الشيك وإعادة الثقة بمعالجة قانونية حديثة
سعيد بن ناصر الحريسن
لا يخفى على كل مطلع ارتباط القانون بجميع مناحي الحياة؛ لأن الحياة العامة بشتى مجالاتها حتى في علاقاتها الاجتماعية هي في الأصل واجبات والتزامات واتفاقات وقد تكون في بعض الأحيان عقوداً، ومن المسلم به تأثر تلك المجالات بتطورات العصر، ففي الوقت الذي نشهد فيه تطوراً في جميع تلك مجالات، وخاصة المجال الاقتصادي، نجدنا أمام أمور قانونية ضرورية متعلقة بهذا المجال إما تحتاج إلى تقنين جديد، أو تعديل، أو إعادة، حسبما تفرضه التطورات التي أصبحت متسارعة، وتفرض ركوب مراكب التطوير، لمسايرة ما يحدث في العالم حولنا من نمو اقتصادي سريع. ومما تناوله هذا التنامي المتسارع وسائل التعاملات المصرفية، فبدلاً من النقد، والكمبيالة وسند الأمر، والشيك، تنوعت تلك الوسائل وأنجبت جيلاً جديداً من الوسائل المصرفية الحديثة كالبطاقات الائتمانية.
والهواتف المصرفية، المواقع البنكية الإلكترونية وغيرها، وبرزت فيها فن التقنية وفن المصرفية الحديثة معاً، لكن لا تزال الوسائل المصرفية الورقية ذات نصيب كبير في التعاملات التجارية، وخاصة (الشيك) الذي يعتبر من أهم تلك الوسائل، وأكثرها انتشاراً. وقد حدد له القانون شكلاً معيناً، فنجد أن جميع قوانين الصرف نصت على أن الشيك عبارة عن ورقة تحرر وفق شروط شكلية، متضمنة لأمر صادر من موقعها “الساحب” موجهة إلى طرف آخر “المسحوب عليه” ويشترط أن يكون بنكاً، وذلك لدفع المبلغ الموضحة في هذه الورقة إلى طرف ثالث “المستفيد”، وهو مستحق الدفع فوراً.
ولست هنا أستعرض موضوع الشروط الشكلية للشيك، فهي أمور واضحة ومستقرة إضافة إلى أنها لم تعد بيانات تشغل الساحب، بل أصبحت نماذج مشتملة على جميع الشروط الشكلية مقدمة من البنوك في هيئة دفاتر ورقية كما نعلم جميعاً. ولكن أستعرض هنا مسألة بات الشيك يعاني منها، وأصبحنا بسببها محجمين بعض الشيء من التعامل به، تلك هي المسألة المسماة بقضية فقدان الثقة بالشيك. إنه من الصعب أن نعمم هذه الفكرة على جميع التعاملات به، لأن منها ما هو موافق للشروط والإجراءات القانونية. والبعض الآخر يكون استخدام الشيك فيها مخالف للأحكام التي رسمها القانون.
ولعل من أبرز تلك المخالفات التي يمارسها البعض، ما يتعلق بتحويل الشيك من وظيفته التي حددها له القانون إلى وظيفة أخرى، فبدل أن كان أداة وفاء، ألفيناه عند بعض ساحبيه أداة ضمان أو (ائتمان).
ولعل أظهر تلك المخالفات والتي أدت بحق إلى انعدام الثقة به هي (غياب مقابل الوفاء للشيك) وقت تقديمه. فعلاً إنها الممارسة السلبية المنتشرة في استخدام الشيك، والتي أدت إلى تلاشي الثقة به شيئاً فشيئاً حتى أصبح (الشيك بدون رصيد) عنواناً لظاهرة تعاملية مصرفية مرعبة.
إن من أهم الأمور التي ينبغي مراعاتها وقت إصدار الشيك، وجود المبلغ المدون في الشيك في حساب الساحب لدى المسحوب عليه، والذي المصطلح على تسميته ب (مقابل الوفاء) ويعرف بأنه مبلغ من المال مساوٍ لقيمة الشيك ولا يقل عنها، ويكون موجوداً وقت إصدار الشيك. وقد عالجت المادة (94) من نظام الأوراق التجارية الصادر بالمرسوم الملكي رقم 37في تاريخ 1383/10/11ه، هذا الجانب حيث نصت على أنه (لا يجوز إصدار الشيك ما لم يكن للساحب لدى المسحوب عليه وقت إنشاء الشيك نقود يستطيع التصرف فيها..). ولكن إذا أتينا للتطبيق نجد أن هذا النص النظامي قد تجاوزه الكثير من “محرري الشيكات”، لا نعلم هل هو عدم اكتراث بهذا النص النظامي وما يرتبه من عقوبات، أم هو بسبب قلة الوعي الحقوقي لدى بعض أفراد المجتمع؟ والدليل على ذلك التجاوز كثرة قضايا الشيكات بدون رصيد، التي أمست بحق ظاهرة مرعبة.
وشرط وجود مقابل الوفاء وقت تحرير الشيك، قائم على فكرة أنه ورقة تجارية واجبة الوفاء بمجرد الإطلاع عليها.
وقد نصت على ذلك المادة (102) من النظام (الشيك مستحق الوفاء بمجرد الاطلاع عليه وكل بيان مخالف لذلك يعتبر كأن لم يكن..) وهذه المادة أيضاً تعالج جانباً آخر، حيث تقف عائقاً أمام ساحبي الشيكات بتواريخ آجلة، حيث جاء فيها (وإذا قدم الشيك للوفاء قبل اليوم المعين فيه كتاريخ لإصداره وجب وفاؤه في يوم تقديمه). ومتى قدم الشيك الآجل قبل التأريخ المدون عليه، ولم يوجد له مقابل وفاء وقت التقديم، اعتبر بذلك “شيكاً بدون رصيد” وتسري عليه الأحكام الجزائية في هذا النظام.
ولما نلاحظه هذه الأيام من نشاط تنظيمي من سن لأنظمة جديدة وإعادة الصياغة والتحديث لكثير من القوانين القائمة، لتأهيلها وتكييفها لمواكبة التقدم الحاصل خاصة في المجال الاقتصادي، نجد أن نظام الأوراق التجارية لم تباشره يد التطوير منذ عام 1409ه حينما عدلت المواد المنصوص فيها على الحماية الجنائية للشيك (118، 119، 120)
وأضيفت إليها مادة جديدة وهي (121) والتي تضمنت عقوبة الحكم بنشر أسماء الأشخاص الذين يصدر بحقهم حكم بالإدانة بموجب نظام الأوراق التجارية. إن جانب الشيك بحاجة إلى مزيد من التدعيم لإعادة الثقة للتعامل، عن طريق وضع الآلية الملزمة لاعتماد الشيك من قبل البنك، والتوقيع عليه بالاعتماد لإعادة الثقة بالشيك، وقد تناولت هذه المسألة المادة (100) من النظام حيث جاء فيها (ومع ذلك يجوز للمسحوب عليه أن يؤشر على الشيك باعتماده، وتفيد هذه العبارة وجود مقابل وفاء في تاريخ التأشير ولا يجوز للمسحوب عليه رفض اعتماد الشيك إذا كان لديه مقابل وفاء يكفي لدفع قيمته، ويعتبر توقيع المسحوب عليه على صدر الشيك بمثابة اعتماد له).
كذلك يحتاج جانب الشيك إلى تطوير الجزاءات المترتبة على إصدار شيك بدون رصيد، وتفعيل المادة (121) والمتعلقة بنشر أسماء الأشخاص الذين يصدر بحقهم أحكام إدانة في قضايا الشيك. كذلك سرعة الفصل في قضايا الشيكات من قبل مكاتب الفصل في منازعات الأوراق التجارية، وتطوير لائحة إجراءات الفصل في منازعات الأوراق التجارية وتفعيل الجانب التحفظي الذي نصت عليه المادة (5) من هذه اللائحة. كذلك نقطة مهمة، وهي تتعلق بإيجاد قضاء التنفيذ، الذي سيوجد محركاً لكثير من الأحكام والقرارات المتوقفة سواء الصادرة من المحاكم أو من مكاتب الفصل في منازعات الأوراق التجارية. فالجميع يترقب معالجة قانونية حديثة تعيد الثقة إلى الشيك.
@ باحث قانوني
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً