المباني غير المؤجرة .. احتكار مذموم
خالد بن محمد العنقري
ثمة ترابط وثيق بين الاقتصاد والقانون ومع التطورات الاقتصادية وتنوع سبل الاستثمار أضحت الحاجة ملحة للمساندة القانونية حماية للأسواق والمصالح العامة، كما أن القانون يكون حينا كمشرط الجراح تلجأ إليه الدولة لعلاج أي خلل يشكل خطرا على المصلحة العامة. منذ أكثر من ثلاث سنوات اجتمعت مع أحد الزملاء في مكتبه بطريق الملك فهد في الرياض بمبنى مكون من خمسة طوابق ولا يشغله إلا مكتب الزميل ومكتب آخر حتى أني شعرت بالقلق لخلو المكان والعجيب أن الكثير من المباني بهذا الوضع، ومع ذلك لا تكاد تجد مكتبا بالسعر المناسب، ما يضطر البعض كحال أخينا للرضوخ ودفع مبلغ كبير نظرا لشح العرض أو التمسك بالأسعار المبالغ فيها.
هذه الممارسات قد يرى البعض أنها حق خاص ولسان حالهم “قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم الرشيد”، وفي الحقيقة إن هذا نوع من أنواع الاحتكار المذموم فالاحتكار لا يقتصر على أقوات الناس والبهائم ولكنه عام فيما يضر بالناس فقده، وقد أنكر عمر ـــ رضي الله عنه ـــ ذلك بقوله للتجار “تبتاعون بأبوابنا وأفنيتنا وأسواقنا تقطعون في رقابنا ثم تبيعون كيف شئتم”.
الجميع يتفق على ترابط مصالح المجتمع وكل فرد فيه مهما علا أو قل شأنه يعد عضوا من أعضاء المجتمع وهو من أصحاب المصالح فيه، كما أن الخدمات العامة من سفلتة وكهرباء ومياه وغيرها قد كلفت وتكلف الدولة كثيرا وبعضها يقدم بأقل من سعر التكلفة وهذه المباني لا يتحمل تكلفتها مالكها، بل المجتمع بأسره من حيث الخدمات والحماية وقد يتعذر إيجاد البديل بسبب وجودها وهي خارج نطاق الخدمة.
أخطر ما في الموضوع أن هذا الاحتكار تسبب في ارتفاع الأسعار ارتفاعا لا يتناسب مع حجم السوق وناتج ذلك لا محالة ينعكس على الخطط الاستراتيجية فيحدث الخلل الاقتصادي، نظرا للمعايير غير الحقيقية، ويضاف لذلك عجز المشاريع الصغيرة والمتوسطة عن الدخول إلى السوق أو عجزها عن الاستمرار.
إن النفوس مجبولة على الأثرة وحب الذات كما أن طمع النفس البشرية لا يقف عند حد قال تعالى: “ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض”، كما أن المال محل أنظار الجميع وما شرعت الزكاة إلا حماية للمجتمع من داء الكنز، وقد علل الله ـــ سبحانه وتعالى ـــ تقسيم الفيء بقوله “كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم”.
إن الرسوم على المباني غير المؤجرة في أغلب دول العالم الهدف منها تحقيق التوازن بين العرض والطلب بما يحقق المنافسة العادلة وحماية المجتمع من أي تشوهات قد يعانيها بكل أطيافه وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن سعر المنتج الذي يقدمه التاجر يتضمن القيمة الإيجارية ضمن سعر التكلفة، علاوة على الأضرار الاقتصادية الأخرى التي يجب ألا تغفل ضمن إصلاحات التنمية. ما تجدر الإشارة إليه أن خلو المباني لا يمكن حصر أضراره التي تطول المالك والوسطاء والعقاريين أيضا وهي أقرب إلى ضعف الخبرات التجارية والجهل بأصول الاستثمار وتنمية الأصول منها إلى الاحتكار المبنى على أطماع قريبة المنال. وبالله التوفيق،،،،،،
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً