الأساس الوطني لتمتع المرأة بالحقوق السياسية
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
يتمثل الأساس الوطني لتمتع المرأة بالحقوق السياسية في مختلف الدول و يتجسد في الدساتير والقوانين الأساسية المفصلة لها والتي أقرت للمرأة بحقها في ممارسة حقوقها الأساسية من خلال النص على هذه الحقوق صراحة أو ضمناً من خلال إقرار مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين من دون تمييز بينهم بسبب الجنس وهو المسلك الذي اتخذته اغلب الدساتير المعاصرة.
ويتمتع الأساس الوطني بالأولوية على الأساس الدولي لحقوق المرأة لاسيما في مسألة الحماية المقررة لهذه الحقوق إذ يشكل خط الدفاع الأول الذي تملكه المرأة لحماية حقوقها من أي انتهاك من خلال لجوؤها إلى القضاء الوطني لأنصافها من الظلم الذي لحق بها فأي محاولة لبيان ماهيتها وسبل تعزيز ممارسة المرأة لها وأساس هذه الممارسة يجب أن ينطلق من خلال دراسة نصوص الدساتير الوطنية وما يلحقها من قوانين تعالج وتنظم ممارسة الحقوق السياسية التي تقرها تلك الدساتير
وتمنحها للمرأة وبما أن الدستور هو القانون الأعلى الحاكم في كل دولة فأنه من المنطقي أن ينظر إليه في الدول كافة على أنه المصدر الأول والرئيس والمباشر للحقوق السياسية والأساس القانوني الذي يتيح للمواطن رجلا كان أم امرأة التمتع بها وممارستها بحرية من دون قهر أو منع داخل حدود هذه الدولة وعلى هذا فأنه يكون لزاما علينا تناول موضوعة الأساس القانوني للحقوق السياسية للمرأة من خلال نقطتين أساسيتين نعرض في أولهما دور الدستور عموما في هذا الخصوص ونعرض في الثانية موقف بعض الدساتير من هذه الحقوق ومدى اعترافها للمرأة بهـا مع مقارنتها بالدستور العراقي الجديد لعام 2005 وعلى النحو الأتي :
الدستور والحقوق السياسية للمرأة:
يعد الدستور كما سبق القول الأساس القانوني لتمتع المرأة بالحقوق السياسية مثلها مثل الرجل على حد سواء والمصدر الرئيس لحقوقها جميعاً السياسية وغير السياسية فهو من يحددها ويبين ماهيتها وضوابط ممارستها ووسائل حمايتها وكفالة التمتع بها وهنا يطرح السؤال عن ماهية الدستور وآلية تعامله مع حقوق المرأة لاسيما السياسية منها ؟
تعددت التعريفات التي قيلت فقهاً في الدستور باختلاف وجهات النظر إليه فهناك من ينظر إلى الدستور على أساس المعنى اللغوي للفظ (الدستور) بينما هناك من يعرفه على أساس شكلي أو رسمي في حين أن هناك من يركز على الناحية الموضوعية فيه في حين أن هناك من ينظر إليه من حيث الهدف من وجوده وذلك على أساس علاقته بفكرة السلطة والحرية.
– الدستور لغةً :
كلمة (دستور) هي كلمة ليست عربية الأصل بل أنها كلمة فارسية ، ومعناها بحسب المعجم المستدرك (الوزير الكبير الذي يرجع إليه في الأمور وأصله الدفتر الذي يجمع فيه قوانين الملك وضوابطه فسمي به الوزير لأن ما فيه معلوم له أو لأنه مثله في الرجوع إليه لأنه في يده أو لأنه لا يفتح إلا عنده)([1]) وقيل فيه أنه كلمة مركبة من كلمتي(دست) وتعني (يد) و(ور) وتعني صاحب ويراد بها قاعدة أساسية يرجع إليها كدفتر الجند أو مجموع قوانين الدولة([2]).وهو يعني بالفارسية الأساس أو القاعدة أو الإذن أو الترخيص([3]).أما في اللغتين الإنكليزية والفرنسيـة فأن المصطلح المستخدم للدلالة على الدستور هـو مصطلح ( Constitution ) البناء أو التأسيس .
