قيمة التوقيع على بياض : وقد يضع صاحب الشأن توقعيه على الورقة العرفية قبل كتابتها قبل كتابتها، فيقال عندئذ إنه وقع على بياض (blanc seing).
ويكون قد قصد بذلك أن يعهد إلى الطرف الآخر أن يكتب فوق التوقيع البيانات التى اتفق معه على عناصرها الجوهرية وترك إليه استكمال تفصيلاتها على أسس معينة . مثل ذلك أن يوقع شخص شيكاً على بياض لمصلحة شخص آخر له معه حساب جار ، ويعهد إليه أن يضع الرقم الدال على قيمة الشيك بمقدار ما على موقع الشيك من رصيد الحساب الجارى بعد تصفيته . ومن ثم يكون من وقع على بياض قد وثق فى صاحبه واطمأن إلى أمانته ، ومن هنا يجئ الخطر فى التوقيع على بياض إذا خان الأمانة من اؤتمن .
ومهما يكن من أمر فان التوقيع على بياض صحيح . وهو من شأنه أن يكسب البيانات التى ستكتب بعد ذلك فوق هذا التوقيع حجية الورقة العرفية ، فان هذه الحجية تستمد كما قدمنا من التوقيع لا من الكتابة ، فيستوى أن تكون الورقة قد كتبت قبل التوقيع أو بعده . والمهم أن من يوقع الورقة يوقعها بخطه ، ويقصد من توقيعها أن يرتبط بالبيانات التى سترد فى الورقة .
على أن من يؤتمن على هذا التوقيع يجب عليه أنت يرعى الأمانة ، فلا يضع فى الورقة بيانات غير ما اتفق عليه مع الموقع ، وإلا عوقب جنائياً ([1]) .
أما الناحية المدنية : فعبء إثبات تسليم الورقة الموقعة على بياض وخيانة من تسلمها يقع على من وضع توقيعه على بياض . ويراعى فى ذلك القواعد المقررة فى الإثبات . ذلك أنه إذا ما كتبت الورقة البيضاء بعد التوقيع عليها ، أصبحت قيمتها فى الإثبات قيمة الورقة العرفية التى لم توقع إلا بعد أن تمت كتابتها . ولكن يبقى للمدين الحق فى أن يثبت أنه إنم سلم توقيعه على بياض للدائن وأن ما كتبه هذا فـوق التوقيع لم يكن هـو المتفـق عليـه بينهـما . ويكـون إثبـات ذلك طبقـاً للقواعـد العامـة ، أى أنـه لا يجـوز إثبات عكس المكتوب إلا بالكتابة
$181 كما سنرى([2]) . فإذا استطاع هذا الإثبات ، فقدت الورقة حجيتها فيما بينهما . ولكنها لا تفقد هذه الحجية بالنسبة إلى الغير حسن النية ، فمن تعامل مع متسلم الورقة معتقداً أنها ورقة صحيحة ، فحولت إليه مثلا ، جاز له أن يتمسك بحجية الورقة فى حق من وقع على بياض([3]) ، ويرجع الموقع ، على من أساء استعمال توقيعه([4]) .
ولكن إذا كان التوقيع على بياض ذاته قد تم الحصول عليه من غير علم صاحب التوقيع ، ولم يقصد الموقع أن يسلم توقيعه على بياض إلى من أساء استعمال هذا التوقيع ، بل حصل عليه هذا خلسة ، كان التوقيع نفسه غير صحيح ، وكانت الورقة باطلة ، وعوقب من أساء استعمال التوقيع بعقوبة التزوير ( م340 عقوبات ) ([5]) . ولصاحب التوقيع أن يثبت هذا الإختلاس بجميع الطرق ، ومنها البينة والقرائن ، لأنه إنما يثبت غشاً . فاذا ما أثبت ذلك فان الورقة تسقط حجيتها فى حقه بعدأن انكشف بطلانها على ما قدمنا . بل إن الغير حسن النية الذى تعامل مع المختلس على أساس أن الورقة صحيحة لا يستطيع أن يتمسك بحجية الورقة فى حق صاحب التوقيع ، ذلك أن صاحب التوقيع لم يسلم توقيعه على بياض للمختلس ، كما فعل ف الحالة السابقة ، بل اختلس منه التوقيع اختلاساً ، فلا يمكن أن ينسب إليه أى إهمال([6]) .
منقول من كتاب الوسيط – للعلامة الاستاذ الدكتور / السنهوري
([1]) وقد نصت المادة 340 من قانون العقوبات على أن (( كل من اؤتمن على ورقة ممضاة أو مختومة على بياض ، فخان الأمانة وكتب فى البياض الذى فوق الختم أو الإمضاء سند دين أو مخالصة أو غير ذلك من السندات والتمسكات التى يترتب عليها حصول ضرر لنفس صاحب الإمضاء أو الختم أو لماله ، عوقب بالحبس ، ويمكن أن يزاد عليه غرامة لا تتجاوز خمسين جنيهاً مصرياً . وفى حالة ما إذا لم تكن الورقة الممضاة أو المختومة على بياض مسلمة إلى الخائن وإنما استحصل عليها بأية طريقة كانت ، فإنه يعد مزوراً ويعاقب بعقوبة التزوير )) .
([2]) وهذه القواعد ذاتها تراعى فى إثبات الجريمة الجنائية المنصوص عليها فى المادة 340 من قانون العقوبات ، وقد مر ذكرها ـ هذا وإذا كانت الحيلة (dol) قد استعملت فى الحصول على الورقة الموقعة على بياض ، فيجوز عندئذ إثبات الغش بجميع طرق الإثبات .
([3]) أوبرى ورو 12 فقرة 756 ص 185 ـ ص 186 ـ بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1459 ص 898 .
([4]) الموجز للمؤلف ص 666 .
([5]) استئناف مختلط 15 يناير سنة 1926 م 38 ص 470 ـ 13 ديسمبر سنة 1939 م 52 ص 47 .
([6]) أوبرى ورو 12 فقرة 756 ص 186 ـ بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1459 ص 898 .
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً