دور مجالس الأمناء في مراقبة أداء الجامعات الرسمية
قراءة في قانون الجامعات الأردنية رقم 20 لسنة 2009
كتب – أ.د. فايز خصــاونه – لقد اشتمل القانون المشار إليه على نصوص تتعلق بتوجه واضح نحو منح الجامعات درجة عالية من الاستقلالية في إدارة شؤونها في مختلف المجالات وجعل هذه الاستقلالية مقرونة بمبدأ مسائلة الإدارة الجامعية أمام مجلس الأمناء.
وبما أن القانون تحدث عن سائر الجامعات الأردنية، فقد كانت معالجة الاستقلالية والمسائلة متباينة بين الجامعات الرسمية والخاصة، وعليه لابد من مناقشة دور مجالس الأمناء لكل فئة على حدة، وأرجو أن أبين فيما يلي مطالعاتي على القانون فينا يخص الجامعات الرسمية فقط.
إن دور مجالس الأمناء في مراقبة أداء الجامعات الرسمية محكوم بنصوص المواد التالية:
• جاء في المادة 11 ما بلي:
يتولى مجلس الأمناء المهام والصلاحيات التالية:
أ- رسم السياسة العامة للجامعة،
ب- إقرار الخطة السنوية والاستراتيجية للجامعة بناء على تنسيب مجلس الجامعة ومتابعة تنفيذها وتقييمها،
ج- تقييم أداء الجامعة من جميع الجوانب الأكاديمية والإدارية والمالية والبنية التحتية.
• جاء في المادة 13 ما يلي:
المادة 13-أ- رئيس الجامعة مسؤول أمام مجلس الأمناء عن إدارة شؤونها وهو آمر الصرف فيها ويمارس المهام والصلاحيات التالية:
4. تقديم خطة العمل السنوية للجامعة إلى مجلس الجامعة لدراستها ورفعها إلى مجلس الأمناء،
6. تقديم تقارير ربع سنوية وسنوية عن أداء الجامعة إلى مجلس الجامعة مبينا فيه مؤشرات الأداء في مجالات التعليم العالي والبحث العلمي وخدمة المجتمع والأنشطة الأخرى، وأي اقتراحات يراها مناسبة لتطوير الجامعة وفق الآلية المعتمدة لذلك على أن يقوم مجلس الجامعة بمناقشته ورفعه إلى مجلس الأمناء.
• كما جاء في الفقرة ج من المادة 23 ما يلي:
ج- تنشأ في الجامعة وحدة رقابة وتدقيق داخلي تكون مسؤولة أمام مجلس الأمناء مباشرة تتولى الإشراف على تطبيق بنود موازنة الجامعة من إيرادات ونفقات وعقود والتزامات، وعليها تقديم تقارير دورية إلى مجلس الأمناء عن الشؤون المالية للجامعة.
وعند قراءة هذه النصوص مجتمعة نجد أن المشرع حصر رسم السياسة العامة للجامعة الرسمية بمجلس أمنائها وطلب من الجامعة وضع خطة سنوية وأخرى استراتيجية تغطي 3-5 سنوات، وجعل إقرار هاتين الخطتين من مهام مجلس الأمناء، كما أعطى المجلس مهام متابعة تنفيذ هاتين الخطتين وتقييمهما.كما حدد القانون المنهجية التي تستخدم لوضع هاتين الخطتين حيث جعلهما مرهونتين بتنسيب من مجلس الجامعة، وهذا يعني أن الرئيس يقدم مشروع الخطة إلى مجلس الجامعة للمناقشة والتعديل وصولا إلى صيغة يوافق عليها المجلس، ثم يرفعها الرئيس إلى مجلس الأمناء بصفته رئيسا لمجلس الجامعة. والمقصود هنا لا ينحصر في رفع هذه الخطة لأغراض الإطلاع فقط، بل هو لأغراض الإقرار تمشيا مع أحكام الفقرتين (ب) و (ج) من المادة 11 حيث أنيطت بمجلس الأمناء مهمة تقييم أداء الجامعة من جميع الجوانب الأكاديمية والإدارية والمالية والبنية التحتية.
لقد جعلت هذه النصوص رئيس الجامعة مسؤولا أمام مجلس الأمناء عن إدارة شؤون جامعته دون تحديد، مما يفيد الإطلاق لتغطي كل مناحي إدارة شؤون الجامعة وذلك إضافة إلى ما سبق ذكره عن تكليف مجلس الأمناء بتقييم أداء الجامعة. فالرئيس مكلف بتقديم تقارير ربع سنوية وسنوية عن أداء الجامعة “وفق الآلية المعتمدة”، وعلى المجلس أن يطلع على هذه التقارير ويناقشها ليطمئن على مسيرة الجامعة أولا، وليصدر ما يلزم من توجيهات للرئيس بما يتعلق بسائر شؤون الجامعة مع مراعاة عدم التدخل في إدارة الجامعة بأي شكل من الأشكال.
ولتحقيق ذلك لا بد لنا من العودة إلى مصطلح الآلية المعتمدة التي وردت في النص.لقد استعملت هذه العبارة دون وصف أو تعريف سابق لهذه الآلية وكأنها متعارف عليها، وهي ليست كذلك. حيث أنها أول وآخر مرة تذكر فيها هذه الآلية في هذا القانون، مما يفتح المجال للاجتهاد في مضمونها وخصوصا أنه يفهم من السياق أن التقارير عن أداء الجامعة يجب أن تبين “مؤشرات الأداء” في مجالات التعليم العالي والبحث العلمي وخدمة المجتمع والأنشطة الأخرى. هذه مفردات معروفة في أدبيات الإدارة (آلية معتمدة، مؤشرات أداء)، إلا أنها مفردات جديدة في صياغة قانون الجامعات موضوع بحثنا وكل قوانين الجامعات التي سبقته. لذلك لابد من وقفة خاصة عند هذه المفردات، وخصوصا أن المطلوب هو أن تبين الآلية مؤشرات أداء للمحاور الثلاثة الرئيسة المناطة بالجامعة: التعليم والبحث العلمي وخدمة المجتمع.
بداية نتساءل ما هي مؤشرات الأداء في مجال التعليم الجامعي، أو في مجال البحث العلمي، أو في خدمة المجتمع؟ فعلى سبيل المثال، إذا كان المقصود أن تحتوي الآلية على مؤشر لأداء الجامعة في مجال البحث العلمي ، فهناك مجموعة كبيرة من المعايير ذات العلاقة، وهي معروفة لدى أصحاب الاختصاص ومتداولة. ولكن من يقرر أياً منها يعتمد لهذا الغرض؟ وهل يشتمل التقرير على بعض منها أم على معظمها، أم على مجموعة يختارها الرئيس لتظهر الجانب المرضي من أداء الجامعة؟ وهذا ينسحب على محور التعليم ومحور خدمة المجتمع. أي أن هيكلة هذه الآلية بقي مفتوحا للاجتهاد.
وهنا تبرز سلسلة من التساؤلات المهمة: فطالما أن “الآلية المعتمدة” غير مُعَرّفة وغير متعارف عليها ولم يسبق أن عُرّفت في أيّ من قوانين الجامعات السابقة، وطالما أن هذه الآلية يجب أن تبين مؤشرات أداء محددة لمعايير قابلة للتعريف الدقيق الذي يزيل أي لبس في قياس الأداء فيها، وطالما أن كلا هذين الأمرين بقيا متاحين للاجتهاد، فمن يجتهد في وضع الآلية وتحديد محاور مؤشرات الأداء فيها؟ ومن يعتمدها لتصبح “الآلية المعتمدة”؟ وإذا بادرت جهة ما مثل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بوضع مثل هذه الآلية وفرضها على الجامعات الرسمية فهل يعتبر ذلك تعديا على استقلالية الجامعات؟ وماذا لو صدرت بنظام علما بأن المجالات التي نص القانون على صدور أنظمة فيها مذكورة وهذا المجال ليس واحدا منها؟
نستنتج من القراءة المتأنية لكل النصوص الواردة في القانون أن المشرع قصدأن نترك لكل مجلس أمناء الحرية في إيجاد الصيغة المناسبة التي يرتضيها لمراقبة أداء جامعته؟ فإذا كان الأمر كذلك فربما أن يكون مناسبا في هذه المرحلة أن تقوم جهة مفوضة من مجالس الأمناء كلها بوضع صيغة توافقية تتضمن الحد الأدنى من وسائل المراقبة (آلية) ليقوم كل مجلس بمناقشتها وإدخال مايراه مناسبا لتعديلها، وصولا إلى صيغة خاصة بكل جامعة كما يرتضيها لها مجلس أمناءها.ولعلنا بهذه الطريقة نستطيع أن نوائم بين مرتكزات القانون الأساسية في المحافظة على استقلالية الجامعات من جهة وإيجاد مجموعة متجانسة من الآليات المعتمدة من جهة أخرى، بحيث تشتمل هذه الآليات على قدر مقبول من الاتساق بين الجامعات في الوصول إلى الغاية المرجوة منها.
لقد حدد النص الوارد في البند السادس من الفقرة أ من المادة 13 أن تكون هذه التقارير ربعية وسنوية. وهذا لاينسجم مع جدولة الممارسة الأكاديمية التي تتماشى مع الفصول الدراسية. فياحبذا لو كانت هذه التقارير فصلية وسنوية بدلا من ربعية وسنوية، ولكن لابد من الالتزام بالنص لحين تعديله.
أما في الأمور المالية، فقد أعطى المشرع إلى مجلس الأمناء صلاحية تقييم الأداء ربعيا وسنويا كما جاء أعلاه، كما أعطاه مسؤولية أخرى في موضوع الرقابة والتدقيق المالي. فقد نصت الفقرة ج من المادة 23 على إنشاء “وحدة رقابة وتدقيق داخلي تكون مسؤولة أمام مجلس الأمناء مباشرة” وحصرت أعمال هذه الوحدة في الأمور المالية فقط. ولعل المشرع أراد من جعل هذه الوحدة مسؤولة أمام مجلس الأمناء مباشرة أن لا تقع تحت تأثير الإدارة الجامعية (الرئيس وفريقه) عند مباشرتها للمهام المناطة بها. ولكن واقع الحال يحتم غير ذلك. فبما أنه لا توجد مخصصات مالية تحت تصرف مجلس الأمناء، ولا توجد له طواقم إدارية، فلا بد من أن تقوم الجامعة بتعيين كوادر هذه الوحدة وصرف رواتبهم ورصد دوامهم والموافقة على إجازاتهم وترقياتهم وتعبئة تقاريرهم السنوية وكل مايلزم من متابعات إدارية، شأنهم شأن أي وحدة إدارية أخرى في الجامعة.
كل هذه الأمور تلغي ما ذهب إليه المشرع من أن لا تقع هذه الوحدة تحت تأثير رئيس الجامعة وفريقه الإداري وتجعل مسؤوليتها المباشرة أمام مجلس الأمناء مسؤولية إسمية. ولكن رغم أن هذا اللبس في النص القانوني لا يسعف في تطبيقه، إلا أن العمل المطلوب من هذه الوحدة ضروري ويجب أن ينجز، وخصوصا أن القوانين السابقة نصت على إنشاء دائرة رقابة وتدقيق داخلي، وكان عملها مفصلا بتعليمات يصدرها مجلس الجامعة، وكانت مسؤولة أمام الرئيس وكان الرئيس مسؤولا عن حسن أدائها مثلما كان مسؤولا عن حسن أداء سائر الوحدات الإدارية والأكاديمية الأخرى.
ربما يكون الحل الممكن في ظل هذه النصوص أن يستمر عمل هذه الوحدة كما كان سابقا وحسب تعليمات يصدرها مجلس الجامعة وأن ترفع التقارير إلى الرئيس وترسل نسخة منها إلى مجلس الأمناء لتناقش في جلساته الدورية. وهذا يجعل عمل هذه الوحدة مرهونا بمستوى التعاون بين المجلس والرئاسة، ولا بأس في ذلك. فالأصل في مجلس الأمناء أن يكون معينا للرئاسة ومرشدا لها، وحاميا لاستقلاليتها، وأن تكون مراقبته لأدائها وأموالها موجهة لتعظيم النفع العام وتعظيم العائد على الاستثمار الوطني في المنشأة الجامعية وفي تنشأة رأس المال البشري.
وفي الخلاصة، فإن النصوص القانونية تطلب من رئيس الجامعة تقديم مايلي لمجلس الأمناء:
1. خطة سنوية للجامعة، بعد عرضها على مجلس الجامعة وموافقته عليها، ولمجلس الأمناء مناقشتها وإقرارها،
2. خطة استراتيجية (3-5 سنوات)، بعد عرضها على مجلس الجامعة وموافقته عليها، ولمجلس الأمناء مناقشتها وإقرارها.
3. تقارير ربعية عن أداء الجامعة من جميع الجوانب الأكاديمية والإدارية والمالية والبنية التحتية، وحسب آلية يعتمدها مجلس الأمناء، على أن تبين هذه الآلية مؤشرات أداء لمعايير يحددها مجلس الأمناء وتغطي محاور التعليم الجامعي والبحث العلمي وخدمة المجتمع، ولمجلس الأمناء أن يناقش هذه التقارير ويعتمدها ويصدر توجيهاته بشأنها.
4. تقارير سنوية عن أداء الجامعة بالمنهجية المتبعة في التقارير الربعية الموصوفة أعلاه.
5. تقارير وحدة الرقابة والتدقيق الداخلي عن الشؤون المالية للجامعة.
كما طلبت النصوص الواردة في هذا القانون من مجلس الأمناء أن يعتمد آلية للمتابعة والتقييم تشتمل على معايير يختارها المجلس ويطلب معلومات دورية عنها.
يتضح من هذه القراءة أن القانون الجديد شكل نقلة نوعية في تشريعات التعليم العالي ورسمت طريقا يسير نحو تحقيق مبدأ الاستقلالية المسؤولة، وهو أمر لم يكتمل بعد، إلا أننا في الاتجاه الصحيح. كما يتضح أن في القانون بعض الثغرات التي نأمل في استدراكها قريبا، أما مايتردد من أن التطبيق لم يكن بالمستوى المطلوب، فهذا أمر طبيعي عند استحداث تغييرات تشريعية جذرية خرجت عما كان مألوفا لأكثر من أربعة عقود.فإدارة التغيير لا ترتكز على نوع التغيير واتجاهه وسرعة تنفيذه فقط، بل تعتمد أيضا على تفاعل المتأثرين به مع المؤثرين فيه.
**الكاتب رئيس مجلس أمناء الجامعة الألمانية الأردنية
اترك تعليقاً