1. المدلول الشكلي للدستور :
يستند المدلول الشكلي في تعريف الدستور على أساس التركيز على الجانب الشكلي فيه بحيث يتم التمييز بينه وبين غيره من القوانين على أساس الشكل الخاص والمميز الذي يتخذه هذا القانون ، أي مظهره الخارجي وليس مضمونه ، وعلى أساس آلية إصداره أو تعديله من قبل جهة خاصة تختلف وتتميز عن الجهة التي تصدر أو تعدل القوانين الاعتيادية وبموجب هذا المدلول يعرف الدستور بأنه (الوثيقة التي تبين شكل الحكومة ونظام الحكم في الدولة)( )
و بأنه (مجموعة القواعد الأساسية المنظمة للدولة التي صدرت في شكل وثيقة دستورية من السلطة المختصة بذلك). وعلى هذا الأساس أيضا يعرف بأنه (الوثيقة التي تصدر بصفة رسمية من السلطة التأسيسية ).
أو أنه (مجموعة القواعد التي تنظمها الوثيقة المسماة بالدستور والتي لا يمكن أن توضع أو تعدل إلا بعد إتباع إجراءات خاصة تختلف عن تلك الإجراءات المتبعة في وضع وتعديل القوانين العادية ). وفي الاتجاه نفسه عرف بأنه الوثيقة التي تنظم عمل المؤسسات والتي تمتاز بأن إعداد موادها وإصدارها وتعديلها لا يمكن أن يتم إلا بموجب شروط خاصة تختلف عن مثل هذه الشروط بالنسبة إلى للقوانين العادية.
يتضح من التعريفات السابقة أن أصحابها يستندون إلى الجانب الشكلي في تعريفاتهم للدستور ، والجانب الشكلي إما أن يعني الشكل أو المظهر الذي يتخذه الدستور وهو أن يكون في وثيقة خاصة يطلق عليها تسمية الدستور ، أو أن الجانب الشكلي يعني الشكل أو الكيفية أو الإجراءات التي يصدر أو يعدل أو يلغى بموجبها الدستور ، بحيث يكون هذا الشكل في الحالتين شكلاً خاصاً ومتميزاً عن القوانين الاعتيادية . أي أنه وبموجب المعنى الأول للمدلول الشكلي فأن الدستور هو مجموعة القواعد القانونية التي تتضمنها الوثيقة الخاصة المسماة دستور ، وهو بهذا المعنى يعني أن القواعد الدستورية تكون فقط محصورة في تلك الواردة في هذه الوثيقة ولا تشمل أية قواعد أخرى أيا كان موضوعها إذا كانت واردة في وثائق.أخرى أو إذا كانت غير مدونة . أما المعنى الآخر للمدلول الشكلي
فيعني أن الدستور هو مجموعة القواعد الصادرة بطريقة خاصة ومن قبل جهة خاصة وتحتاج لتعديلها أو إلغائها إجراءات خاصة مختلفة عن الإجراءات المتبعة لهذه الأغراض بالنسبة إلى القوانين الاعتيادية وهو بهذا المعنى لا يشمل أية قواعد تكون صادرة بطرق اعتاديه أو يمكن تعديلها أو إلغائها بالطرق نفسها. وقد تعرض تعريف الدستور بالاستناد إلى المدلول الشكلي إلى العديد من الانتقادات التي يمكن تلخيص
أهمها في كون الأخذ بالمعيار الشكلي لتحديد المقصود بالدستور يؤدي إلى إنكار وجود الدستور في العديد من دول العالم ، وهي تلك الدول التي لا يوجد فيها دساتير مكتوبة ، والمثال الأهم على هذه الحالة إنجلترا التي تحكمها قواعد دستورية ذات مصدر عرفي ، في حين أن الواقع والضرورات المبدئية لوجود الدستور تقتضي أن يكون هناك دستور في كل دولة وذلك لغرض بيان شكل الدولة وشكل نظام الحكم فيها وتنظيم العلاقات بين السلطات كحد أدنى مطلوب من التنظيم في الدولة، ويستوي هنا أن يكون الدستور مكتوباً أو عرفياً( ).هذا من ناحية ومن ناحية أخرى يؤدي الأخذ بالمعيار الشكلي إلى عدم إمكانية تعريف الدستور بشكل دقيق لجميع القواعد المرتبطة في وجودها بالدستور .
حيث أن هناك بعض القواعد الدستورية التي لا تتضمنها الوثيقة الدستورية على الرغم من ارتباطها بالقواعد المرتبطة بفكرة الدستور والمتعلقة بتحديد نظام الحكم وكيفية ممارسة السلطة وغير ذلك من القواعد الدستورية، فالأخذ بالمدلول الشكلي يؤدي إلى عدم اعتبارها قواعد دستورية وينكر عليها هذه الصفة وما يترتب على الاتصاف بها من آثار قانونية ومثال ذلك هو القواعد الدستورية العرفية التي لا يذكرها المشرع في وثيقة الدستور .
كما أن الأخذ بالمعيار الشكلي لتعريف الدستور يؤدي إلى وصف بعض القواعد القانونية بالدستورية لمجرد وجودها في صلب الوثيقة الدستورية على الرغم من أنها قواعد بعيدة في موضوعاتها عن فكرة الدستور والغاية من وجوده ، ومثال ذلك أن هناك العديد من الدساتير تتضمن بين قواعدها قواعد تتعلق بتنظيم أمور بعيدة عن فكرة الدستورحتما كتنظيم القضاء أو تحريم ذبح الحيوانات أو تنظيم صيد الأسماك ،كالدساتير الفرنسية بعد ثورة 1789والدساتير السويسرية والأمريكية.
كما أن تعريف الدستور على أنه القواعد الواردة في وثيقة واحدة هي الدستور، يؤدي إلى تناقض مع الواقع في حالات معينة تصدر فيها أكثر من وثيقة دستورية كما أن تعريف الدستور على أنه القواعد الواردة في وثيقة واحدة هي الدستور، يؤدي إلى تناقض مع الواقع في حالات معينة تصدر فيها أكثر من وثيقة دستورية واحدة، كما كان عليه الحال في دستور سنة 1875 الفرنسي الذي صدر في ثلاث وثائق دستورية.
2. المدلول الموضوعي للدستور :
يستند المفهوم الموضوعي في تعريف الدستور على أساس التركيز على مضمون أو موضوع مادة هذا الدستور ، أي ما تتناوله نصوصه من موضوعات ، وليس على أساس الشكل أو الصفة أو المظهر الخارجي الذي يظهر فيه أي أن التمييز بين القواعد الدستورية وبين غيرها من القواعد القانونية يتم على أساس معيار موضوع هذه القواعد وما تختص به من حيث التنظيم . لهذا عرف الدستور بأنه (مجموعة القواعد التي تنظم السلطات العليا في الدولة، مهما يكن مصدرها وشكلها ، سواء كانت مكتوبة أم عرفية غير مدونة )( ). أو بأنه (مجموعة القواعد القانونية التي تبين نظام الحكم في الدولة)
أو بأنه (مجموعة القواعد التي تنظم تأسيس السلطة وانتقالها وممارستها، أي تلك المتعلقة بالتنظيم السياسي). ويتضح من التعريفات السابقة أنها تركز على موضوع الدستور فقط ، إذ أن الدستور عندها أمر وجد كقانون لينظم مسائل معينة ومحددة وذات خصوصية ترتبط بنظام الحكم في الدولة وممارسة السلطة فيها. وأن وجود الدستور جاء لتحقيق هذا الهدف وهو أمر لا يشترط فيه أن يتخذ شكلاً معيناً كان يكون على شكل وثيقة مكتوبة يطلق عليها اسم الدستور بل يمكن أن يكون عرفيا أو مكتوبا ، كما أنه لا يشترط أن تصدر قواعده بموجب شكلية أو إجراءات
([1]) د. منذر الشاوي، القانون الدستوري (نظرية الدستور)، دار القادسية للطباعة، بغداد، 1981، ص (9).
([2]) المصدر نفسه ، الصفحة نفسها.
([3]) د. إبراهيم عبد العزيز شيحا ، المبادئ الدستورية العامة ، الدار الجامعية للطباعة والنشر ، بيروت ، 1982 ، ص(12).
اترك تعليقاً