النظام العام والآداب ( * ) L’ordre public et les bonnes moeurs :
القواعد القانونية التي تعتبر من النظام العام هي قواعد يقصد بها إلى تحقيق مصلحة عامة ، سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية ، تتعلق بنظام المجتمع الأعلى وتعلو على مصلحة الأفراد . فيجب على جميع الأفراد مراعاة هذه المصلحة وتحقيقها ، ولا يجوز لهم أن يناهضوها باتفاقات فيما بينهم ، حتى لو حققت هذه الاتفاقات لهم مصالح فردية ، فإن المصالح الفردية لا تقوم أمام المصلحة العامة . ويلاحظ أن دائرة النظام العام تضيق إذا تغلبت نزعة المذاهب الفردية ، فإن هذه المذاهب تطلق الحرية للفرد ، فلا تتدخل الدولة في شؤونه ، ولا تحميه إذا كان ضعيفاً ، ولا تكبح جماحه إذا كان قوياً ، فإذا تغلبت النزعة الاشتراكية ومذاهب التضامن الاجتماعية اتسعت دائرة النظام العام ، وأصبحت الدولة تقوم بشؤون كانت تتركها للفرد ، وتتولى حماية الضعيف ضد القوى . بل هي تحمي الضعيف ضد نفسه ، كما رأينا ذلك في عقود الإذعان وفي نظرية الاستغلال . ولا تستطيع أن نحصر النظام العام في دائرة دون أخرى ، فهو شيء متغير ، يضيق ويتسع حسب ما يعده الناس في حضارة معينة ” مصلحة عامة ” . ولا توجد قاعدة ثابتة تحدد “ النظام العام “ تحديداً مطلقاً يتمشى على كل زمان ومكان ، لأن النظام العام شيء نسبي ، وكل ما تستطيع هو أن نضع معياراً مرناً يكون معيار ” المصلحة العامة ” ، وتطبيق هذا المعيار في حضارة معينة يؤدي إلى نتائج غير التي نصل إليها في حضارة أخرى ( [1] ) .
( [1] ) وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي :
“ ويلاحظ أن فكرة النظام العام فكرة مرنة جداً . وقد بلغ من أمر مرونتها أن عمد التقنين الألماني إلى إغفال النص عليها عند صياغة المادة 138 . فعلى اثر مناقشات هامة عنيفة جرت بوجه خاص في مجلس الريشتاج انتهى الأمر إلى استبعاد نصوص مختلفة جاء ففيها ذكر العقد المخالف للآداب وللنظام العام كذلك . وكان الاعتقاد السائد أن نظرية النظام العام تنطوي على فكرة عامة مجردة قد تترتب عليها نتائج بالغة الخطورة ، من بينها أن القاضي ربما أباح لنفسه أن يتخذ من النظام العام نظرية فلسفية أو دينية يبينها على مجموعة المبادئ الدستورية أو على سياسة التشريع العامة أو على رأيه الخاص في المسائل الاجتماعية أو الفلسفة الأخلاقية أو الدينية . وقد دافع الحزب الاشتراكي بكل قوته عن النص المقرر لمفكرة النظام العام . وكان يرمي من ذلك إلى اعتبار كل عقد لا يتفق ومبادئ حماية الطبقة العاملة مخالفا للنظام العام . على أن هذه النتائج بذاتها هي التي جعلت غالبية أعضاء الريشتاج تنفر من النص المقرر للنظام العام ومن كل معيار نظري ، وترغب في وضع معيار عملي بحث قوامه العرف والمبادئ المستقاة من الآداب العامة . وعلى هذا النحو لا تكون الاتفاقات التي أشار إليها الحزب الاشتراكي باطلة طبقاً لمذهب من المذاهب الاشتراكية وإنما بناء على التيار الاجتماعي للآداب العامة ( تعليقات على التقنين الألماني الجزء الأول ص 154 – ص 155 ) . ومهما يكن من أمر فليس في الوسع نبذ فكرة النظام العام دون أن يستتبع ذلك اطراح ما توطد واستقر من التقاليد . وقد رؤى من الواجب أن يفرد مكان لهذه الفكرة في نصوص المشروع لتظل منفذاً رئيسياً تجد منهن التيارات الاجتماعية والأخلاقية سبيلها إلى النظام القانوني لتثبت فيه ما يعوزه من عناصر الجدة والحياة . بيد أنه يخلق بالقاضي أن يتحرز من إحلال آرائه الخاصة في العدل الاجتماعي محل ذلك التيار الجامع للنظام العام أو الآداب . فالواجب يقتضيه أن يطبق مذهباً عاماً تدين به الجماعة بأسرها لا مذهبا فردياً خاصاً ” . ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 223 ) .
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
26 يناير، 2020 at 9:33 م
إنه كلام الدكتور عبد الرزاق السنهوري في كتابه الوسيط في شرح القانون المدني الجديد الجزء الاول الصفحة 434 وما بعدها .الأمانة العلمية شيء مقدس في البحث .