التحكيم التجاري وعلاقته بالاستثمار الأجنبي
فهد الملامخ
من الواضح أن هناك علاقة طردية بين التحكيم التجاري والاستثمار الأجنبي، فكلما تطور التحكيم زاد الاستثمار، أي كلما تعززت إجراءات التحكيم في الدولة المضيفة للاستثمار كلما أقبلت الشركات الأجنبية على الاستثمار في هذه الدولة، وبمفهوم المخالفة يتضح العكس أي كلما قلت قدرة التحكيم في الدولة المضيفة قل إقبال المستثمرين لهذه الدولة وعلى ذلك تتبين الفلسفة القانونية التي يقوم عليها التحكيم وهو المبدأ القانوني المعروف (بمبدأ سلطان الإرادة) وهو الذي يعطي التحكيم القوة التي تجعله يجذب المستثمر وهو مطمئن لاستثماراته في هذه الدولة فإن المستثمر عندما يرغب في دفع استثماراته وأمواله إلى دولة معينة فإنه يضع نصب عينيه أمرين الأول هو ما يتعلق بالضريبة التي سوف تفرض عليه وتقتطع جزءاً كبيراً من أرباحه.
والآخر هو كيف سيتم الفصل في النزاع في حال نشوئه. وبالتالي إذا وجد أن إجراءات التحكيم متطورة فإنه يبدأ استثماره فيها والعكس. والتحكيم هو عبارة عن اتفاق أطراف في علاقة قانونية سواء عقدية أو غير عقدية على أن يتم الفصل في النزاع الذي نشأ أو الذي قد ينشأ بينهم عن طريق اللجوء إلى أشخاص يسمون المحكمين يختارهم الأطراف أو على الأقل يشاركون في اختيارهم في حال اللجوء إلى مركز تحكيم دولي مثل غرفة التجارة الدولية بباريس )ىكك( ويتضح أن المبدأ المسيطر على إجراءات التحكيم هو مبدأ سلطان الإرادة ما عدا القواعد الآمرة المتعلقة بالنظام العام وذلك مثل وتريه عدد المحكمين وكفالة مبدأ المواجهة بين الخصوم وعندما نضع مقارنة بسيطة بين التحكيم والقضاء فإننا نجد أن التحكيم هو قضاء ولكن من نوع خاص والطبيعة القانونية للمحكم هي نفس الطبيعة القانونية للقاضي فكلاهما يفصل في نزاع بل نجد أن أحكام التحكيم تتميز عن أحكام القضاء بأنه لا يجوز الطعن فيها سواء بالطرق العادية أو غير العادية وليس أمام المحتكم ضده إلا طريق واحد وهو رفع دعوى البطلان ويجب أن يتوفر لها شروط كذلك ما يوفره التحكيم من مناخ مناسب للاستثمارات وهو السرعة حيث إن التجارة تعتمد على الائتمان والسرعة والذي يجعل المستثمرين يعزفون عن القضاء ويلجؤون للتحكيم هو تعقيد القضاء وإطالة أمد النزاع.
ومن المميزات التي يوفرها التحكيم هي أن المحكم لا يشترط أن يكون رجل قانون ويجوز أن يكون من أي تخصص سواء كان مهندسا أو طبيبا أو غيره، وذلك ما يميز التحكيم وهو السرعة حيث إن المحكم إذا كان من الخبراء في النزاع سيجعله قريباً من الحل ويجعله يمسك بمقطع القضية لكنه يجعل الحكم عرضة للإبطال لعدم خبرة المحكم غير رجل القانون. على خلاف القضاء الذي يحتاج إلى ندب الخبراء في بعض المسائل المتخصصة مما يؤدي إلى الإطالة.
وعند النظر إلى المحكم فإنه يتميز بطبيعة قانونية مزدوجة قانونية وتعاقدية. فهو في البداية عبارة عن تعاقد بين المحكم ومن يختاره على طريقة التحكيم ووقته وإجراءته والأتعاب التي يحصل عليها المحكم. وقضائية عندما تبدأ الإجراءات ويقوم المحكمون بالعمل في القضية.
فالتحكيم في البداية اتفاق بين الأطراف وفي النهاية حكم لا يجوز لأحد الأطراف التحلل منه ورفضه ويجوز إصدار أمر بالتنفيذ من الجهات المعنية ويكفل التحكيم للأطراف الحرية الكاملة من حيث اختيار القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع ما عدا القواعد الآمرة المتعلقة بالنظام العام فيجب عدم مخالفتها، أما القواعد الآمرة المتعلقة بمصلحة الأشخاص فيجوز مخالفتها فيجوز للأطراف اختيار القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع سواء كان القانون هو قانون الدولة التي يجري التحكيم فيها أو كان قانونا من اختيار الأطراف من خليط جميع الأنظمة المختلفة أو قانون دولة أخرى معينة أو أي قانون في أي مركز تحكيم دولي إقليمي.
ولكن المشكلة التي نريد أن نوضحها هي التحكيم في عقود نقل التكنولوجيا، حيث إن عقود نقل التكنولوجيا من العقود التي يشترط فيها ناقل التكنولوجيا على المستورد شروطاً تجعل هذا العقد تحت طائلة عقود الإذعان والذي يجعل التعاقد على تقديم تنازلات عن بعض الحقوق أو رفض التعاقد مع فقدان التكنولوجيا والتي هو بحاجة ملحة لها لتطوير الإنتاج وتطوير المجتمع، وذلك مثل الدول النامية. وبالتالي نرى أنه يجب على الدول النامية أن تمارس الضغوط على الدول المتقدمة مصدِّرة التكنولوجيا بجميع الوسائل وفي جميع المحافل حتى يكون هناك توازن عقدي لا يضع الأطراف في موقف حرج في الشروط العقدية عامة وفي التحكيم خاصة وخصوصاً أن الدول النامية بحاجة إلى التكنولوجياكذلك يجب أن يكون هناك تطوير وتدريب للكفاءات على وجه الخصوص “الكفاءات القانونية” لكي تواجه هذا الطريق الجديد الذي أصبح ضرورة من ضرورات التجارة العالمية
حيث إن أغلب الدول النامية أصبحت من الأعضاء في منظمة التجارة العالمية ومنها المملكة العربية السعودية العملاق النفطي والاقتصادي الأكبر في منطقة الخليج والشرق الأوسط والذي دارت العديد من الاجتماعات واللقاءات قبل سنوات عديدة قاربت العشر سنين حتى تمت مؤخراً الموافقة على الانضمام والتي تخللها الكثير من وضع الأنظمة والقوانين الجديدة مثل قانون الاستثمار الجديد الذي صدر عام 2000.وعلى الرغم من أن المملكة العربية السعودية قد أصدرت نظام التحكيم عام 1403إلا أنها لم تول اهتماماً لتطوير كوادر في هذا المجال واكتفت بإصدار قوائم عدد من المحكمين بموجب قائمتين من وزارة العدل وفي انتظار إصدار قائمة جديدة.
@باحث ماجستير-قانون تجاري
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً