إن الحقوق السياسية التي منحها الدستور للمواطنين يجب الا تمس او تنتقص فما منحه القانون الاسمى للبلاد لا يجوز المساس به.
ونعلم جميعا ان الدستور الكويتي منح المواطنين العديد من الحقوق السياسية وعلى رأس هذه الحقوق حق الانتخاب الذي ساوى فيه بين جميع المواطنين بشتى فئاتهم دون تفرقة بين فئة واخرى.
ولكن التساؤل الآن هو هل يجوز لأحد حرمان بعض فئات مما منحه لها الدستور؟
الاجابة بالطبع لا! فلم يضع الدستور قواعد قانونية ليتم مخالفتها على اي وجه، وعلنا جميعا ندري مدى الواجب الملقى على عاتق سلطات الدولة المختلفة للحفاظ على الدستور واحترام قواعده.
ان المعني من ذلك هو حق الانتخاب والتصويت فكما اخذت المرأة الكويتية حقها في الانتخاب والترشيح واخذ شطر المجتمع حقه لازالت هناك مثالب وفئات من اركان المجتمع محرومة من التمثيل ومغيبة عن الساحة ومنهم «العسكريون» الذين حرموا من هذا الحق اللصيق بالشخصية بغض النظر عن الوظيفة والدور حيث لم يميز الدستور المواطنين بحسب وظائفهم، فطوال الحقبة الماضية كان علينا الالتفات عن تلك المدة جمعاء لكونها جاءت مثقوبة العينين.
فما اعطاه الدستور للمواطنين الواقع من بينهم العسكريون من حقوق لا يجوز ان يحرمهم منه القانون، فقواعد الدستور هي الاسمى وواجبة الاحترام من القانون.
ومن ثم فان من المتوجب على مجلس الامة العمل على الغاء المادة الثالثة من القانون رقم 35 لسنة 1992 الحارمة للعسكريين من رجال الجيش والشرطة من التصويت.
ولما كانت المادة (108) من الدستور نصت على ان: «عضو المجلس يمثل الامة بأسرها ويرعى المصلحة العامة..» وبالتالي فالمفهوم ان دور عضو مجلس الامة هو تمثيل افراد المجتمع قاطبة مدنيين وعسكريين، وكما ان للمدنيين مصالح وهموما على عضو مجلس الامة واجب الاعتناء ببحثها واخذها بعين اعتباره كذلك العسكريون فهم فئة تتشارك في الواجبات والحقوق مع بقية المواطنين فكما ان للمواطن المدني مصالح في قطاع الصحة والاسكان والتربية والشؤون فكذلك الحال بالنسبة للمواطن العسكري فهم شركاء في وطن واحد.
بل ان العسكريين هم الدرع الواقي وهم من يحمينا من كل شر نقع فيه، وهم من يفدي بأرواحه المدنيين، انهم العسكريون شرطة وجيش، فكيف املي على كاهلهم تلك المسؤوليات وعند ممارسة الحقوق السياسية احرمهم والتفت عنهم؟ ومن جانب آخر ما هو سبب التمييز بين العسكريين في الجيش والشرطة عن العسكريين في الحرس الوطني والذين لا يختلفون عنهم قيد انملة، فهم حملة سلاح ومهمتهم الدفاع عن الوطن والذود عنه بأرواحهم.
ان الحق في تصويت العسكريين هو حق دستوري كفلته الوثيقة الدستورية في اكثر من موضع بها تأكيدا على مبدأ المساواة بين المواطنين، المعد بناء راسخا للمجتمع وفي ذلك نصت المادة السابعة من الدستور على ان (العدل والحرية والمساواة دعامات المجتمع)، ونصت المادة الثامنة تالية لها على ان (تصون الدولة دعامات المجتمع وتكفل الامن وتكافؤ الفرص للمواطنين)، ونصت المادة 9 من الدستور على ان (الناس سواسية في الكرامة الانسانية وهم متساوون في الحقوق الواجبات العامة لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس او الاصل او اللغة او الدين).
فبالعروج على كل تلك المواد الدستورية يتبين ان الدستور كفل مبدأ المساواة لكونه الدعامة الاساسية للمجتمع واعطى الدولة الحق بالحفاظ على سير تلك الكفالة وتأمينها.
وبذلك فان المساس بمثل تلك الحقوق يعد خرقا صريحا واضحا للدستور مؤدي الى تهدم اركان لادولة وموجب لانهيار البناء الاساسي لها الا وهو الدستور.
ولعل اي دولة تقوم على مجموعة مقومات وعلى رأس تلك المقومات دستور الدولة فان اهدرت الحقوق المنصوص عليها به والمدعاة بالحقوق الدستورية فلا قيمة لهذا الدستور ولا طاقة فيه ولا فائدة منه.
والغريب والذي نتعجب منه ان اكثر المواطنين الحريصين على حماية هذا الوطن دون جدال هم رجال الشرطة الجيش فكيف نمنح للجميع تلك الحقوق ونحرمهم منها؟
فحسنا فعل النائب في مجلس الامة «المنحل» كامل العوضي حينما قدم بجلسة 2013/6/1 اقتراحا بقانون يسمح للعسكريين من رجال الجيش والشرطة بالتصويت في انتخابات مجلس الامة استنادا الى مبدأ المساواة للمبدأ الدستوري العتيد.
ومعلوم الاعتراض على حقوق العسكريين في التصويت بالانتخابات التشريعية واقدر تلك الاعتراضات والتي تكمن في منزل واحد الا وهو كيف يقوم رجال الشرطة بحماية الانتخابات وتأمينها وفي الوقت ذاته يصوتون عليها؟
واستند هذا الرأي الى التشكك في تأثير رجال الشرطة على الناخبين عند الادلاء بأصواتهم عطفا على امكانية اجبارهم على التصويت لهذا او ذاك.
والرد على هذا الرأي يكمن في حقيبة متعددة المكونات والتي على رأسها:
– ان الجهة المعنية بإدارة الانتخابات هي السلطة القضائية المؤتمنة اصلا على ارواح الناس واموالهم واعراضهم من خلال فصلها بالمنازعات وبالتالي فهي يد امينة مؤتمنة.
– ان منظمات المجتمع المدني على سبيل المثال (جمعية الشفافية وغيرها).. حارسة لتلك الانتخابات من التزوير المادي او المعنوي الذي وفقا لهذا الرأي المردود عليه قد يمارسه رجال الشرطة. وجميعنا يعلم ان تلك المنظمات ليست خاضعة لهذا او ذاك بل ان التأثير فيها من الصعب بمكان.
– ان حرمان العسكريين من التصويت يخل بمبدأ رئيسي في الدستور الا وهو مبدأ المساواة ليس ذلك فقط بل انه يتعدى على مبدأ آخر مشتق من مبدأ المساواة وهو تكافؤ الفرص. فهل نخل بالمبادئ الدستورية لاجل التشكك والخوف؟ وهي يحرم مواطن طيلة عمله العسكري من الانتخاب لمجرد كونه منتميا الى العسكريين الراغبين في حماية الوطن والحفاظ على أمنه؟
– فضلا عن كون العسكريين – جيش وشرطة – هم جزء اصيل متأصل من نسيج هذا الوطن الغالي بذلوا الغالي والنفيس من اوقاتهم وارواحهم لأجل راحة المواطنين، فهل نعاقبهم جزاء لتضحيتهم تلك؟
– هذا الى جانب كون المواطن الكويتي صلب الاساس يصعب التأثير فيه من هذا او ذاك بمال وجاه فهو المواطن الامين على وطنه الحريص على رفعته البعيد كل البعد عن خيانة وطنه بالادلاء بصوته الى من يرغب به العسكريون وان انتمى هذا المواطن سياسيا فله كامل الحق ولكن من الاستحالة التأثير فيه. وعلينا جميعا الخروج من رحم المعاناة والتجاذبات حرصا على وطننا والبعد عن التنازع والانفلات رأفة ببلادنا.
ولنلقي نظرة سريعة على اتجاهات البلاد المتقدمة نحو تصويت العسكريين.
ففي الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا وفرنسا وحتى الكيان الصهيوني يحق للعسكريين التصويت كالناخبين في الانتخابات التشريعية هذا فضلا عن اعطاء مثل هذا الحق للعسكريين في العديد من الدول الاوروبية الاخرى – دول العالم الاول.
بالطبع الاجابة تسهل وتمثل في كون العسكريين هم الدرع الواقع لتلك الدول فكيف يحملون واجبات ولا يمارسون حقوقهم؟ فهم لا يعاملون العسكريين كالحبيس وانما منحوه حقه التام كمواطن من مواطني الدولة حرصا على نماء بلدهم وتنمية كيانهم.
وعلينا الا نذهب بعيدا فعلى رأس الدول التي منحت العسكريين حق التصويت في الانتخابات التشريعية أخيرا جمهورية مصر العربية حيث اصدرت المحكمة الدستورية حكما اعطت فيه للعسكريين من رجال الجيش والشرطة الحق في التصويت بالانتخابات التشريعية وهو ما يعد نصرة لأولئك الذين اعطوا الكثير للوطن، ولا يخفى على الجميع ان التشريعات الوطنية هي رأس العالم العربي التي يسار وراءه ويستنار بفقهه.
وما فعلت المحكمة الدستورية ذلك الا انتصارا للمبدأ الرئيسي بالدستور المصري الحالي الا وهو مبدأ المساواة المعد الدعامة الرئيسية لكافة المجتمعات على المستوى العالمي.
ولذلك على الكويت ومجلس امتها ان يحذوا حذو جمهورية مصر العربية وكافة الدول المتقدمة في السماح بالادلاء بأصواتهم في الانتخابات التشريعية انتصارا للحق وتأسيسا للعدالة والمساواة.
على كل نائب بمجلس الامة ان يجعل صالح الوطن رابيا دوما فإن لم يقر النواب الحقوق تركنا ضياعا في صحراء ظلوم، فواجب على كل مسؤول منح الحقوق لأصحابها وعلى رأسها هذه الحقوق اعطاء الحق للعسكريين في ممارسة الحق بالتصويت فان لم يلد مجلس الامة مثل ذلك التشريع فلا طائل منه ولا امل فيه.
علينا جميعا الوحدة بشتى فئاتنا لارجاع كل حق لمن يستحق فان ضاعت حقوق س، ص، فغدا ستضيع حقوق .
د. خالد عبدالله الياقوت
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً