مما لا شك فيه ان الفساد يعتبر من اكبر التحديات امام عمليات التنمية الشاملة في كافة دول العالم و خاصة النامية منها، و من ثم اصبحت كافة سلطات وهيئات الدولة في مصر ملتزمة بتطبيق الاحكام بمنتهي الدقة لمكافحة الفساد و من بين تلك الهيئات النيابة الادارية باعتبارها الهيئة القضائية المعنية بذلك، وبالتركيز على السبل والوسائل التي يمكن من خلالها تعزيز نزاهة القضاء من أجل مكافحة الفساد، يشير المؤلفون إلى العديد من التحديات التي لا بد من العمل على تجاوزها. أما إحدى هذه التحديات فتتمثل في العملية التي يجب أن تنطوي بالضرورة على إشراك جميع أصحاب المصلحة من أجل تحقيق النجاح في نهاية المطاف.
إن من شأن العمل على تصميم وإطلاق عملية من هذا القبيل تغيير المفاهيم (المفاهيم الخاطئة) حول الفساد الذي قد يكون متأصلاً بعمق في الوعي العام والحياة السياسية للدولة، ومع ذلك، يتنافى مع المصلحة العامة ويشكل عبئاً كبيراً يثقل كاهل الدولة. وتتمثل إحدى المفاهيم الخاطئة في أن الشخصيات العامة هي مخولة بمنح التفضيلات وأنها تشعر بأنها فوق الآخرين أمام القانون وتستهدف النيابة الادارية والقضاة التأديبي في المقام الأول حماية المال العام وتنوب عن المجتمع في الإصلاح الاداري للدولة ولتفعيل ذلك علي أرض الواقع يجب أن يدعمه قانون جديد وقوي للنيابة الادارية يتيح لها التحقيق في جميع المخالفات التي يترتب عليها الاضرار بالمال العام، فإنه ينبغي التأكيد على أن القضاء مهما كانت فاعليته، فإنه لا يمكن أن نحمله وحده مسئولية مكافحة الفساد، ما لم يتم التكاثف بين جميع مؤسسات المجتمع في هذا السبيل، تقوم النيابة الادارية بدور أساسي ومحوري في مواجهة الفساد الذي يعد آفة الجهاز الاداري للدولة والذي يهدد مسيرة التنمية التي يتطلع اليها المصريون.
وتستهدف النيابة الادارية في المقام الأول حماية المال العام وتنوب عن المجتمع في الإصلاح الاداري للدولة ولتفعيل ذلك علي أرض الواقع يجب أن يدعمه قانون جديد وقوي للنيابة الادارية يتيح لها التحقيق في جميع المخالفات التي يترتب عليها الاضرار بالمال العام، للقضاء الإداري أيضا دور لا ينكر في محاربة الفساد باعتباره الحامي للحقوق الأساسية والحريات العامة، وذلك من خلال الرقابة التي يمارسها على مشروعية أعمال الإدارة لا سيما عن طريق الطعون التي يقدمها أصحاب الشأن بطلب إلغاء القرارات الإدارية النهائية استنادا لأحد أسباب عيوب المشروعية اللاحقة بها وعلى الأخص عيب اساءة استعمال السلطة أو الانحراف بها الذي يكشف عن مظاهر الفساد المستشري في مفاصل الجهاز الإداري للدولة، من الغلو في توقيع العقوبات التأديبية، واتخاذ النقل المكاني والنوعي وسيلة للتشفي والانتقام، واستعمال نزع الملكية لغير أغراض المنفعة العامة، وتخطي الأجدر والأكفأ في التعيين والترقية بالوظيفة العامة، والمحاباة في شغل وظائف الإدارة العليا، وغير ذلك من صور الفساد الإداري الذي من شأنه أن يزعزع ثقة الجمهور في الإدارة ويؤدى إلى عدم احترام الوظيفة العامة .
ولا شك أن الدور الذي يلعبه القضاء الإداري بهذا الخصوص لن يكون فعالا إلا إذا تحقق لهذا القضاء الاستقلال والتأهيل والتخصص ودعمه بالإمكانيات اللازمة لذلك، فضلا عن إصلاح منظومة التشريعات الإدارية والوظيفية. وقد اناط الدستور بالنيابة الادارية كهيئة قضائية مستقلة التحقيق في كافة المخالفات المالية والادارية وحق مباشرة الادعاء التأديبي والطعون التأديبية امام محاكم مجلس الدولة، كما منحها سلطة توقيع الجزاءات التأديبية علي المسئولين متي ثبت ارتكابهم للمخالفات المالية او الادارية، فإذا كانت النيابة الادارية تحرص علي ملاحقة المخالفين و الفاسدين فإنها تحرص ايضا وبنفس القدر من الاهتمام علي حماية الشرفاء وبراءة ساحتهم متي اثبتت التحقيقات نزاهتهم واود ان اقول ان الفساد هو عدم وصول الخدمات العامة الي مستحقيها فهذا يعتبر خلل او فساد و دورنا مواجهة هذا الخلل بكل حزم . الدولة لديها إرادة جادة وحازمة في التصدي للفساد بشتي صوره والاصرار علي محاربته من خلال محورين الاول هو الجانب الوقائي من خلال وضع وسن تشريعات ناجزة في التصدي للفساد ومن اهمها اصدار قانون الخدمة المدنية وقانون الاستثمار ومحاولة إقرار نظام الشباك الواحد لترسيخ مبدأ الشفافية والنزاهة ، والمحور الثاني هو تفعيل دور الاجهزة الرقابية والهيئات القضائية المعنية بالتحقيق في المخالفات بشتي صورها ومتابعة أداء المرافق العامة في تقديم الخدمات للمواطنين، وتقوم النيابة الادارية بتطبيق القانون، والقانون محكوم بعقوبات محددة، اتمني ان يكون هناك جزاءات رادعة خصوصا وان الفساد قد انتشر وتعد العقوبات والجزاءات المنصوص عليها بالقانون غير كافية لردع او اقتلاع الفساد من جذوره،
أن إنشاء جهة قضائية مستقلة جديدة تضم المحاكم التأديبية والنيابة الإدارية باعتبارهما كياناً واحداً هو أمر يحقق المصلحة العامة فالدعاوى التأديبية دعاوى شبيهة بالدعاوى الجنائية ومن ثم من المنطقي أن يتم تنظيم الكيان القضائي الذى يتولى التحقيق و الفصل فيها على غرار القضاء الجنائية بما يوجب التبادل بين اعضاء النيابة الإدارية و قضاة المحاكم التأديبية وفق ذات القواعد التي تتبع في التبادل بين النيابة العامة و القضاء و النيابة العسكرية و القضاء العسكري اذ لا توجد نيابة في مصر لا ينقل اعضائها للعمل بالقضاء إلا النيابة الادارية و هو وضع خاطئ ان الأوان لتغييره .
أن إنشاء جهة قضائية جديدة ليس بدعة بل هو أمر واجب و ضروري لتحقيق العدالة الناجزة وهو ما فعله قضاة مصر الأوائل في منتصف القرن الماضي الذين لم يرفضوا تطوير القضاء و تحديثه بدعوى عدم المساس باختصاصاتهم التي كانوا يباشرونها فتم انشاء مجلس الدولة الذى باشر اختصاصات كان يباشرها القضاء العادي الذى كان ينظر كافة الدعاوى المدنية و الادارية و باشر اختصاصات اخرى كانت تباشرها هيئة قضايا الدولة .
أن إنشاء جهة القضاء التأديبي سيساهم في زيادة عدد المحاكم التأديبية و التوسع فيها بما يقضى على تأخر الفصل في الدعاوى التأديبية لمدد طويلة رغم أن القانون حدد مدة شهرين فقط للحكم في الدعوى التأديبية لتحقيق الاستقرار الوظيفي و هو ما لم يحدث بسبب قلة عدد قضاة مجلس الدولة المثقلين بأعباء المنازعات الادارية المختلفة التي تصل الى ملايين الدعاوى و يحقق الانضباط الوظيفي و الردع الخاص و العام و يبرئ ساحة الموظف المظلوم سريعا فينصرف الى اداء عمله بما يحقق مصلحة المرفق العام .
و لا يقدح ربط المسألة الديمقراطية بظاهرة الفساد في وجود عوامل أخرى وراء عالمية هذه القضية، مثل ثورة المعلومات التي جعلت من العالم قرية واحدة، وهو ما أدى إلى انتقالها عبر الحدود ، وباتساع رقعة التبادل التجاري بين الدول ارتبط الفساد بمختلف أشكال الجريمة المنظمة والجريمة الاقتصادية بما فيها قضايا غسيل الأموال .
وهو ما حدا بالمنظمات العالمية المعنية بدراسة ومكافحة الفساد بالتركيز على تنمية الأجهزة الحكومية في العديد من الدول بحيث يصبح بمقدورها مراقبة الحكومات ومحاسبتها من خلال التأكيد على تعزيز مبدأ الشفافية في التعامل، بجانب تسليط الضوء على الدور الرقابي للمؤسسات الشعبية ومؤسسات المجتمع المدني التي تأخذ من جانبها واجب الدفاع عن الحقوق المدنية والمسائلة والتقويم لدور الحكومات .
الدكتور عادل عامر
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً