دعاوى الحيازة:
دعاوى الحيازة وهي دعوى استرداد الحيازة ودعوى منع التعرض ودعوى وقف الأعمال الجديدة، هي دعاوى لحماية الحيازة في ذاتها أي سواء كان الحائز صاحب حق على الشيء الذي يحوزه أم لا، ولذلك فالحكم الذي يصدر في دعوى من هذه الدعاوى هو حكم وقتي، وهذه الدعاوى تحمي حيازة العقار دون حيازة المنقول.
( أ ) دعوى استرداد الحيازة:
دعوى استرداد الحيازة هي التي يرفعها الحائز الذي سُلبت منه الحيازة بطريقة تُعتبر اعتداءً على هذه الحيازة، سواء بالقوة أو بغير القوة علنًا أو خفية وهي تُرفع على من سلب الحيازة بنفسه وكذلك على من انتقلت إليه الحيازة ممن سلبها.
وقد وضع المشروع القاعدة العامة في المادة (924) التي تنص في فقرتها الأولى على أن ” لحائز العقار إذا فقد الحيازة أن يطلب خلال الثلاث سنوات التالية لفقدها ردها إليه فإذا كان فقد الحيازة خفية بدأ سريان الثلاث سنوات من وقت انكشافه ” ومن النص يتضح أن كل حائز له أن يرفع الدعوى مع ملاحظة أن الحماية التي يسبغها القانون على الحيازة بتقرير حق الحائز في رفع الدعوى، وكذلك دعاوى الحيازة الأخرى، هي من الآثار التي تترتب على الحيازة وبالتالي لا بد أن تكون الحيازة غير معيبة بالنسبة لمن تُرفع عليه الدعوى تطبيقًا لنص المادة (911)، ويستوي بعد ذلك أن يكون الحائز الذي يرفع الدعوى حسن النية أو سيئ النية كما لا يشترط وفقًا لهذا النص أن تكون الحيازة قد استمرت مدة معينة. ولكن الدعوى يجب أن تُرفع خلال ثلاث سنوات تبدأ من وقت فقد الحيازة إذا حدث ذلك علنًا أو من وقت انكشاف فقدها إذا حدث خفية.
ولا يقتصر الحق في رفع الدعوى على الحائز نفسه، وإنما يجوز أن يرفعها من يحوز لحساب غيره، وهو من يطلق عليه الحائز العرضي كالمستأجر والمستعير، وكذلك من يباشر السيطرة على الشيء على سبيل التسامح من صاحب الحق وهذا ما نصت عليه الفقرة الثانية من النص.
وإذا كان الأصل أن الحائز له أن يسترد الحيازة التي فقدها أيًا كانت المدة التي استمرت خلالها حيازته، كما يتضح من نص المادة (924) فثمة حالة لا يستطيع من فقد الحيازة أن يستردها لاعتبارات عملية وهي الحالة التي نصت عليها المادة (925) ويشترط حتى يمتنع الاسترداد:
أولاً: أن تكون حيازة مدعي الاسترداد لم تستمر ثلاث سنوات كاملة حتى وقت فقدها.
ثانيًا: أن يكون فقد الحيازة بغير القوة، فإذا كان فقد الحيازة بالقوة كان لمن فقدها أن يسترد حيازته أيًا كانت مدتها.
ثالثًا: أن تكون حيازة المدعى عليه أحق بالتفضيل من حيازة من يطلب الاسترداد، وتكون حيازة المدعى عليه أحق بالتفضيل إذا كانت تقوم على سند قانوني كعقد بيع في حين أن حيازة المدعي لا تقوم على سند، فإذا لم تستند أي من الحيازتين إلى سند، أو كان لدى كل من المدعي والمدعى عليه سند كما لو كان كل منهما قد اشترى العقار سواء من نفس الشخص أو من شخصين مختلفين، فتكون الحيازة الأسبق في التاريخ هي الأحق بالتفضيل.
ويرجع حرمان الحائز الذي فقد حيازته من الاسترداد في هذه الحالة، على خلاف منطق دعوى عدم الاسترداد، لاعتبارات عملية، إذ لو قلنا بجواز الاسترداد، لكان من حق المدعى عليه، والفرض أن حيازته أحق بالتفضيل، أن يعود فيرفع دعوى لاسترداد حيازته ممن حُكم له في الدعوى الأولى، فتفاديًا لتعدد الدعاوى تنظر المحكمة ابتداءً في أي الحيازتين أحق بالتفضيل فتحكم بالاسترداد أو ترفض الدعوى.
وأخيرًا نصت المادة (926) على أنه يجوز أن تُرفع دعوى الاسترداد على من انتقلت إليه حيازة العقار ولو كان حسن النية، وهذا الحكم يمكن الوصول إليه بغير هذا النص استنادًا إلى إطلاق نص المادتين السابقتين إذ لم يرد في أيهما ما يدل على أن الدعوى ترفع على من سلب الحيازة نفسه، وبالتالي فيمكن أن ترفع الدعوى إذا توافرت شروطها على كل من يباشر السيطرة على العقار وقت رفع الدعوى سواء كان هو الذي سلب الحيازة أو كان خلفًا لمن سلبها ولو كان حسن النية، ومع هذا فقد حرص المشروع على إيراد هذا النص نظرًا إلى أن الحكم على خلاف ذلك في فرنسا حيث لا ترفع الدعوى إلا على من سلب الحيازة نفسه أو على من انتقلت إليه الحيازة ممن سلبها بشرط أن يكون سيئ النية.
أثر الحيازة في استرداد المصروفات:
إذا استرد المالك ملكه من الحائز، وكان هذا الأخير قد أنفق على الشيء مصروفات وقت أن كان في حيازته، تثور مسألة ما يحق لمن كان حائزًا أن يسترده مما أنفقه، وهو ما عرض له المشروع في المادتين (931 و932) وبمقتضى نص المادة (931) يجب التفرقة بين ثلاثة أنواع من المصروفات:
( أ ) المصروفات الضرورية، وهي التي ينفقها الحائز في حفظ الشيء من الهلاك أو التلف كمصروفات تقوية أساسات المنزل وترميم السقف، وهذه يلتزم المالك بردها كاملة إلى الحائز ولو كان سيئ النية.
(ب) المصروفات النافعة، وهي التي أنفقها الحائز، لا لحفظ الشيء من هلاك أو تلف ولكن لتحسين منفعته كإصلاح الأرض لجعلها أكثر إنتاجًا في الزراعة وتركيب مصعد في المنزل، وهذه تسري عليها الأحكام الخاصة بالالتصاق وحيث يجب التفرقة بين الحائز حسن النية والحائز سيئ النية وقد أحال النص على تلك الأحكام.
(ج) أما المصروفات الكمالية وهي التي لا تزيد من منفعة الشيء وإن كانت تؤدي إلى تجميله كالتي تنفق في الزخرفة والنقوش وهذه لا يلتزم المالك برد شيء منها ولكنه يلتزم بدفع قيمة ما استحدثه الحائز مستحق الإزالة إذا اختار استبقاءه، فإذا لم يرغب في ذلك فيكون للحائز أن ينزع ما استحدثه على أن يعيد الشيء إلى حالته الأولى دون ضرر، وقد عرض المادة (932) لحالة ما إذا كان الحائز الذي يسترد منه الشيء سبق أن انتقلت إليه الحيازة من حائز آخر، وكان قد أدى إلى سلفه شيئًا من المصروفات، فنصت على أن المالك الذي يرد إليه ملكه يجب عليه أن يؤدي للحائز ما سبق أن أداه هذا الحائز إلى سلفه من مصروفات وذلك في حدود ما يلتزم به المالك وفقًا للمادة (931).
وبعد بيان ما يجب رده من المصروفات عرض المشروع في المادة (933) لسلطة المحكمة في أن تقرر ما تراه مناسبًا للوفاء بالمصروفات المحكوم بها وذلك تيسيرًا على المالك، ولها بوجه خالص أن تحكم بأن يكون الوفاء على أقساط دورية بشرط أن تأمر بتقديم الضمانات الكافية.
المسؤولية عن الهلاك أو التلف:
عرضت المادة (934) لمسؤولية الحائز قِبل من يستحق الشيء عن هلاكه أو تلفه أثناء حيازته، وقد فرقت بين الحائز حسن النية والحائز سيئ النية، فالأول لا يكون مسؤولاً عن الهلاك أو التلف ولو حدث شيء من ذلك بتقصير منه، إلا بقدر ما عاد عليه من فائدة ترتبت على الهلاك أو التلف كما لو كان قد حصل على تعويض من الغير المتسبب في الهلاك أو التلف أو على مبلغ التأمين، أما الحائز سيئ النية فهو مسؤول عن الهلاك أو التلف حتى ولو كان ناشئًا عن قوه قاهرة، باستثناء الحالة التي يثبت هو فيها أن الشيء كان يهلك أو يتلف حتى ولو كان في يد من يستحقه.
التقادم:
إذا استمرت حيازة العقار مدة معينة فتعتبر، في القوانين الوضعية ومنها قوانين بعض البلاد العربية، سببًا قائمًا بذاته من أسباب كسب الملكية والحقوق العينية هو التقادم المكسب وقد يكون الحائز في ظل هذه القوانين، هو حقيقة المالك أو صاحب الحق العيني ولكنه يؤثر أن يستند في كسبه إلى التقادم المكسب تفاديًا لصعوبة إثبات سند آخر، خاصة إذا لوحظ أن التملك بالعقد يقتضي أن يكون السلف مالكًا وسلف السلف مالكًا وهكذا قد يؤدي تتبع سندات الملكية إلى صعوبات كثيرة، ولكن قد يكون الحائز ليس هو صاحب الحق، ومع ذلك فإذا استمرت حيازته المدة التي يتطلبها القانون فله أن يتمسك بتملكه بالتقادم ولو قال إني أعلم أن هذا الشيء كان ملكًا لفلان، ولكن وضعت يدي عليه وانقضت المدة اللازمة لاستمرار الحيازة بشروطها يحكم له بالملكية.
وهذا السبب من أسباب كسب الملكية، والحقوق العينية لا يقره الفقه الإسلامي في مذاهبه المختلفة ولكن ثمة نظامًا آخر قال به بعض المتأخرين من فقهاء المسلمين، وبخاصة الملكية، يحقق أهم الأهداف التي يهدف إليها نظام التقادم المكسب دون أن يتضمن إقرارًا صريحًا بأن الحيازة وحدها إذا استمرت مدة معينة تكسب الحق، هو نظام عدم سماع الدعوى، فتعتبر الحيازة مع مضي الزمن مجرد دليل على أن الحائز هو صاحب الحق، وما دامت الحيازة لا تعدو أن تكون دليلاً وليست سببًا لكسب الحق، فيشترط لعدم سماع الدعوى ممن ينازع الحائز أن يدعي الحائز حين المنازعة أنه هو المالك، أما مجرد التمسك بالحيازة، دون أن يدعي أنه هو المالك، فلا يكفي لعدم سماع دعوى المنازع.
وإذا كانت الحيازة التي تستمر مدة معينة تعتبر، وفقًا لنظام التقادم المكسب سببًا قائمًا بذاته من أسباب كسب الملكية، في حين أنها تعتبر، وفقًا لنظام عدم سماع الدعوى الإسلامي، دليلاً على أن الحائز هو المالك، فالفارق من الناحية العملية بين النظامين يكاد ينحصر في حالة ما إذا أقر الحائز بأنه لم يكن مالكًا ولكن نظرًا لتوفر شروط التملك بالتقادم فهو يتمسك بملكيته على هذا الأساس، ففي هذه الحالة يحكم للحائز بالملكية وفقًا لنظام التقادم المكسب المعروف في القوانين الوضعية وبالعكس تُسمع دعوى من ينازعه، في نظام عدم سماع الدعوى الإسلامي، فإذا أقام المنازع البينة على أنه المالك حُكم له ضد الحائز، وهذا الفارق الجوهري يميز النظام الإسلامي على نظام التقادم المكسب الذي يعني في الواقع إقرار القانون بأن الحق يمكن أن يكتسب بالغصب.
وقد وضع المشروع نص المادة (935) على نحو يبرز الفكرة الإسلامية ويستبعد إقرار المشروع للغصب، مع الأخذ في الاعتبار متطلبات الظروف الواقعية للمعاملات وما تقتضيه من حاجة المالك الذي يستند على الدليل المستمد من حيازته إلى دليل يمكنه من التعامل مع غيره في شأن العقار الذي يحوزه، فنصت المادة على أنه:
” من حاز عقارًا أو منقولاً ظاهرًا عليه بمظهر المالك أو صاحب حق عيني آخر، واستمرت حيازته خمس عشرة سنة، اعتُبرت حيازته دليلاً على الحق، ويحكم له به، إذا أنكر حق الغير فيه وادعاه لنفسه ولو لم يبين سبب كسبه “.
ويقابل هذا النص، نص المادة (518) من مشروع تقنين الشريعة الإسلامية على مذهب الإمام مالك الذي أعدته اللجنة التحضيرية لتقنين الشريعة الإسلامية بإشراف مجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة، وهو:
” من حاز عقارًا أو منقولاً مدة يقضي العرف بأن الحيازة فيها حيازة ملك، فإنه يستحقه ولا تسمع معها دعوى من ينازعه في ملكيته له ولا بنيته ” .. يُراعى في تطبيق هذه المادة أحكام المواد التالية.
ويتضح من نص المادة (935) أنه يشترط حتى يحكم للحائز بالحق ما يلي:
أولاً: أن يكون الحائز قد حائز عقارًا أو منقولاً حيازة قانونية مستكملة لركنيها المادي والمعنوي، على نحو ما قرره المشروع في النصوص السابقة، وهذه الحيازة لا تختلف في جوهرها عما يقول به فقهاء المالكية في معنى الحيازة التي تؤدي إلى استحقاق الحائز ما يحوزه وعدم سماع دعوى من ينازعه في ملكيته، فقد عرفوها بأنها ” وضع اليد على الشيء والاستيلاء عليه والتصرف فيه تصرف الملاك، ولم يأخذ المشروع بما ذهبوا إليه من أنه إذا لم يكن الحائز أجنبيًا عن المنازع، بأن كان شريكًا أو قريبًا له فيشترط في التصرف الدال على الملك أن يكون مخرجًا للشيء من يده أو مغيرًا ذاته كالبيع والهدم، إذ تنص المادة (520) (1) من مشروع تقنين الشريعة الإسلامية على مذهب الإمام مالك على أنه يشترط في الحيازة التي لا تسمع معها دعوى المنازع للحائز ولا بنيته ما يلي: أن يتصرف الحائز في الشيء المحاز بأي من أنواع التصرف إن كان أجنبيًا من المنازع غير شريك له في الشيء المحاز أو بنوع يخرجه من يده أو يغير ذاته إن كان أجنبيًا شريكًا أو قريبًا له مطلقًا ” لم يأخذ القانون بالتفرقة بين الحائز الشريك أو القريب من ناحية، والحائز الأجنبي غير الشريك من ناحية أخرى، مكتفيًا بالقاعدة السابق تقريرها في معنى الحيازة وهي أن يباشر الحائز الأعمال التي يباشرها عادة صاحب الحق، وتبقى مسألة ما إذا كان الحائز القريب أو الشريك يباشر الأعمال التي يباشرها لحسابه هو أو لحساب غيره متروكة لتقدير القاضي.
ثانيًا: يشترط أن تكون الحيازة قد استمرت خمس عشرة سنة، وفي تحديد المادة التي يجب أن تستمر خلالها الحيازة حتى لا تسمع دعوى المنازع خلاف في فقه المالكية، وقد رُوي عن الإمام مالك رضي الله عنه أن مدة الحيازة في العقار يترك تقديرها إلى اجتهاد الإمام وأخذًا بهذا نص المشروع على أن المدة هي خمس عشرة سنة.
ثالثًا: يشترط أن ينكر الحائز، عند المنازعة، حق الغير ويدعي الحق لنفسه ولو لم يبين سبب كسبه لهذا الحق، وهذا الشرط هو الذي يبرز الفارق الجوهري بين النظام الإسلامي والنظم الوضعية.
ولا خلاف بين فقهاء الشريعة الإسلامية في ضرورة ادعاء الحائز أنه هو المالك ولكنهم اختلفوا في مطالبته ببيان سبب تملكه، وقد أخذ المشروع بما ذهب إليه مشروع تقنين الشريعة الإسلامية على مذهب الإمام مالك من أنه يشترط أن يدعي الحائز حين المنازعة ملكيته للشيء المحاز ولو لم يبين سبب الملكية، وذكرت اللجنة التي وضعت المشروع أن ما جرى عليه ” من أنه لا يشترط بيان سبب الملكية هو القول المعتمد للاستغناء عن بيانه بدلالة الحيازة عليها وقيل لا بد من بيان سببها “.
فإذا توفرت هذه الشروط، اعتبرت الحيازة، وفقًا لنص المشروع، دليلاً على الحق ويحكم للحائز بهذا الحق، ولم يستخدم المشروع تعبير عدم سماع الدعوى المعروف في فقه الشريعة الإسلامية، ذلك أن حقيقة المقصود بعدم سماع الدعوى هو رفض دعوى المنازع، يدل على ذلك ما جاء في إيضاح نص المادة (518) من مشروع تقنين الشريعة الإسلامية على مذهب الأمام مالك وهو: ” … ومعنى أن الحيازة لا تُسمع معها دعوى المنازع في الملكية أنه لا يترتب على سماعها أن تكون البينة على المدعي واليمين على من أنكر، وهذا لا ينافي أنها تُسمع سماع استيضاح لاحتمال أن الحائز يقر له بملكيته للشيء المحاز، وإنما تسمع دعوى المنازع للحائز مع الحيازة التي يقضي العرف بأنها حيازة ملك “، (المشروع ص 413) لهذا وتجنبًا لما قد يؤدي إليه مصطلح عدم سماع الدعوى من الخلط بينه وبين عدم قبول الدعوى المعروف في فقه المرافعات، آثر المشروع النص على أن يحكم للحائز بالحق، ويمتاز هذا الحكم، على القول بعدم سماع الدعوى، وهو كما رأينا يعني رفض دعوى المنازع، من الناحية العملية، بأنه يؤدي إلى استقرار التعامل في شأن العقار محل الحيازة، وبيان ذلك أن الاكتفاء بالقول بعدم سماع دعوى المنازع، يثير التساؤل: وماذا بعد عدم سماع دعوى المنازع، أي رفض الدعوى ؟ هل يظل الحائز هكذا دون الحصول على دليل واضح على حقه يمكنه من التعامل في العقار باعتباره صاحب الحق ؟ إذا وقفنا عند هذا الحد فالغالب أن الحائز لن يجد من يتعامل معه باعتباره المالك استنادًا إلى دلالة الحيازة على الملك، ولهذا نص المشروع على أن يحكم للحائز بالحق، ويترتب على ذلك أنه يستطيع بعد ذلك أن يسجل الحكم الذي صدر له فيستقر وضعه باعتباره المالك، شأنه في ذلك شأن كل من يستند في ملكيته إلى سند مسجل، وما أخذ به المشروع لا يخالف الحكم الذي ورد في نص المادة (518) من مشروع تقنين الشريعة وفقًا لمذهب الإمام مالك والتي تقول ” إن من حاز عقارًا أو منقولاً مدة يقضي العرف بأن الحيازة فيها حيازة ملك، فإنه يستحقه بهذه الحيازة ولا تُسمع معها دعوى من ينازعه في ملكيته ولا بنيته “.
هذا ونشير في النهاية إلى أن الاتجاه الذي سار عليه المشروع في اعتبار الحيازة التي استمرت مدة معينة، دليلاً على الحق يحكم للحائز على أساسه وليست سببًا قائمًا بذاته من أسباب كسب الحق، قد اقتضى عدم الأخذ بنظام التقادم القصير، أو الخمسي، المعروف في القوانين الوضعية، وحيث يُشترط فيه أن يكون الحائز قد استند في حيازته إلى ما يسمى السبب الصحيح، وهو التصرف القانوني الذي من شأنه، لو صدر من مالك، أن ينقل الحق ولكنه لم ينقل الحق فعلاً لأنه صدر من غير مالك، فالأخذ بهذا النظام يفترض بالضرورة الإقرار بأن الحائز ليس مالكًا وهو ما يناقض الفكرة الأساسية التي تبناها المشروع وهي الحاكم للحائز بالملك استنادًا إلى أنه هو المالك بدلالة الحيازة.
أثر حيازة المنقول في كسب الحق:
تخضع حيازة المنقول، في القوانين الوضعية المعاصرة لقاعدة مشهورة يعبر عنها بأن الحيازة في المنقول سند الحق ” أو سند الملكية أو سند الحائز “، وهي قاعدة تقوم على اعتبارات عملية نظرًا لكثرة المعاملات على المنقولات وسرعتها وبوجه خاص ما ألفه الناس من عدم الحصول على دليل يفيد تملك المنقول، وبمقتضى هذه القاعدة يصبح الحائز مالكًا أو صاحب الحق العيني فور حيازته إذا توفرت شروط معينة ” السبب الصحيح وحسن النية “.
أما في فقه الشريعة الإسلامية فلا تختلف حيازة المنقول عن حيازة العقار إلا من حيث المدة التي لا تسمع بعدها الدعوى. فيلزم حتى تسمع الدعوى أن تكون الحيازة قد استمرت مدة معينة – وإن اختلف عن المدة في حيازة العقار – كما يلزم أن يدعي الحائز أنه هو المالك وليس من ينازعه، وقد رُئي أن القواعد التي قال بها فقهاء الشريعة، وخاصة المالكية في شأن حيازة المنقول لا تناسب متطلبات التعامل في مجتمعنا الحالي حيث تكثر المعاملات وتتم بسرعة لا تحتمل التوقف للحصول على الدليل الذي يمكن الاستناد إليه إذا ما ثارت المنازعة حول صاحب الحق على المنقول فلو تطلبنا من كل من يتعامل في شأن المنقول، كمن يشتريه أو يرتهنه، أن يتحقق أولاً من أن المتصرف هو المالك لترتب على ذلك شل حركة التعامل، ولهذا أخذ المشروع بأحكام حيازة المنقول في القوانين الوضعية الحديثة.
وهكذا وضعت نصوص المواد (937 – 940) أخذًا بالأحكام المعمول بها في القوانين المعاصرة، ومن نص المادة (937) يتضح أن الحيازة يمكن أن يترتب عليها كسب حق أو سقوط حق، فقد نصت الفقرة الأولى على أن من حاز بسبب صحيح منقولاً أو سندًا لحاملة ظاهرًا عليه بمظهر المالك أو صاحب حق عيني آخر، وكان حسن النية وقت حيازته أصبح صاحب الحق من وقت حيازته، ومن هذا النص يتضح أنه يشترط، حتى يكسب الحائز الحق، أولاً: أن تتوفر له الحيازة القانونية المستكملة لركنيها المادي والمعنوي وأن تكون هذه الحيازة خالية من العيوب، وأن تكون الحيازة واردة على منقول مما يتصور السيطرة عليه، أي المنقول المادي، ولهذا فلا شأن للقاعدة بالمنقولات غير المادية كالمصنفات الفكرية والمخترعات والديون، ولكن إذا كان الدين ثابتًا في سند لحامله فالمعروف أن الدين يندمج في السند – وهو منقول مادي – فتعتبر حيازة السند حيازة للدين تنطبق عليها القاعدة، ولهذا حرص المشروع على ذكر السند لحماله، ويشترط ثانيًا أن تكون الحيازة بسب صحيح وهو مصطلح له دلالة خاصة فهو تصرف قانوني من شأنه نقل الملكية أو الحق العيني ولكنه صدر من غير المالك أو صاحب الحق، ويشترط ثالثًا أن يكون الحائز حسن النية وقت حيازته، وحسن النية معناه أن يجهل الحائز أن حيازته اعتداء على حق للغير أي يعتقد أنه تلقى الحق من المالك، وهو مطلوب وقت الحيازة بحيث لو تأخر تسلم المنقول عن وقت إبرام التصرف وكان حسن النية متوفرًا وقت التصرف ثم علم الحائز قبل أن يتسلم أن المتصرف غير مالك فلا يعتد بحسن نيته وقت التصرف، وتمشيًا مع الغالب المألوف يفترض توفر السبب الصحيح وحسن النية لدى الحائز إلى أن يثبت العكس وهو ما نصت عليه المادة (938)، فإذا توفرت هذه الشروط اكتسب الحائز الحق ” الملكية أو الانتفاع أو الرهن مثلاً “.
أما الفقرة الثانية من المادة (937) فقد عرضت لما يسمى الأثر المسقط للحيازة بقولها ” فإذا كان السبب الصحيح وحسن النية قد توافرا لدى الحائز في اعتباره الشيء خاليًا من التكاليف والقيود العينية كسب الحق خالصًا منها ” فإذا اشترى شخص مثلاً منقولاً مثقلاً برهن، ولم يذكر في العقد أنه مرهون وكان المشتري وقت تسلمه يجهل وجود الرهن تملك المشتري المنقول خاليًا من الرهن الذي يسقط في هذه الحالة أثرًا للحيازة.
هذه هي قاعدة الحيازة في المنقول سند الحق، كما نظمتها نصوص المواد وثمة استثناء من هذه القاعدة هو الذي عرض له المشروع في المادة (939) التي نصت في فقرتها الأولى على أنه ” يجوز لمالك المنقول أو السند لحامله أو لصاحب الحق العيني عليه، إذا فقده أو سُرق منه، أن يسترده ممن يكون حائزًا له بسبب صحيح وحسن نية وذلك خلال ثلاث سنوات من وقت الفقد أو السرقة، فإذا كان المنقول قد فقد من مالكه أو سُرق منه، ثم حازه شخص ما بسبب صحيح وبحسن نية، سواء كان السبب الصحيح هو تصرف صدر ممن وجد الشيء المفقود أو السارق أو ممن تلقاه من غيره، فللمالك خلال ثلاث سنوات من وقت الفقد أو السرقة أن يسترد ملكه استثناءً من القاعدة العامة، والأصل أن المالك الذي يسترد لا يلتزم بدفع شيء للحائز، ويكون للحائز أن يرجع على من تلقى منه المنقول بدعوى الضمان إن كان سنده يسمح بذلك، ولكن إذا كان الحائز قد اشترى المنقول في سوق أو في مزاد علني أو اشتراه ممن يتجر في مثله، فيكون له وفقًا لنص الفقرة الثانية من النص أن يطلب من المالك الذي يسترد أن يدفع له الثمن الذي دفعه هو في الشراء ويمتنع عن تسليم الشيء إلى أن يحصل على هذا الثمن.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً