الاختطاف وتوثيق البلوتوث .. جرائم يجب الحزم معها
محمد بن عبد العزيز المحمود
ظهرت على المشهد الإنساني لمجتمعنا هذه الأيام بعض الحوادث التي أشبه ما تكون بالظاهرة الغريبة على واقعنا الإسلامي المحافظ، حيث لا يكاد يمرُّ أسبوع إلا وتطالعنا صحفنا المحلية والمواقع الإخبارية بخبر الاعتداء على فتاة أو طفل صغير بالخطف أو الاغتصاب أو التحرش الجنسي أو مجرد الشروع في تلك الجرائم الكبيرة، بل ويزداد الأمر سوءاً والجرم قبحاً وشناعة إذا اقترنت تلك الجرائم الأليمة بمجاهرة أصحابها وتوثيقهم لأحداثها عن طريق كاميرات الجوال المحمولة ومن ثمّ نشر تلك المقاطع المخزية وتبادلها عبر تقنية البلوتوث .
إن انتشار مثل تلك الجرائم التقليدية وما طرأ عليها من أمور مستجدة حديثة كتوثيق أحداثها بالصوت والصورة وتفاخر مقترفيها بتصويرها ونشرها بين أفراد المجتمع الذي يفور دمهم من تلك الجرائم وتتأجج مشاعرهم الساخنة غيظاً وكمداً من هذه التصرفات التي تخلّ بأمنهم واستقرارهم ؛ كل هذه الأمور تزيد من شناعة الجرم المقترف وتكون سبباً وظرفاً مشدداً للعقاب .
ذلك أن الأنظمة الإجرائية والقوانين الموضوعية حرصت على توفير الأمن والأمان وبث السكينة بين أفراد المجتمع وإشاعة روح الاطمئنان على الأنفس والأعراض والأموال، وجعل أيّ اعتداء على شخصٍ بمثل هذا النوع من الاعتداء إنما هو اعتداء على المجتمع كله .
يقول الله تعالى : {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) (33) سورة المائدة .
فهذه الآية الكريمة اعتبرت حق المجتمع بحق الله عز وجل، وأن مثل هذه الاعتداءات التي تقع على أفراد المجتمع إنما هي اعتداءٌ على الله تبارك وتعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم، وفي هذا من تقديس المجتمع ما لا يخفى على عاقل ؛ إذ أن محاربة الله عز وجل على الحقيقة غير ممكنة، لكن لمّا كان استقرار المجتمع وصيانة أمنه أمراً ضرورياً اُعتبر ذلك حقاً لله عز وجل وأن المساس به أو الاعتداء عليه إنما هو اعتداءٌ على حق من الحقوق المقدسة التي لا يملك أحدٌ التنازل عنها مهما كان شأنه .
إلا أننا ومع كثرة قضايا الاعتداء على الأعراض بالقهر والإجبار وما تطالعنا به الصحف المحلية من أخبار سارة تتمثل في سرعة الإطاحة بهؤلاء المتهمين عن طريق المجهودات الكبيرة التي يبذلها رجال الضبط الجنائي في المملكة العربية السعودية بسرعة التحري عن مرتكبي هذه الجرائم واستخدامهم للوسائل الحديثة والتقنيات المتطورة في التعرف على هؤلاء المتهمين، إلا أننا سرعان ما ننسى هذه القضية التي هزت الشارع العام ولم نعرف مصير هؤلاء المتهمين وما نالهم من الأحكام العقابية.
وفي الحقيقة أننا لا نعلم – يقيناً – سبب القصور في إعلان الأحكام الشرعية الصادرة بحق هؤلاء .. هل هو قصورٌ في وسائل الإعلام وخصوصاً المقروءة منها في تتبع تسلسل القضية لحين وصولها لمرحلة المحاكمة وانتظار صدور الحكم وإعلانه ؟؟ ..
أم هناك تثاقلٌ وتباطؤٌ في إجراءات التحقيق والاستجواب ؟؟..
أم هناك ضعفٌ في توجيه الاتهام لهؤلاء المتهمين من قبل الادعاء العام ؛ مما يجعل القاضي يتريّث في إصدار الأحكام عليهم .. .
إن مثل تلك الجرائم التي تهز ببشاعتها الرأي العام، وتبثّ الخوف والقلق في نفوس أولياء أمور الأطفال والفتيات الذين يخشون من التساهل مع مرتكبي هذه الجرائم أن يستفحل شرهم ويتعدى ضررهم إلى مَنْ يعولون، الأمر الذي يستدعي ضرورة اتخاذ الإجراءات الصارمة بحق مرتكبيها، بأن يتم الإعلان عن الأحكام الصادرة بحقهم عبر القنوات الرسمية دون الخضوع للاجتهادات الشخصية التي تعتمد على نشاط ذلك الصحفي من عدمه، كما أنه وقبل كل ذلك يجب أن تشدد العقوبات على أمثال هؤلاء المستهترين بحرمات الناس، المعتدين على أعراضهم، بأن تصدر الأحكام العقابية التي تتضمن أقصى العقوبات ردعاً لهم وزجراً لغيرهم .
ولقد نص نظام الإجراءات الجزائية الصادر في المملكة العربية السعودية بالمرسوم الملكي رقم م / 39 وتاريخ 28 / 7 / 1422 ه في المادة الثانية عشرة بعد المائة على أن : ( يحدد وزير الداخلية – بناء على توصية رئيس هيئة التحقيق والادعاء العام – ما يعد من الجرائم الكبيرة الموجبة للتوقيف ) . وبموجب ذلك صدر قرار سمو وزير الداخلية رقم 1245 وتاريخ 23 / 7 /1423ه محدداً الجرائم الكبيرة الموجبة للتوقيف، حيث أشار هذا القرار إلى أربعة عشر وصفاً واضحاً للجرائم ؛ جاء في الفقرة الأولى منها:
1 – جرائم الحدود المعاقب عليها بالقتل أو القطع .
ولا يشك عاقل في كون الاعتداء على الأعراض بالقهر والقوة والإجبار أو الشروع في اغتصاب الطفل القاصر، أو الفتاة التي تسير في أماكن عامة وفي مجتمعٍ محافظ ؛ أن ذلك موجبٌ لحد من الحدود السبعة المقررة شرعاً، وهو حد الحرابة المعاقب عليه بالقتل أو القطع أو النفي من الأرض، فهذه الجريمة نص النظام الجنائي في المملكة العربية السعودية ضمناً على كونها من الجرائم الكبرى الموجبة للتوقيف، فلا يمكن التساهل مع مرتكبيها بل يجب أن يوقفوا ويعاقبوا بأحكام تردعهم وتمنع غيرهم حتى من مجرد التفكير بارتكاب مثل هذا الجرم الشنيع، فالله عز وجل يقول في كتابه الكريم في وصف هؤلاء المفسدين .. ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ )،حيث إنهم لم يكونوا ليرتكبوا مثل هذه الجرائم ويجاهروا بها عبر توثيقها بمقاطع البلوتوث إلا بسبب دافع الغرور و الاستهتار واللامبالاة التي يعيشونها ؛ فكان لهم الخزي في الدنيا لتصحيح أنفسهم المريضة وردها إلى الشعور بالقيم، ولهم العذاب العظيم في الآخرة إن لم يتوبوا ويقلعوا عن جرمهم .
ولذا فإن من الواجب على الإعلاميين أن يكون اهتمامهم بنشر الأحكام الشرعية الصادرة بحق هؤلاء أكثر من اهتمامهم بنشر تفاصيل خبر القضية حين ارتكابها، أو طريقة القبض على مرتكبيها، حيث إن نظام الإجراءات الجزائية قد سهّل لهم حضور جلسات المحاكمة فقد نص في المادة الخامسة والخمسين بعد المائة على أن تكون » جلسات المحاكم علنية .. «. كما نص في المادة الثانية والثمانين بعد المائة على أن»: يُتلى الحكم في جلسة علنية ولو كانت الدعوى نظرت في جلسات سرية .. » .
فإشهار مثل هذه العقوبات فيه زرعٌ لمزيد من الأمن والاطمئنان في نفوس أفراد المجتمع، وردعٌ لمرتكبيها، وزجر لغيرهم .
نسأل الله أن يحفظ بلادنا من كل سوء، وأن يديم علينا نعمة الأمن والأمان، إنه ولي ذلك والقادر عليه ..وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ..
*باحث قانوني
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً