المخالفات الصحفية
زامل شبيب الركاض*
عادة ما تتسم طبيعة العمل الصحفي بسرعة النشر واستباق الخبر مما يعني أن حدوث بعض الأخطاء غير المقصودة أمر طبيعي، وليست هذه المشكلة فلكل عمل أخطاؤه التي لا تختلف عن المهن الأخرى، ولكن المعضلة تكمن في تعمد تصيد الأخطاء وتجريم العمل الصحفي دون وجه حق استنادا إلى بعض مواد نظام المطبوعات والنشر التي جاءت عباراتها عامة ومطاطة مع أن القاعدة القانونية واضحة ومحددة وموجزة، فمثلا نشر خبر صحيح في قضية فساد جهة حكومية أو موظف عام ومعلومة للكافة يعتبر مجرما لدى البعض ما لم يتحصل الصحفي على المستندات المؤيدة للواقعة مع أن المستندات في الغالب تكون بحوزة الجهة المنشور ضدها وهذه قضية معقدة وخطأ مركب، فكيف يستقيم القول بمنح الفساد الحق في معاقبة الصحافة.
ومن جهة أخرى نجد أنه إذا أثبت الصحفي الواقعة بالمستندات المؤيدة للنشر قد يجرم أيضا بدعوى أن النشر جاء أثناء التحقيق وهذه إشكالية فمتى انتهي التحقيق فعليا وثبتت الواقعة فلا مجال للادعاء بزعم تأثير النشر في مجريات التحقيق ولا يمكن أيضا الحديث عن الحق في حماية سمعة الجهة أو الموظف العام لأن ارتكاب جريمة الفساد أسقط ذلك الحق، وإلا أصبحت كل جهة مخالفة قادرة على مقاضاة الصحف بدلا من محاسبتها وهذه قضية أخرى.
ولا خلاف بأن حرية الصحافة والنقد ومعالجة الأمور مقيدة ومنظمة بضوابط شرعية ونظامية توجب معالجة ما ينشر بموضوعية تضمن سلامة البناء الوطني والاجتماعي، وأداء العمل الصحفي بمنتهي الرقي والالتزام والتجرد من النزوات الشخصية، ولا يعني ذلك وضع العمل الصحفي في نطاق التجريم والعقاب استنادا إلى عبارات نظامية عمومية بقصد التضييق بما يتعارض مع مبدأ حرية الصحافة عالميا، مما تقوم معه الحاجة إلى وجود مرونة في تطبيق هذه الضوابط والتدرج في توقيع الغرامات ابتدأ من حدها الأدنى وصولا إلى الحد الأعلى في حالة تكرار المخالفة من الصحفي إن وجدت وذلك بقصد تطوير المهنة ومعالجة الأخطاء بدلا من تصيدها.
ونخلص إلى أن تحسين أداء العمل الصحفي يبدأ من دعم المؤسسات الصحفية للصحفي وحماية حقوقه وزيادة تأهيله المهني من خلال ابتعاثه في دورات تدريبية متخصصة داخليا وخارجيا، وبالجملة يبقى الصحفي مسؤولا عن تطوير نفسه وزيادة وعيه القانوني بالقواعد المنظمة للمهنة الصحفية، ومن جهة أخرى تقوم الحاجة إلى المزيد من المرونة في تطبيق نصوص النظام بحيث يكون الهدف من الغرامات تطوير العمل الصحفي والتقليل من الأخطاء وليس تصيدها، ونعتقد أن تحسين بيئة العمل الصحفي يتطلب منح الصحفي قدراً من الحرية المنظمة لتمكينه من ممارسة عمله بشكل مهني محترف يساهم من خلاله في حماية مؤسسات المجتمع ومحاربة الفساد ومعالجة القضايا بضوابط نظامية أكثر مرونة في التطبيق بدلا من التأديب.
*محامٍ
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً