حجية العمل بالنظم والقوانين
الشيخ هزاع بن عيسى العيسى
اذا عرفنا فيما سبق سن النظم والقوانين وصياغتها والشروط اللازم عند الصياغة وكيفية صياغتها ومن يقوم بصياغتها كان لابد لنا في هذا ان نتحدث عن حكم وحجية العمل بهذه النظم والقوانين واذا عرفنا أن النظم والقوانين المقصودة هنا يشترط لصحتها ان تكون متفقة مع أحكام الشريعة الاسلامية وقواعدها العامة وألا تخالف نصا او اجماعا مخالفة حقيقة عرفنا ان القول بصحتها يشهد له عمل الصحابة والأئمة المجتهدين.
واذا علمنا أن الشريعة الإسلامية كاملة بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى كما انها فوق كمالها جاءت خاتمة للشرائع السماوية فهي بذلك لابد وأن تكون معايشة لأحوال الناس محققة لمطالب الحياة المتجددة والمتغيرة والذي يحقق ذلك هو صياغة النظم والتي تأتي لتحقيق مطالب الحياة المتجددة وفق ما تمليه حاجات ومصالح الناس لأنها هي التي تعني باستنباط الأحكام لما يجد من الوقائع المختلفة كما ان الشريعة الإسلامية تراعي اختلاف الأحوال في الأمور المتشابهة مثل اشتراط اربعة شهود لاثبات جريمة الزنا وشاهدين لاثبات جريمة القتل فنجد الاختلاف بين الشهادتين مع ان كلا منهما الشهادة على جريمة من الجرائم وانما الفرق هنا هو ان في جريمة الزنا اثباتها يكون متعديا الى الأسرة بأكملها وذلك بما يلحقها من العار وهذا غير متحقق في جريمة القتل واذا عرفنا ذلك وأن ذلك جاءت به الشريعة وجب علينا أن نراعي اختلاف الأحوال فيما لم يأت به حكم في الوقائع المتجددة وذلك لعدم وجود فرق بين الموضعين ولعل مراعاة أحوال الناس هو ما تهدف اليه النظم ومن هنا جاء اعتبار وحجية العمل بهذه النظم والقوانين كما ان الشريعة الاسلامية جاءت بالرخص فأجازت الفطر والقصر وزادت مدة المسح في حالة السفر وما ذلك الا لرفع المشقة والحرج عن الناس والنظم والقوانين هنا الغرض منها رفع المشقة والحرج عن الناس وذلك بجعل أحكام الوقائع لم يرد بحكمها شيء في الشريعة لا بالاباحة ولا بالمنع كما ان حالة الناس في العصور المتأخرة قد تغيرت عما كانت عليه في صدر الاسلام وذلك لكثرة الفساد وانتشار الأمراض الاجتماعية وتنوع الجرائم وتعدد الوسائل وتنوعها فكان لابد من علاج يقضي على هذه الأمراض ويكون غير مخالف لأصل من أصول الشريعة الاسلامية ولا يمكن أن يوجد هذا العلاج إلا في سن نظم وقوانين الهدف منها القضاء على الفساد وتحقيق المصالح المعتبرة للأفراد والجماعات في كل زمان ومكان واذا لم نقل بحجية هذه النظم لزم من ذلك تعطل مصالح الناس وانتشار الفساد وضياع الحقوق وهذا امر جاءت الشريعة الاسلامية بمنعه.
وإذا عرفنا أن الشريعة الاسلامية تمنع انتشار الفساد وضياع الحقوق لزم القول بجواز التوسع في صياغة النظم والقوانين ولذلك قال الخليفة عمر بن عبدالعزيز: تحدث للناس أقضية بقدر ما يحدثون من الفجور.
كما أن هذه القوانين والنظم تبني أحكامها على القواعد الشرعية العامة مثل قواعد التيسير ورفع الحرج والعدل والمساواة بين الناس والرجوع الى أهل الذكر – وسد الذرائع – والاستحسان – والعرف – وغيرها من القواعد العامة، فهي بذلك تحقق مقصدا من مقاصد الشريعة الإسلامية وهذه القواعد لها شواهد من الكتاب والسنة فيكون ما تبنى عليها حجة في نظرة الشريعة الإسلامية لكونها جزء منها. ولأن فهم هذه القواعد ومعرفة دلالاتها ومقاصدها يفتح الأبواب أمام المجتهدين لصياغة هذه النظم وذلك لتدبير شؤون الأمة على أساس من الصلاح والاستقامة والرشاد والفلاح.
كما أن حجية العمل بهذه الأنظمة والقوانين المشار اليها قد ورد لها شواهد من فعل الخلفاء الراشدين وذلك في الوقائع التي لم يرد فيها نصا شرعيا لا بالحل ولا بالمنع مثل فعل ابوبكر الصديق رضي الله عنه في جمع المصحف الشريف وكتابته وما رآه عمر بن الخطاب رضي الله عنه من فرض الخراج على الأرض المفتوحة بدل تقسيمها على القائمين وكذلك رأيه في حرق حوانيت الخمر وكذلك رأى عثمان بن عفان رضي الله عنه حين رأى امساك الإبل الضالة وكذلك رأى علي بن ابي طالب رضي الله عنه في التفريق بين الشهود في مجلس القضاء فكل هذه الوقائع عرضت للخلفاء الراشدين رضي الله عنهم وارضاهم ولم يوجد دليل يحكمها فاجتهدوا لها ووضعوا لها الأحكام وفق القواعد العامة ومقاصد الشريعة الإسلامية ولم يخالفهم احدا فيما رأوه فكان ذلك اجماعا على جواز عملهم في انشاء الأحكام في الوقائع التي لم يرد فيها نص ويمكننا القول انه لولي الأمر وضع الضوابط والمعايير والعقوبات وتنظيمها وتقنينها في التعزيزات التي لم يرد فيها حدد مقرر وذلك حماية وصيانة لحقوق الأفراد والمجتمعات نظرا لكثرة اختلاف الأحكام فيها بين الافراط والتفريط ولعل ما ذكر يدل بمجموعه على حجية النظم والقوانين والعمل بها وفق الأسس والضوابط التي أوردناها سابقا.
كما انه من له علم واطلاع في الشريعة الاسلامية وكمالها ومعرفة الغاية منها وهي تحقيق مصالح الأمة في الدنيا والآخرة وانها جاءت بالعدل والمساواة والحث على حسن الخلق والخصال النبيلة والصفات الكريمة لعرف ان انشاء الأحكام في الأمور المستجدة التي لا نص فيها هو من أهداف هذه الشريعة الاسلامية وجزء من أجزائها.
٭ قاض
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً