قضية العضل
زامل شبيب الركاض
يعتبر عضل البنات ومنعهن من الزواج مشكلة إنسانية واجتماعية تعانى منها بعض المجتمعات نتيجة التقاليد التي تفرض على الفتاة حتى تذعن إلى كل ما يراه ولى أمرها ويعطيه الحق في التحكم في كافة شؤون حياتها، بدون أن يكون لها الحق في إبداء وجهة نظرها في أمر الزواج الذي هو حق من حقوقها الشرعية بالإيجاب والنفي، والإنسان في هذه الحياة لا بد له من رفيق في رحلة العمر يشاركه في أفراحه وسروره ويقف معه في أحزانه وآلامه، وفى عقد الزواج سر إلهي عظيم يحصل به بين الزوجين من المودة والرحمة وسكون كل منهما إلى الآخر، كما يحصل به منافع عظيمة تعود على الزوجين والأولاد والمجتمع والدين.
وكما أسلفنا فإذا كان النكاح مطلباً شرعياً وسبباً في بقاء النوع الإنساني وعمارة الأرض، وتنظيم الفطرة وقضاء الغرائز النفسية والعاطفية والجسدية للرجل والمرأة على الوجه الشرعي، وبناء الأسرة الطيبة التي تعتبر نواة المجتمع، فإن منع الفتيات من الزواج أمر محرم في كتاب الله (فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن) وفى سنة رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم بقوله: “إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه وإلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض” ولا شك أن العضل محرم بإجماع العلماء.
وللعضل أسباب كثيرة منها تأخير الزواج حتى أكمال الفتاة لدراستها ولا بأس أن تشترط لوليها في عقد الزواج أن تكمل تعليمها، وكذلك رفض الفتاة كل من تقدم لها رغبة في الارتباط بفارس الأحلام الذي قد لا يوجد إلا في الخيال أو في وسائل الإعلام، أو بسبب التجارب الفاشلة سواء بالنسبة للفتاة أو قريباتها والخوف من الزواج نتيجة أمراض نفسية وعاطفية، وغالبا ما يكون العضل من قبل الأولياء بسبب الأنانية والتهاون في أمر الزواج حتى يمضى قطار العمر وتصحو الفتاة على حقيقة إنها لم تعد في سن الزواج، وكذلك الشح على الإرث، والمبالغة في المهر، والطمع في راتب الفتاة مع أنه حق لها وليس للولي أو الزوج، فإن أعطت منه أحدا عن طيب نفس فلا حرج.
ومن أهم أسباب العضل منع تزويج الفتاة من الأكفاء من غير العائلة أو القبيلة وإصرار ولي أمرها بتزويجها من أحد أقاربها الذي قد لا ترغب الفتاة بالزواج منه فيمنعها أولياؤها من الزواج من غيره إرغاما لها على قريبها أو معاقبتها بالبقاء بدون زواج، ومن أشد العضل وأخطره رغبة الولي الانتقام من أم الفتاة لكونها طلقت منه وحدثت بينهما كثير من المشاكل فيمنع البنت من الزواج ظلما واستكبارا بغير الحق.
ونخلص إلى أن العضل يعتبر جريمة خطيرة لها أثارها على الفتاة والأسرة والمجتمع، فالضغط النفسي الذي تتعرض له الفتاة والحرمان النفسي والجسدي لا شك أن لهما آثراً سيئاً في إصابتها بالاكتئاب والقلق، وتعطيل حياتها العملية والدراسية والاجتماعية، مما يدفعها إلى فقدان الأمل والتخوف من مستقبل عانس وحياة محرومة بائسة يغلب عليها الهم والغم وغير ذلك من الآثار التي ستؤدى إلى حياة أسرية كئيبة وعلاقات متوترة مشحونة بين الولي والفتاة والآخرين. وتبقي القضية الأهم والأثر الأعم للعضل والذي ينذر بالخطر على المجتمع هو الخوف من انتشار وتفشي الرذيلة والجرائم الأخلاقية نتيجة تعطيل الطرق الشرعية لقضاء الغريزة الإنسانية لقوله صلى الله عليه وسلم ” إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه وإلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض”
وأعتقد أن معالجة قضية العضل تبدأ بتوعية الفتيات بحقهن في رفض الظلم ومقاومته بالدعاء والالتجاء إلى الله وتحقيق الإيمان بالقضاء والقدر والتوكل على الله عز وجل “ومن يتوكل على الله فهو حسبه” وفعل الأسباب المشروعة مثل التعبير عن آرائهن وإبدائها لاستيضاح حقيقة الأمر من الولي، واللجوء بعد الله إلى الأمهات والقريبات الحكيمات لمعالجة الوضع وإقناع العاضل بالحسنى، مع التأكيد على طاعة الوالدين وبرهما والإحسان إليهما، ولكن لا يعنى ذلك الاستسلام التام والرضوخ الذي يؤدي إلى العضل الذي يحدث غالبا نتيجة جهل تتطلب معالجته تضافر جهود أهل العلم والخطباء ووسائل الإعلام لتوضيح حكم الشرع بتحريم العضل وبيان خطورته على الفرد والمجتمع.
وإذا امتنع الولي من تزويج الفتاة ممن تقدم لها وترضاه دينا وخلقا وتتوفر فيه الكفاءة في الدين والنسب ولم يقدح فيه بما يبعده عن أمثالها كان على ولي المرأة تزويجها منه فإن امتنع نبه إلى وجوب مراعاة جانب موليته، فإن أصر على الامتناع سقطت ولايته وانتقلت إلى من يليه في القربى من العصبة، والعضل ظلم قد تعجل عقوبته في الدنيا والآخرة، بسبب حرمان الفتيات من حقهن في الزواج، وهذا من أعظم الأمور التي تؤدي بالفتاة إلى العقوق والى الخروج على آبائهن وأوليائهن، فعلى الآباء أن يعينوا بناتهم على برهم وان يحسنوا إليهن وان يرعونهن حق الرعاية، وعلى البنات أن يتقين الله سبحانه وتعالى ولا يعاندن آباءهن إذا أرادوا تزويجهن من بعض الأقارب لاعتبارات يعرفون أن المصلحة في مراعاتها، فكثيرا ما نجد أن بعض البنات يعاندن آباءهن ويتعلقن بأشباه الرجال وينتهى الزواج بالطلاق وتتولد المشاكل التي لا تنتهي إلا بوصول صاحبتها إلى القبر.
وكما أسلفنا فإنه يجب على الأولياء أن يتقوا الله عز وجل في من تحت ولايتهم من الفتيات العفيفات الطيبات اللائى يراعين أصول التربية فلا يستطعن أن يرفعن أصواتهن على أوليائهن أو رفع شكواهن إلى المحكمة، لكنهن في كل صلاتهن وفي آخر الليل يرفعن شكواهن إلى رب العالمين وهذه من أخطر الشكاوى التي يسمعها الله جل وعلا فيستجيب دعاءهن وتكون القاصمة والواقعة المهلكة على ذلك العاضل والعياذ بالله.
ونخلص الى انه إذا امتنع الولي عن تزويج الفتاة بغير حق كان عاضلا، وجاز للفتاة أن تطلب من أهل الخير والإصلاح إقناع وليها بخطورة ذلك الأمر فإن تعذر الإصلاح وأصر الولي على ذلك الظلم بدون أسباب شرعية، فعلى الفتاة إن تتقدم إلى المحكمة الشرعية في بلدها للنظر في دعوى العضل فإن ثبت للقاضي عضل الولي، وتقدم للفتاة من ترضاه خلقا ودينا وكفاءة، ولم يوجد المانع الشرعي فإن القاضي يأذن للولي الذي يلي العاضل فإن لم يكن هناك ولي آخر أو تعذر وجوده أو عضل الأولياء، وثبت للقاضي الضرر ولا يحتمل التأجيل قام القاضي بنفسه بإجراء عقد النكاح.
@ المحامي
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً