الضرر من أهم عناصر المسئولية – الضرر لا يفترض – وجوب إثباته على من يدعيه – تعيين عناصر الضرر مسألة قانونية تخضع فيها محكمة الموضوع لرقابة محكمة التمييز – الحكم بالتعويض رغم إثبات الضرر وعدم بيان عناصر التعويض المقضي به يعيب الحكم
لما كان الثابت بالأوراق، وبتقرير الخبرة الفنية المودع بملف الدعوى المستأنف حكمها – رغم اعتراض المدعى عليه (المستأنف) عليه – قد أثبت على وجه القطع واليقين بأن المدعي (المستأنف ضده) لم يثبت إصابته بأي أضرار نتيجةً للتقايل عن عقد الاتفاق، ولم يقدم – سواء أمام الخبرة أو أمام محكمة أول درجة – أي دليل معتبر قانوناً للتدليل على إصابته بأية أضرار من أي نوع، ورغم ذلك، وعلى الرغم من أن الحكم المستأنف قد عول في قضائه على تقرير ذلك الخبير (الذي يعترض على مجمله المدعى عليه “المستأنف)، فإن الحكم المستأنف قد قضى للمدعي (المستأنف ضده) بمبلغ ـ/2,000 د.ك (ألفا دينار كويتي) تعويضاً نهائياً عن الأضرار المادية التي أصابت المدعي (المستأنف ضده)!!
وأسس الحكم المستأنف قضاءه فيما قضى به من تعويض على سند من القول بأنه:
(( وحيث إن المحكمة – وبعد مطالعتها لمستندات الدعوى – تطمئن إلى أن المدعى عليه [يقصد المدعي] قد أصيب بأضرار مادية ناتجة عن حرمانه من كامل حصته في الشركة، وكذلك ما فاته من كسب، الأمر الذي تقدر له المحكمة مبلغاً وقدره ـ/2,000 د.ك (ألفا دينار) تعويضاً نهائياً عن الأضرار المادية ))!!
لما كان ذلك، وكان الضرر – كأحد عناصر المسئولية – هو ضرر “واجب الإثبات”، وهو أهم عناصر المسئولية (سواء التقصيرية أو العقدية)، فإذا كان يتصور تحقق المسئولية بدون خطأ (كما في حالات الخطأ المفترض في مسئولية حراسة الأشياء الخطرة)، فإنه لا يتصور بحال قيام المسئولية بدون إثبات تحقق الضرر، كما إنه من المشترط كذلك أن يتناسب التعويض مع مقدار الضرر الذي لحق بالمضرور، فإذا لم يثبت الضرر أصلاً فكيف يتم تقدير التعويض إذن؟!!
وحتى مع ثبوت الضرر، وتناسب مقدار التعويض معه، فإن القاضي ملزم ببيان عناصر الضرر في حكمه بياناً مفصلاً، ولكن لا يجوز في جميع الأحوال القضاء بالتعويض استناداً إلى تخمين ظني أو افتراضات ذهنية لم تثبت ولم يقم الدليل المعتبر عليها، كما لا يجوز القضاء بالتعويض جملةً دون بيان عناصره التي بني عليها، لأن القاضي سيجد صعوبة في تقدير الضرر لعدم وقوفه على العناصر المكونة له؛ والتي يتعين بداية أن تثبت لديه حتى يتمكن من تقدير التعويض.
وعلى هدي ما سلف عرضه وبيانه، وكانت أوراق الدعوى قد خلت من ثمة دليل معتبر قانوناً على توافر وتحقق الضرر في واقعات النزاع، بل إن تقرير الخبرة ذاته – والذي عول عليه الحكم المستأنف في قضائه – قد أثبت عجز المدعي (المستأنف ضده) عن تقديم أي دليل معتبر قانوناً على ذلك، الأمر الذي يكون معه المستأنف ضده قد عجز عن إثبات الضرر وعناصره؛ مما كان يتعين معه على الحكم المستأنف أن يقضي برفض الدعوى؛ إذ إن الحق الذي لا يثبت دليله يضحى هو والعدم سواء.
إلا أن الحكم المستأنف قد افترض دون دليلٍ في الأوراق أن المستأنف ضده قد لحقته أضرار، ولم يبين ماهية الثابت في الأوراق التي عوَّل عليها في قضائه، ولا نعرف ما هي الأدلة في الدعوى التي حدت بالحكم إلى ترسيخ الاعتقاد بوقوع الضرر حينما أورد عبارة “إن المحكمة تطمئن إلى أن المدعي قد أصيب بأضرار” وهذه العبارة تعني القطع واليقين لدى محكمة أول درجة بشأن وقوع الضرر، وهو ما لا نجد له صدى بالأوراق والأدلة المقدمة في الدعوى، وإذ بنى الحكم المستأنف قضاءه على مجرد افتراض وتخمين دون دليل في الأوراق فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وشابه القصور في التسبيب ومخالفة الثابت في الأوراق التي خلت من ثمة دليل على تحقق وتوافر الضرر، مما يتعين معه – والحال كذلك – إلغاءه والقضاء مجدداً برفض الدعوى.
لا سيما وأنه من المقرر في قضاء محكمة التمييز: “المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أن الضرر يُعد ركناً أساسياً لقيام المسئولية العقدية، ولا يجوز افتراض وقوعه لمجرد إخلال أحد المتعاقدين بالتزاماته، ويقع على المضرور عبء إثبات هذا الضرر، ولمحكمة الموضوع استخلاص توافره أو عدم توافره إذا أقامت قضاءها على أسباب سائغة”.
[[ الطعن بالتمييز رقم 840 لسنة 2004 تجاري/1 – جلسة 17/10/2006م ]]
ومن المقرر في قضاء محكمة التمييز: “إن المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أن مناط الحكم بالتعويض عن الضرر المادي هو الإخلال بمصلحة مالية للمضرور، وأن يكون الضرر محققاً بأن يكون قد وقع بالفعل أو أن يكون وقوعه في المستقبل محققاً،ويقع على عاتق المضرور عبء إثبات توافره، كما أن لمحكمة الموضوع سلطة استخلاص توافر أو عدم توافر الضرر بلا معقبمتى أقامت قضاءها على أسباب سائغة”.
[[ الطعنان بالتمييز رقما 918 ، 921 لسنة 2004 تجاري/3 – جلسة 8/10/2005م ]]
كما تواتر قضاء محكمة التمييز على أن: “الضرر ركن من أركان المسئولية، وثبوته شرط لازم لقيامها، وعبء إثباته يقع على عاتق المضرور، وأن استخلاص توافر الضرر الموجب للتعويض أو عدم توافره وتقدير للتعويض هو ما يدخل في سلطة محكمة الموضوع بغير معقب إلا أن ذلك مشروط بأن يكون استخلاصها سائغاً ومستنداً إلى ما هو ثابت بأوراق الدعوى”.
[[ الطعن بالتمييز رقم 164 لسنة 2001 تجاري/2 – جلسة 11/5/2003م ]]
[[ الطعنان بالتمييز رقما 424 ، 430 لسنة 2001 تجاري/3 – جلسة 30/3/2002م ]]
وأخيراً، وليس آخراً، فقد تواتر قضاء محكمة التمييز على أنه:”ولئن كان تقدير التعويض الجابر للضرر من مسائل الواقع التي يستقل بها قاضي الموضوع، وأن له أن يقضي بتعويض إجمالي عن الأضرار التي حاقت بالمضرور، إلا أن ذلك مشروط بأن يبين عناصر الضرر الذي قضى من أجله بهذا التعويض، وأن يناقش كل عنصر فيها على حدة، باعتبار أن تعيين هذه العناصر هو من المسائل القانونية التي تخضع لرقابة محكمة التمييز”.
[[ الطعن بالتمييز رقم 78 لسنة 2005 مدني/3 – جلسة 19/4/2006م ]]
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً