مبدأ شرط المشقة في عقود التجارة الدولية
عبدالله آل جديع
تلعب العقود دوراً حيوياً وبارزاً في حياة المجتمع وتعاملات أفراده ومؤسساته التجارية والاقتصادية اليومية اذ تعد العقود من اهم مصادر الالتزام الذي تترتب على أثرها الحقوق والالتزامات وتنتظم بشكل يتواءم ويتفق مع مصالح وحاجات اطرافها وقد استقر الفكر القانوني على ان العقد هو عبارة عن توافق ارادتين او اكثر على احداث اثر قانوني معين سواء اكان هذا الاثر القانوني ذا طبيعة مدنية ام تجارية ام ادارية. فالعقد يوجد اينما وجد الالتزام فهو بمثابة الاداة القانونية والقوة الملزمة والمنظمة لهذا الالتزام.
ونظرا لأهمية العقود ودورها في تسيير واستقرار التعاملات التجارية والاقتصادية فقد احاطت التشريعات والقوانين المختلفة هذه العقود بقواعد قانونية امره تضمن حسن تنفيذها على اكمل وجه دون اخلال او تقصير مع عدم جواز مخالفتها او تعديلها الا فيما يرد بشأنه اتفاق بين اطرافه ولعل من ابرز القواعد القانونية المنظمة لهذه العقود ما يسمى بقاعدة او مبدأ العقد شريعة المتعاقدين اذ تعتبر هذه القاعدة من ابرز القواعد الآمرة المتعارف عليها في مجال العقود والتي يلتزم بموجبها طرفي التعاقد بتنفيذ العقد تنفيذاً شاملاً لكل ما ورد فيه من شروط واحكام دون تعديل او تغيير الا باتفاق المتعاقدين فيما بينهم. وبالرغم من القوة الالزامية لهذه القاعدة الذهبية في مجال العقود الا ان المنظمين لهذه القاعدة اوردوا بعض الاستثناءات عليها ايمانا منهم بضرورة خلق التوازنات بين اطراف التعاقد خاصة في مجال العقود متراخية التنفيذ اي ذات المدد الطويلة والتي قد يصاحب عملية تنفيذها احتمال حدوث حوادث قد تؤدي الى اعاقة تنفيذها.
ونتيجة لهذا الاستشعار فقد وردت نظرية الظروف الطارئة او الحادث المفاجئ كاستثناء معروف على هذا المبدأ العام الذي يحكم نظرية العقود فمن الممكن للقاضي ان يتدخل لتعديل بنود وشروط العقد في حالة حدوث حوادث طارئة عامة لم يكن في الوسع توقعها كالحروب او الزلازل او الارتفاع اللامعقول في الاسعار او غيرها من الحوادث التي يترتب على حدوثها ان الالتزام التعاقدي يصبح مرهقاً لأحد طرفيه بحيث يهدده بخسائر فادحة. فهنا يجوز للقاضي وفقا لهذه الظروف ان يتدخل لاعادة التوازن بين طرفيه كإجراء لحماية مصالح المتعاقدين واستمرار للتعاملات فيما بينهم.
والواقع ان هذه القاعدة مع اعتراف الكل بقوتها القانونية الملزمة الا ان المتعاقدين لا يضمنونها في عقودهم فهي مجرد قاعدة عامة نصت عليها القوانين ودعت الى ضرورة احترامها وتطبيقها وبالتالي فهي تطبق ضمنيا حتى ولو لم يتم النص صراحة عليها ولم تدرج في العقد.
هذا هو النمط او خط السير المتعارف عليه في تنفيذ العقود بشكل عام، وما نحن بصدد الحديث عنه هو مبدأ جديد عرفته عقود التجارة الدولية يسمى بمبدأ شرط المشقة او شرط التعديل او شرط المراجعة او شرط الاختلال الكبير كما يسميه الفقه الامريكي، والحقيقة ان هذا المبدأ لا يختلف كثيراً عن النظرية التقليدية في العقود اي نظرية الظروف الطارئة الا ان الفرق ان نظرية الظروف الطارئة لا يتم النص عليها في العقد فهي تخضع لسلطة القاضي متى ما توافرت شروط تطبيقها وهي استثناء على مبدأ العقد شريعة المتعاقدين اما بالنسبة لمبدأ شرط المشقة فهو مبدأ أصيل في العقد جاء نتيجة لضرورات عملية واقتصادية فرضت ذاتها على عقود التجارة الدولية ذلك ان الثابت في الواقع العملي ان تنفيذ العقود الدولية ووفاء كل طرف بالتزاماته التعاقدية يستغرق وقتا طويلا وقد يحدث اثناء تنفيذها وقوع حوادث طارئة لم تكن في الحسبان كالحوادث السياسية التي تؤدي إلى زيادة قيمة الأدوات اللازمة لتنفيذ هذه العقود مما يجعل قيمتها تقفز إلى مستويات سعرية عالية في مقابل انخفاض قيمة المقابل لها في تلك العقود الأمر الذي يؤدي إلى انقلاب ميزان العقد واختلاله اختلالا جسيماً وبالتالي يصبح موضوع تنفيذه أمرا عسيراً، ونظراً لما لهذا الاختلال العقدي من ضرراً كبيراً على سير التعاملات التجارية الدولية فقد رأى رجال أعمال دوليين ضرورة الوصول إلى حل مرضي ومعقول يتوافق مع طبعة هذه العقود الدولية ويحافظ على استمراريتها ويكون بعيدا عن نمط القواعد التقليدية المعروفة في تنفيذ العقود.
ونتيجة لتلك الرغبة فقد قام معهد روما (صَىلءُىُّ) سنة 1994م بالعمل على وضع مبادئ قانونية تساير وتلائم التطورات الاقتصادية التي تلابس العمل التجاري الدولي وتكون مقبولة من كافة النظم القانونية المختلفة، ويعتبر مبدأ شرطالمشقة في تنفيذ عقود التجارة الدولية من أهم المبادئ التي جاء بها معهد روما بحيث يلتزم المتعاقدون بتطبيق هذا الشرط متى قبلوا خضوع عقدهم له. ومضمون هذا الشرط أن يلتزم طرفي التعاقد بالقيام بالتزاماتهم حتى ولو اصبح تنفيذ العقد اشد كلفة وذلك عن طريق الجلوس مع بعض والتفاوض لايجاد حل مقبول عن طريق تعديل بعض أحكام وبنود العقد حتى يتناسب مع الواقع القاسي له ومن ثم يستمر العقد بعد تعديله حتى نهاية اجله أما في حالة عدم الوصول إلى حل مرضٍ ومقبول من جميع الأطراف فسيتم رفع موضوعه إلى القاضي أو المحكم لتقرير ما يراه مناسبا ومحققاً لحاجات ومصالح طرفي التعاقد.
ومما سبق نلاحظ أن أداة التفاوض التي سعى معهد روما إلى تحقيقها عن طريق مبدأ شرط المشقة تعتبر هي الأداة الفنية المناسبة لإنقاذ العقد وضمان استمراريته وحماية مصالح أطرافه مع ملاءمتها لظروف عقود التجارة الدولية كما تدل في ذات الوقت على الحكمة والحصافة والخبرة القانونية والفنية العالية التي يتمتع بها هذا المعهد الدولي العريق في مجال توحيد قواعد قانون التجارة الدولية.
@ مستشار قانوني
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً