين المؤمن عليها بحيث إن المؤمن له يستفيد من سلامة العين المؤمن عليها أو يتضرر من تلفها أو هلاكها أو يتحمل مسؤولية عند وقوع الخطر المؤمن ضده. وهناك معيار آخر وهو مبدأ التعويض ويعني أن التأمين، عدا التأمين على الحياة، قائم على مبدأ التعويض أي أن المؤمن ملتزم فقط بقيمة إصلاح الضرر المترتب على وقوع الخطر المؤمن ضده وليس للمؤمن له أن يربح من مبلغ التأمين ما يزيد عن قيمة جبر الضرر، وهذا الضرر لابد أن يكون اقتصادياً أو مالياً وليس للضرر الأدبي محل اعتبار في التأمين فلا يستطيع شخص مثلاً أن يؤمن فقط على سمعته أنه صادق أو أنه أمين بل لابد أن تكون مصلحته التي يؤمن عليها مصلحة اقتصادية مشروعة.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً