ما أشبه الدستور المصرى بالدستور البولندى، فلم يكن يخطر ببالى يومًا أن أهتم بدراسة نظامها الدستورى؛ ذلك أنه ليس لها نظام قانونى / دستورى نمطى يمكن انتسابه إليه؛ فقد استقرت التجارب الديمقراطية الحديثة التى لها نظمها القانونية الراسخة إلى تقسيمين كبيرين.. أحدهما: النظام اللاتينى وتأتى فرنسا على رأس سنامه والدول التى تتبع مناهجها وتسير فى فلكها ومن بينها مصر وكثير من دول قارة إفريقيا، ويتأسس هذا النظام على التقنين المدنى الذى صدر فى عهد نابليون بونابرت سنة 1804م، والذى يعدّ أول تقنين ظهر فى العصر الحديث، ويتميز هذا النظام القانونى بخصائص معينة هى: التقنين والتأثر بالقانون الرومانى والازدواج القضائى، والنظام الآخر: النظام الأنجلو ساكسونى أو الأمريكى ومثاله الفذ بريطانيا (عدا استكتلندا) وأمريكا يقينا، وكذلك استراليا ونيوزيلندا، ويطلق على الأنظمة القانونية التى تأثرت بالنهج القانونى الإنجليزى تسمية نظم الشريعة العامة أو القانون العام وتتحدد خصائصه بالقدم والاستمرارية لدرجة أن هناك قضية تم الفصل فيها سنة 1946م استناداً إلى قانون صادر سنة 1381م، وتتسم أيضا بعدم التقنين فالقانون الإنجليزى والنظم التى حذت حذوه قانون غير مقنن! فى حين أن قوانين القارة الأوروبية لها تقنيناتها المعروفة، وأخيرا تتميز بالطابع القضائي فلا يزال القانون الإنجليزى معتمداً على أحكام السوابق القضائية كمصدر أساسى ورسمى لمبادئه ونظرياته.
أما بولندا فلم أكن أعلم أنها تملك أقدم دستور فى أوروبا والذى وُضع فى عام 1791م، ولقد أُخذت منه القيَم والمُثُل للثورتين الأمريكية والفرنسية، ومن ثم فهى تجمع بين كلا النظامين اللاتينى والأنجلو ساكسونى، ومن عجب كذلك أنها كانت من الدول التابعة للاتحاد السوفيتى، وبعد انتهاء الحقبة الشيوعية، أصدرت دستورا عام 1997 تم تعديله عام 2009، اشتمل على 243 مادة، أسس لجمهورية ديمقراطية برلمانية، واستفادت كذلك من تاريخها الدستورى العريق، ومن التجارب الدستورية المعاصرة، فنص الدستور على أن بولندا يحكمها القانون، وتقوم على تطبيق مبادئ العدالة الاجتماعية، وأن الدستور هو القانون الأسمى لجمهورية بولندا وتطبق أحكام الدستور مباشرة، ما لم ينص الدستور على خلاف ذلك، كما نص الدستور على أن تناط السلطة التشريعية بمجلس النواب ( 460 نائباً ) ومجلس الشيوخ ( 100 عضو)، وتناط السلطة التنفيذية برئيس الجمهورية، ومجلس الوزراء، وتناط السلطة القضائية بالمحاكم والهيئات القضائية، كما أعطى الدستور للقوات المسلحة صلاحية حماية أمن البلاد بنصه على أن: على القوات المسلحة لجمهورية بولندا صون استقلال الدولة وسلامة أراضيها، كما يجب ضمان أمن وحرمة حدودها، واعتمد الدستور البولندى مبدأ ازدواجية القضاء (المحكمة العليا والمحكمة الإدارية العليا) ونظّم المحكمة الدستورية كذلك ومنحها حق مدى مطابقة القوانين والاتفاقات الدولية للدستور؛ وهو فى كل ما سبق يأخذ من النظام اللاتيني.
وأفسح الدستور البولندى فى ذات الوقت، مجالا كبيرًا للا مركزية فنص على أن يضمن النظام الإقليمى لجمهورية بولندا لا مركزية السلطة العامة، وأنه يجوز إنشاء حكومات ذاتية محلية فى إطار مهنةٍ ما يضع فيها الجمهور الثقة، وعلى مثل هذه الحكومات الذاتية أن تهتم بالممارسة السليمة لتلك المهن وفقاً للقانون، وبغرض حماية المصلحة العامة، كما أقر الدستور البولندى وضع نظام لتحديد نطاق مدى مشاركة المواطنين فى إدارة وإقامة العدل وهو فى هذا يتشابه مع النظام الأنجلو ساكسونى!
وأخيرًا فقد نظام الدستور آلية تعديله – وهو ما يدل أنه من الدساتير المرنة – فنص على أنه يجوز تقديم مشروع قانون لتعديل الدستور بأى مما يلى: خُمْس العدد القانونى على الأقل من النواب؛ أو مجلس الشيوخ؛ أو من قبل رئيس الجمهورية، وأن يتم إجراء التعديلات على الدستور عن طريق القانون المعتمد من قبل مجلس النواب، والمعتمد من مجلس الشيوخ بعد ذلك، وبنفس الصيغة، خلال فترة 60 يوماً، وحدد الدستور البولندى مواعيد توقيفية لإجراء التعديلات بأنه لا يجوز اعتماد مجلس النواب لمشروع قانون بتعديل بعض الأحكام من الدستور فى موعد أقل من 60 يوماً من بعد القراءة الأولى لمشروع القانون.
المستشار د. خالد القاضي
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً